كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"بلاك كلانزمان" لسبايك لي: صرخة ضد العنصرية

محمد هاشم عبد السلام

كان السينمائي الدولي

الدورة الحادية والسبعون

   
 
 
 
 

نال فيلم "بلاك كلانزمان" (BlacKkKlansman) للأميركي سبايك لي جائزة "لجنة التحكيم الكبرى"، في الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي، بعد 5 مشاركات له في مُسابقات مختلفة للمهرجان، تحديدًا منذ عام 1986، من دون حصول أفلامه المُشاركة كلها على جوائز رئيسية. في "بلاك كلانزمان"، يدُقّ سبايك لي (1957) ناقوس الخطر بشدّة ضد العنصرية، ويُبرز تأثيرها على المُجتمع الأميركي. 

كعادته، يُقدّم سبايك لي خلطة لا يجيد سِواه صُنعها، تجمع بين الأفلام الهوليوودية الترفيهية ـ المُتقنة الصُنعة للغاية، في الحبكة والسيناريو والحوار والأداء والإخراج ـ والفيلم السياسي، بكل ما للكلمة من معنى، وما يحمله من مُباشرة أو خطابية؛ والأهمّ كامنٌ في "الرسالة الصارخة" للفيلم، وحرص المخرج على إيصالها إلى الجمهور. فهو أراد أن تكون صرخته هذه المرة بالغة القوة وأكثر مُباشرة من قبل، ضدّ ما يغلي تحت السطح الآن في المُجتمع الأميركي، خصوصًا مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ونبرته العدائية العُنصرية الصريحة. 

نظرًا إلى حِسِّه الفني المُرهف، ووعيه السياسي الراسخ، وإيمانه بالدفاع عن قضية السود ومواجهة العنصرية في أميركا خاصّة، كان من المحتم على سبايك لي العودة مُجدّدًا إلى النبرة الزاعقة، وصيحة الاستيقاظ ضد ما ينجرف إليه المُجتمع الأميركي المُعاصر. صحيحٌ أنه طرح ـ في أفلام كثيرة له ـ قضية السود، أو الأفروأميركيين، وما تعرّضوا له على مرّ التاريخ، وفي السنوات القليلة الماضية؛ لكن رسالة "بلاك كلانزمان" مُغايرة، فهي هنا غير مقتصرة على مسألة اللون أو العرق، لأن حسّ سبايك لي يُشعره بأن هناك ما هو أعمق وأخطر من هذا سينزلق إليه المُجتمع الأميركي لو استمرّت الأوضاع على هذه الحال، وازدادت النبرة العنصرية، وكراهية كلّ ما هو مُختلف. 

تدور أحداث الفيلم، المأخوذ عن قصة حقيقية وقعت أحداثها عام 1979، في ولاية "كولورادو سبرينغز"، عن أول شرطي أسود يلتحق بالخدمة، رون ستالوورث (جون ديفيد واشنطن)، الذي يُبدي رغبته في العمل كشرطي سري، بدلاً من العمل المكتبي في قسم الأرشيف. ذات يوم، يلفت انتباهه إعلانٌ صغير في إحدى الصحف، يُشجِّع الأفراد على الانضمام إلى مُنظمة "كو كلوكس كلان"، فيُبادر إلى الاتصال بها، والتواصل مع أحد أفرادها. ثم، تدريجيًا، يُقنع القائمين على فرعها المحلي في الولاية بمدى صدقه ورغبته الجارفة في الانضمام إليها لمُحاربة السود، وجعل أميركا بيضاء خالصة من دون مُلوّنين أو أعراق أخرى. 

شيئًا فشيئًا، ينجح رون في إقناع المُنظمة بضمِّه إليها، بمساعدة زميله في العمل فْلِيب زيمرمان (آدم درايفر)، الذي يُقابل بدلاً منه أعضاء المُنظمة، بين حين وآخر. بينما يقتصر دوره على تواصل هاتفي مع أبرز قياداتها ديفيد ديوك (توفر غريس). سريعًا، يتغلّب الثُنائي على مُعضلات كثيرة تواجههما، في ما يتعلّق بهذا التخفي، وأبرزها: التناقض بين صوتيهما. فصوت رون عبر الهاتف مُختلف بالتأكيد عن صوت فْلِيب في الواقع. 

لا يُلخِّص "بلاك كلانزمان" (BlacKkKlansman) ـ صاغ سبايك لي العنوان في كلمة واحدة، وهي تعني "رجل منظّمة كو كلوكس كلان الأسود" ـ الاضطهاد العنصري الذي يعانيه السود في أميركا، بل يوقظ الوعي فيما يتعلق بالعنصرية في أميركا عامة، ويطرح قضية مُتعلّقة بكيف ينبغي على الجميع التصدّي لها. في الفيلم، يتعرَّض البطل، وهو شرطي أميركي، للاضطهاد على يد زميل له داخل قسم الشرطة نفسه. ثم إن العنصرية غير مقتصرة على المنظمة وأعضائها أو أتباعها أو مشايعيها. فالفيلم، الذي تدور أحداثه في السبعينيات الفائتة، يربط الماضي بالحاضر بإبراز أن الماضي لا يختلف كثيرًا عن الحاضر، وأنه سيتفاقم في المستقبل. 

تتميّز أفلام سبايك لي، إنْ بعناوينها أو حواراتها، بأنها ضاربة بعمق في اللغة العامية الأميركية، وفي لغة الأفروأميركيين، ونطقهم الخاص للّغة الإنكليزية. وفيما يتعلق بهذا الأمر، تلاعب سبايك لي وكُتَّاب السيناريو المشاركون معه (ديفيد رابينوفيتز وتشارلي واشتال وكيفن ويلموت، عن كتاب بالعنوان نفسه لرون ستالوورث) بكيفية نطق السود للحروف الإنكليزية، ونُطق الأميركي الأبيض لها، فقد اقتنع القيادي ديفيد ديوك بأن من يُحادثه هاتفيًا "أميركيٌّ خالص"، بفضل طريقة نُطقه الصحيح للحروف. في الفيلم، هناك تلاعب عميق وساخر، له خلفياته اللغوية في المُجتمع والثقافة الأميركية، لا سيما الأفروأميركية. 

كما تلاعب سبايك لي بحوارات كثيرة لأغراض شتى، وأدخل تعديلات طفيفة لتُناسب خطاب الفيلم، وما يرغب في قوله. فمُنظمة "كو كلوكس كلان" العُنصرية السرية مُوجّهة أساسًا ضد السود في فترة إعادة البناء السابقة للحرب الأهلية، ولم تكن مُعادية لليهود أو السامية. بينما أفراد المُنظمة في الفيلم يكرهون اليهود، ويرتابون في أي اسم يهودي. ما يعني أن التطرّف القديم للمُنظمة اتسعت رقعته، وبات يشمل اللون والعرق أيضًا. 

كالعادة، تتمتّع شخصيات الفيلم، كغيرها في أفلام سبايك لي، بجوانب مُسالمة وطيبة، إنْ كانت سوداء أو بيضاء. بينها شخصيات منخرطة في ممارسة الشرّ، أو تدعو إلى العنف. اتضح هذا في خطاب الزعيم السابق لـ"الفهود السود" ستوكلي كارمايكل/ كوامي تيور (كوراي هوكينز)، المُوجه ضد رجال الشرطة البيض، ووصفه إياهم بالخنازير، وتحريضه على حمل السلاح في مواجهتهم، والتخلّص منهم. لا يلعب سبايك لي على الحبلين، ولا يُمسك العصا من نصفها، فهذا كلّه من أدوات يستخدمها في أفلامه دائمًا: عرض الشيء ونقيضه، وإبراز الأضداد. 

فيلم "بلاك كلانزمان" شديد الإمتاع، ومُضحك للغاية. لا يخلو من العمق الشديد، ولا من الغضب مما يحدث. يُنبِّه من مدى خطورة الوضع، خاصة أنه ينتهي بمشاهد تسجيلية لحادثة الدهس التي قام بها أحد المُتطرّفين من القوميين البيض، العام الماضي، في "شارلوتسفيل"، ضد مسيرة سلام مُناوئة للنازيين الجُدد وأعضاء "كو كلوكس كلان".

العربي الجديد اللندنية في

23.05.2018

 
 

خالد محمود يكتب:

الحرب الباردة تطل من جديد فى مهرجان «كان» على أيدى بولندا

- الفيلم أغنية حزينة لعاشقين فى زمن الشيوعية.. ورمانسية الأحداث وراء سحرها

- باوليكوفسكى يأخذنا إلى منطقة شائكة ورصد ملامحها باقتدار

يجىء فيلم «الحرب الباردة» للمخرج البولندى بافل باوليكوفسكى والذى فاز بجائزة أفضل مخرج بمهرجان كان السينمائى الـ71، بمثابة استكشاف سينمائى جديد للحقبة السوفيتية فى بولندا وما صاحبها من حالات قلق كبيرة، سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى.

الفيلم الجديد الذى طال انتظاره من مخرجه الحاصل على جائزتى أوسكار وبافتا افضل فيلم أجنبى وافضل فيلم اوربى عن عمله «إيدا» يقدم هذه المرة رؤية سينمائية مثيرة للغاية وعميقة المشاعر والأحاسيس بقصته التى تلهمنا دروسا فى الحب والحرب والغضب من تلك الفترة التى امتدت لعقد من الزمن وبالتحديد من أواخر أربعينيات القرن العشرين إلى أوائل الستينيات «١٩٦٤»، وهى الفترة التى شهدت حربا باردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة

أجواء الفيلم تدور بين بولندا وفرنسا وبريطانيا، وهى نفسها الجهات المنتجة، حيث نجد انفسنا امام قصة حب تولد على أجواء الموسيقى التى تشكل عنصرا اساسيا فى التنقل السردى والحبكة الدرامية، فالحب يولد من اللحظة الأولى بين «ويكتور» قائد الفرقة وعازف البيانو الماهر والذى جسده «توماز كوت» وبين «زولا» امرأة تتقدم لاختبارات الغناء والرقص وقدمتها الممثلة «جوانا كولينج» الإعجاب اولا كان بصوتها الذى وصفه امام اللجنة بـ«الأصيل »، وعلى الرغم من أن الشخصين ينتميان لخلفيات فكرية وثقافية شديدة الاختلاف إلا أن العواطف كانت المحرك الأساسى للأمل وهو كما ذكر الناقد بهوليوود روبرتر ليسلى فيلبيرين الفيلم مثل أغنية حزينة لعاشقين لا يستطيعان البقاء على حالهما، إلى النهاية، وبالتالى لا يمكن أن يوقف أحدهما طموح الآخر فى يجرب ان يعيش بمفرده وبصورة رومانسية إلى حد ما، ولكن واقعية بشكل كبير بفضل قوة الدراما وأحداثها الطاغية المليئة بالمواقف والذكريات، وبسرد ثلث وهو يتتبع العلاقة التى تطورت عاصفتها بين العازف والمغنية، وهما بولنديان يتنقلان ذهابا وإيابا عبر الستار الحديدى المفروض على البلدة ومن وارسو إلى باريس وما حولهما، وهما يسعيان لتحقيق مشروعهما الفنى بشغف، ليقدموا استعراضات قوية لموسيقى الجاز وصولا لتقديم أعمال سينمائية بدت كأنها أحادية اللون والتفاصيل بألحانها للتسق مع أجواء منتصف القرن فى زمن الشيوعية، وقد صور المخرج ملامحها الساحرة باقتدار وحافظ على وحدتها الخاصة بالتصوير البديع باللونين الأبيض والأسود الذى اختاره باوليكوفسكى لأجواء فيلمه، حيث مزج الموسيقى الشعبية البولندية بطابعها الحزين مع الموسيقى الخيالية والمتأثرة بالموسيقى الفرنسية، مع خلفيات تأثير الابطال بما حدث لمجتمعهم الخاص جراء تأثير الحرب الباردة، منذ ان دمرت الحرب الريف البولندى، وإنشاء الدولة مدرسة المطربين والراقصين والفنانين ليشكلوا فرقة تحتفى بالتراث الفنى للبلاد تتعرض لضغوط كبيرة من أسيادهم الاشتراكيين، الذين يستغلونها كأداة دعاية فى جميع أنحاء الكتلة الشرقية يقرر ويتكر ان ينشق إلى الغرب عبر نقطة التفتيش فى القطاع الفرنسى، يطلب من زولا أن تأتى معه، لكنها تتراجع فى اللحظة الأخيرة خشية أنها لن تجد شيئا اذا ذهبت وتبقى فى الشرق، ويعيش العاشقان حالة تشتت كبير، خاصة بعد ان تتلاعب بهما اجهزة المخابرات والأقدار معا.

أداء البطلين توماز كوت وجوانا كولينج كانا رائعا، واستطاعا التعبير باحترافية وصدق عن حالة التشتت بين حب كبير ينمو وظروف سياسية قاسية، كما أن السيناريو الذى شارك بافل باوليكوفسكى فى كتابته اخذنا إلى منطقة سينمائية ستكون خالدة بجمالها ورومانسيتها الخاصة وتماسك حبكتها السردية، والفيلم بدون شك كان لديه الفرصة الكبرى للمنافسة بجوائز المهرجان الكبير، وبالفعل اقتنص جائزة افضل اخراج وقال بافل باوليكوفسكى أنه استوحى «الحرب الباردة» من حياته الشخصية وقصة والديه «شخصان كل منهما أقوى من الآخر، يكرهان بعضهما، يخونان بعضهما، يتطلقان، يتركان بلادهما ثم يلتقيان من جديد ليعشا معا فى الخارج وتابع أنه لم يجد من حوله شخصيات بهذه الدرجة من «الطاقة الدرامية، فهما يريدان أن يعيشا معا لكن لا يقدران على ذلك».

الشروق المصرية في

23.05.2018

 
 

فيلم «كتاب الصورة»… غودار يقدم رؤيته للعالم

كان ـ «القدس العربي» من نسرين سيد أحمد:

مجرد ذكر اسمه يثير الرهبة الممزوجة بالكثير من التبجيل والتقدير من قبل عشاق السينما والعاملين فيها. إنه جان- لوك غودار، الأسطورة الذي كان عماد ومؤسس المدرسة الفرنسية الجديدة، لذا عندما كُشف عن برنامج الدورة الحادية والسبعين لمهرجان كان السينمائي (8 إلى 19 مايو/أيار)، واتضح أن المخرج المخضرم (87 عاما) سيشارك في فيلم جديد في المسابقة الرسمية للمهرجان، أصبح الفيلم على الفور من أكثر الأفلام المرتقبة في المهرجان.

الكتابة عن فيلم لغودار أمر يحيطه الكثير من الوجل والتهيب، لاسيما وغودار يقدم في فيلمه الجديد «كتاب الصورة» ما هو أشبه بوثيقة يخط فيها رؤيته للعالم كما يراه الآن، وثيقة صادمة بصريا وفكريا، يفكك فيها غودار السينما ويعود بها إلى عنصرها الأول، الصورة، أو إن جاز لنا القول، انفجار الصور على الشاشة، ومحاولة استيعاب هذا الكم من الصور وإدراك الصلات البينية بينها واستخلاص مغزاها، تتطلب مشاهدة فاحصة متأنية، وربما يصح لنا القول إن مشاهدة فاحصة واحدة لا تكفي للوقوف على كل ما يضم الفيلم من فلسفة وفكر، بل يتطلب مشاهدات متتالية. 

«كتاب الصورة» تجربة فكرية إدراكية في المقام الأول، تجربة صادمة، ولكنها ضرورية. تمتزج في «كتاب الصورة» لقطات من أفلام مثل «فرتيغو» لهيتشكوك و«سالو» لبازوليني و«النهر» لرينوار» و«الفيل» لغاس فان سانت بمشاهد من مظاهرات الربيع العربي، ومقاطع من تسجيلات مصورة لفظائع «داعش»، يتخللها تعليق صوتي لغودار. 

في «كتاب الصورة» يجرد غودار الصورة تماما، ويجد فيها عوضا عن التمثيل والممثلين، فالفيلم يخلو تماما من الممثلين، الذين يستعيض عنهم غودار بهذا الخضم الضخم من الصور، التي لم يأت اختيارها أو ترتيبها عشوائيا، بل ليثير لدى المشاهد تأثيرات وتساؤلات وتعليقات بعينها. ويواصل غودار في الفيلم إدانته للحروب، ويعرب عن قناعته بأنها سبب الخراب في العالم، فاللقطات التي اختار غودار أن يضمنها فيلمه وشهادته عن العالم تضم الكثير من مشاهد القصف والتفجير والانفجارات، وخصص بعضها للعنف الذي ارتكبته «داعش». 

في شذرات التعليق الصوتي، وفي الومضات النصية على الشاشة، يثير غودار العديد من القضايا التي كانت وما زالت تشغله: الدين، السياسة، النازية التسلح النووي والخوف منه، الثورات وجدواها وتبعاتها. ورغم انحيازه التاريخي للثورة والثورات، يبدي غودار في تعليقه الكثير من التشكك في جدوى الربيع العربي، قائلا «كنت سأؤمن به لو كان ثورة حقيقية، لكنه لم يكن حقا كذلك». ولا يبرئ غودار ساحة الغرب في ما يجري في العالم العربي، بل يرى أن الغرب ضالع في ما يحيق بالمنطقة من الفوضى. ويرى أن الغرب لم يفهم العالم العربي قط، وفي إشارة إلى الماضي الاستشراقي للغرب ولتحويله الشرق إلى مجرد صورة غرائبية، يستخدم غودار لقطات للوحات رسامين غربيين لنساء المشرق والافتتان بأجسادهن والافتتان بمجالسهن التي يشير إليها الغرب باسم «الحريم».

يستهل غودار فيلمه بلقطات ليد بشرية تشير بإصبعيها السبابة والإبهام، ويمكننا إيجاد تفسيرات مختلفة لهذه اليد وحركة أصابعها: هل هي أصابع وعيد وتهديد؟ هل هي أصابع إنذار؟ هل هي أصابع تطلب منا التريث والتأمل والتفكر؟ أم هل هي أصابع تشير إلى طريق ما؟ أو ربما يقصد بها غودار كل هذه الدلالات، في فيلم يقدم فيه شهادته على هذا العالم.

يبدو لنا كما لو كان غودار يطلق صيحات إنذار ويدق نواقيس تنبيه طوال الفيلم، رغم ذلك الإحساس الذي يعترينا بيقينه أن العالم لن ينتبه ولن يتغير. 

يقول غودار في تعليقه الصوتي «لو كان بإمكاني أن أزيد من اطلاع ومعرفة من في السلطة، لكنت أسعد إنسان في العالم». لكن هذه العبارة في حد ذاتها تحمل يقين غودار أن كلماته ستذهب أدراج الرياح. ربما يحمل هذا الفيلم الذي يحوي انفجارا ضخما من الصور، شعورا بالمرارة إزاء الصورة في حد ذاتها وإزاء إخفاقها في تحقيق المرجو منها. في قرننا الواحد والعشرين هذا تطورت تقنيات الصورة بصورة فائقة وأصبحت آلاف الصور تعرف طريقها إلينا يوميا، عبر الإنترنت والمواقع والتطبيقات المخصصة للصور، وعبر التلفزون وعبر السينما، صور يفترض أن تؤثر فينا، ولكننا اعتدنا على صور الفظائع التي يشهدها العالم، وأُصبنا بالتبلد إزاءها في الكثير من الأحيان.

####

لماذا هاجم إعلام الممانعة نادين لبكي…

راشد عيسى

مع الهجوم الحاد على فيلم اللبنانية نادين لبكي «كفر ناحوم»، الحائز أخيراً على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» السينمائي، يمكن القول إن الإعلام الممانع دخل مرحلة جديدة، منتشياً بأوهام النصر في سوريا ولبنان.

هنالك وجهة نظر تفسّر الهجوم على لبكي بسبب مشاركة أطفال سوريين لاجئين في لبنان في البطولة الرئيسية للفيلم، فذلك يسهم في تبديد مقولات التيار الممانع بأن اللاجئين السوريين في لبنان ما هم إلا «دواعش»، أو مجرمين جنائيين، لا يستحقون إلا التنكيل، ربما، وجهة نظر معقولة، ولو أن من البديهي أن السوريين ليسوا كذلك، ولا يحتاج الأمر لبرهان.

لكن قد يكون الأمر أبعد قليلاً من ذلك. لقد فرغت «دولة حزب الله» من مرحلة المجاملة، وتحاول اليوم إلقاء عبء الكلام عن قبول الآخر ونظريات العيش المشترك وخلافه في أقرب سلة مهملات. لبنان الذي يريده هؤلاء شديد الوضوح، وقد تصلح هاتان التغريدتان مثلاً لهذه النظرة، الأولى للمذيعة في تلفزيون «المنار» منار صباغ تقول فيها «بمناسبة الإفراط بالحديث عن الشخصيات التي ترفع رأس لبنان عالياً لجائزة أو مسابقة أو تحدٍ ما.. يا معشر المثقفين، أبناء فينيقيا منهم تحديداً، هذه الصور لشهداء اليوم الأول من معركة القصير 2013 .قبلهم وبعدهم ارتقى كثر من قديسينا الشهداء… باعتقادي لبنان يكفيه هذا المجد لقرون».

هكذا وبكل وضوح، لم تتحدث صباغ عن شهداء متفق عليهم سقطوا في مواجهة إسرائيل مثلاً، بل أشارت حصراً إلى أولئك الذين سقطوا في معارك طائفية في سوريا. والمناسبة؟ فقط لأن أحداً ما يفخر بإنجاز لبناني لا يتضمن أية إشارة لقتلى «حزب الله» في معارك القصير!

التغريدة الثانية نسبتها صحيفة «النهار» اللبنانية للقيادي في «حزب الله» نواف الموسوي، يقول فيها «بلا لبكي، بلا وجع راس: وقت الجدّ ما فيه غير سلاحك بيحميك».

بروباغندا «حزب الله» باتت من الوضوح بحيث يمكنها أن تعادي فيلماً سينمائياً من دون أي ذريعة أو حاجة لاستخدام اتهامات بالتطبيع مع إسرائيل كما جرت العادة، إنها اليوم في معركة مفتوحة على كل ما لا يستظل بظل الحزب.

لا حجج رقابية هذه المرة، فلبنان الآخر كلّه متهم. إنهم يتقدمون على الأصل الإيراني الذي يحظى بسينما متميزة لها مكانتها في العالم، أم أنهم يؤكدون أن حتى تلك السينما تستمر وتتواصل بقوة الإيرانيين، برغم «ولاية الفقيه».

لو أتيح لهم لصمّموا «مجد لبنان» من شادور وبحيرات الدم والبنادق والقمصان السود و»موتسيكات» تطوف الشوارع، تهدد بالموت وبالرايات الصفر.

القدس العربي اللندنية في

23.05.2018

 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان السينمائي 12 : انتهى «كان»... فحطت سينما المسلسلات

«ديدبول 2» ضد «أفنجرز»... و«صولو» ضدهما معاً

بالم سبرينغز: محمد رُضـا

انتهى مهرجان «كان» بجوائزه وأتاح للهواة الالتفات إلى يوميات حياتهم المعتادة مرّة أخرى، بدأت تتراءى الآن إخفاقات البعض في تسجيل نجاح ما على شاشة أكبر مهرجانات الدنيا في مقابل عودة الحديث عن السينمات التي لا تحتاج لمهرجانات.

- أزقة وحوارات

في أيامه الأخيرة، وبعد أكثر من أسبوع على سلسلة من العروض المضجرة، نهض بمستوى عروضه وإن لم يكن بقيمتها الإجمالية. عرض فيلم نادين لبكي الجديد «كفرناحوم» الموزع بين حسنات وسيئات متساوية. من ناحية هو فيلم جيّـد في مستويات فنية لا تخترق سقف الإجادة، ومن ناحية أخرى هو فيلم يميل للادعاء والفبركة. يكفي تكبير صورة حي صغير ما ومعالجته كومبيوترياً ليبدو كما لو أنّ بيروت كلها عبارة عن أكواخ وزرائب.

هذا ورد في «مليونير العشوائيات» لداني بويد بشكل مقنّع كون أحداثه تقع في مدينة هندية، كل حي منها بحجم مدينة بيروت ذاتها. لكن عند لبكي الصورة مكبّـرة على لا شيء فعلي على الرّغم من أنّها ترجمت شعورها السينمائي بأنّ ذلك هو المطلوب لإيصال رسالة اجتماعية مناسبة.

فيلم «كفرناحوم»، على ذلك، عمل ناجح وشركة صوني كلاسيكس التي اشترت من لبكي فيلمها السابق، تحمّست واشترت حقوق الفيلم لأميركا الشمالية. لكن من بين الأفلام القليلة التي تلته في العروض، عملان آخران لهما الوقع ذاته: جيد في التشكيل وضعيف في المضمون.

أحدهما هو الفيلم التركي «شجرة الإجاص البري» لنوري بيلج شيلان وأحد الزملاء من النّقاد راهن على أنّه سيكون أفضل ما عرضه المهرجان في دورته. لكنّ النتيجة خاوية. دراما حول شاب يؤلف كتاباً (بعنوان الفيلم) وينشره بعد ساعتين ونيف من بدء الفيلم الذي تصل مدة عرضه إلى ثلاث ساعات. ما سبق ذلك هو مشاهد تقع (في معظمها) بالبلدة الصغيرة التي يقطن فيها مع والديه. هو لا يؤمن كثيراً بمستقبله وأقلّ من ذلك بحسنات أبيه والمحور العائلي يزداد ترسخاً مع استمرار الوضع في تكرار لا يؤدي إلى إضافات. مع كم من الحوار يملأ المسامع ولا يتوقف... عشر دقائق حوار... ربع ساعة حوار... وهناك مشهد حسبت دقائقه: 25 دقيقة حوار.

يحق للزّميل تفاؤله لأنّ شيلان كان نجماً من نجوم المهرجان الفرنسي أكثر من مرّة وهناك العديد من المعجبين به، لكن هذه هي ثمار الشجرة التي زرعها في هذه الدورة وكانت بلا طعم.

الفيلم الآخر «الرجل الذي قتل دون كيشوت» للأميركي الذي يعيش ويعمل في بريطانيا تيري غيليام. ردّد قبل العرض وبعده وربما خلاله أنّه أمضى 25 سنة في تحقيقه. عند مطلع الفيلم يذكر ذلك. يتفاءل المرء راغباً في مشاهدة عمل تجاوز كل المعيقات والمصاعب ومنح المخرج وقتاً طيباً لكي يسدّ ثغراته المحتملة. لكنّ غيليام الأمس لا يزال غيليام اليوم: مشاهد معجوقة ومشغولة ببعض الإتقان، لكن لا شيء داخلها (وداخل الفيلم بالتالي)، له روح قادرة على الوصول إلى ما بعد تيري غيليام ذاته.

- إنقاذ الكون

بعيداً عن كان، وفي العاصمة الإنتاجية الأولى هوليوود، لا شيء مما ورد أعلاه يهم. ملايين البشر يؤمون العروض التجارية وموسم الصيف يبدأ بثلاثة أفلام، اثنان منها ينجزان المتوقع من نجاحهما. الثالث سيهبط للعروض في أيام، لكنّ كل التوقعات هي أنّه سيلتهم الفيلمين الآخرين ويتبوأ مركزاً متقدماً بين كل ما سيعرض خلال هذا الموسم.

الثلاثة تنتمي إلى مسلسلات. النوع الذي يمكن لهوليوود المراهنة على أنّه سيملأ جيوب منتجيها بالمال وحب الحياة.

أولها وصولاً إلى الشاشات كان «أفنجرز: حرب أبدية» لأنطوني وجو روسو. انطلق مدوياً: 258 مليون دولار في أسبوعه الأولى. مليار و610 ملايين في عروضه العالمية حتى فجر يوم أمس. هذا يوازي ما أنجزه الجزء السابق «أفنجرز: عصر الترون» سنة 2015 وقريب من الفيلم الأول من السلسلة «ذا أفنجرز» (2012).

حسنة أكيدة في هذا الجزء هو أنّه لا يتعب من تكرار مشاهد القتال وفصول الحروب وبأفضل طريقة لاهثة ممكنة. المخرجان الشقيقان يؤكّدان على جوهر هذا النوع من الأفلام: مشاهد قتال متوالية لا يفصل بينها إلّا التحضير للمعركة التالية. تلك الاستراحات مملوءة بالشخصيات وتنوّعاتها إذ لدينا نحو 16 «سوبرهيرو» كل واحد يريد احتلال ركنه المتميز، ولو أنّ الصّف الأول محجوز لثلاثة منهم هم كابتن أميركا (كريس إيفانز) وثور (كريس همسوورث) وآيرون مان (روبرت داوني جونيور).

غالبية الباقين من مالئي الكراسي في حفل كهذا ومن بينهم توم هولاند وشادويك بوزمان وبندكت كمبرباتش.

المهمّـة كالعادة هي إنقاذ الكون بكامله.

وإذا كنت متابعاً جيداً لسينما الكوارث والرّعب والخيال العلمي والفانتازيا ستلحظ أنّ المهمّـة المذكورة كانت في حدود بلدات وسط أميركية صغيرة في الخمسينات، ثم اتسعت لتشمل مدناً كبيرة. هذا لم يكن كافياً فأصبح التهديد بالدمار والانطلاق للإنقاذ يخص كل الولايات المتحدة. ومع أنّه في كل مرّة يخرج الأبطال منتصرين وقد قضوا على العدو وشرّه، إلّا أنّ الأعداء يعودون وفي البال ما هو أكبر: ها هو كوكب الأرض بأسره في خطر أو عرضة لطوفان أو لنيازك طائشة.

هذا بدوره لم يعد كافياً ومنذ بضعة أعوام والحديث يتناول إنقاذ الكون بأسره. شيء مضحك لكنّه فعلي. 16 بطلاً خارق القوى والقدرات في مقابل شرير كبير واحد (اسمه ثانوس ويؤديه جوش برولِن) ينوي دمار الأرض وما يحيط بها.

- جمهور غير مخلص

بقي «أفنجرز: حرب أبدية» على قمة العروض الأميركية ثلاثة أسابيع ليخلفه هذا الأسبوع «ديدبول 2». الوحيد بين «السوبر هيروز» الذي يوفر، لجانب حركاته القتالية وقدراته الخارقة، بعض الفكاهة والهزل. ليس أنّها تصيب الهدف غالباً، لكنّها تحمل بعض التغييرات بالمقارنة مع الوجوه المكفهرة للأبطال الآخرين.

أنجز الجزء الأول محلياً 363 مليونا و070 ألفا و709 دولارات. وتمتع بإقبال عالمي أودى به إلى أكثر من 783 مليون دولار من الإيرادات. في المقابل ما يزال الجزء الثاني في مطلع عهده وأنجز للآن 425 مليون دولار عالمياً.

ما دفع هذا الناقد لكره الفيلم الأول يدفعه الآن لكره الجزء الثاني: ذلك التباهي بالذات الذي يحوّل بطله (رايان رينولدز) إلى أضحوكة وفزاعة في الوقت ذاته. القدرة على الفذلكة صوراً وحوارات وكمفهوم عام لحياة تبدو عبارة عن اسكتشات قصيرة. الحوارات هي لطشات لسانية بعضها يقصد الضحك وبعضها يقصد الإعلان عن الذات الفردية وكم تستحق إعجاب الجميع بها وبينهم الشخصية الأساسية ذاتها.

هنا مارفل (المؤسسة العملاقة التي وفرت هؤلاء الأبطال على الورق أولاً، والآن تنقلهم إلى الشاشة الكبيرة بأضخم صورة ممكنة) تسخر من نفسها ومن شخصيات أخرى ابتدعتها شركات أخرى (مثل شخصية «رجال إكس» لفوكس) ولا تبالي.

هذا لا بأس به على أساس لا شيء من هذه الأفلام لا يستأهل الضحك عليه، بما فيها هذا الفيلم. وعلى أساس أنّ الجمهور لم يعد مخلصاً لأبطال معينين ولا لمن يمثلهم على الشاشة. لكنّ «ديدبول 2» كما سابقه، قريب الشبه بشخص يلقي نكاتاً لا تثير الضحك ثم يصرّ على تكرارها.

حين وصول «صولو: حكاية من ستار وورز» سينسى الجمهور الكاسح كلا الفيلمين كما ترجح التقديرات. هذا الفيلم ينتمي مثل كل ما ذكرناه من أفلام القوى الخارقة والخيال العلمي إلى مسلسل سينمائي معروف. لكنّه على المتوفر من مسلسلات أخرى، هو الوحيد الذي استند، منذ بدايته، إلى كتابة وتأليف غير مستمدين من حكايات منشورة على نحو أو آخر.

- فعل أمومة

كذلك هو المسلسل الأقدم بينها جميعاً كون جورج لوكاس ابتدع الفيلم الأول في أواخر السبعينات. لكن كما لو كان شجرة باسقة يتم قضم أحد غصونها لزرعه وتحويله إلى شجرة أخرى. فصولو هو شخص واحد من شخصيات «ستار وورز» كان هاريسون فورد مثله سابقاً في الحلقات الثلاث الأولى (وعاد إليه كضيف شرف لاحقاً سنة 2015) والآن يلعب دور هذا المغامر ألدن إرنرايتش.

ألدن من؟ قد تسأل. ألدن إرنرايتش. لا يهم إنّه ليس معروفاً إلّا لمن لاحظه في «مرحى يا قيصر» (2016)، أو في «القواعد لا تطبق» (2016)، فحتى هاريسون فورد لم يكن معروفاً عندما لعب لجانب كاري فيشر ومارك هاميل بطولة «ستار وورز».

ليس أنّ كل الأفلام المعروضة مع مطلع موسم الصيف هي من هذا النوع الجانح صوب الأكشن والمغامرة و«تعالوا لأريكم العجائب»، بل هناك أفلام ذات بطولات إنسانية ويقوم بتمثيلها بشر وليس بيكسلز.

هناك الفيلم التشويقي المتمثل في «اقتحام» (Breaking In) لجيمس ماكتيغ وهو أفضلها: حكاية أم (غبريال يونيون) التي تسعى لاستعادة ابنها المخطوف بكل ما تملكه من عناد وعاطفة أمومة.

هناك الفيلم الكوميدي «حياة الحفل» (Life of the Party) لبن فالكوني حيث - وفي واحدة من تلك الخروقات للعادة - تقرر الأم ماليسا ماكارثي حضور دروس ابنتها الشّابة في الصف ذاته، لأنّها الطريقة التي ستعالج بها الكآبة بعدما تركها زوجها لأخرى.

ثم هناك الفيلم الاحتفائي بالشخصيات التي تجاوزت سنوات منتصف العمر (والبعض يقول سنوات ما بعد ذلك أيضاً)، وهو «نادي الكتاب» وهن أربع ممثلات محدّدات هن جين فوندا (80 سنة)، دايان كيتون (72 سنة)، كانديس برغن (أصغر من كتون بأربعة أشهر) وماري ستينبرغن (65 سنة). لجانب هؤلاء الممثلات بضعة رجال من الذين عاشوا ردحاً على الشاشة أيضاً مثل آندي غارسيا وكريغ ت. نلسون ورتشارد دريفوس وإد بكلي جونيور.

- أفلام موسم الصيف 2018

سبعة أفلام أخرى ذات ضخامة إنتاجية (وضحالة فكرية؟) قادمة في الطريق لتشبع نهم الهواة.

The Incredibles 2

رسوم متحركة من النوع غير البريء عن تلك العائلة التي تعيش في فقاعتها الخاصة مع شخصياتها الغريبة.

Jurassic World: Fallen Kingdom

الديناصورات ضد البشر والبشر ضد بعضهم البعض في هذا الجزء الجديد من المسلسل الذي ينتجه ستيفن سبيلبرغ لكل الأعمار.

The First Purge

مرادف للفيلم الناجح The Purge وفيه نظرة على عالم مستقبلي باتت فيه الجريمة معفاة من العقاب.

The Ant - Man and the Wasp

من ابتداعات مارفل العديدة هذا الجزء الثاني من «الرجل النملة» (في كل شيء ما عدا ضخامة الإنتاج). الجزء الأول حقق نجاحاً كبيراً بالطبع.

Skyscraper

هذا ليس جزءاً لشيء لكن من يدري، قد يكون فاتحة. دواين جونسون مقاتل ينتقل من العراق إلى الصّين في مهمة لإنقاذ العالم مرة أخرى.

Mission Impossible -  Fallout

عودة توم كروز (55 سنة) إلى بطولة تلك الحلقات التي يتصدّى فيها لمهام تبدأ مستحيلة ثم تذوب تدريجياً بعد كل مشهد جديد.

Ocean’s 8

عوض جورج كلوني ومات دامون وبراد بت ودون شيدل، سنشاهد ساندرا بولوك وكايت بلانشت وسارا بولسون وريحانا وهن يخططن للسرقة الكبرى.

الشرق الأوسط في

23.05.2018

 
 

« عائلة السُرّاق » تخطف سعفة كان الذهبية باقتناع جميع من حضروا المهرجان

كان: عرفان رشيد

الصورة التي اصطفاها المخرج الياباني كوري - إيدا هيروكازو لغلاف الكُتيّب الصحفي المرافق لفيلمه « عائلة السرّاق » تضم الشخصيات الرئيسية الست لفيلمه، وليست هذه الصورة لقطة من الفيلم، بل هي التُقطت للتعريف بهذه الشخصيات وابتسامة فرح هادئة تعلو وجوههم، كما لو أنّهم أفراد عائلة سعيدة سكن الفرح كوخهم الضيّق البائس في حديقة تقع في قعر عمارة سكنية في مكانٍ ما من مدينة يابانيّة

وحالة الفرج البهيج الظاهرة في الصورة هي ما يؤكّد هيروكازو على إنّها ستتحقّق إذا ما تواجد بين أفراد العائلة حب حميم وآصرة حقيقية تذهب أبعد من آصرة الدم، وإذا ما كان تواجد هؤلاء الأشخاص مع بعضهم تحت سقف واحد خياراً شخصياً بوعيٍ أو دونه، وليس نتاجاً لصدفة الميلاد في هذه العائلة أو تلك.

وحين تسقط السن اللبنيّة الأولى لأصغر أفراد العائلة، الطفلة «هوجو جوري - وتؤديها ساساكي ميو »، يرميها أخوها « شيبيتا شوتا - يؤدّيه الصبي جيو كايري »، على سقف المنزل تيمّناً بأخته وبالمكان الذي يضمّهما تحت سقفه.

تتألّف المجموعة من الجدّة « شيباتا هاتسوي - تؤدّيها كيكي كيلاني »، وابنها « شيباتا أُوسامو »، وابنته « شيباتا آكي - تؤديها ماتسووكا مايو، ورفيقته « شيباتا نوبويا - تؤدّيها آندو ساكورا »، وحفيدي الجدّة، شوتا و آكي، اللذين يناديانها بهذ اللقب، لكنّهما لم يلفظا بعدُ بكلمتي « بابا » أو « ماما». 

لكن هل هذه المجموعة البشرية عائلة بالفعل تكوّنت برباط الدم وبتراتب الأجيال؟ وهل حقاً أن كلاً منهم هو نفس الشخص بالاسم الذي يُنادى به؟

لا تأكيد هنا ولا جواب بالمطلق على هذا السؤال، لأنّنا سنكتشف، بتتابع الأحداث، أن لا أحد من المجموعة هو نفسه، وربّما كانت حتى عميدة العائلة نفسها، تحمل اسماً آخر. ليس ذلك انتحالاً لأسماء آخرين أو رغبة في التخفّي، بل تبدو الكُنية الجديدة التي يصطفيها كلٌّ منهم لنفسه، أو تُمنح له من قبل الكبار، مثل انتماء إلى عالم جديد وإلى مجتمع جديد مُغاير للمكان والزمان الذي جاءت منه الشخصية. إنّها هويّة جديدة يبلغها الفرد اختياراً ويرفض الابتعاد منها أو الانسلاخ منها أيّاً كالنت الظروف.

وبالأضافة إلى ولعه وحبّه الكبير برواية حكايات الأواصر البشرية، انطلاقاً من الأواصر في العائلة، وبعد انعطافة غيرُ موفّقة بالكامل في العام الماضي بفيلمه البوليسي « جريمة القتل الثالثة »، يعود كوري - إيدا هيروكازو إلى موضوعة العائلة، مغزاها وضوابطها وعلاقة الفرد بالعائلة، فبعد أن سار على خُطى بيرتولد بريشت في (الإنسان الطيّب في ستسوان)، وآرثر ميللر في (كلّهم أبنائي) وإدواردو دي فيلّيبو في (فيلومينا مارتورانو)، أنجز هيروكازو عمله الجميل « الولد على سرّ إبيه - 2013 » وناقش به مسألة الأبوّة والأمومة، ولمن ينبغي أن يكون الحقّ في تلك الآصرتين، لمن نزل الابن من صلبه والأم التي ولدت ذلك الإبن، أم الأبوين اللذين سهرا على تربية الإبن وتنشئته؟؛ وبعد أن عالج قضية الأخت غير الشقيقة، وما يترتّب على هذه الآصرة من تداعيات وتطوّرات في شريطه « أُختنا الصُغرى - 2015 »، يعود للمرّة الثالثة، في غضون خمسة أعوام فحسب، إلى تناول هذه الآصرة عبر فيلمه الأخير.

ويفعل ذلك عبر هذه العائلة التي لا تنتمي إلاّ لنفسها، ولا تأتمر إلاّ لمواطنتها هي. فخلال واحدة من جولات الصبي شوتا في الأسواق العامة لسرقات صغيرة لسدّ الرمق بسبب شحّ المورد المالي للعمل الذي يمارسه كبار العائلة. فبرفقة شيباتو أُسامو، الذي نعتقده والده، يعثر شوتا على الطفلة الصغيرة جوريوهي تُقاسي البرد القارص في يوم شتوي بارد للغاية

تُأوى الصغيرة جوري في المنزل الصغير الذي يضمّ الخمسة الآخرين، وحين يسعى أوسامو إلى إعادتها إلى منزلها، يستمع إلى شجار حادٍ بين والدي الطفلة، فيُقرّر، هو ورفيقته نبويو، بالعودة بها إلى منزلهما وتبنّيها كواحدة من أفراد الأسرة.

تُدرّب جوري على فنون السرقة من الأسواق العامة وتنسجم مع حياة العائلة الجديدة وتُكنّى بإسم جديد، بعد أن يُقصّ شعرها ويُسرّح بشكل جديد. أخوها الجديد شوتا هو مدرّبها الأساسي، وحين توشك في الوقوع في الفخ يُسارع الصغير إلى إنقاذها على طريقته. يفلح في ذلك، لكنه يدفع الثمن بالرقوع في براثن الشرطة بسبب خطأ لم يتوقّع حدوثه، ويُصبح ذلك الحادث سبباً لإماطة اللثام عن تفاصيل عديدة للشرطة، وللمشاهد في آن، حيث تتكشّف جميع الخبايا

لكن هل سيُفضي ذلك إلى تفكيك هذه العائلة؟ هل سيتكافل أفرادها فيما بينهم للاحتفاظ بتلك الآصرة الجميلة التي ابتُنيت فيما بينهم؟

كوري إيدا هيروكازو يُجيب على جميع هذه الأسئلة كلّها عبر شريطه الجميل « عائلة السُرّاق ». وقد أجاب عليها بشكل رائع دعا لجنة التحكيم الدولية لمهرجان « كان » السينمائي الدولي إلى منحه « السعفة الذهبية » للدورة الـ 71 للمهرجان. وربّما كانت هذه الجائزة التي اتّفق عليها غالبيّة النقاد والمختصبن الذين حضروا المهرجان.

المدى العراقية في

23.05.2018

 
 

فيلم «البيت الذي بناه جاك».. كابوس لارس فون ترير الجميل

كان ـ «القدس العربي» ـ نسرين سيد أحمد:

بعد استبعاد دام سبعة أعوام، عاد المخرج الدنماركي لارس فون ترير إلى مهرجان كان متحديا، بفيلمه «المنزل الذي بناه جاك». لم يثنه الإبعاد والمقاطعة بسبب تعليقات له اعتُبر ت معادية للسامية عن إنجاز فيلم مؤلم صادم، فيلم لا يهاود ولا يسعى إلى المهادنة، فيلم انتزع صيحات الصدمة وإجفالات الأعين خوفا، كما انتزع تصفيقا لا يهدأ وإعجابا لا ينضب.

وعلى الرغم من أن الفيلم طُرح خارج المسابقة الرسمية في المهرجان، إلا أننا نكاد نجزم أنه كان الفيلم المرتقب من قبل الجميع، الفيلم الذي حرصت أعداد غفيرة من الحضور على مشاهدته. لم يتوان فون ترير يوما في تصوير القتامة أو الألم، ولم يسع قط إلى مغازلة الجمهور، ولعل عنوان الفيلم هو دليلنا إلى عالم فون ترير. «البيت الذي بناه جاك» هو في الأساس عنوان أغنية تراثية إنكليزية للأطفال، أغنية تروي قصة يغفو الصغار على وقع كلماتها، ولكن «البيت الذي بناه جاك» كما أنجزها فون ترير هي قصة يُراق فيها الكثير من الدماء، قصة عن قاتل متسلسل، وعن فلسفته في القتل وعن الجمال والإبداع الذي وجده في جرائمه، فهو قاتل يعتبر القتل فنا وينشد الكمال فيه. 

جاك (مات ديلون) يحلم بالكمال وتنفيذ جرائم قتل تضاهي في إبداعها أعظم ما أنجزه الفن البشري في مجال العمارة، فبينما شيد المعماريون كنائس وكاتدرائيات من نفائس المعمار القوطي في العالم، يسعى جاك، وهو مهندس دارس للهندسة وعاشق للمعمار، إلى تشييد صروح من جرائم القتل الكاملة، الجرائم دقيقة التصميم والتنفيذ. جاك وحيد متفرد في عالمه، تعنيه التفاصيل ويتمهل فيها ويبرع في تنفيذها، هو رجل مصاب بالوسواس القهري، يعنيه الكمال والدقة ، وهو أيضا ذواق للفنون والموسيقى، ويمضي الكثير من وقته في الاستماع إلى غلين غولد، عازف البيانو الكندي الشهير، ومشاهدة تسجيلاته التي تتسم بقدر فذ من الموهبة والإبداع.

وكما يسعى المبدع إلى تطوير تقنياته وشحذ قدراته، يسعى جاك إلى تطوير القتل، فلا تتشابه جرائمه ولا يتشابه قتلاه، فهو مجدد مبتكر في فنه الدامي، لا يواري جثث قتلاه الثرى، بل يحتفظ بها في غرفة تجميد ضخمة يشيد فيها صرح جرائمه. ولكن عمليات القتل وكيفية تنفيذها ليسا مغزى الفيلم وليسا جوهره، بل جوهره هو فلسفة جاك وعقله، ذلك العقل البالغ الذكاء والتعقيد. يبدأ الفيلم بصوت محاور يقارع جاك الحجة ويبادله الحديث، هو متحدث نسمع صوته ولا نراه إلا في نهاية الفيلم. نعرف أن الصوت لشخص يدعى فيرج (بزونو غانز). أترى فيرج هذا أحد هلاوس جاك؟ أتراه ملاك الحساب؟ هل هو هاو آخر للكمال والإبداع؟ هل هو شيطان أو فيلسوف؟ 

يصحب جاك فيرج ويصحبنا عبر تاريخه وقصته المقسمة إلى خمسة فصول يروي في كل منها جريمة من جرائمه وفلسفته الخاصة وتطورها وتطوره الإبداعي في القتل. جاك على قناعة بأنه فنان وفيلسوف، وأن جرائمه ليست مجرد إراقة للدماء بل هي أعمال فنية كاملة، يبرهن في حديثه مع فيرج على أن جرائمه ترقى إلى مصاف قصائد الشاعر البريطاني وليام بليك أو إلى عزف غلين غولد. يأخذنا جاك في حديثه مع فيرج إلى أدلة على إبداعه وفلسفته في رحلة في عالم الفن والشعر والموسيقى والسينما، إلى الحديث عن «مبدعي» القتل في العالم، ومن بينهم هتلر وموسوليني وستالين. من جحيم دانتي إلى ملاحم فيرجل، إلى فن انتقاء المواد الملائمة لكل طراز من طرز المعمار، تتشعب رحلة جاك مع فيرج. يعرب جاك عن افتتانه بتعامل الرايخ مع العمارة وتطويعه لها لخدمة أهدافه، وبهذا لم يكتف فون ترير بالعودة إلى المهرجان بعد سبعة أعوام من الاستبعاد، بل طرح في فيلمه الفكرة ذاتها التي أدت إلى معاقبته واستبعاده. 

إن كنت تبحث عن فيلم يهادن ومخرج يراعى الحساسيات ولا يسعى إلى أن يكيل بدل الصدمة صدمات، فلا تشاهد أفلام فون ترير، ففون ترير لا يترفق ولا يتجمل ولا تأخذه بنا هوادة. هو يعلم أن العالم فيه من القبح الكثير وفيه من إراقة الدم الكثير، ويعلم أن هناك من يستعذب إراقة الدماء ويتفنن فيها، ويعلم أن هناك من يجد في القتل لذة لا تضاهيها لذة، وهو يصور ذلك أمامنا كما لو كان يقول لنا أنظروا ما تصنعه أياديكم. يبحث جاك في أحد إبداعاته الدامية عن جريمة يقتل فيها أكبر عدد ممكن من الضحايا برصاصة واحدة، وهي جريمة استوحاها حقا من النازي. نرى تمثيل جاك بالجثث وتقطيعه لها إربا ليصنع منها إبداعات فنية، هي إبداعات صادمة تثير الفزع، ولكنها على فداحتها وفزعها لا تقل عما يشهده العالم من جرائم وحروب ومذابح لمن لا جريرة لهم. 

ليس الفيلم تمجيدا لإراقة الدماء، وليس احتفاء بالقتل كما يظن البعض، بل يضعنا فيه فون ترير وجها لوجه أمام ما يقترف في العالم من سفك للدماء باسم أيديولوجيات مختلفة وباسم تمجيد القتل لأسباب شتى. كما هو الحال في فيلمه «دوغفيل» (2003)، الذي يصور فيه انحدار النوازع البشرية صوب التعذيب والعنف والبطش والاستغلال الجسدي والجنسي، إذا تركت بلا حساب أو عقاب، يواصل فون ترير تصويره للجانب المظلم من الطبيعة البشرية في «البيت الذي بناه جاك». لا يقدم فون ترير في فيلمه الجديد تمجيدا للقتل والشر بل يضع نصب أعيننا ما يفعله الإنسان بالإنسان. ولكن يبقى السؤال من هو فيرج هذا الذي يحاور جاك ويستمع إلى شرحه لإبداعه الدامي.لا تتضح الإجابة على هذا السؤال إلا في نهاية الفيلم حين يستمع جاك إلى أنين القتلى ويستمع إلى صوت معاناة الضحايا، ذلك الصوت الذي يشتد ويشتد كلما اتجه صوب الجحيم. فيرج هو من يقتاد جاك إلى مصيره، هو لا يحاسبه على جرائمه، بل يسمعه فقط صوت ضحاياه، وهذا كفيل بالزج به في غياهب الجحيم. «البيت الذي بناه جاك» هو الجحيم ذاته، ليس الجحيم الذي تتحدث عنه الكتب وتتوعد به المذنبين.

القدس العربي اللندنية في

24.05.2018

 
 

«كفرناحوم» مهارة الإيحاء بقول كل شيء وأنت لا تقول شيئاً

إبراهيم العريس

سؤال: ما هو أكثر شيء يشبهه فيلم اللبنانية نادين لبكي الأخير «كفرناحوم» الفائز قبل أيام بجائزة النقاد في الدورة الحادية والسبعين لمهرجان «كان» السينمائي؟

جواب: بيان انتخابي لمرشحة طيبة النيات عن مقعد في المجلس البلدي لمدينة بيروت في لائحة للمجتمع المدني كانت مدعومة من الاتحاد الأوروبي لكنها لم توفّق في الفوز. ونعرف أن لبكي كانت تلك المرشحة بالفعل، كما نذكر أنها بكت كثيراً أمام الكاميرات التلفزيونية، فهي إذ رأت مشاهدها المصورة لاحقاً وأحسّت ببعض الخجل مما فعلت، قررت أن تثأر من أهل بيروت الذين خذلوها في معركتها البلدية. ولربما كان «كفرناحوم» سلاحها في ذلك الثأر. لسنا نجزم طبعاً، لكن تأكيد هذا مغر بالنظر إلى أن الفنانة اللبنانية الشابة وسيدة المجتمع المعروفة، دنت في هذا الفيلم الثالث في مسيرتها الروائية الطويلة مما يشبه «كاتالوغ» متكامل يستعرض كل الأمراض والمنغصّات والشوائب التي يعيشها المجتمع البيروتي حتى وإن لم تسمّ المدينة باسمها. وحتى وإن لم تلتقط لها أي صور توحي بأننا في بيروت حقاً. ومع هذا تتعدد الإشارات في طول «كفرناحوم» وعرضه إلى أن مدينة التنك هذه- والتي صورتها لبكي على شاكلة تصوَّر بها مدن التنك في البرازيل («مدينة الله» لموراليس) أو الدار البيضاء («علي زاوا» الرائع، ثم «ياخيل الله» والاثنان للمغربي نبيل عيوش) أو حتى بومباي («سلامدوغ مليونير» لداني بويل) في أفلام تعرف كنوع سينمائي بـ «بورنوغرافيا البؤس»!-، هي بيروت بقضّها وقضيضها. لكن «بيروت» هذه لا تشبه بيروت إلا في مخيلة مبدع يريد أن يثأر من مدينة خيّبته!
حق المبدع وحقوق الإنسان

لكن المسألة ليست هنا تماماً. ففي الحقيقة من حق المبدع، أيّ مبدع، أن ينظر إلى موضوعه من أي زاوية يشاء. ومن حقه أن يزحم موضوعه بأي أفكار وحوادث وشخصيات وعلاقات. ولبكي ليس عليها هنا أن تشذ عن هذه القاعدة الفنية المقدسة. المشكلة ليست في صدقية الأحداث أو عدمها. المشكلة في داخل الفيلم نفسه وفي الإثارة المحيطة به وصولا الى التلقي الذي كان من نصيبه والجائزة الطيبة التي أُعطيت له. والمنطلق هنا بالنسبة إلينا فنيّ خالص: فهل نحن هنا حقا أمام مبدَع يمكن للجنة تحكيم في مهرجان كبير كـ»كان» أن تفضّله على بعض التحف التي تبارى معها وبدت علامات في تاريخ السينما، مثل فيلم نوري بلغي جيلان الجديد «شجرة الإجاص البري» أم تحفة جيا جانكي «الرماد أنقى البياض» أو حتى «الكلّ» يعرفون» لأصغر فرهادي... أو «احتراق» للي تشانغ دونغ؟ وفي الحقيقة أننا لم نذكر هنا سوى عدد قليل من أفلام شاركت في المسابقة الرسمية للمهرجان وغادرته خالية الوفاض. فيما أجمع النقاد، بشكل متفاوت بين فيلم وآخر على أن كلاً منها يستحق جائزة أكثر ألف مرة من الفيلم «اللبناني». ولكن ما العمل ونحن نعرف أنها قواعد اللعبة. اللعبة التي تبدأ من قبل العروض ومن الصعب القول أن الأبعاد الإبداعية تتحكم بها تماماً. ونعرف دائماً أنك حين تختار لجنة التحكيم تكون قد حددت الفائزين سلفاً. أو التوجه العام للنتائج بصرف النظر عن قوة الأفلام وجودتها.

وهنا إذا كنا نرى، من وجهة نظر فنية خالصة أن «كفرناحوم» فيلم لا يرقى فنياً إلى مستوى عمل لبكي الأول والبديع «كاراميل»، وليس فيه من التماسك والإيقاع ما يجعله متفوقاً حتى على فيلمها الثاني «وهلق لوين؟»، فإن ما يعزز نظرتنا هذه هو افتقار الفيلم إلى أي لحظة سينمائية كبيرة تبرره. فهو في نهاية الأمر أشبه بريبورتاج تلفزيوني عن مدينة ما وعن بؤس هذه المدينة وسكانها يتحلق- وهنا الميزة الأساسية التي عرفت لبكي كيف تشتغل عليها بشطارتها اللبنانية الواضحة- من حول صبي رائع وفي ركابه طفل من النوع الذي يكفي أن تلتقط الكاميرا صورة لنظراته حتى يذوب المتفرجون حناناً وتنهمر الدموع من المآقي. وفي يقيننا أن الفيلم لولا وجود الطفلين في كل لحظة من لحظاته، ما كان أحد ليعبأ به باستثناء مناضلي حقوق الإنسان. وبالطبع من ناحية أخرى، باستثناء لجنة تحكيم لسنا ندري شيئاً عن الثقافة السينمائية لأعضائها وإن كنا نعرف أن اثنين من هؤلاء (ديني فيلنوف وروبير غيديغيان وهما مخرجان كيبيكي وفرنسي على التوالي صوّر أولهما فيلماً عن لبنان والثاني فيلماً فيه) كان يهمهما التعبير عن حبهما لوطن الأرز، كما نعرف أن غالبية الأعضاء النساء (خمس نساء بما فيهن السيدة الرئيسة، قيل أن معظمهن مناضلات من أجل قضية المرأة)، كن يجدن لزاماً عليهن أن تعطى جائزة ما لامرأة، في عام «التحرّش» الشهير هذا (!)، ولم يكن لديهن سوى ثلاث منهن واحدة (إيفا هونسون) مُرّغ فيلمها «بنات الشمس» في التراب منذ عرضه، والثانية إيطالية أُعطيت على أي حال جائزة السيناريو مناصفة (أليس رورفاشر عن التحفة السينمائية «لازارو السعيد»). وهكذا بقي في الغربال فيلم نادين لبكي اللبناني، النسوي، والمتحدث فوق هذا عن «قضية القضايا» في أيامنا هذه، المهاجرين والأطفال، بين هموم أخرى. في الحقيقة كان إعطاء جائزة ما لهذا الفيلم آمن شيء للجنة تحكيم تريد أن تعبر عن التضامن مع البائسين والمشردين والمعنفّات والمعنّفين، والمقموعين وسكان المناطق القذرة والمتروكين دون عون والأطفال البائسين والقصّر المتزوجات قسراً، ونصف دزينة من هموم أخرى عرفت نادين لبكي كيف تجمعها من ذلك الكاتالوغ الذي أشرنا إليه أول هذا الكلام من دون أن تكون وشركاؤها في الكتابة قادرين على خلق إيقاع موحّد لحبكة تبدو في معظم الأحيان غير منطقية، وفي إخراج يفشل مرة أخرى، بعد سنوات من «هلق لوين؟» في التأكيد على أن نادين لبكي سينمائية حقيقية. لكنها لا تفشل في التأكيد على نضاليتها في مجال حقوق الإنسان حتى وإن بدت هذه النضالية محدودة، نتيجة اختيارها الميلودراما الوعظية ونتيجة لجوئها إلى تجهيل كل شيء: فبعد كل شيء من هم هؤلاء المضطهدون أطفالاً ونساءاً وربما رجالاً أيضاً؟ هل هم لبنانيون؟ سوريون؟ فلسطينيون؟ إنهم بلا أسماء وبلا هويات تماماً كالمدينة التي تحتويهم. وأكثر من هذا كالفيلم الذي احتوى كل شيء لينتهي به الأمر إلى ألا يقول أي شيء وهو يعتقد، أو يوحي بشطارة فائقة، أنه يقول كل شيء!

####

«سارقو الحوانيت»: الياباني كوري - إيدا صوّر السعادة العائلية من منطلق مدهش ونال السعفة

إبراهيم العريس

عائلات كثيرة حضرت هذا العام على شاشات مهرجان كان، منها ما لا يقل عن ستة معظمها أساسي وحضر بـ «كامل» أعضائه، في المسابقة الرسمية وحدها: عائلات مفككة إنما غفلة الهوية (كما في اللبناني «كفارناحوم»- راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -)، عائلات دمّرها الأب ربما من دون أن يدرك ما تجنيه يداه (كما في تحفة التركي نوري بلغي جيلان الجديدة «شجرة الإجاص البري»، الفيلم الذي سحر كل محبي السينما حين عُرض في اليوم الأخير، لكنه كما يبدو لم يتمكن من لفت أنظار السيدات والسادة المحكّمين الذين يبدو أنهم لم يشاؤوا أن يرفعوا أنظارهم إلى أعلى من أنوفهم!)، وعائلات تعيش أكاذيبها ونسيانها ماضٍ لا يريد أن يمضي (عائلة بينيلوبي كروز وخافيير بارديم في «الكل يعرفون» للإيراني أصغر فرهادي). وعائلات عجائبية تعرف كيف تعبر الأحداث والأزمنة (كما في تحفة أليس رورفاشر الإيطالية «لازارو السعيد»). ولكن خاصة كان هناك العائلة «الأكثر سعادة» وتماسكاً... تلك التي عبْرها عاد الياباني المبدع هيروكاوزو كوري - إيدا إلى مواضيعه العائلية المفضلة، فتمكن- ويا لغرابة الأمر!- من أن يلفت نظر لجنة تحكيم أعطته السعفة الذهبية. وكان من شأن الفضيحة أن تكون كبيرة لو لم تفعل. فيلم السعفة الياباني إذاً عنوانه الإنكليزي- والياباني- «سارقو الحوانيت»، لكنه قُدّم بالفرنسية بعنوان أكثر حياداً هو «قضية عائلية». العنوانان على أي حال لا يفيان الفيلم حقه. فسرقة الحوانيت جزء ضئيل فقط من حبكة الفيلم. أما القضية العائلية فعنوان خادع تماماً.

بحثا عن عائلة مثالية

منذ عقد التسعينات، وكان بالكاد بلغ الثلاثين من عمره، ظهر كوري إيدا على مسرح السينما العالمية، لا سيما في المهرجانات الأوروبية، بأفلام بدأت وثائقية لتزداد روائيّتها بالتدريج، وتكاد جميعاً تدور في أجواء عائلية وتتمحور حول علاقات الصغار بالكبار أو علاقات الأول ببعضهم البعض. أو علاقة العائلة بأحداث طارئة مثل إبدال طفل بآخر في مستشفى الولادة، أو منع أم أولادها من مبارحة المنزل سنوات طويلة خوفاً عليهم. وبهذه المواضيع التي غالباً ما تبدو بالنسبة إلى مستعرضيها بسرعة، مواضيع عائلية عادية، تمكن كوري إيدا عبر أفلام مثل «بعد الحياة» (1998) و «لا أحد يعلم» (2004) أو «هانا» و «السير متواصل» (2006 و2008 على التوالي) وخاصة «الولد سر أبيه» (2013) و «بعد العاصفة» (2016)، وهي أفلام حققت له جوائز ونجاحات عديدة في «كان» وغيره، تمكن في عمق سينماه أن يطرح بقوة موضوع العلاقات العائلية في عالم اليوم، متسائلاً عمّا يكوّن العائلة: تكوينها البيولوجي أو تماسكها العاطفي. ومن هنا لم يبد غريباً أن يعود اليوم في «سارقو الحوانيت» إلى موضوعه نفسه ولكن فيما يشبه التلخيص المكثف والفلسفي لمجمل المواضيع المتعلقة التي كان طرحها في أفلامه السابقة.

أبعد من البساطة

لكن المسألة لا تبدو على مثل هذه البساطة في مجرى الفيلم. في سياق هذا العمل الذي اشتغل عليه المخرج لغةً سينمائيةً وصورةً وإدارةً للممثلين وغوصاً في الحياة الاجتماعية كما لم يفعل من قبل. فهو، بعد كل شيء، وإذ كان يرغب كما يبدو، في أن يُحمّل هذا العمل كلمته الأخيرة في هذا الموضوع الذي طويلاً ما شغل باله، عاطفيا واجتماعياً وفلسفياً، تعمّد كما يبدو أن يعطي العمل كل طاقاته الفنية فطلع من بين يديه تحفة سينمائية حقيقية، فيلما تسير خبطاته المسرحية مدهشة بل مذهلة أحياناً، حتى الخبطة الأخيرة التي تضعنا مرة واحدة، وربما من دون أن نعرف كيف، وسط سؤال السعادة العائلية التي رصدناها تحيط بحياة تلك العائلة على رغم بؤسها وصعوبات عيشها. السعادة العائلية هي تماماً ما صوّره لنا الفيلم في ثلثيه الأولين. سعادة لا يهزها الفقر ولا الخطر، ولا تعرف شيئاً من التفكك العائلي. ثم أن المخرج يكاد لا يخفي عنا شيئاً منذ البداية حين يأخذ بيدنا لنعيش مع الأفراد الستة، من مختلف الأجيال، الذين يعيشون معاً في ذلك البيت الضيق البائس الفوضوي الذي يعج بساكنيه، لكنه يعرف كيف يخلق حيزاً خاصاً- بل حميماً حتى- لكل واحد من أفراد العائلة. من الأب شيباتا أوسامو إلى الأم شيباتا نوبويو وشقيقتها الصغرى الحسناء شيباتا آكي، والصبي المراهق شيباتا شوتو والجدة العجوز شيباتا هاتسوي، إضافة أخيراً إلى الطفلة التي تنضم متأخرة إلى «العائلة» إلى درجة ستجعل لها اسماً مختلفاً هو يوري هوجو. والحقيقة أننا حين نتعرف إلى طفلة السابعة هذه إذ تنضم إلى العائلة، سرعان ما يدهشنا إندماجها مع الآخرين بعد فترة تردد تلي العثور عليها بردانة جائعة بائسة على شرفة ما، سيتبين لاحقاً أنه بيت أهلها الأصليين الذين سترفض أن تعود إليهم، مفضلة تلك السعادة العائلية التي هبطت عليها كالنعيم ذات ليلة مثلجة، حين يلتقيها الأب وابنه وهما عائدان من «عملهما» اليومي الذي يؤمن لهما عيشهما: سرقة المتاجر!

الحقيقة المدهشة

إذا ستعرف الطفلة يوري سعادة عائلية كانت تفتقر إليها. لكنها لن تعرف إلا بعد زمن أن حالها ليست استثنائية داخل هذه العائلة التي لن ندرك، نحن المتفرجون، إلا في دقائق الفيلم الأخيرة حقيقتها (وهنا نفتح هلالين لننصح قراءنا الذين يريدون أن يشاهدوا الفيلم بألا يكملوا القراءة هنا، لأن معرفة مجريات الحكاية سيفقدهم لذة متابعة هذا الفيلم المشوق!). لقد أشرنا سابقاً أن كوري إيدا يواصل في هذا الفيلم سبره للمسألة العائلية. ولكن من خلال عائلة ستبدو لنا في نهاية الأمر استثنائية. فهل نقول: ستبدو لنا عائلة غير بيولوجية ركّبتها الظروف الاجتماعية واللقاءات غير المتوقعة والتحايل على القانون، وخرق المألوف الاجتماعي، وصولاً إلى كل ما لا يتناسب مع المواثيق الاجتماعية؟ لن نستطرد هنا كثيراً تاركين القارئ ليكتشف الحقائق بنفسه حين يتحول متفرجاً. لكننا نشير على أي حال إلى أن الفيلم سرعان ما يرمي إلينا بإشارات مرتبكة تريد أن تقول ولا تقول. أن تفصح ولا تفصح. وهذا ينتمي إلى نوع من التشويق السيناريستي الذي يمكن اعتباره هنا درساً كبيراً في فن الكتابة السينمائية، حيث يتضافر الإيحاء مع التصريح في دعوة واضحة إلى المتفرج كي يجعل من نفسه جزءاً من اللعبة، بل حتى جزءاً من «العائلة». ولئن كان «انضمام» الطفلة يوري إلى هذه الأخيرة لا يكشف لنا أياً من أسرار الفيلم حتى وإن قُدّم كحدث يطرأ من خارج الإطار العائلي في ليلة ميلادية موحية، ويتضافر مع نفور الصبي من «أخته» الجديدة، كما يحدث عادة في الإطار العائلي حين يولد للأسرة طفل جديد يثير غيرة سابقه، فإن اكتشافنا العمل الذي تمارسه الصبية الحسناء التي يفترض أنها أخت ربة البيت، سيوقعنا في الحيرة: إنها تعمل في الجنس عبر التلفون. وعملها المربح هذا لا يثير أي استغراب داخل العائلة، إسوة بالطعام الذي يتم الحصول عليه من سرقة الحوانيت بواسطة الأب والابن المتعاونين خلال السرقة فيغطي أحدهما الآخر ثم يهربان بالغنيمة.

المتفرج متواطئاً رغماً عنه

بيد أن الإشارات السيناريستية والإخراجية سرعان ما تتكاثر متراكمة حتى من دون أن تدفع المتفرجين، الذين ربما كانوا في تلك الأثناء قد تحولوا إلى متواطئين تسلّيهم بل تطربهم هذه الحياة التي يعيشها أفراد العائلة، لا سيما حين يقيّض لهم أن يقوموا بنزهة بحرية معاً، تعكس عن حق وحقيق مقدار السعادة التي ينعمون بها في ظل تلك الحياة الغريبة التي يعيشون. ثم لاحقاً حين تموت الجدة هادئة مطمئنة إلى مصير ابنها وعائلته، قد يثور شيء من الاستغراب حين تتواطأ العائلة لدفن جثمان الراحلة داخل البيت بدلاً من إيجاد قبر لها. والحال أن هذا الحدث يأتي هنا ليعزز من الإحساس بهامشية العائلة، لا الإحساس بأن ثمة في الأمر ما هو خارج عن المنطق والحسّ السليم. أما هذا الإحساس الأخير فإن الفيلم يتركه لدقائقه الأخيرة. أي لما بعد نهاية تشبه بداية الفيلم، حيث يؤدي حادث صغير إلى انكشاف ما يقترفه الأب والابن من سرقات في المتجر.

وهكذا إذ يلحق الحراس بالصبي في شوارع المدينة ويصاب هذا الأخير إصابة بالغة وهو يقفز هرباً منهما ويُنقل إلى المستشفى، يكون الوقت قد حان لتدخّل الشرطة في الأمر... وبالتالي لانكشاف أسرار تلك العائلة وعودة كل شيء إلى مكانه الطبيعيّ غير باق من تلك السعادة العائلية التي عشناها مع أولئك الأفراد طوال زمن الفيلم، سوى تلك الصورة الملتقطة عند البحر تشي بأعلى درجات التضامن والحب والدعة، حتى وإن كان الصبي سيفاجئنا وهو راقد على سريره بالمستشفى بقوله لأبيه» أنه تعمّد أصلاً أن يكشف أمام الحراس ما يفعله ويهرب أمامهم كي يضع حداً لذلك كله!.

حسنا... قد يكون في انتهاء الفيلم على تلك الشاكلة شيء من الوعظ والزعم، بأن هذه الحياة ليست سوى حياة هامشية غير ممكنة وأن ليس في الإمكان خرق المواثيق الاجتماعية إلى درجة لا يمكن للخطوط الحمر تحملها. ولكن، في أثناء ذلك كان المخرج/ الكاتب قد قال كلمته وقدّم واحداً من أكثر الأفلام سعادة في السينما الحديثة، وبالتأكيد من خلال رسمه على مدى ساعة ونصف الساعة تقريباً صورة لعائلة اختارت أفرادها وحياتها بنفسها واختارت مهنتها وعيشها على سجيّتها. صحيح أنها في النهاية قد دفعت الثمن غالياً. بيد أن الفيلم قال لنا على أي حال إن ما دُفع ثمنه كان يستحق تلك التضحية!

الحياة اللندنية في

25.05.2018

 
 

خالد محمود يكتب:

«بنات الشمس» يرفعن شعار المرأة والحرية على شاشة «كان»

مشاهد إنسانية مؤثرة ووقائع حصرية وتحية خاصة للبطلات

«المرأة.. الحياة.. الحرية» كان ذلك هو الشعار الذى اهتزت معه صالة العرض وتفاعل من بها من جمهور وهم يشاهدون بطلات فيلم «بنات الشمس» ترددنه أكثر من مرة وهم يخضن معركتهن مع البقاء فى مشاهد لم تفارقها طلقات الرصاص ورائحة الموت.

الفيلم الفرنسى البلجيكى الجورجى المشترك الذى عرضته شاشة مهرجان كان السينمائى ونافس على جوائزه، بدا محط اهتمام الكثيرين، كونه يركز على قصة النساء الكرديات فى قتالهن ضد داعش فى سوريا دفاعا عن وطنهن المغتصب.

قدمت المخرجة إيفا هاسون وهى واحدة من ثلاث مخرجات مشاركات للمنافسة على جائزة «السعفة الذهبية»، قصة مختلفة، إذ يرفع شعار النضال والمقاومة العسكرية هنا مجموعة من النساء والفتيات ينتمين لبيئات متنوعة، كل واحدة منهن كانت لها صدمة كبيرة، إلا أن التقين على هدف واحد حيث تدور الاحداث فى مكان ما فى كردستان، لنرى إحداهن وتدعى باهار والتى تجسدها الممثلة الإيرانية غولشيفته فرحانى، وهى محامية شابة تقوم بدور مقاتلة كردية تقود فرقة من المقاتلات النساء اطلق عليها «بنات الشمس» كانت قد شكلتها وتستعد بها لاستعادة بلدة كوردية من بين أيدى مقاتلى تنظيم داعش بعد ان تم فيها أسْر أسرٍ عديدة فى معركة من أجل الأمل والشرف.

ما حرك باهار موقف لا ينسى وهو أنها عندما كانت تقوم بزيارة عائلتها فى ظل هجوم دموى يقوده المتطرفون، يقتل زوجها وتسجن مع ابنها وآلاف النساء والأطفال الآخرين الذين تم سحقهن والاعتداء عليهن وهتك عرضهن مرارا بعد ان قتل المتطرفون رجال البلدة وتبادلوا النساء والبنات كسبايا. ولكن بعد هروبها، قادت باهار «بنات الشمس».

ويكشف الفيلم عن النموذج النسائى الثانى فى الفرقة وهى ماتيلدا والتى تجسدها «ايمانويل بيركوت»، وهى مراسلة حربية ترصد وتصور وتسجل الحياة اليومية لـ«بنات الشمس» خلال 3 أيام من الهجوم والمعارك، وتتشارك باهار مع ماتيلدا فى سلسلة الأحداث التى واجهت وجمعت هؤلاء النساء هنا، متحدة معهن فى سعيهن من أجل الأمل والعدالة، وللخروج من هذا الوضع الذى لا يمكن تصوره، من المتطرفين، حيث تتوحد المشاعر وتتوطد كرابطة، ويبدو ان شخصية ماتيلدا تعد تجسيدا لشخصية الصحفية الأمريكية مارى كولفن التى قتلت فى سوريا عام 2012. وقد صورت المخرجة ببراعة تلك الأجواء من الخوف والقلق والصمود، سواء داخل المعسكر أو فى معركة الشارع، والتى غلتها قصص انسانية لا تعرف المبالغة، وكم كان المشهد ذكيا عندما سألت باهار ماتيلدا: هل ستكتبين الحقيقة؟ لتنسحب بعد ذلك الكاميرا على ماتيلدا وهى تقود سيارتها، لتروى القصة.

استلهمت المخرجة ايف هاسون فكرة صناعة الفيلم بعد أن قرأت عن مآثر وحكايات النساء الأكراد الحقيقية واللواتى تم أخذهن رهائن من قبل مقاتلى الدولة الإسلامية أثناء اجتياحهم لسوريا والعراق، لكنهن تمكن من الفرار ثم حملن السلاح ضد آسريهن السابقين، وتتبع المخرجة تفاصيل وقصص اللحظات بمشاهد تتوحد معها، وكما حكت إحدى بطلات الفرقة «كانوا يرتعدون خوفا عندما يسمعون اصواتنا النسائية»، بينما الرجال كانوا ينتظرون الضربات الجوية الامريكية، ويبدو ان السبب فى خوف أعدائهن منهن هو اعتقادهم أن قتلهم بيد امرأة يحرمهم من دخول الجنة كشهداء.

الفيلم بدون شك يؤكد روح العصر الجديدة التى أصبحت تغلف دورة مهرجان كان هذا العام وهى ان قضية حقوق المرأة أصبحت عنصرا بارزا فى معظم الأفلام وقد قادت الممثلة كيت بلانشيت مظاهرة ضمت ممثلات ومخرجات ومنتجات على البساط الأحمر تأييدا لحملة للدفاع عن حقوق المرأة بعد فضائح استغلال جنسى هزت صناعة السينما العام الماضى.

الفيلم رغم أنه مفعم بالشعارات والدموع، لكنه تعامل مع القضية بصورة بكر، تدمع عندما يغلب الالم، وتتأمل المصير والمستقبل فى لحظات الهدنة وقال بيتر برادشو من صحفية الجارديان عن الفيلم إنه «مؤثر وصريح ويركز على قوة النساء».

وهو فى النهاية يعد تحية من نوع خاص لأولئك النساء اللاتى جسدتهن ممثلات رائعات استوعبن جيدا الخيط النفسى للشخصيات، وخاصة الممثلة الايرانية غولشيفته فرحانى التى قدمت واحدا من اروع ادوارها وكذلك ايمانويل بيركوت.

الشروق المصرية في

25.05.2018

 
 

ثقافة التكريم السينمائي

نديم جرجوره

تكريم شخصيات سينمائية في مهرجانات دولية نابعٌ من التأثيرات المختلفة لأفعال تلك الشخصيات في المشهد السينمائي. تختار إدارات المهرجانات، غالبًا، عاملين في حقول شتّى منذ سنين عديدة، يُثرون الصناعة ويُطوّرونها ويُبلورون آفاقها واشتغالاتها. "نجومٌ" لن يكونوا استعراضيين فقط، فهؤلاء "نجومٌ" في مِهَنهم بالنسبة إلى مهمومين بالصناعة ونتاجاتها ومساراتها.

للتكريم قواعد، أوّلها كامنٌ في التساؤل عن اشتغالات المُختار للتكريم. أحيانًا، يُشكّل موت أحدهم سببًا وحيدًا وكافيًا لتكريمه بفضل أعماله وتأثيراته، فيُخصّص هذا المهرجان أو ذاك مساحة له، تتمثّل بلقاء بين معارف ومهتمّين، وقراءة شهادات فيه وعنه، وعرضٍ لبعض أعماله. إصدار كتابٍ أو كتيِّب عنه يحدث في مرات قليلة، علمًا أنّ مهرجانات عربية عديدة تُفضِّل إصدارات كهذه، يضعها صحافيون يجمعون، غالبًا، معلومات عن السيرة والأعمال، ويضمّون إليها مقتطفات من مقالات عن المُكرَّم وحوارات معه وأقوال له؛ أو يُحوّلون الكتاب برمّته إلى حوار طويل معه. 

هذا نشاطٌ مُتداول في مهرجانات كثيرة، ترتكز غالبيتها على مفاهيم عملية للتكريم، يُفترض بها أن تنبثق من مسار وتأثير وحضور فاعل. أحيانًا، يتّخذ التكريم شكلًا مختلفًا عن المعروف: ترميم نسخة قديمة لفيلمٍ من أفلام سينمائيّ راحل، وتقديمها في إحدى الدورات، والاتفاق مع سينمائيّ معاصر لتقديم النسخة المُرمَّمة بحديثٍ عنها وعن صاحبها وموقعها في حركة الإنتاج والثقافة والمُشاهدة. 

مهرجانات عربية متفرّقة تبدو، ببرنامجها المتعلّق بالتكريمات، غير مُدركة ثقافة التكريم. النجومية الجماهيرية سببٌ وحيدٌ بالنسبة إليها لاختيار المُكرَّم. لن تأبه لأفعاله الحديثة، أو للقيم التي تتضمّنها أفعاله السابقة، إنْ تكن الأفعال تلك حاضنة قيمًا جمالية ودرامية وفنية وتقنية وثقافية وبصرية ما. الأهم كامنٌ في نجومية المُكرَّم بمعناها الشعبي العادي، إذْ يظن مسؤولو مهرجانات عربية أن النجومية كافية لتسليط أضواء إعلامية واستعراضية على مهرجاناتهم. يظنّون أن كلّ "نجم" قابلٌ للتكريم، وأن دعوته متمكّنة من تفعيل حضور المهرجان في الاجتماع، وأن تكليف أحدهم بتأليف كتابٍ عنه يُغني الاحتفاء التكريمي، وأن اختيار أعمالٍ له بحسب المتوفر كفيلٌ بإشاعة ثقافة سينمائية ما، وبتنبيه الجمهور، إنْ يكن هناك جمهور لهذا المهرجان العربي أو ذاك، إلى جوانب من سيرته المهنية. 

يقول البعض إن إجراء مقارنة بين أفعال مهرجانات سينمائية عربية بما تفعله مهرجانات غربية أخرى مُسيء للأخيرة. هذا صحيح. لكن بعض المقارنة مفيدٌ في سياق البحث في وهن المهرجانات العربية، وعجزها عن مواكبة العصر، واكتفائها بروتينٍ وتقاليد مزمنة. كلامٌ كهذا غير موجّه إلى بعض المهرجانات العربية، التي يجتهد مسؤولوها لتمييزها، ثقافيًا وسينمائيًا وصناعيًا، عن غيرها. هذا البعض ينجح في ذلك فعليًا، وإنْ يكن عدد المهرجانات قليلًا.

العربي الجديد اللندنية في

25.05.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)