عرض فيلم ستموت في العشرين للمخرج السوداني أمجد أبو العلاء
في مهرجان فينسيا السينمائي وبعدها في مهرجان تورنتو، والآن في مهرجان
الجونة السينمائي ليحظى بجائزة لويجي دي لورينتيس من البندقية الجائزة
التي تعطى لأفضل عمل سينمائي أول، وينافس في الجونة على النجمة الذهبية.
ستموت في العشرين هو الفيلم الطويل الأول لمخرجه، والفيلم
الروائي الأول منذ عقود في السينما السودانية، وهو مقتبس من قصة “النوم عند
قدمي الجبل” للكاتب حمور زيادة.
تدور أحداث الفيلم في إحدى القرى السودانية، حيث تأخذ الأم
“سكينة” رضيعها إلى الشيخ حتى يباركه، لكن بدلًا من ذلك يتنبأ له بالموت في
سن العشرين، لتعيش عائلة الرضيع في وضع انتظار الموت حتى يبلغ العشرين.
عندما يصبح الموت البداية
عاش مزمل في ظل شبح الموت منذ وعى الدنيا، ارتدت الأم
ملابس الحداد عليه، وهجره الأب خوفًا من الحزن، ليكبر وهو حي ميت بالفعل،
فاقد القدرة على الاستمتاع بالحياة، في ظل نبؤة شيخ ذهب بعدها دون أمل في
أن يغير ما قاله، وجدار تخط عليه والدته علامات تسجل عبرها مرور أيامه.
يناقش الفيلم فرضية معكوسة، فنحن نعلم منذ البداية أن هناك
نهاية أمامنا، الموت لا شك فيه، لكن بصورة غريزية نتناساه، حتى نستطيع
الحياة، فهو سيف مسلط على رقاب الجميع، لكنه سيف نختار عدم رؤيته، ويعيننا
على ذلك الحقيقة الثانية التي تأتي معه، وهي أننا لا نعلم موعد لقاءه.
لكن في حال مزمل بطل فيلم ستموت في العشرين يعلم الموعد
المحدد لهذا اللقاء، يعيش تحت سحابته طوال الوقت، فعلى الرغم من أن أي شخص
قد يموت في أي لحظة، فأن حتمية اللقاء في الموعد المحدد خاصة مع اقتران هذه
الحتمية بالإيمان الديني للبطل وعائلته هو المحور الأساسي الذي دار حوله
الفيلم وشخصياته.
مزمل بطل فيلم ستموت في العشرين محاط بأربع شخصيات رئيسية،
يمثلون الجانبين الذين يتنازعان على امتلاكه، الموت والحياة، فالأب والأم
رمزان للموت بإيمانهم بحتمية فقدان الابن الوحيد، يعبران عن حبهما بخليط من
اللوعة والتسليم، فيعدان له الكفن المطيب بالمسك، ويختاران مكان قبره
بعناية، بينما يتذوق مزمل الحياة على يد الحبيبة نعيمة التي تفعل الشيء
الوحيد المحرم على الجميع القيام به، وهو تخيل مستقبل لحبيبها غير الموت،
ترغب في منزل وأطفال بكامل تفاصيلهم، بينما يأخذه الصديق العجوز سليمان من
يده ليعرفه على حياة أخرى من الدنيا بجانب القبر والمسجد، يريه لأول مرة
صور لعالم مختلف عن قريته، وفن السينما الذي لم يكن يتخيل وجوده، يرفض
تعامله مع نبؤه موته، يدفعه دفعًا حتى يشتبك بالحياة.
وبين الجانبين مزمل حائر، ومن الجانبين هو كذلك خائف،
بالتأكيد يخشى الموت، لكن بذات القوة يخاف الحياة والتعلق بها مع التهديد
بفقدانها.
ولكن يشعر المشاهد بافتقاد علاقة مهمة في الفيلم، وهي علاقة
مزمل بربه، فالشاب يحفظ القرآن بالكامل ولا يتفوق على كل أقرانه فقط في
ذلك، ولكن على كل أهل بلدته، لكن على الجانب الآخر لا نعلم هل فعل ذلك لأنه
النشاط الوحيد المسموح له؟ أم لأنه يرغب في التهيؤ للقاء الله بحفظ آياته؟
أليس هناك أي سخط خفي على إلهه الذي قدر له هذا القدر المخيف؟ هل استسلامه
لقدره ينبع من إيمان أم ضعف؟ ما هو إنطباعه ومدى تصديقه وتشكيكه في في نبؤة
الشيخ؟
رأينا ذلك بوضوح لدى الشخصيات الأخرى، الأم والأب المصدقان،
سليمان المكذب للنبؤة، لكن مزمل نفسه شخصية ليست إيجابية أو واضحة بما فيه
الكفاية لنعرف رأيه -وهو الأهم- في الفيلم بأكمله، وذلك يرجع لخلل في رأي
برسم الشخصية الرئيسية.
يترافق ذلك مع الأداء الضعيف من مصطفى شحاته لشخصية مزمل،
على عكس أداءات أفضل في الفيلم على رأسها “إسلام مبارك” في دور الأم سكينة،
و”محمود السراج” في دور سليمان العجوز البوهيمي في القرية السودانية.
اضطرابات في الزمان والمكان
واحدة من أكبر مشاكل فيلم ستموت في العشرين هو اضطراب
المكان والزمان فيه، فلا نعلم الزمن الذي دارت به الأحداث بالضبط، وذلك من
الممكن أن يكون مقبولًا لكن غير المقبول هو وجود اختلافات في الزمان
والمكان مربكة للمشاهد.
فعلى سبيل المثال يعيش مزمل ووالدته في منزل قديم، لا تبدو
عليه أي من مظاهر التحضر نهايئًا، حوائطه من الحجارة الخشنة، ولا توجد أي
علامات على دخوله الكهرباء، بينما لا نجد ذلك في منزل سليمان، الذي يمتلك
راديو، سرير خشبي، وجهاز عرض سينمائي، لو أفترضنا أن ذلك بسبب تمدن سليمان
وسفره المستمر، ذلك لا يتسق كذلك مع منزل حبيبة مزمل نعيمة، التي نرى على
جدران غرفتها صورة من مسلسل “حريم السلطان” إذًا نحن لسنا فقط في وقت معاصر
من الآن، ولكن كذلك تمتلك نعيمة رفاهية وجود كهرباء وتلفزيون وقنوات فضائية
لمتابعة المسلسلات التركية، ولا توجد أي إشارات على أن نعيمة من عائلة غنية
بحث نفترض أنها تمتلك هذه الامتيازات بسبب ذلك.
والأهم أن نعيمة تعلم ما هو التلفزيون والمسلسلات، بينما
يتعامل مزمل مع فكرة السينما والصور المتحركة من الأساس على أنها معجزة ما،
وينبهر لمشاهدة صور النجمات السينمائيات، كما لو أن الشخصيتان لا تعيشان في
عالم واحد، فمن المنطقي أن يعرف مزمل عن هناك ما يدعى سينما وتلفزيون طالما
أن حبيبته تعلم عنهما حتى لو لم يمتلك رفاهية امتلاك تلفاز في منزله!
صورة وموسيقى يحكيان قصة الموت والحياة
يعوض الارتباك السابق، وبعض المشاكل في رسم شخصيات الفيلم
كل من الصورة وشريط الصوت، الفيلم من تصوير سبستيان جوفيرت، الذي صنع صورة
مثالية لفيلمه، استغل فيها الإضاءة الطبيعية في أغلب المشاهد، والتواجد في
طبيعة مختلفة، حتى لساكني باقي القاهرة الإفريقية، فحتى النيل يبدو في
الفيلم بصورة بكر مختلفة وقوية تدعم وجوده كواحد من أهم مصادر خوف مزمل
والتهديد الأكبر على حياته.
وتعاون كل من مدير التصوير والمخرج على أن يكون الفيلم
بصورة مميزة، خاصة في المشاهد التي تبرز بعض مظاهر الثقافة السودانية في
هذه المنطقة، وكذلك تعويض قلة الحوار في بعض المشاهد بالصورة، وهو المطلوب
بالتأكيد في الوسيط السينمائي، أما الموسيقى فهي من أمين بوحافة وجاءت
لتضيف المزيد من الشجن. |