زينب عبداللاه تكتب ..لماذا نحب هنيدى؟
"إعارة
ياحاجة إعارة ..شربتى بانجو ولا لسه ياسعدية ..أراك توزع من مال أمك ..زق
معايا اليوم..وكمان راس حربة الله يمسيك بالخير يابيبو..وربنا لانيمك من
المغرب ياصين..مصارين البطن بتتعارك لكن عمرك شفت مصران بيطرد أخوه بره
البطن..أمى عملت ايه لما نجحت؟..عملت صينية بطاطس ياخلف"
كيف جعلنا محمد هنيدى نحفظ كل هذه الإيفيهات ، فلا يمر
موقف أو يوم إلا ونردد تلك العبارات التى نقشها فى عقولنا ورسخها فى
وجداننا ،كيف اقترب وتسلل بكل هذه السهولة واليسر إلى القلوب ليصبح وكأنه
يعيش بيننا ومعنا.
تجاوز هنيدى فكرة الممثل الذى يقدم عملا فنيا ناجحا وحسب
ولكنه تفرد بعدد من الصفات والمزايا التى تجعلك تراه صديق جمتكما العديد
من مواقف الكحرتة والإفلاس، وزميل طالما سهرت معه بحجة المذاكرة دون أن
تفتحا كتابا وطالما تحمل سخط وغضب والدك حين يناديك من أسفل شرفة منزلك،
وجار تراه يوميا يبحث عن فرصة عمل ويحلم بالسفر بعد خطوبة حبيبته لغيره،
وبلدياتك الصعيدى أو الفلاح القادم إلى القاهرة بفطرته وخفة ظله ومحاولاته
البريئة لإثبات أنه يواكب موضة العصر فى الملبس والتصرفات ، ومدرسك القروى
الذى يحمل مع أعبائه وعصاه حباً وإخلاصاً وتحمل له العديد من الذكريات
الجميلة قبل توغل آفة الدروس الخصوصية، وشقيق عروبتك الخليجى بلكنته وفطرته
وكرمه ، حتى أنك تراه أحيانا جارتك الثرثارة التى تستدرج أطفال المنطقة
لتعرف أسرار وأخبار الأمهات والأسر.
فى كل هذه الشخصيات لا تملك إلا أن تصدق هنيدى، أن تراه
حقيقيا ينقل لك صورة من الصور التى اختزنتها واختزنها فى ذاكرته وتكوينه،
معجون بالناس يعيش بينهم ومعهم ، يحفظ كل لزماتهم وتصرفاتهم وطريقتهم فى
الحياة.
هنيدى ابن البلد وحى امبابة الشعبى خفيف الظل التلقائى
الذكى الذى لم يتغير، يحمل كل عمل من أعماله جزءا من شخصيته وصفاته، هنيدى
الذى بدأ من الصفر وعانى الكثير وعافر مع عدد من أبناء جيله ليصل إلى فرصة
، حتى حانت فى مشاركة صغيرة بفيلم " اسكندرية ليه" للمخرج يوسف شاهين،
فتشثبث بها واجتهد وبنى عليها حتى لفت الأنظار فى كل عمل يشارك به وإن كان
دورا صغيرا، فكانت البدايات فى أفلام :" يوم حلو ويوم مر ، اسكندرية كمان
وكمان ، بخيت وعديلة، اسكندرية رايح جاى " ، فضلا عن بداياته المسرحية
ومشاركاته فى عدد من المسلسلات ، وبعد هذه الخطوات انطلق ليبدأ مشوار
البطولة النجومية والشهرة وتحقيق أعلى الإيرادات.
لم يتغير هنيدى ولم ينس رحلة الشقاء والمعاناة، لم يتكبر
على جمهوره أو زملائه، ظل محتفظا بنفس الروح والطباع والأخلاق، ابن البلد
خفيف الظل الذى يحفظ الود ويتبادل الضحك والقفشات مع الجميع ببساطة ودون
تكلف، وهو ما تراه واضحا بينه وبين جمهوره فى كل لقاءاته وعلى وسائل
التواصل الاجتماعى.
ينتمى محمد هنيدى لجيل فنى يجمع أبنائه صفات خاصة ومشتركة
وعلاقات طيبة وذكريات كفاح ونجاح حصنتهم ضد التكبر والغيرة والمنافسة الغير
شريفة ، يضم هذا الجيل علاء ولى الدين وعلاء مرسى وأشرف عبدالباقى وأحمد
حلمى وأحمد السقا ومحمد سعد وصلاح عبدالله وغيرهم، علمتهم أوقات المعاناة
والكفاح التى جمعت الكثيرين منهم أجمل معانى الوفاء ونزعت من نفوسهم أى
شبهة لكبر أو غل ، فسعى كل منهم لينجح بطريقته وعرف كيف يخلق لنفسه أسلوبا
وطريقا خاصا يميزه عن غيره، يفرح كل منهم لنجاح الأخر ولا يراه ينتقص من
نجاحه.
ظهرت العلاقة الخاصة بين أبناء جيل هنيدى فى مشهد تكريمه
مؤخرا فى مهرجان الجونة ، حيث حرص الفنان أحمد السقا على الحضور خصيصا
لتقديم الدرع لهنيدى صديق رحلة الكفاح والنجاح، ظهرت مشاعر الحب والفرح
والاحترام والود والدعابة بينهما على المسرح وكأنهما اختزلا معا أكثر من
عشرين عاما مضت، وكأنك ترى نفس الروح التى جمعت همام وأدريانو فى
فيلم"همام فى امسترام"، أو حسين وخلف فى "صعيدى فى الجامعة الأمريكية"
قال هنيدى للسقا كلمات تعبر عن مشاعر صادقة وحقيقية وتلخص
العلاقة بين أغلب أبناء هذا الجيل: " مفيش شكر بين الأخوات، وفرحتك باخوك
اللي شوفتها في عنيك أكبر من أي حاجة ،زي ما وقفنا في ضهر بعض في الافلام
هنفضل واقفين واقفين في ضهر بعض لآخر يوم في عمرنا، بحبك يا سقا"
وفى حوار سابق أجريته مع معتز ولى الدين شقيق الراحل الطيب
علاء ولى الدين تحدث عن تفاصيل علاقة هذا الجيل ، موضحا بداية هذه العلاقة
التى بدأت بين شقيقه علاء ورفاق جيله محمد هنيدى وعلاء مرسى وأشرف
عبدالباقى وصلاح عبدالله ومحمد الصاوى وغيرهم قائلا: «اتقابلوا لأول مرة فى
كافتيريا معهد الفنون المسرحية وهما بيقدموا، وتكونت بينهم صداقة قوية ،
كانوا بيتقابلوا فى المسارح والتليفزيون أثناء محاولاتهم دخول المجال
وبيساعدوا بعض»
وبامتنان وحب تحدث معتز ولى الدين عن علاقة هنيدى بشقيقه
الراحل ومودته لوالدته وأسرته بعد وفاته، وحرصه على التواصل معه حتى الأن ،
قال بالنص «الجيل ده أصدق جيل فى الوسط الفنى، بيحبوا بعض ويخافوا على بعض
وماحدش يقدر يوقع بينهم، أكلوا فول وطعمية على الأرصفة، واشتروا سجاير فرط
، تعبوا مع بعض وساعدوا بعض ونجحوا مع بعض»
أحدث هذا الجيل بأخلاقه وتميزه وكفاحه نقلة فى السينما بدأت
بفيلم إسماعيلية رايح جاى وما حققه من نجاح وإيرادات أكسبت هذا الجيل مزيدا
من الثقة والنجومية، وتوالت النجاحات التى لم تغير النفوس بل زادتها ثقة
وقوة ووفاءا.
تجسد أمامى هذا الوفاء حين انطلقت شائعة وفاة الفنان الكبير
حسن حسنى الأب الروحى لأغلب أبناء جيل هنيدى، يومها ذهبت مع زميلى محمد
أسعد لزيارة النجم الكبير والاطمئنان عليه، فكان هنيدى أول النجوم الذين
حرصوا على زيارته ، ترك بروفات المسرح وسارع إلى أبيه الروحى، فى لقاء ودى
يعبر بقوة عن كل معانى الوفاء والحب، قبل هنيدى رأس أبو النجوم "حسن
حسنى"،قائلا: ربنا يديك الصحة يا أبويا يا عم الناس، فرد الفنان الكبير:
«ياحبيبى انت واحشنى»، ليضحك هنيدى قائلا: «أنا هاعزل علشان أبقى جارك
وتشوفنى وأشوفك كل يوم واخد عمود الأكل وأنا رايح المسرح»
هذه هى خلطة هنيدى وسر نجاحه وتربعه فى قلوب الملاين، خلطة
تجمع بين الموهبة وأخلاق أولاد البلد وذكائهم ووفائهم وخفة ظلهم وبساطتهم ،
خلطة تخلو من الكبر والغرور والغل، ينجح بها الفنان ويساعد غيره على النجاح
ويفرح لنجاحهم. |