"الرجل
الذي باع ظهره".. تلاقي عنيف بين عالمي اللاجئين والفن المعاصر
المخرجة التونسية تصوّر التلاقي العنيف بين عالَمَي
اللاجئين والفن المعاصر، في فيلمها الجديد الذي افتتح مؤخرا مهرجان
مونبيلييه الدولي لسينما البحر المتوسط في جنوب فرنسا.
بعد عرضه في مهرجان البندقية السينمائي في سبتمبر الماضي،
وتتويجه بجائزة أديبو كينغ للإدماج وجائزة أحسن ممثل التي ذهبت لبطله
الكندي من أصل سوري يحيى مهايني ضمن قسم “آفاق”، افتتح الفيلم التونسي
“الرجل الذي باع ظهره” لكوثر بن هنية مهرجان مونبيلييه الدولي لسينما البحر
المتوسط “سينيميد” في جنوب فرنسا، كما يستعد للمشاركة في الدورة الرابعة
لمهرجان الجونة السينمائي المزمع انطلاقه في الفترة الممتدة بين 23 و31
أكتوبر الجاري.
تونس
– “الرجل
الذي باع ظهره” هو خامس فيلم طويل في مسيرة المخرجة التونسية كوثر بن هنية
كتابة وإخراجا، والذي تحاول من خلاله تصوير الوضع السوري عبر رؤيتها الخاصة
للأحداث السياسية والاجتماعية عبر قصة شاب سوري اسمه سام علي، ينقش تأشيرة
“شينغن” على ظهره بعد هربه من وطنه سوريا إلى لبنان، حيث يلتقي برسام
أميركي يمكّنه من السفر إلى أوروبا.
ويستغل بطل الفيلم ظهره لعرضه في الفضاءات الفنية، حيث
يتعرّف على المسوؤلة عن تنظيم هذه المعارض ثريا والدي، التي تجسّدها النجمة
الإيطالية مونيكا بيلوتشي في أول ظهور لها في السينما العربية.
وكانت بيلوتشي قد زارت تونس في يوليو 2019 وصوّرت مشاهدها
في معرض فني في العاصمة التونسية، وهي التي أعلنت في وقت سابق موافقتها على
المشاركة في العمل بعدما شاهدت فيلم بن هنية “على كف عفريت” في مهرجان كان
السينمائي في نسخته السبعين.
ويلعب الدور الرئيسي في فيلم “الرجل الذي باع ظهره” الممثل
الكندي من أصل سوري يحيى مهايني، إلى جانب الممثلين الفرنسيين ديا أليان
وكريستيان فاديم والبلجيكي كوين دي بو والفنانة اللبنانية السورية دارينا
الجندي والتونسيين نجوى زهير وبلال سليم.
كوثر بن هنية: البضائع
يمكن أن تنتقل بحرية في العالم، ولكن ليس الأفراد
وتصوّر المخرجة الفرنسية التونسية كوثر بن هنية التلاقي
العنيف بين عالَمَي اللاجئين والفن المعاصر، في فيلمها الجديد الذي افتتح
مؤخرا مهرجان مونبيلييه الدولي لسينما البحر المتوسط “سينيميد” في جنوب
فرنسا.
وتبتعد بن هنية في قصة هذا الفيلم عن تونس لتتناول هذين
الموضوعين اللذين يهمّانها ويثيران شغفها.
وتروي بن هنية في الفيلم قصة سام علي الذي لم يولد “في
الجهة المناسبة من العالم”، إذ هو شاب سوري اضطر بعد تعرّضه للتوقيف
اعتباطيا إلى الهرب من بلده سوريا الغارق في الحرب، وأن يترك هناك الفتاة
التي يحبها ليلجأ إلى لبنان.
ولكي يتمكّن سام (أّدى دوره الممثل يحيى مهايني) من السفر
إلى بلجيكا ليعيش مع حبيبته فيها، يعقد صفقة مع فنان واسع الشهرة، تقضي بأن
يقبل بوشم ظهره وأن يعرضه كلوحة أمام الجمهور ثم يباع في مزاد، ممّا يفقده
روحه وحريته.
واستوحت بن هنية فيلمها من أعمال الفنان البلجيكي المعاصر
ويم ديلفوي الذي رسم وشما على ظهر رجل وعرض العمل للبيع. وقالت إن “البضائع
يمكن أن تنتقل بحرية في العالم ولكن ليس الأفراد”، حتى عندما يتعرّضون
لأبشع أشكال الاضطهاد.
وأكّدت بن هنية أنها حين انطلقت في كتابة الفيلم، كانت
مهتمة بآلية عالم الفن، فهو في نظرها عالم مذهل بالنسبة لها، ولديها وجهة
نظرها الخاصة حول الفن.
وتضيف “ماذا يعني الفن المعاصر اليوم؟ ولماذا يقتصر على
النخبة. لديك مجموعة من الأشخاص السعيدين والقادرين على دخول هذا العالم
الذي تحوّل إلى سوق يستثمرون فيه أموالهم. فهو أكثر وأكبر من مجرد فن. كنت
كذلك مهتمة للغاية بمصير أولئك اللاجئين في أوروبا. لذلك جمعت بين
الموضوعين اللذين شغلا تفكيري، ممّا أتاح لي فرصة مواجهة هذين العالمين
المتباعدين. نقيضان، لا يجمعهما إلاّ مخيلتك كفنان تروي هذه القصة. فماذا
لو أصبح اللاجئ البسيط جزءا من عالم الفن، هل نستطيع فهمه بشكل أفضل لأنه
لا يقدّم وجهة النظر الرسمية والمعتمدة؟ هكذا تحدث الأمور، فأنا لا أفكّر
بالمواجهة، وإنما أفكّر بالمواضيع التي تشغلني وتشدني”.
ومن المقرر أن تنطلق عروض فيلم بن هنية “الرجل الذي باع
ظهره” في دور السينما في 16 ديسمبر المقبل. وتنتمي كوثر بن هنية إلى جيل
السينمائيين التونسيين الشباب الذين نقلوا إلى الشاشة الكبيرة قضايا
مجتمعية وسياسية كانت محظورة لزمن طويل في ظل نظام الرئيس التونسي الأسبق
زين العابدين بن علي.
وأكّدت بن هنية أنها “متحمسة جدا لما يحصل في تونس” منذ
الثورة الشعبية عام 2011. وأضافت “في ظل الدكتاتورية، لم أكن لأستطيع
إطلاقا إخراج الأفلام التي أخرجها اليوم، والتي تحظى بدعم تونس”. ولاحظت أن
“تونس لا تزال في ورشة، وطبعا ثمة فوضى، فالبورجوازية تنزعج عندما يعبّر
عامة الشعب عن أنفسهم، لكنّ هذه التحوّلات هي المراحل الأكثر أهمية في
التاريخ”.
وتتعامل المخرجة وكاتبة السيناريو الأربعينية مع كل فيلم
جديد “وكأنه قصة حب”. وفي العام 2010، أخرجت عددا من الأفلام القصيرة،
فاختارت النوع الوثائقي في “الأئمة يذهبون إلى المدرسة”، ثم أخرجت “شلاّط
تونس” في العام 2014 وبعد سنتين “زينب تكره الثلج” عن الانتقال من الطفولة
إلى المراهقة، وقد صوّرته بين تونس ومقاطعة كيبيك الكندية.
وفي العام 2017 بلغت مرحلة مهمة ومصيرية في مسيرتها
السينمائية عندما حصد فيلمها “على كف عفريت” إعجاب الجمهور وتصفيقه الحاد
لدى عرضه ضمن قسم “نظرة ما” في مهرجان كان الدولي، ويستند العمل إلى قصة
حقيقية حدثت عام 2012 تعرّضت خلالها فتاة جامعية للاغتصاب على يد رجال
شرطة، وتكافح على مدى ليلة لتقديم شكوى في حقهم. بينما الجهة التي يفترض أن
تتلقى الشكوى وتحركها نحو القضاء هي ذاتها الخصم. |