فيلم «ثلاثة أيام في كيبيرون» لإيملي آتيف… صورة
رسمت بحب لرومي شنايدر
برلين «القدس العربي» من نسرين سيد أحمد:
كانت الممثلة النمساوية المولد، صاحبة الجنسيتين
الألمانية والفرنسية، رومي شنايدر أيقونة أسطورية، أحاطت بها
الشائعات وقضت مضجعها في حياتها. واستمرت الأسطورة وخلدت بعد فجيعة
رحيلها المبكر عام 1982 وهي في أوج نجاحها في أوائل الأربعين من
العمر. قبيل نحو عام من وفاتها وافقت شنايدر على إجراء مقابلة
مطولة امتدت ثلاثة أيام مع مجلة «شترن» الألمانية، أثناء عطلة
للتعافي النفسي والجسدي كانت تمضيها في منتجع كيبيرون الفرنسي.
يروي فيلم «ثلاثة أيام في كيبيرون» للمخرجة الفرنسية الإيرانية
الأصل إيميلي آتيف، الذي يشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان
برلين السينمائي (15 إلى 25 فبراير/شباط الجاري)، تفاصيل هذه
المقابلة التي كشفت فيها شنايدر (ماري باومر) روحها وعذاباتها،
امرأة وأما، والتي أصبحت خالدة في ذاكرة عشاق شنايدر بفضل الصور
البديعة التي التقطها لها المصور روبرت ليبيك.
عرفت شنايدر الشهرة وهي لا تزال صبية صغيرة، عندما لعبت دور
الإمبراطورة النمساوية الشابة إليزابيث، الملقبة بسيسي. كان هذا
الدور نعمة ونقمة على شنايدر، فهو الذي فتح لها أبواب الشهرة على
مصراعيها في بلدها وخارجه، ولكنه أوشك أن يحصرها في نوع واحد من
الأدوار، وهو دور الفتاة الجميلة الرقيقة الحالمة، وهو الدور الذي
تمردت عليه شنايدر ووجدت فيه حصارا لموهبتها ولقدراتها كممثلة،
وغادرت بلدها إلى فرنسا لتجد آفاقا أرحب في التمثيل. هناك في
المهجر الفرنسي غدت شنايدر أسطورة سينمائية، عملت مع كبار المخرجين
في العالم، وأثبتت موهبتها في أدوار تخلد في الذاكرة والقلوب حتى
يومنا هذا.
لا تتطرق آتيف إلى عمل شنايدر السينمائي، ولكنها تركز على المرأة
المعذبة الجريحة، التي تخفي هشاشتها الإنسانية خلف ابتسامة تأسر
القلب وخلف تظاهر بالقوة. هي امرأة تكابد الحزن على انتحار زوجها
شنقا، وأم لصبي في الرابعة عشر يفضل الانفصال عنها والعيش مع أسرة
بديلة، وهي التي رغم نجاحها الكبير وشهرتها الواسعة، تعاني من
متاعب مادية كبيرة. وحشة، وألم نفسي تغرقه في الشراب أحيانا وروح
طيبة جذابة حقا، وامرأة مرهفة تتدثر برداء من القوة، هذه هي رومي
شنايدر كما تصورها آتيف في فيلمها.
إنها محاولة مخرجة امرأة تروي قصة امرأة أخرى عرفت النجاح والشهرة،
ولكنها كابدت ألما نفسيا مبرحا جراء ذلك. كل ما يؤلم شنايدر في
حياتها الخاصة كان غذاء للصحافة الصفراء التي اعتاشت على أخبارها
وعلى الشائعات حولها. نرى شنايدر في الفيلم تقتات على غذاء يومي من
الحبوب المنومة والشراب، أمور تحاول أن تسكن بها الألم والحزن بدون
جدوى. لا تسعى آتيف إلى تمجيد شنايدر ولا تسعى أيضا إلى هدم
أسطورتها، بل تحاول أن تصور لنا شنايدر، امرأة تواجه ألم الحياة
وصعابها وتواجه كل ما تخلقه الشهرة حول امرأة جميلة من وحشة
واستغلال من قبل الآخرين. نرى في الفيلم شنايدر امرأة نود لو كانت
صديقتنا، امرأة ذات ود وسحر طبيعي غير متكلف، تتعامل بلطف مع
الجميع وتضيء ابتسامتها المكان عندما تبتعد عنها سحابات الاكتئاب.
تبدو ماري باومر كما لو أنها خلقت لتلعب دور رومي شنايدر. أداء
رقيق ساحر تجسد فيه باومر التفاتات شنايدر وصوتها وابتسامتها
الرقيقة. نشعر كما لو كنا نقلب ألبوم صور تحتفظ به شنايدر على
مدفأتها أو أننا نحل ضيوفا على شنايدر في جلسة ود حميمية.
اختارت آتيف أن تنجز الفيلم بالأبيض والأسود في
شريط يتمتع بجمالية عالية، أضفى عليها اختيار الأبيض والأسود سحرا
خاصا. فيلم يفتح باب الحنين أمام عشاق شنايدر ومعجبيها، ويدعو جيلا
جديدا من جمهور السينما ومحبيها إلى دخول عالم شنايدر وعشقها كما
عشقناها.
####
السينما
العربية «حائرة» بين الفقر والغربة في مهرجان برلين
برلين – من أسامة صفار:
تخلو المسابقة الرسمية للدورة 68 من مهرجان برلين
السينمائي من الأفلام العربية، فيما تعرض الأقسام المختلفة
للمهرجان أفلامًا من المغرب ولبنان ومصر ضمن 450 فيلمًا.
وتختتم فعاليات الدورة الـ68 للمهرجان، غدا الأحد، وكانت قد انطلقت
في 15 فبراير/ شباط.
واكتفت السينما العربية بـ8 أفلام فقط في المهرجان رصدت أغلبها
ظواهر الغربة والفقر، وهي «من دون وطن»، و«جاهلية» من المغرب،
«الجمعية»، و«قبل ما أنسى» من مصر، «وأخيرا مصيبة»، «شغب: 3
حركات»، «أرض المحشر»، و «بين هيكل ستديو بعلبك» من لبنان.
الفيلم الأول «من دون وطن» للمخرجة المغربية، نرجس النجار، تسجيلي
يتحدث عن المهاجرين الذين يعيشون على الحدود المغربية- الجزائرية.
ويروي الفيلم قصة شابة تعيش مأساة ما وصفه بـ «ترحيل المغاربة قسرا
من الجزائر» سنة 1975، حيث أرغمت على الرحيل مع والدها إلى المغرب،
في حين أرغمت والدتها على البقاء في الجزائر، لتتضاعف معاناتها
ومأساتها بعد وفاة رب الأسرة، إذ ستجد نفسها من دون أوراق هوية.
ونرجس نجار مخرجة وكاتبة سيناريو ومنتجة، ولدت في مدينة طنجة عام
1971، وتابعت دراستها في الإخراج السينمائي في باريس.
أما الثاني فهو الفيلم الروائي الجديد للمخرج، هشام العسري، بعنوان
«جاهلية»، وتدور أحداثه حول إلغاء بعض طقوس عيد الأضحى في
الثمانينيات من القرن المنصرم بسبب الجفاف.
وعام 1981، شهد المغرب جفافًا غير مسبوق، كان من تبعاته نفوق ما لا
يحصى من رؤوس الأغنام، لذلك قرر العاهل المغربي الحسن الثاني منع
ذبح الأضاحي في عيد الأضحى.
ويبقى العسري مرتبطًا بهذه الفترة الزمنية، التي استلهم منها كل
أفلامه بدءًا من «نهاية»، ثم «هم الكلاب»، و«البحر من ورائكم»
و«ضربة في الرأس»، الذي مثل المغرب في بانوراما الدورة السابقة،
التي خصصت تكريمًا خاصًا للسينما المغربية.
والعسري مخرج سينمائي حظي فيلمه الروائي الطويل الأوّل «النهاية»
2011 بحفاوة نقدية كبيرة، ونال العديد من الجوائز.
فيما فاز فيلمه الثاني «هم الكلاب» 2013 بجائزة لجنة التحكيم
الخاصة، وجائزة أفضل ممثل في «مسابقة المهر العربي»، في الدورة
العاشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي.
ومن مصر، يشارك فيلم تسجيلي طويل بعنوان «الجمعية» للمخرجة
اللبنانية ريم صالح.
ويصوّر الفيلم، كيف تتغلّب نساء الطبقة الفقيرة من سكان روض الفرج،
شمالي القاهرة، على الأحوال الاقتصادية الصعبة عن طريق تكوين ما
يعرف بـ «الجمعية».
وقضت مخرجته اللبنانية سنوات تصور في حي «روض الفرج» الفقير في
القاهرة وتتابع نشاط بطلتها «أم غريب» في «الجمعية» التي تأخذ عادة
شكل بنك تعاوني «شخصي» بدلاً من البنوك وفوائد قروضها، يتشارك فيها
عدد من الأشخاص بمبلغ معين، وفي نهاية كل شهر يُسلم المجموع إلى
واحد منهم.
من ذلك الفعل، يذهب الفيلم لكشف الصراع اليومي لسكانه من أجل تأمين
لقمة عيشهم ومجابهتم الفقر والمرض، ويتناول قصصاً جانبية شديدة
الصلة بواقع الأحياء الفقيرة في مصر اليوم.
وارتفعت نسبة الفقر المدقع (عدم القدرة على شراء الاحتياجات
الأساسية) في مصر إلى 5.3٪ من السكان عام 2015، بعد أن كانت 4.4٪
في 2012/2013، الأمر الذي أرجعه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء
(حكومي) إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وهناك فيلم آخر قصير من مصر، هو «قبل ما أنسى» (27 دقيقة) للمصرية
مريم مكاوي (تمويل ألماني) ويعرض في قسم «الملتقى الممتد».
ومن لبنان يعرض أيضًا في «الملتقى الممتد» الفيلم القصير «وأخيرا
مصيبة» (16 دقيقة) للمخرجة مايا الشورجي عن ذكريات السجن ما بين
بيروت ودمشق، وفيلم «شغب: 3 حركات» (17 دقيقة) لرانيا ستيفان عن
كيف واجه شباب بيروت مشكلة تراكم القمامة في 2015.
كما يعرض من لبنان فيلم «بين هيكل ستديو بعلبك» (47 دقيقة) إخراج
سيسكا، وهو فيلم عن الرقص، و«أرض المحشر» (10 دقائق) لميلاد أمين،
و«على قد الشوق» لغسان سلهب.
ويشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان بدورته الحالية 19 فيلمًا
يمثلون 21 دولة من بينها الولايات المتحدة، السويد، فرنسا،
والفلبين.
وتشارك ألمانيا، منظمة المهرجان، في المسابقة، بثلاثة أفلام بينها
«ترانزيت» للمخرج كريستيان بيتزولد وهو مقتبس من رواية بالعنوان
نفسه، تدور خلال الحرب العالمية الثانية.
ويعرض المهرجان أكثر من 450 فيلما طويلاً وقصيراً، روائيّا
وتسجيليّا، ويشهد الكثير من الفعاليات مثل الموائد المستديرة
لمناقشة أهم قضايا الإنتاج السينمائي حاليا، وفعالية خاصة ترويجية
تسلط الأضواء على السينما الأفريقية.
وقد أضاف المهرجان هذا العام للمرة الأولى، قسماً خاصاً لعرض
مختارات من مسلسلات التلفزيون.
ويشتهر المهرجان بالسوق الدولية للأفلام، التي تقام بالتوازي معه
وتشهد مشاركة عدد كبير من شركات الإنتاج والتوزيع في العالم، حيث
تعقد الكثير من الصفقات لبيع وشراء الأفلام.
ويترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان المخرج الألمانى توم
تيكوير، ومن المقرر منح الممثل الأمريكى، وليم دافو، جائزة الإنجاز
الإبداعى خلال المهرجان.
ويعتبر برلين السينمائي أكبر مهرجان للجمهور على مستوى العالم حيث
يبيع 300 ألف تذكرة قبل انطلاقه، وينتظر الكثيرون من عشاق السينما
ساعات طويلة للحصول على تذاكر لحضور العروض المختلفة على شاشاته.
وصنف ضمن أكثر المهرجانات السينمائية أهمية في العالم ويقام في
فبراير/ شباط من كل عام، منذ تأسيسه سنة 1951.
وتختار لجنة التحكيم أفلاما مختلفة من جميع أنحاء العالم، أما
جوائز المهرجان فهي الدب الذهبي والدب الفضي، والذي يمثل رمزاً
للعاصمة الألمانية، ويشمل أيضًا عروضًا إعلامية (بلا مسابقات) في
البانوراما والملتقى.
وتعد المشاركة في مهرجان برلين جائزة لأي صانع سينما في العالم،
وتقام احتفالاته في «قصر برلينالي»، بمنطقة مارلين ديتريش.
(الأناضول) |