·
الاهتمام بملابس وإطلالات نجمات حفل الافتتاح طغى على جرعة
الإثارة والتشويق التي تضمنتها أفلام المهرجان
بروح تغلب عليها الحماسة، وعقلية إدارية طموحة، لا تخلو من
كياسة، وانضباط صارم، لم تغب عنه المرونة، انطلقت فعاليات الدورة الثالثة
لمهرجان الجونة السینمائي ( 19 - 27 سبتمبر 2019)؛ بعد ما آثرت إدارة
المهرجان ألا تتوقف طويلاً، عند الجدل التقليدي العقيم، الذي يتجاهل، عن
عمد وجهل، أبرز وقائع حفل الافتتاح، ولا يرى فيها سوى سجادة حمراء، تتبختر
عليها الفنانات، بملابس مثيرة، وإطلالة جريئة، تجعل منهن «نجمات في
العشرين» !
لم يتوقف أحد، مثلاً، عند الحفل المتواضع، الذي أخرجه طوني
قهوجي، وكان سبباً في إجهاض فقرة تكريم النجم العالمي مينا مسعود، سواء
بالتوظيف السيء للإضاءة، أو الاختيار غير الموفق لوقفته على خشبة المسرح،
فضلاً عن ترك الحبل له على الغارب، ليُلقي كلمة طويلة، ومملة، بالإنجليزية،
رغم التكثيف الجميل في كلمته العاطفية، التي ألقاها بالعربية، ثم قيامه
المفاجيء بمنح جائزة باسم مؤسسته الخيرية لفنانة مغربية تُدعى نسرين
الراضى، من دون التنويه إلى ذلك، قبل حفل الافتتاح، أو التعريف بالفنانة،
بشكل مُسبق !
لم يتوقف أحد، أيضاً، عند الإرهاق، الذي بدا عليه المخرج
الفلسطيني هاني أبو أسعد، وهو يهدي المخرجة الفلسطينية مي مصري، جائزة
الإنجاز الإبداعي، والارتباك الذي سبق ظهورها على خشبة المسرح، والتشويش،
بالألعاب النارية المُزعجة، على العرض، الذي قدمته فرقة «مياس» اللبنانية،
بالإضافة إلى تلعثم طاقم تقديم الحفل، لحداثة تجربتهم !
الخيال الجميل في فيلم الافتتاح
أما الطامة الكبرى في ما يتعلق بالتغطية الصحفية،
والإعلامية، لحفل إفتتاح الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، فتمثلت
في الانسحاب العجيب، والمُستفز، لغالبية الضيوف، الذين احتلوا مقاعد
المنطقتين المميزتين (1) و(2)، في مسرح مارينا، الذي شهد مراسم حفل
الافتتاح، من دون مشاهدة فيلم الإفتتاح «أد أسترا»Ad
Astra
؛ حيث بدت القاعة خاوية على عروشها، باستثناء عدد قليل للغاية، من الضيوف
الذين حرصوا على مشاهدة الفيلم، الذي انفرد المهرجان بعرضه قبل يوم من طرحه
في الصالات السينمائية الأمريكية، والتفرد الذي بدت عليه أحداثه، مُقارنة
بنوعية الأفلام، التي تتناول عالم الفضاء؛ فالفيلم المشوق، الذي قام
ببطولته النجم براد بيت مع المخضرم تومي لي جونز، من إخراج جيمس جراي، الذي
شارك في كتابة السيناريو مع إيثان جروس، لم يدر في فلك الأفلام، التي
تتناول الصعود إلى الفضاء بشكل تقليدي، ومكرر، وإنما قدم قصة مثيرة،
ومختلفة، عن «روي ماكبرايد» (براد بيت)، رائد الفضاء، الذي يُكلف بمهمة،
على غرار المهام الإستخباراتية، للسفر إلى الكوكب الأزرق «نبتون»، أحد
كواكب النظام الشمسي، من أجل استعادة والده «كليفورد ماكبرايد» (تومي لي
جونز)، رائد الفضاء البارز، الذي اختفى منذ أعوام طويلة، عقب مهمة فضائية
لتكريس نظام كوني جديد، وتشك مؤسسته، التي تعمل في مجال بحوث الفضاء، في
أنه مازال على قيد الحياة، وأنه هرب إلى الكوكب، في ما يُشبه «اللجوء
السياسي»، حسب الشائع في زماننا !
فيلم خلاق، مليء بالغموض، والتشويق، والإثارة، رغم اعتماده
على براد بيت وحده تقريباً، والأهم أنه يتبنى وجهة نظر فلسفية وجودية،
وربما موقفاً سياسياً أيضاً، بما يجعله فيلماً مثيراً للجدل، لكن شيء من
هذا لم يكن في حسبان «علية القوم»، من الضيوف، الذين غادروا قاعة العرض من
أجل اللحاق بحفل العشاء !
الإخوان المسلمون في فرنسا
مع إنطلاق اليوم الأول للعروض، تواصلت جرعة الإثارة،
والتشويق، التي فجرها فيلم الافتتاح؛ حيث استقبلت ست شاشات في مدينة
الجونة، بالإضافة إلى شاشة في مدينة الغردقة، في امتداد جغرافي مهم
للمهرجان، أفلام اليوم الأول، التي جاء على رأسها، من حيث أهمية الطرح،
الفيلم الفرنسي «البؤساء»
Les
Misérables،
الذي عُرض في قسم الاختيار الرسمي خارج المسابقة، ولم يفت مخرجه التنويه،
على لسان أبطاله، إلى «بؤساء» فيكتور هوجو، لكنه قدم معالجة مختلفة،
وناضجة، للرواية، عندما وصف أطفال وصبية هذا العصر بأنهم «البؤساء»، وألقى
باللائمة على جيل الأباء في ما يتعلق بانحرافهم، وتحولهم إلى أصوات غاضبة،
وتمردهم على النظام، واسقاطهم للرموز، من خلال «حدوتة» بسيطة، ومثيرة، في
ظاهرها، حول الضابط الذي ينتقل إلى مدينة جديدة، في ضواحي باريس، ليظل
بجوار ابنه من طليقته، وبانضمامه إلى وحدة مكافحة الجريمة، يكتشف حجم ما
يعتمل في صدور جماعات، وعصابات، عدة، من توترات وغضب، وتوظيف للدين من خلال
جماعة الأخوان المسلمين، التي تغسل عقول الأطفال والصبية، وتسعى
لاستقطابهم، كما تعمل على توسيع رقعة التعصب والتزمت، والانقلاب على
المجتمع الفرنسي، وإشاعة مناخاً من التخريب والفوضى !
فيلم يكاد يتحدث بلساننا، في مصر والمنطقة العربية، التي
تعاني سطوة، وتوحش، التيار الديني المتطرف، وربما لهذا السبب حظي بإعجاب
ملحوظ، وشهد عرضه في قاعة «أوديماكس»، بالجامعة الألمانية بالجونة، إقبالأ
كبيراً، واستحساناً أكبر .
الصوفية في السودان
قبل نهاية اليوم الأول للعروض كان الموعد مع فيلم «ستموت في
العشرين» (السودان، مصر، ألمانيا، النرويج)، إخراج أمجد أبو العلا، وهو
الفيلم الذي لفت إليه الأنظار بعد اختياره للعرض ضمن قسم «أيام فينيسيا»،
في الدورة ال 67 لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي، وفاز بجائزة «أسد
المستقبل»، التي تُمنح للعمل السينمائي الأول (للمخرج)، كما شارك في مهرجان
تورونتو السينمائي الدولي (5 - 15 سبتمبر )، وأحداثه مستوحاة من القصة
القصيرة «النوم عند قدمى الجبل» للكاتب السوداني حمور زيادة، ويقارب
النبوءة، في غموضه، وطزاجته، وأحداثه التي تحكي مأساة الطفل «مُزمل»، الذي
يُولد في قرية سودانية، بولاية الجزيرة، يسيطر عليها التيار الصوفي، الذي
يفتي أحد رموزه، بأن الطفل سيموت عندما يبلغ سن العشرين، وهي النبوءة التي
تُكدر صفو العائلة، فيهجر الأب القرية للعمل في أديس أبابا ثم ليبيا
والسنغال، ولا يعود، وتعيش الأم تنعي حالها، وحظها، بينما يعيش «مُزمل»،
الغربة داخل نفسه، وهواجسه، وسخرية أقرانه، منتظراً الموت، ومع ظهور
«سليمان»، المصور السينمائي المخضرم، في حياته، وقصة الحب التي يعيشها
و«نعيمة»، يُقبل على الحياة قليلاً، لكنه لا يفارق سلبيته، وعدميته،
وتشاؤمه، وخشيته من المصير الذي ينتظره . وعقب عرض الفيلم تباينت ردات
الأفعال حوله بين معجب بلغته البصرية، وفكرته الجديدة، وبين اتهامه، من قبل
البعض، ببطء الإيقاع، وإشاعة الشعور بالملل ! |