الفنان محمد هنيدي يعد من أبرز الفنانين الذين استغلوا
مواقع التواصل الاجتماعي لتعويض غيابهم الفني، وكان تفاعله المباشر مع
الجمهور عاملا مساعدا على إعادة رسم صورته.
اختتم مهرجان الجونة السينمائي، الجمعة، فعاليات دورته
الثالثة التي استمرت على مدار ثمانية أيام بمدينة الغردقة على البحر
الأحمر، واستطاع خلالها أن يحقّق نجاحا على المستوى التنظيمي وحَفل بالعديد
من الأفلام العالمية المتنوعة إلى جانب توسيع المشاركات العربية التي حظيت
بإشادات ومتابعات كبيرة، ما شكّل عنصر جذب ناجح للمهرجان المصري الوليد، في
وجود عدد كبير من الفنانين المصريين والعرب الذين أضحوا حريصين على الذهاب
إلى الجونة.
الغردقة (مصر)- حرصت
إدارة مهرجان الجونة السينمائي هذا العام على استمرار الزخم الذي صاحب
انطلاقه قبل عامين، ما انعكس على استضافة أسماء تلقى قبولا جماهيريا بما
يدعم تثبيت أركان المهرجان. وفضل الفنان الكوميدي المصري محمد هنيدي، صاحب
الشعبية الواسعة والفائز بجائزة الإنجاز الإبداعي، أن يكون تكريمه في ختام
المهرجان.
الكوميديا والمهرجانات
قال محمد هنيدي في حواره مع”العرب” إن هذه الجائزة تمثل
شرفا كبيرا بالنسبة إليه، لأنه حصل عليها بعد اثنين من عمالقة السينما، هما
عادل إمام في الدورة الأولى، وداود عبدالسلام في الثانية، وسيظل لها مذاق
مميز بالنسبة إليه، لأنه تسلمها من صديق الكفاح النجم أحمد السقا، وستشجعه
على تقديم الأفضل.
وأضاف أن مهرجان الجونة استطاع أن يقدّم جرعة فنية مصرية
وعربية متميّزة، وتمكّن من إثبات قدرة القائمين عليه ليكون متجددا ما يعطيه
القدرة على أن يكون الأهم في مصر والمنطقة العربية، لافتا إلى أن ذهاب
التكريم إليه هذا العام باعتباره فنانا كوميديا لا يحدث كثيرا، الأمر الذي
يجعل التكريم إضافة لتاريخه الفني.
ويتم تكريم الكوميدي غالبا بعد سنّ معينة أو بعد رحيله، كما
أن مشاركة الأفلام الكوميدية في المهرجانات قليلة للغاية إن لم تكن نادرة،
لرؤية بعض المهرجانات أن هذه الأفلام أقل درجة من الأفلام الجيّدة،
وبالتالي لم تأخذ حيزا كبيرا في المهرجانات السينمائية رغم إقبال الجمهور
عليها كنوع من الترفيه.
هنيدي يرى أن تطوّر الأزمان ينعكس على تطوّر فناني
الكوميديا
وكان الإعلان عن تكريم محمد هنيدي مثار انتقاد العديد من
الدوائر الفنية، لعدم تحقيق أفلامه الأخيرة إيرادات كبيرة، ولم يتصدّر شباك
التذاكر منذ سنوات، كما أن المستوى الفني لتلك الأفلام شابه العديد من
المشكلات، وتعرّض للنقد اللاّذع من قبل بعض النقاد الفنيين.
ويبرّر هنيدي غياب فناني الكوميديا عن منصات التكريم، قائلا
“في السنوات الماضية كان يجري طرح الأفلام الكوميدية تجاريا في موسم الصيف،
ولا يجوز الاشتراك في المهرجانات التي تكون لاحقة في حالة عرضها جماهيريا،
لكن رغم تلك القيمة الحقيقية فإن الكوميديا لن تختفي ولن يختفي إقبال الناس
عليها، ومع التطوّر نجد أن الأفلام الكوميدية الكبيرة ذات ميزانية مرتفعة،
ومتميزة من ناحية الموضوعات”.
وتابع “في الفترات الماضية كان البعض يرى أن الأفلام
الكوميدية خفيفة أما الآن فقد أصبحت مهمة، ممّا لفت الأنظار لتكريم نجومها،
وعادة ما كان يقال إن الكوميدي يتم تكريمه من قبل جمهوره، لكن هذا لا يغفل
الدور المهم للنقاد وصناع المهرجانات أن يلتفتوا إلى هذا الفن بشكل عام
ولنجومه”.
لم يكتف مهرجان الجونة بتكريم هنيدي عن مشواره الفني، بل
قام بعرض فيلم كرتوني له تم الانتهاء منه منذ 20 عاما وهو “الفارس
والأميرة”، ضمن قسم الاختيار الرسمي خارج المسابقة، ويقدّر عدد المشاركين
فيه بنحو 300 رسام ومصمّم، ومدته 96 دقيقة.
ويشارك هنيدي في بطولة الفيلم بالأداء الصوتي العديد من
الفنانين بينهم: مدحت صالح ودنيا سمير غانم وماجد الكدواني وعبدالرحمن
أبوزهرة وعبلة كامل ولقاء الخميسى، بالإضافة إلى الراحلين سعيد صالح وأمينة
رزق، عن سيناريو وإخراج بشير الديك، ورسوم فنان الكاريكاتير الراحل مصطفى
حسين.
ويشير الفنان المصري لـ”العرب”، إلى أن عرضه في دورة هذا
العام مثّل مفاجأة كبيرة بالنسبة إليه، بسبب عدم اهتمام المهرجانات في مصر
بمثل هذه النوعية من الأفلام، غير أن هنيدي يرى أن تحقيق الفيلم للعديد من
ردود الأفعال الإيجابية يدفع صناع السينما إلى الاهتمام أكثر فأكثر
بالأعمال الكرتونية.
ويلفت الانتباه إلى أن مفهوم أفلام الكرتون في الزمن القديم
يخصّص فقط للأطفال، وبالتالي فإن هذه النوعية من الأفلام ظلت محصورة في
منطقة معينة لا تخرج منها، والأمر الآن أصبح مختلفا، فهو يتمتع بنسب مشاهدة
مرتفعة من جميع الفئات، ويتمنى أن يكون هذا العمل بداية جيدة لسلسلة طويلة.
العديد من الأعمال الكوميدية القديمة مازالت تضحك الجمهور
لما تتضمنه من موضوعات تهم الناس الآن
وينطبق الأمر أيضا على الكوميديا، لأن هنيدي يرى أن تطوّر
الأزمان ينعكس على تطوّر فناني الكوميديا، وأن الأجيال الجديدة من راسمي
البهجة على وجوه الجمهور تتمتع بخفة ظل كبيرة، وأن اختلاف الطريقة لا يفسد
للكوميديا قضية، وهو شخصيا يهتم بأن الفيلم منذ كتابة السيناريو الخاص به
يستحوذ على اهتمام الناس حتى يعيش معهم، بعيدا عن الإفيهات الخفيفة،
فالسيناريو هو الأهم لمواكبة كل العصور.
ومن وجهة نظر الفنان المصري، فإن الدليل على ذلك أن هناك
أعمالا كوميدية قديمة ما زالت تضحك الجمهور لما تتضمنه من موضوعات تهم
الناس، ولم تكن لحظيّة فقط، بالإضافة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت
في ذلك وأصبح هناك نوع جديد من الضحك بدليل حب الجمهور لهم، ونجاح أفلامهم
في تحقيق أعلى الإيرادات.
ويضيف هنيدي “النجومية حاليا أسرع في ظل مواقع التواصل
الاجتماعي وتعتبر سلاحا ذا حدين، فمن الممكن أن تتعرض للسقوط سريعا أيضا،
لكن على الجانب الآخر فإن نجاحها يجعلها محفورة في أذهان الجمهور، والأهم
أنها تعني الالتزام وهي قاعدة تعلمتها من الجيل القديم، فهناك من يرى أن
النجومية انتظار الجميع لك، لكن هذا خطأ، فالنجم والمخرج هما أهم اثنين في
موقع التصوير، وإذا تأخرا سيتفكّك العمل”.
تعويض الغياب
يعدّ محمد هنيدي من أبرز الفنانين الذين استغلوا مواقع
التواصل الاجتماعي لتعويض غيابهم الفني، وكان تفاعله المباشر مع الجمهور
عاملا مساعدا على إعادة رسم صورته أمام الفئات الشبابية الصاعدة التي لم
تكن حاضرة أثناء تحقيقه نجاحات فنية كبيرة قبل بداية الألفية الجديدة، وهو
ما نجح فيه بعد أن أضحى من أشهر فناني الكوميديا على موقع تويتر.
وشهدت السنوات الأخيرة إخفاق أفلام هنيدي وعدم قدرته تحقيق
إيرادات عالية في شباك التذاكر عكس المعتاد، حيث لم يتمكن من تصدّر المشهد
السينمائي، غير أنه برّر ذلك بتأكيده أن مسألة الإيرادات حاليا لها ظروف
كثيرة، ولا يتم حسمها من خلال جودة العمل فقط.
ويضرب هنيدي مثالا بفيلمه “يوم مالوش لازمة” قبل أربع
سنوات، فمن وجهة نطره يعدّ من أفضل ما قدّمه، غير أن طرحه في الوقت الخاطئ
تسبّب في سقوطه من سباق الإيرادات، واعترف في الوقت ذاته بأن آخر أفلامه في
العام 2017 “عنتر ابن ابن ابن شداد” كان به بعض الأخطاء ما تسبّب في عدم
تحقيق النجاح المطلوب، ما يجعل تلك الانتكاسات لا تعدّ خطوة فشل في تاريخ
الفنان بقدر ما هي خطوة يتعلّم منها ليتفاداها في المستقبل، فالإيرادات لم
تكن ثابتة فهي بين الصعود والهبوط.
ويعتبر الفنان محمد هنيدي أكثر من جذبت أفلامهم الجمهور
لسنوات طويلة بل وارتبط بها، ومنها فيلم “صعيدي في الجامعة الأميركية” الذي
يعتبر من أكثر الأفلام التي حقّقت إيرادات في تاريخ السينما المصرية، وشارك
فيه عدد كبير من النجوم منهم أحمد السقا وهاني رمزي ومنى زكي وغادة عادل
وطارق لطفي، ويطالبهم الجمهور بإنجاز جزء ثان بعد مرور 20 عاما من إنتاجه.
ويؤكد الكوميدي المصري أن موضوع الجزء الثاني ليس هيّنا على
كاتب السيناريو، بل هو صعب للغاية، لأن كل عناصر فريق العمل أصبحوا نجوما
كبارا الآن، ولا بد أن يفصّل كل دور على صاحبه حتى يظهر في أفضل جودة
ويوازن الأمور ليحقّق النجاح الكبير مثل الجزء الأول. وهو يستعد حاليا
للجزء الثاني من مسلسل “أرض النفاق” حيث تحمّس لتقديمه بالتعاون مع المنتج
جمال العدل والمخرج ماندو العدل، بعد نجاح الجزء الأول.
ومع أن الجميع يتّفق على أن الكوميديا من أصعب الفنون لأنها
تقوم على إضحاك المشاهدين، وهي مسألة تحتاج جهدا كبيرا، غير أن محمد هنيدي
يرى أنه من الصعب عليه أن يقدّم أدوارا تراجيدية، لأن الفنان الكوميدي
يستطيع إضحاك الناس، لكن التراجيدي يحتاج جهدا مختلفا، وهذا ما حاول تقديمه
من خلال أعمال مثل فيلم “رمضان أبو العلمين حمودة” الذي بكى فيه وتأثّر،
لكن لا يفضل تقديم عمل تراجيدي بالكامل.
كاتبة مصرية |