أفلام لا تفوتك في "الجونة 3"
بقلم: أسامة عبد الفتاح
** تحف من كوريا الجنوبية وفرنسا وجديد كين لوتش وبدرو
ألمودوفار في الاختيار الرسمي خارج المسابقة
تُفتتح بعد غد الخميس الدورة الثالثة من مهرجان الجونة
السينمائي، وفيها تواصل إدارته الفنية ما بدأته خلال الدورتين السابقتين من
اختيار عدد كبير من الأفلام الحاصلة على جوائز المهرجانات السينمائية
الكبرى خلال العام، ليتحول "الجونة" بحق إلى فرصة سنوية لمشاهدة تلك
الأفلام المهمة لمن لا تُتاح لهم فرصة حضور تلك المهرجانات.
وفي السطور المقبلة أرشح عددا من الأفلام التي لا يجب أن
تفوت جمهور مهرجان الجونة، والذي أتمنى ألا يقتصر على المدعوين والضيوف
القادمين من القاهرة، وأن يشمل سكان وزوار الجونة والغردقة والمحافظات
المجاورة، علما بأن جميع الأفلام التي أرشحها من قسم الاختيار الرسمي (خارج
المسابقة)، المخصص للأعمال الحاصلة على تقدير النقاد وجوائز لجان التحكيم
في المهرجانات الكبرى، على أن تكون لنا مع أفلام المسابقة الرسمية وقفة
أخرى.
في المقدمة، بلا منازع، الفيلم الكوري الجنوبي "طفيلي"،
للمخرج "بونج جوون هو"، الفائز بالسعفة الذهبية بمهرجان "كان" السينمائي
الدولي في مايو الماضي، وهو – دون مبالغة – تحفة فنية حقيقية، ويُعد صرخة
ضد المجتمعات الرأسمالية، والتفاوت الكبير بين الأغنياء والفقراء فيها، وضد
الطبقية في كوريا الجنوبية وغيرها بطبيعة الحال.
وتكمن الأهمية الحقيقية للفيلم في أنه "عابر للنوع"، لا
يخضع لأي تصنيفات سينمائية تقليدية.. فيمكن اعتباره كوميديا رغم هدفه
السياسي الذي أشرت إليه، كما لا يخلو من الرومانسية والدفء العائلي للفيلم
الاجتماعي، والعنف الشديد الجدير بأفلام الأكشن.. إنه – باختصار – انعكاس
لعبث المجتمع وجنونه.
وهناك تحفة أخرى من فرنسا بعنوان "البؤساء"، الذي يرتقي
لمستوى شديد التميز رغم كونه العمل الطويل الأول لمخرجه لادج لي.. والفيلم
ليس له علاقة مباشرة بـ"بؤساء" فيكتور هوجو، لكنه ينطلق من إحدى عبارات
هوجو (ليس هناك نبات سيء، ولا رجال سيئون، ولكن هناك مزارعون سيئون) ليقدم
رصدا آنيا جدا ومتوهجا ومفعما بالحيوية والخشونة لباريس اليوم، من خلال
مواجهة بين ثلاثة من رجال الشرطة وعصابات و"صبيان" حي "مون فرماي"، الذي
نشأ فيه المخرج، والذي دار على أرضه جزء كبير من أحداث رواية هوجو قبل 150
عاما.
وقد حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في "كان" مناصفة مع
الفيلم البرازيلي "باكوراو"، إخراج كليبر مندونشا فيلهو وجوليانو دورنيلس،
والذي أرشحه هو الآخر، وإن كان هذا التساوي أو التقاسم بينهما في الجائزة
ظالم في حد ذاته لأن الفارق بين العملين كبير لصالح شريط "لادج لي" الممتاز
والمبهر.
كما أرشح فيلم "ألم ومجد"، جديد المخرج الإسباني الكبير
بدرو ألمودوفار، الذي لم يخيب هنا الآمال كما فعل عام 2016 في فيلم
"خولييتا"، بل قدم عملا جميلا وضع فيه خلاصة خبرته الطويلة، ومزج بشكل
موضوعي وتقني رائع بين حاضره وطفولته، وعلاقته في ذلك الوقت مع أمه، وأزمته
الخاصة، في بناء لا يقيمه سوى مخرج كبير.
يرصد الفيلم برهافة وصدق شديدين أزمة مخرج سينمائي يتراجع
على جميع المستويات، سواء لمرضه أو لإحساسه بأنه لم يعد لديه ما يقدمه، وهي
شخصية صعبة ومركبة جسدها النجم أنطونيو بانديراس ببراعة، فيما أدت دور الأم
بنعومة واقتدار النجمة بنيلوبي كروز. ورغم فوز بانديراس بجائزة أفضل ممثل
في "كان"، إلا أنني أرى أن لجنة التحكيم تجاهلت ألمودوفار، الذي كان يستحق
الحصول على إحدى جائزتي الإخراج أو السيناريو.
وهناك فيلم "عفوا، لم نجدكم" للمخرج البريطاني الكبير كين
لوتش، وهو من أفضل وأهم أفلامه خلال السنوات الأخيرة، وفيه يثبت مجددا أنه
أستاذ الدراما الاجتماعية، التي تظل تتصاعد وتتصاعد حتى تبلغ ذروة كاشفة
تنتصر دائما للإنسان وتدين المجتمعات الرأسمالية المادية.. هنا يوميات أسرة
إنجليزية تكافح من أجل حياة كريمة في مجتمع مادي قاس لا يشعر بها، بل
يقمعها ويدوس عليها، من خلال أب يعمل سائقا في شركة لتوصيل الطرود وأم تعمل
جليسة لكبار السن، وتُضاف لأزماتهما المادية ومتاعبهما في العمل مشكلات
ابنهما المراهق الذي يرفض الانتظام في الدراسة. ومن العجيب حقا عدم ذكره في
لائحة جوائز "كان" على الإطلاق.
وأرشح أيضا فيلم "الحياة الخفية لأوريديس جسماو"، إخراج
كريم عينوز، الفائز بالجائزة الأولى بمسابقة "نظرة ما" الرسمية بمهرجان
"كان"، والذي يستعرض – بعذوبة شديدة – أزمة أختين متلازمتين تجبرهما الظروف
والأزمات على الانفصال في خمسينات القرن الماضي بمدينة ريو دي جانيرو
البرازيلية.. وفيما تحتفظ كل منهما بحلمها الخاص، يظل حلم واحد يجمعهما: أن
توحد بينهما الحياة مرة أخرى.
وهناك أخيرا فيلم "الخائن"، للمخرج الإيطالي ماركو
بيللوكيو، والذي شارك في مسابقة "كان" الرسمية، ويدور في عوالم عصابات
المافيا، لكنه يتميز عن الأفلام التقليدية التي تنتمي لتلك النوعية دراميا
بتجسيد نادر لشخصية قيادي بالمافيا يختار أن "يخون العهد" ويتكلم أمام
المحكمة.. كما يتميز تقنيا بالتعبير المتقن جدا عن فترة الثمانينات، سواء
بالأزياء أو تصميم المناظر أو حتى بالتصوير بإضاءة وفلاتر معينة. |