أفلام أرشحها لك لمشاهدتها بمهرجان القاهرة السينمائي
د. أمل الجمل
ينطلق، مساء الأربعاء القادم، الموافق ٢٠ نوفمبر، حفل
افتتاح
مهرجان القاهرة السينمائي
في دورته الحادية والأربعين وسط تكريمات مصرية ودولية
مستحقة، وأنشطة واضحة، وبناء علاقات جديدة مع مؤسسات مصرية تبشر بجذب عدد
أكبر من الجمهور لمشاهدة الأفلام، خصوصاً بعد اتفاقية المهرجان مع جامعة
القاهرة، والتي أتمنى أن تتكرر مع جميع المؤسسات والجامعات والمعاهد الخاصة
والحكومية في القاهرة الكبرى ومحيطها ليُحقق المهرجان مردوده الثقافي
المرجو منه.
أتمنى أن تكون جميع الحفلات كامل العدد. لن أقول كما في
برلين وفينيسيا وكان، ولكن سأقول كما يحدث في كثير من حفلات الأفلام
بمهرجانات السينما بتونس والجزائر والمغرب.
ورغم أن مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة استحوذ
على حصة كبيرة من أهم الأفلام التي حققت شهرة بالغة بالمهرجانات الدولية
خلال عام ٢٠١٩، فلا يزال هناك العديد من الأفلام التي تستحق المشاهدة وستجد
لها فرصة بمهرجان القاهرة السينمائي في الفترة الممتدة من ٢٠ - ٢٩ نوفمبر
الجاري.
من تلك الأفلام التي أرشحها مجموعة من القسم الرسمي خارج
المسابقة، وفي مقدمتها أحدث أفلام تيرنس ماليك «حياة خفية» إنتاج ألماني
أمريكي، ١٣٧ ق.
الفيلم مقتبس عن واقعة حقيقية؛ إذ يرفض أحد الفلاحين
بالنمسا تقديم ولائه للنازيين والقتال ضمن صفوفهم خلال الحرب العالمية
الثانية فيتم اعتقاله، ويواجه عقوبة الإعدام، فيما تعاني أسرته الصغيرة من
غيابه.
كذلك أرشح لك أحدث أفلام المخرج الفلسطيني المعروف إيليا
سليمان - ١٠٢ ق- من الإنتاج الفرنسي الكندي الذي شهد عرضه الأول في مهرجان
كان السينمائي، ونال تنويهاً خاصاً هناك، ويحمل عنوان «إن شئت كما في
السماء».
بالفيلم نرى المخرج يسافر من الناصرة إلى باريس إلى
نيويورك، رحلة يتأمل فيها العالم بكل ما فيه من تشابهات غير متوقعة بين
وطنه فلسطين والأماكن الأخرى.
أما الفيلم الثالث الذي أرشحه للمشاهدة، فهو الحائز على
جائزة الأسد الفضي لأحسن مخرج بمهرجان فينيسيا سبتمبر الماضي، والذي يحمل
عنوان «عن الأبدية» من الإنتاج المشترك بين السويد وألمانيا والنرويج،
بتوقيع المخرج روي أندرسون صاحب الفيلم الشهير «حمامة تجلس على الغصن تتأمل
الوجود» الذي نال الأسد الذهبي عام ٢٠١٤ بمهرجان فينيسيا في دورته الحادية
والسبعين، والذي كان يعتبر «الجزء الثالث من ثلاثية أن تكون إنساناً» - كما
كُتب في أعقاب المشهد الأول بالفيلم - وهي الثلاثية التي بدأها المخرج
السويدي بفيلم «أغنيات من الطابق الثاني» عام ٢٠٠٠ الذي نال عنه جائزة لجنة
التحكيم في المهرجان الكاني، ثم تلاهه بفيلم «أنت... الذي تعيش» عام ٢٠٠٧.
ولمطالعة المزيد عن تحليل الفيلم يُرجى مراجعة مقالي بمصراوي بتاريخ ٤
سبتمبر ٢٠١٩.
في أحد حواراتي المطولة مع السيد/ انتشال التميمي، رئيس
مهرجان الجونة السينمائي، قال في ثقة أؤيدها تماماً: «هناك أفلام بالعالم
تكفي للمهرجانات العالمية الكبيرة، وللمهرجانات الدولية، وكذلك حتى
المهرجانات المتخصصة، لأن الإنتاج السينمائي بالعالم واسع جداً.
والمهرجانات العربية بالمنطقة قليلة. هناك خرافة تقول إن هناك عدداً كبيراً
من المهرجانات العربية، ولذلك يدب الصراع على الأفلام. من الطبيعي أن
تتواجد مهرجانات كثيرة لتُتاح فرصة لعرض الأفلام الدولية، لتجد هذه الأفلام
منصة للعرض، خاصة أننا في بلداننا لا نهتم بسينما التجربة».
أستعيد مقولة التميمي لأني أتمنى أن أجد كثيرًا من أفلام
التجارب بمهرجان القاهرة التي لم أشاهدها بالمهرجانات الدولية التي أحضرها،
وأتمنى أن يمتلك المهرجان القدرة على الاكتشاف، فلا يقتصر دوره فقط على
إعادة العرض، ويقدم المزيد من السينما التي تتسم بروح التجريب، ومن بين
الأفلام التي أرى أنها تندرج تحت سينما التجارب التي تستحق المشاهدة أرشح
لك فيلمين من داخل المسابقة الرسمية، الأول شريط روائي لبناني فرنسي شاهدته
في مهرجان فينيسيا وهو «جدار الصوت» - أو كما في عنوان الإنجليزي «كل هذا
النصر» - الفيلم تجربة لافتة، وأعجبني قدرة المخرج على أن تظل الكاميرا
حبيسة منطقة واحدة أغلب زمن الفيلم - مع ذلك لا نشعر بالملل أبداً - لينقل
لنا بقسوة ورهافة في آن واحد، ثقل الزمن ووطأة الشعور بالخوف من الموت الذي
تغرسه الحرب وذلك خلال عام ٢٠٠٦، عندما اشتعلت الحرب بين حزب الله
واسرائيل، فينتهز "مروان" وقفا مؤقتا لإطلاق النار كي يبحث عن والده الذي
رفض مغادرة قريته الجنوبية. تُكسر الهدنة ليجد نفسه محاصرًا وسط مجموعة من
أصدقاء والده العجائز. والفيلم من إخراج أحمد غصين.
كذلك أرُشح للمشاهدة تجربة الفيلم الوثائقي «احكيلي»
للمخرجة والمنتجة ماريان خوري، والذي نقف من خلاله على تطورات ماريان في
الإخراج، بعد أن توقفت منذ عدة سنوات. في جديدها تناقش ماريان أموراً
وقيماً عديدة كالأمومة والمسؤولية وتواصل الأجيال، ومعنى أن تكون فردًا في
عائلة، خاصة عندما تكون تلك العائلة قد أنجبت أشهر مخرجي السينما المصرية،
يوسف شاهين.
من داخل المسابقة الرسمية أيضاً، أرشح فيلمين أحدهما
فلسطيني، وسبب ترشيحي للفيلم هو الرغبة في متابعة مسيرة مخرجته نجوى نجار
التي حققت نجاحات عديدة ولافتة منذ تجاربها الأولى. الفيلم الجديد روائي
أيضاً، ويحمل عنوان «بين الجنة والأرض» - ٩٢ ق - من الإنتاج المشترك بين
فلسطين وأيسلندا، ولوكسمبورج. أما الأحداث، فتدور حول "سلمى" و"تامر"
المتزوجين منذ خمس سنوات ويعيشان في الأراضي الفلسطينية، المرة الأولى التي
يحصل فيها "تامر" على تصريح بدخول المناطق الإسرائيلية تكون من أجل تقديم
أوراق طلاقهما في المحكمة بالناصرة. في المحكمة، يفاجئهما اكتشاف صادم عن
ماضي والد "تامر".
أما الفيلم الرابع، فكان أحد الأفلام التي شاهدتها في
مهرجان كارلوفي فاري، وأعجبني وهو «ليتوانيا الجديدة» - ٩٧ ق - من إخراج
كاروليس كوبينيس. الفيلم مصنوع بهدوء وبراعة بأجواء سينمائية خالصة تتسم
بالبساطة والتلقائية والصدق.
تدور أحداثه أثناء الظروف المتوترة في ثلاثينيات القرن
الماضي والخوف من تبعات الحرب العالمية، عندها يقترح أستاذ جغرافيا ليتواني
متقشف وشديد التفاني والإخلاص في عمله فكرة تبدو جنونية: وهي تأسيس نسخة
جديدة من الدولة تكون بمثابة مستعمرة تصلح كملجأ في حالة وقوع أي خطر.
على صعيد آخر، بداخل مسابقة آفاق عربية عدد من الأفلام
للمخرجين والمخرجات العرب الذين يجب متابعة أعمالهم خصوصا من قبل النقاد
والمهتمين، لكن فيما يخص الجمهور العادي أرشح فيلم مروة زين «أوفسايد
الخرطوم»، شريط وثائقي - ٧٦ ق - من الإنتاج السوداني النرويجي الدانماركي،
شهد عرضه الأول بمهرجان برلين الماضي، وفيه تحكي مجموعة من الفتيات الشابات
في الخرطوم تجربتهن في تحدي الحظر المفروض على النساء من الحكم العسكري
الإسلامي للسودان، فيقررن تأسيس فريق كرة قدم نسائي احترافي، ويبذلن كل
المساعي للحصول على تصريح رسمي بتكوينه، وأثناء ذلك نتلقى إطلالة على ظروف
البلد وأوضاعه.
أختتم ترشيحاتي بفيلم من مسابقة أسبوع النقاد المقامة
بالتوازي بمهرجان القاهرة والمخصصة للأعمال الأولى أو الثانية لمخرجيها،
وهي المسابقة التي يترأسها الزميل أسامة عبد الفتاح. الفيلم من إنتاج
رومانيا بعنوان «اعتقال» للمخرج أندريه كوهن، شاهدته في عرضه العالمي
بمهرجان كارلوفي فاري بمسابقة شرق الغرب، أحد أجمل وأهم وأبشع الأفلام عن
القهر والتعذيب في ظل الحكم الديكتاتوري في رومانيا، خصوصاً في نهاية
ثمانينيات القرن العشرين، وذلك من خلال شخصية المهندس "دينو" الذي يتم
القبض عليه بينما كان يقضي وقتا ممتعا على أحد الشواطئ الرومانية بصحبة
زوجته وابنيه في أغسطس ١٩٨٣، ولأسباب مجهولة، يتم القبض عليه، ويتم إيداعه
زنزانة واحدة مع "فالي" الذي يتضح فيما بعد أنه ليس مجرد زميل محبوس. |