مي المصري:
فلسطينيتي هي البوصلة الأهم والتكريم
حافز لاستكمال مشاريعي
كتب: نورهان
نصرالله
عادت من الولايات المتحدة الأمريكية محمّلة بآلام وطنها،
حملت الكاميرا التى كانت سلاحها الوحيد على كتفها وجابت بها شوارع مدينتها
الأم، وثقت الأحلام والأوجاع والحياة فى شريطها السينمائى، ومنذ ذلك اليوم
لم تتخلَّ عن الكاميرا التى أتقنت فنونها بجدارة، فصنعت سينما بنكهة خاصة
مليئة بالإبداع والجماليات حتى مع آثار الدمار الملطخة بلون الدماء، أصبحت
أعمالها مرادفة للثورة فى الأراضى المحتلة، ومرحلة هامة فى تاريخ السينما
الفلسطينية.
كانت مى المصرى أول مخرجة فلسطينية، لتستحق عن جدارة
تكريمها فى الدورة الثالثة من مهرجان الجونة السينمائى بجائزة الإنجاز
الإبداعى عن مشوارها الفنى.
وفى حوارها لـ«الوطن»، تكشف مى المصرى كواليس مواجهتها
للموت أثناء تنفيذ أفلامها التسجيلية، وعلاقتها بزوجها وشريكها الراحل
المخرج جان شمعون، بالإضافة إلى مشاريعها السينمائية المقبلة، والصعوبات
التى تواجهها فى إنتاج أعمالها، فضلاً عن المستوى الذى وصلت له السينما
الفلسطينية فى السنوات الأخيرة.
·
مع الإعلان عن تكريمك بالدورة المقبلة من مهرجان الجونة، ما
نوع التكريم الذى يبحث عنه الفنان؟
- التكريم من «الجونة» يعنى لى الكثير، أولاً لأنه عن مجمل
أعمالى، ثانياً لأنه من مهرجان مصرى مهم، أما ثالثاً فلأنه بمثابة اعتراف
من المجتمع السينمائى، وحافز لاستكمال مشاريعى المقبلة، ويُشعرنى بأن
أعمالى تصل إلى الجميع، هناك تكريم سينمائى من المهرجانات، وتكريم من
الجمهور، وهو من أهم الأنواع، وإذا نجح المبدع فى الجمع بين محبة الجمهور
وتقدير السينمائيين يكون فى أفضل حالاته، لأن التكامل بينهما مهم جداً.
·
هل تستخصرين روح جان شمعون فى لحظات التكريم؟
- جان موجود معى كل يوم، أستحضر وجوده طوال الوقت، أشعر أنى
أحاوره، فنحن لم نكن فقط زوجين ولكن جمعتنا علاقة قوية للغاية، وأشعر أنه
ما زال موجوداً برفقتى لم يرحل، والجمهور أيضاً لم ينسه، فهناك تكريمات
دائمة له وعروض لأفلامه، وعلاقتى الإبداعية معه ما زالت ممتدة مع بناتنا.
جان شمعون له بصمة واضحة وتأثير إيجابى علىّ وعلاقتى
الإبداعية معه ممتدة فى بناتنا
·
هل كان لـ«جان» تأثير واضح على مشوارك السينمائى؟
- بالطبع كان له دور وبصمة واضحة، نحن الاثنان تأثرنا
ببعضنا البعض بشكل إيجابى، حيث يجد الجمهور «جان» فى أعمالى، ويجدنى فى
أعمال «جان»، حتى الأعمال التى قدمتها بمفردى كان يساعدنى فى تنفيذها، وكان
أول شخص آخذ رأيه فى الفيلم، كان منتجاً فى الأعمال التى أقوم بإخراجها،
وبدورى كنت أتولى إنتاج أعماله.
·
برغم جذورك الأمريكية من ناحية والدتك، ولادتك فى الأردن،
نشأت فى لبنان، وتعليمك فى أمريكا، كيف حافظت على هويتك الفلسطينية؟
- البداية كانت من التربية فى منزل به إحساس وطنى قوى،
فالوالد فلسطينى، بالإضافة إلى نشأتى فى فترة زمنية شهدت صعوداً للحركة
الوطنية والمقاومة الفلسطينية، والإنسان عندما يتربى خارج بلده يصبح أكثر
تمسكاً بجذوره، من المهم أن يعرف الشخص هويته، وأنا كان لى قرار اختيار
هويتى، فهى بالنسبة لى البوصلة الأساسية والأهم التى تساعدنى فى الانفتاح
على العالم وعلى قضايا إنسانية أخرى، فضلاً عن أن قضية فلسطين قضية كبيرة
عربياً وعالمياً، فهناك أناس ليسوا فلسطينيين ينتمون إليها، حيث كانوا
يعتبرون «جان» فلسطينياً بسبب انتمائه القوى للقضية.
·
وجودك الأول فى فلسطين كان من خلال إخراج فيلمك الأول
المنفصل عن مشاريع الإخراج المشتركة مع جان شمعون، «أطفال جبل النار»، كيف
كان الأمر، خاصة فى ظل ظروف الاحتلال؟
- الفيلم كان الوجود الأول لى فى فلسطين، وكان اكتشافاً
لبلادى التى لم أكبر بها، مدينة نابلس لها تاريخ طويل فى النضال، ومن خلال
الفيلم أعدت اكتشاف المدينة، وتعرفت على عائلتى وأقربائى، الجيران وأولاد
العم والعمات كلهم كانوا مشاركين فى الفيلم، وحتى الآن أنا ما زلت على
اتصال مع الأطفال الذين صورتهم فى الفيلم، وتعلمت من تلك التجربة الكثير،
خاصة مع صعوبة التصوير فى ظروف شبه مستحيلة مثل حظر التجول، كنا نتابع
التصوير من خلف الشبابيك، ولكن ذلك كان درساً كيف يستطيع المخرج إنجاز فيلم
فى ظل تلك الظروف.
·
قدمت بعد ذلك مجموعة كبيرة من الأفلام سواء المنفصلة أو
المشتركة، ولكن هل يحظى فيلمك الأول بمكانة خاصة؟
- «أطفال جبل النار» يعنى لى الكثير، وهو جزء من ثلاثية
أفلام عن الأطفال، وفتح عيونى على مدى روعة العمل والتصوير مع الأطفال، مع
كم العفوية والتلقائية والتعبيرات المفاجئة المليئة بالخيال، وهو ما ساعدنى
على تطوير أسلوبى السينمائى بعد ذلك، فكان بمثابة نقلة نوعية سينمائية
بالنسبة لى، حيث بدأت أستوعب التركيز على الشخصيات بشكل أكبر، كيف تحكى قصة
حتى لو ضمن فيلم وثائقى عن أحداث حقيقية، ومعظم الأفلام التى صورتها كانت
فى أحداث حرب، وترتفع حدة التحدى فى مثل تلك الأوقات، يكون من الصعب على
المخرج تقديم سينما فى وقت الانتفاضة أو اجتياح.
·
هل كانت تلك الصعوبات حاضرة دائماً فى كواليس تصوير أعمالك؟
- أنا تربيت فى وقت الحرب فى لبنان، وعاصرت الاجتياح
الإسرائيلى عام 1982، كانت أول تجربة سينمائية لى مع جان، وحضّرتنى نفسياً
لتلك الصعوبات، لأن كل أفلامنا تقريباً عن الحروب والانتفاضات والاجتياحات،
فضلاً عن الاعتقال، القنص والقتل، المخاطرة دائماً موجودة فى أعمالى.
·
كنت مخلصة لمسيرتك فى السينما التسجيلية، لماذا تأخرت
تجربتك الروائية؟
- أشعر بانتماء للناس والواقع المعيش، وأشعر أن الواقع به
شىء من الجماليات، ليس مجرد تفضيل للتسجيلى فقط، حتى فيلمى الروائى الأول
(3000 ليلة) أعتبره تكملة لمسيرتى الوثائقية، حيث كان لدىّ رغبة فى استعادة
التجارب التى عشتها، فلدىّ مخزون كبير من المشاهدات والأشخاص والقصص
والمواقف، بدأت أستخدمها فى الأفلام الروائية، وساعدنى فى تنفيذ الفيلم
الروائى معايشة تلك التجارب فى لحظتها، من الممكن أن يقدم المخرج سينما
جمالية من الواقع، وأنا مؤمنة بتقديم السينما الحقيقية بشكل فنى ليس مباشر.
·
متى شعرت أنك مستعدة لخوض أولى تجارب الروائية الطويلة؟
- تقريباً فى 2005، بدأت أشعر أن لدىّ كثيراً من التجارب
والقصص التى أرغب فى العودة للعمل عليها ولكن بشكل روائى، وهو بالنسبة لى
تكملة لمشروعى السينمائى، فالشكل بالنسبة لى ليس مهماً، تسجيلى أو روائى أو
حتى نوع آخر، ولكن تأخر إنتاجه لأن إنتاج فيلم روائى ليس أمراً سهلاً، خاصة
عندما يكون عن موضوع مهم وليس تجارياً، يظل التمويل من الصعوبات التى
واجهتها، هو دائماً تحدٍّ كبير، والتمويل ليس أمراً متاحاً، خاصة فى الدول
التى ليس بها صناعة سينما مثل فلسطين ولبنان.
"أطفال جبل النار" كان درساً ونقلة نوعية و"3000 ليلة"
تكملة لمسيرتى الوثائقية
·
وصفتِه بـ«تكملة لمسيرتى الوثائقية».. هل «3000 ليلة» مأخوذ
من أحداث حقيقية؟
- الفيلم قصة حقيقية صادفتها أثناء تصوير فيلم «أطفال جبل
النار»، وظلت فى بالى، وقلت وقتها لا بد أن أقدمها فى فيلم روائى يوماً ما،
عن امرأة فلسطينية وضعت مولودها فى السجن، وبنيت باقى السيناريو على تجارب
شخصيات حقيقية، كنت أمينة كثيراً للحقيقة، الشخص الذى عمل على تجارب
تسجيلية يكون لديه هاجس الحرص على الواقع، وبالتالى يجب أن يعرف المخرج كيف
يوازن بين تقديم الحقيقة والإبداع.
·
هل تخططين لتقديم تجربة روائية جديدة؟
- أعمل فى الوقت الحالى على فيلم روائى جديد، وأخطط لتصويره
خلال عام وآمل أن يتم إنجازه فى ذلك الوقت وألا يطول عن ذلك مثل ما حدث مع
(3000 ليلة)، الفيلم يدور فى فترة زمنية مختلفة وهو متعلق بالقضية
الفلسطينية، ولكن من زاوية مختلفة، حيث يهمنى ألا أكرر مواضيع عالجتها من
قبل.
·
من وجهة نظرك، هل ترين أن المخرجات يواجهن تحدياً فى الوجود
على الساحة السينمائية؟
- هذا حقيقى، خاصة فى مجال الأفلام الروائية لأن ميزانياتها
أكبر، أنا لما بدأت العمل كنت أول مخرجة فلسطينية، ولم يكن هناك مخرجات
عربيات بهذا الشكل الآن، ولكن الآن الظاهرة لافتة، فهناك عدد كبير من
النساء خلف الكاميرا، خاصة فى فلسطين ولبنان، تقريباً 50% من العاملين فى
المجال، وهذا عدد هائل أكثر من الدول الأوروبية التى لا تتجاوز فيها النسبة
10 إلى 15%، أما هوليوود فلا تزيد فيها النسبة عن 4%، وبالتالى وصولنا إلى
50% هو إنجاز كبير بالطبع، المرأة تحاول إثبات نفسها ولم يأتِ ذلك بسهولة،
فلم يقدم لها أحد شيئاً، نساء كثيرات حفرن فى الصخر حتى يصلن لما يُردنه،
والأمر ليس فى السينما فقط، المرأة تثبت نفسها فى مجالات عديدة أخرى، وهو
ما يسعدنى كثيراً ويجعلنى أشعر بالفخر.
·
فى الفترة الأخيرة وصلت السينما الفلسطينية إلى أبرز
المهرجانات السينمائية حول العالم وأعلنت عن نفسها بقوة، هل هى تجارب فردية
أم هناك اتجاه لذلك؟
- هو مجهود فردى، ولكن يؤسس لصناعة حقيقية، وهناك توجه
لإنشاء صندوق دعم للسينما، فتم تدشين جناح للسينما الفلسطينية فى مهرجان
«كان» على مدار عامين، وهناك جيل جديد من المخرجين الشباب يوجدون فى
المهرجانات العالمية، فنحن لدينة قصص كثيرة لنحكيها، الاحتلال لا يساعدنا
ولكن المعاناة تولد الإبداع، وهذا لا ينفى المحاولات الجادة لتكون لدينا
صناعة قوية.
·
هل تعتقدين أن القضية دافع لدى صنّاع السينما الفلسطينيين
للوصول إلى المحافل السينمائية العالمية؟
- قضيتنا وقصتنا دافع بالطبع، فهناك صراع حقيقى على القصة
من صاحب الرواية الأصلية، صراع على الوجود، العدو يرغب فى محونا ويستولى
على التاريخ والذاكرة والصورة، حتى الأرشيف الفلسطينى سُرق، وهناك محاولة
جادة لإعادة تجميع الأرشيف مرة أخرى، وهذا التحدى يجعل الشخص يندفع أكثر،
عن طريق الثقافة نستطيع إيصال الرسالة أكثر من الطرق الأخرى التى تُعتبر
مسدودة، وهى طريقة يشعر من خلالها الشخص بأنه فعّال ويعمل على إيصال رسالة
إنسانية هامة. |