في خطوة مسيئة لكل شخص ذو حس إنساني يرفض الإعلاء من شأن من
يدعم الظلم، قرر مديرو “مهرجان الجونة” هذا العام إسداء التكريم الرئيسي
لدورة المهرجان إلى الممثل جيرار ديبارديو. هذا الممثل الذي لا خلاف على
قوة تمثيله وأدائه، هو أيضا من أولئك الذين لا يمكن اعتبار اختياره لائقا
لمثل هكذا تكريم في مهرجان مثل الجونة.
على الرغم من ملاحظاتنا العديدة على مهرجان الجونة، شكلًا
ومحتوى، فنحن كنا وما زلنا نطمح إلى أن يكون هذا المهرجان وغيره واجهات
سينمائية حضارية وإنسانية مميزة لمصر ولكل العالم العربي.. وهذا على الأقل
ما كنا نتأمله عندما جرى أول إعلان عن تأسيس المهرجان منذ حوالي الأربع
سنوات.
“ديبارديو”
قام تكرارا بنشاطات فنية متنوعة في “إسرائيل” وذلك في ذروة حروبها القمعية
الوحشية ضد الشعب الفلسطيني. وهو قام بتمثيل ودعم إنتاج فيلم دعائي فج يدعو
عمليا يهود العالم “لإعادة اكتشاف جذورهم التاريخية في أرض الميعاد”. كما
ساهم منذ أقل من عامين بتسويق التوقيع على بيان تحريضي في فرنسا يعبق
برائحة الكراهية ضد كل من تسول له نفسه انتقاد الصهيونية وإسرائيل، وضد
الدين الإسلامي والجاليات الإسلامية والعربية في فرنسا. هذا البيان جعل في
الواقع من كل عربي ومسلم “مجرما وإرهابيا متهما حتى تثبت براءته”. وهذا
البيان جعل كل معاد للصهيونية، معاد لليهود.
بكل وضوح هذا البيان تعمد التجاهل التام للدور الدنيء الذي
اضطلعت به تاريخيا وحتى اليوم حكومات هذه الدولة الاستعمارية العريقة في
دعم الحركات السلفية والوهابية والدول الخليجية التي تمولهم، وتناسى دور
حكومات فرنسا لعشرات السنين في إطلاق وتنسيق كل أشكال الدعم الاستخباراتي
واللوجيستي لهذه المجموعات للقيام بتخريب العالم العربي وتشجيع التقاتل بين
ابنائه.
قد تقولون أن هذه وجهات نظر خاصة بشخص لا يجب مقاربته إلا
“كفنان”، وليس كرجل سياسة.
لكن إذا قبلنا جدلا بهذا النوع من الفصل المصطنع وغير
الواقعي بين الفن والسياسة، (على الرغم من أن ما أشرنا إليه سابقا تفوح منه
السياسة بأقصى روائحها)؛ وإذا سلمنا جدلا أننا لسنا في مجال مقاطعة كل فنان
عالمي ذهب أو عمل في “إسرائيل”؛ وإذا سلمنا أنكم تفضلون عدم الخلط بين
السياسة والفن(!!!)؛ فلماذا إذا هذا القرار والإصرار (السياسي بامتياز) يا
مديري مهرجان الجونة على إغداق التكريم الأهم في المهرجان على هذا الشخص
الذي لم يخف تعاطفه “السياسي” مع الصهيونية والدولة الأكثر فاشية وعنصرية
في عصرنا؟ وبالتالي لماذا لم تجدوا شخصا آخر لا خلفية سياسية له؟.
لا تقاطعوا، لكن لا تغالوا في غيكم فتكرموا وترفعوا من شأن
من لا يستحق التكريم.
ألم يعد هناك أحد آخر في العالم السينمائي ممن يستحقون هكذا
تكريم واحتفاء؟ ألم يعد هناك إلا أولئك الذين يقعون في غرام الدولة
الصهيونية؟.
إن هذه الدولة التي “يعشق” دي باررديو “تل أبيبها” هي نفسها
التي ما زالت شعوبنا في فلسطين وسورية ولبنان تعاني مباشرة وحتى اليوم من
هول ووحشية احتلالها وأفعالها. هذا في حين تعاني باقي دول منطقتنا من
العراق إلى اليمن إلى مصر إلى السودان إلى ليبيا إلى تونس إلى الجزائر إلى
المغرب من خبث مؤامراتها التي لا تنتهي لزرع الفتن والتقسيم وتكريس هيمنة
القوى الإخوانية على مقادير السلطة والحياة فيها.
هناك عشرات السينمائيين الجديرين بتكريمنا، ليس فقط تقديرا
لتميزهم الإبداعي وتفوقهم الذي يفرض احترامه في كل الأوساط السينمائية
الجدية في العالم، بل أيضا لمواقفهم الإنسانية الجريئة والمشرفة تجاه قضايا
الشعوب والطبقات المضطهدة والمهمشة في العالم. ومن هؤلاء من رفع لواء
التضامن والدعم مع الشعب الفلسطيني وشعوبنا العربية بكبرياء وعن قناعة وعلى
الرغم من العديد من الضغوط.
هؤلاء قاموا بما لم يعد العديد من “فنانينا” هنا يجرؤ على
القيام به. ونحن هنا لا نتكلم عن جيل الفنانة الكبيرة المناضلة “فينيسا
ردغريف” من ستينات القرن الماضي، بل عن باقة من ألمع مبدعي السينما
العاملين في قرننا الحالي، مخضرمين وحديثين نسبيا، وشباب مبدع وطليعي في
التعبير عن ارتباطهم بقضايا الإنسان والعدالة والسلام في العالم. من هؤلاء
مخرجين وممثلين وكتاب سيناريو وغيرهم ممن يشرفنا وجودهم معنا ووجودنا معهم،
ويستحقون بالفعل احترامنا وتكريمنا وتضامننا معهم، وكذلك احتفالنا
بإبداعاتهم السينمائية الفذة.
فعفوا يا مديري مهرجاناتنا السينمائية الموقرين: إن أزمتنا
ليست أزمة شح في إنسانية سينمائيي وفناني عصرنا. إنها في الواقع أزمة شح
الالتزام الإنساني لدى من فقد البصيرة وأعمته الانتهازية، فلم يعد يرى في
عالم الفن إلا مؤيدي دولة فاشية وعنصرية قامت على القتل والاضطهاد والسرقة
الكولونيالية الممنهجة لأراضي وممتلكات وحياة وحقوق شعب آخر.
اختياركم لتكريم “ديبارديو” يا مديري مهرجان الجونة هو
اختيار واضح في أهدافه: اليوم نأتي بصهيوني يجهل معظم الناس تاريخه
السياسي، ليصبح سابقة “تشرع” في المستقبل دعوة آخرين معروفين أكثر بتأييدهم
الدولة الصهيونية! وربما في المستقبل تضيفون بعض الأفلام الإسرائيلية؟!
كونوا على ثقة أن الشرفاء في مصر أكثر منكم بكثير،
وسيقاومون ألاعيبكم المفضوحة سلفا. ومن يقاوم هو المنتصر دائما.
(فيما
يلي أرفقت لائحة مختصرة جدا مع صور لفنانين سينمائيين مرموقين ومتميزين
عالميا ممن كانوا أيضا مؤخرا أو على مدار العقدين الماضيين في طليعة من وقف
مع حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في وجه الوحش الفاشي الصهيوني.
كتبت الأسماء باللغة الانكليزية حتى يسهل للباحثين القيام بمزيد من التدقيق
والتوسع في دراسة إنتاجهم الفني، وربما مواقفهم السياسية).
Viggo Mortensen
James Schamus
Laurie Anderson
Ken loach
Jean-Luc Godard
Mike Leigh
Danny Glover
Aki Kaurismaki
Alain Guiraudie
Andre Perez
Eva Marie Rodbro
Sean Penn
Benicio del Toro
Marc-Antoine Lemire
Cyprien Vial
Dang Campos
Fabia Castro |