كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

برلين السينمائى يقترب من النهاية والدب ينتظر القناص..

رسالة برلين - علا الشافعى

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الثامنة والستون

   
 
 
 
 

·       الفيلم البرازيلى  The Heiressesيقترب من الجائزة.. والألمانى Transit  ينافسه ولكن هل تحمل الأيام الأخيرة مفاجأة كبرى

·       ترانزيت فيلم بديع عن مأساة الإنسان الأزلية "الهروب من الاضطهاد" و"إيفا" يخفق رغم نجومه

·       الفيلم المصرى الوحيد "الجمعية" يقدم صورة مفتعلة عن حياة البسطاء فى مصر

بعد مرور 5 أيام من فعاليات الدورة الـ68 لمهرجان برلين السينمائى الدولى، يبدأ الكثير من النقاد والمتابعين فى التكهن بالأفلام الفائزة، ومن هو المخرج صاحب الحظ الأوفر الذى سيقتنص الدب الذهبى، حتى هذه اللحظة تبدو المسألة غير محسومة، أو لنكن أكثر دقة، لم يكشف برلين عن تحفته السينمائية بعد وهو التوصيف الذى كان دائماً ما يطلقه الناقد الراحل سمير فريد.. لذلك فإن الكفة لا تزال تميل آلى الفيلم البرازيلى The Heiresses بطولة الممثلة آنا إيفانوفا ومارجريتا ايرن والمخرج ماركيلو مارتنيس، وينافسه فيلم Transit وهو من بطولة بولا بيير وفرانز روجوسكى وكتبه له السيناريو وأخرجه كريستيان بيتزولد وقدم فيه اقتباس معاصر لرواية للكاتبة الألمانية انا ساجيرز تدور أحداثها فى عام 1942 عن اللاجئين الهاربين من النازية آلى فرنسا فى الحرب العالمية الثانية ومحاولاتهم للحصول على تأشيرة سفر لعبور البحر.

والفيلم فى عرضه العالمى الأول بالمسابقة الرسمية لمهرجان برلين، حظى بحفاوة نقدية، بخاصة أن مخرج الفيلم بيتزولد، صنع عالما خاصا ربط فيه بين الحاضر والماضى، بمعنى أن هجرة البشر هى موجات لم تتوقف يوما ما اذا كان بطل الفيلم اليهودى الألمانى يحاول الهرب من الفاشية فى ألمانيا آلى فرنسا، إلا أنه فى رحلته تلك بفرنسا يصادف مهاجرين عرب وأفارقة وكان الماضى والحاضر مربوطان معا بسلسلة، تلك الفكرة الافتراضية التى بناها المخرج المتميز، وأضاف بها بعدا دراميا جديدا ومختلفا قياسا لاعتماده على نص أدبى يحظى بعرضه العالمى الأول فى مهرجان برلين، وحاول فيه بيتزولد تقديم فكرة لواقع افتراضى تربط الماضى بالحاضر، فالمأساة تتكرر وكأن التاريخ يعيد نفسه، بطل الفيلم الألمانى والذى يعلم باجتياح الفاشية لباريس، فيهرب آلى مرسليا، وتجعله الصدفة ينتحل شخصية كاتب مشهور توفى، وزوجته لا تعلم عنه شئ بل أنها على يقين، أنه لايزال على قيد الحياة ،ذلك الخط الوهمى الذى يرسمه المخرج، فنحن أمام بطل هارب من الفاشية، ولكن كل إحداث الفيلم فى العصر الحالة الملابس السيارات، الشوارع، ليس ذلك فقط بل أن بطلنا طوال الوقت يصادف مهاجرين يتحدثون العربية، ونازحين آخرين من إفريقيا، وكأن مخرج العمل ومن خلال سيناريو مدهش حقاً، يريد أن يقول لنا أن فاشية الأمس لا تختلف كثيرا عن قهر وظلم سلطات اليوم، ولاجئو اليوم هم امتداد طبيعى للهاربين والنازحين خوفا من الفاشية، الظلم هو هو ما اختلفت مسمياته.

فيلم "transit" لا يحمل تميزا فقط فى بنائه الدرامى المختلف، والمدهش بل أيضا على مستوى التمثيل ورسم الشخصيات، البطل بكل التحولات التى يمر بها، بدءا من الصدفه التى جعلته يلتقط كافة أوراق الكاتب المتوفى، مرورا برحلة هروبه من ألمانيا بصحبه صديقه الشيوعى المطارد والذى يتوفى منه فى القطار، حتى لحظة وصوله آلى فرنسا ومارسيليا، وذهابه آلى منزل صديقه، وتعرفه بابنه وزوجته التى تنتمى لأصول إِفريقية والخرساء، والصدفة التى جمعته بزوجة الكاتب، ونماذج الشخصيات المختلفة والتى قابلها داخل السفارة الأمريكية-( المرأة صاحبة الكلاب والموسيقار )_ حتى القنصل الأمريكى، الكل يحاول أن يهرب آلى أمريكا أو المكسيك شخصيات مدهشة، فى بناءها وردود افعالها وتحولاتها، حتى البطل والذى كان فى البداية يشعر بالذنب لانتحاله شخصية أخرى إلا أنه تماهى مع الشخصية تماما (مشاهدة بالقنصل الأمريكى والذى دائماً ما كان يسأله عن جديدة)- وأيضاً تطور علاقة البطل بزوجة الكاتب الساحرة.

فيلم transit يملك سحرا خاصا وبالفعل هو تجربة سينمائية مدهشة، وفي ظنى ينافس بقوة على جوائز المهرجان بفئاتها المختلفة.

وإذا كان المخرج الألمانى بيتزولد قد أخذ النص الأدبى فى فيلمه، وحلق بعيدا بخياله، صانعا عالم خاص شديد التميز إلا أن المخرج الفرنسى بينوا جاكو فى فيلمه "Eva" والمأخوذ عن نص أدبى أيضا وهو رواية للكاتب جيمس هادلى تشيس لم يكن موفقا آلى حد كبير، فالفيلم الذى قامت ببطولته النجمة الفرنسية المتميزة وصاحبة الشعبية ايزابيل هوبير فى سادس تعاون لها مع بينوا،  ويشارك فى بطولته جاسبار يوليل، بدء بشكل قوى ومبشر جدا فنحن أمام كاتب كبير مخضرم وحاصل على كبرى الجوائز الأدبية، إلا أنه وحيد ومريض وهناك شاب يأتِى ليعاونه ويساعده يأخذه إلى الحمام ليحصل على دش ساخن، ونفاجئ بأن الكاتب العجوز يطلب من الشاب أن ينزل معه إلى بانيو الاستحمام، بعد أن يمنحه كل ما فى جيب روبه الخاص من أموال، وفجأة يتعرض الكاتب لأزمة صحية، ويطلب من الشاب أن يسرع بإحضار دوائه، ولكن الشاب يراقبه حتى يتوفى.

بدأ الفيلم بشكل سريع وقوى وشخصيات مرسومة بدقة، الكاتب الكبير العجوز والشاب الذى يتركه يموت ليس ذلك فقط، بل إن الشاب يسرق النص المسرحى الأخير للكاتب ويغادر منزله حاملا معه اللاب توب الخاص بالكاتب، ويلقى به فى نهر السين حتى لا يكون هناك أصل آخر من النص المسرحى سوى النسخة المطبوعة فقط.

نحن أمام شخصيات خشنة وحادة وإيقاع سريع، وفجأة نجد أن ذلك الشاب ومن خلال النص المعنون باسم "password" وقد تحول لكاتب مسرحى مشهور، حيث تحقق مسرحيته أعلى ايرادات، وايضاً نجاح نقدى كبير، وتربطه علاقة غرامية بشابة جميلة، وطبعا يكون السؤال الحتمى للبطل ماذا عن نصك القادم، وهو النص الذى يفشل فى صياغته، حيث يقول للمنتج مرة أنه بصدد كتابة رواية، ومرة أخرى نص مسرحى جديد عن شخصية عاهرة، يعتبرها ملهمته تلك البداية القوية والمبشرة تاهت فى الكثير من التفاصيل الزائدة عن الحد فى سيناريو العمل، والخطوط الدرامية الفرعية، الكاتب شخصية شديدة التعقيد والتركيب نفس الحال بالنسبة لشخصية العاهرة المحترفة التى جسدتها إيزابيل أوبير والتى يبدو أن مخرج العمل استهوته تلك الشخصية فأصبحت هى التى تقود العمل، وليس منطق الدراما تماما مثل وقع البطل فى غرامها، وصارت هى التى تقوده، إيفا فيلم به مساحات درامية آسرة وشخصيات غير نمطية ولكن للأسف بدايته القوية لا تتسق ابدا مع تطور السيناريو والنهاية.

من أفلام المسابقة إلى البانوراما

عادة ما ننتظر المشاركات العربية فى المهرجانات العالمية، لأنها بالنسبة للسينما العربية وليست المصرية فقط شئ هام للتعريف بها، وإذا كانت هناك سينمات عربية أوفر خطا من السينما المصرية فى المهرجانات الدولية مؤخرا، لذلك نفرح عندما يكون هناك فيلم مصرى متواجد، حتى لو كان خارج المسابقة الرسمية، تلك هى الأجواء التى ذهبنا من خلالها لمشاهدة الفيلم المصرى "الجمعية "، احساس بالفرح لأننا سنشاهد فيلما عن ظاهرة مصرية خالصة لا تتكرر فى مجتمعات أخرى _ سوى الهند كما أخبرونى الزميلة الصحفية بالبى بى سى شيرين شريف_ الجمعية ذلك النظام الاقتصادى التكافلى الذى ابتدعه المصريون لمساعدة بعضهم والتغلب على الأزمات الحياتية، المخرجة اللبنانية ريم صالح ( والدتها مصرية من حى روض الفرح ووالدها لبنانى وتعيش فى قطر)- اختارت حى روض الفرج الشعبى وأحد الأحياء المصرية الشعبية الأصيلة، لترصد لنا تلك الفكرة والشخصيات التى تعيش وتتحاور معا وتتكاتف معا بعيدا عن نظام التقسيط والاقتراض من البنوك الذى يعنى خسارة مادية بسبب أرباح البنوك التى تتراكم، ويعتمد نظام الجمعية على بُعد اجتماعى، وهو أن الأشد احتياجا يقبضها أولا.. ريم والتى تترك كاميراتها تتجول فى الحى بحرية، تبدأ مع شخصية" أم غريب "تلك المرأة المصرية القوية، والتى تعمل فى دماغها الصفير المتواضع، وتقف فيه بعد أن مرض زوجها "أبو عادل، ولا تتردد أيضا فى حمل أنابيب الغاز للجيران، والحصول على نقابل لذلك، أم غريب والتى تبدو أنها مثل شيخ الحارة، تتولى هى جمع الجمعية الشهرية، وأيضاً التعريف بباقى شخصيات الفيلم الوثائقى، والتى تظهر فى الحارة، ومن خلال الاجتماع بين عدد من الجيران تشرح المخرجة برهافة، وصورة جميلة تعكس حالة التكاتف وكيف أن المحتاج أكثر وظروفه هى الاصعب يحصل على الجمعية أول فرد، ولكن سرعان ما تنسى ريم الجمعية، وتبدأ فى وضع تلك الشخصيات والذين يتحدثون عن مشاكلهم الجنسية تماما مثلما يتحدثون عن "أكلهم وشربهم"، فى فاترينة وكأنها تعرضهم للفرجة، وفى ظنى أن الفارق كبير بين الوقوع فى حب تلك الشخصيات، وافتعال التعاطف معهم، وكلامى هنا ليس انطلاقا من أن الفيلم يعرى مصر ويحمل إساءات لمصر، أو كيف لنا أن نسمح لمخرجة غير مصرية بأن تنشر غسيلنا المتسخ هكذا، وكان مصر لا تعرف سوى الفقر والجهل والتخلف، إطلاقا انا مع تعرية مشاكلنا، وعرضها لذلك استشهد بعدد كبير من أفلام موجة الواقعية الجديدة ومنها سارق الفرح وليه يا بنفسج وهى الافلام التى أطلق عليه بعض مخرجى وصناع السينما المصرية أفلام الصراصير والبلاعات، ومعظمها افلام صورت فى العشوائيات وليس الأحياء الشعبية، والفارق كبير بين الاثنين، فهى من أجمل الافلام المصرية، ومخرجيها رضوان الكاشف وداود عبدالسيد أحبوا تلك الشخصيات، وقدموا هذا العالم انطلاقا من تلك الزاوية، فى حين أن ريم والتى يحمل فيلمه مستوى فنى متميز من ناحية التصوير والإضاءة وشريط الصوت، إلا أن الفيلم يحمل الكثير من الافتعال وتحديدا مشاهد الختان وفض غشاء البكارة، والطقوس التى تصطحبه من رفع المنديل، حتى الطفلة الصغيرة والتى تتعامل على أنها امرأة تركت لها المخرجة الكاميرا لتقول ما تشاء وكأنها أعجبت بطريقة " تلك المرأة" المسخوطة.

ليس ذلك فقط بل وضح في مثير من المشاهد وأن المخرجة توجه الشخصيات لتقول أشياء بعينها ، لذلك الافتعال والتعمد قتل الكثير من روح الفيلم، والذي حمل شخصيات ثرية من لحم ودم مثل أم غريب وأحلتها حتى طلاق زوجها لها وتوجهه للخدمة في المسجد، والفتاة التى تزوجت وطلقت ثلاث مرات من زوجها وفى كل مرة كانت تعود لتنجب طفل ثم يقع الطلاق، وإبراهيم الذى تزوج وطلق بعد آسبوع لأنه لم يسترح مع زوجته، وتزوج بعدها مباشرة.

المخرجة لم تكن مخلصة لفكرة الجمعية والتى في ظنى اتخذتها تفصيلة، لتعرض بكاميراتها العديد من الشخصيات، للفرجة هناك  من يتزوج على زوجته، ومن يترك أبناءه غير آسف عليهم بحجة أن الله استعاده ليخلص له ويسبح بحمده، ويعتقد أنه بتركه أولاده بلا رعاية ولا اهتمام ينفذ شرع الله، الفيلم لا يحمل خطا فكريا واحدا المخرجة خطا فكريا واحدا بل كثير من الثرثرة عن روض الفرج التى أرادتها في خيالها .. وبالطبع حصد الفيلم على الكثير من التصفيق، ولما لا فكل المشهيات موجودة.

####

يرس جاكير يحمل جوليا زانجى فى مهرجان برلين

برلين علا الشافعى

لفت الفنان يرس جاكير الأنظار أثناء photo call لفيلمMy Brother's Name is Robert and He is an Idiot فى مهرجان برلين السينمائى، حيث قام جاكير بحمل جوليا زانجى أمام عدسات المصورين، فيما حضر أيضًا من صناع الفيلم ستيفان كونارسكى.

مهرجان برلين السينمائى فى دورته الـ68، يترأسها المخرج الألمانى الشهير توم تيكوير والممثلة سيسيل دى فرانس وشيما برادو والمنتجة أديل رومانسكى والموسيقار ريويتشى ساكاموتو والناقدة الأمريكية ستيفانى زكاريك.

وانطلقت فعالياته الخميس الماضى بعرض فيلم الرسوم المتحركة "جزيرة الكلاب" للمخرج الأمريكى الشهير "ويس أندرسون" ليكون فيلم افتتاح الدورة فى عرضه العالمى الأول.

الفيلم الكرتونى "جزيرة الكلاب"، يمثل سابقة أولى لمهرجان برلين، حيث إنها المرة الأولى التى يعرض فيها المهرجان فى افتتاحه فيلم رسوم متحركة.

وهو العمل الذى تدور أحداثه حول طفل فى الـ 12 من عمره، يسافر فى رحلة يجوب بها اليابان بحثا عن كلبه الذى فقده.. ويقوم بأداء الأصوات فى الفيلم نخبة من نجوم هوليود منهم إدوارد نورتون وليف شرايبر وبيل مورى وتيلدا سوينتون ويوكو أونو وغيرهم، ومن المفترض أن يعرض الفيلم فى دور السينما أبريل العام المقبل.

####

صور.. نجوم الفيلم الإيرانى Khook فى photo call بمهرجان برلين

برلين علا الشافعى

حرص نجوم الفيلم الإيرانى «Pig» Khook  على حضور فعاليات مهرجان برلين السينمائى وهو من إخراج مانى هاجيجى، وهو من بطولة حسن ماجونى، وليلى حاتمى، وليلى رشيدى، وباريناز إزاديار، وعلى باقرى وهو العرض العالمى الأول للعمل.

مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ68 ، يترأسها المخرج الألمانى الشهير توم تيكوير والممثلة سيسيل دي فرانس وشيما برادو والمنتجة أديل رومانسكي والموسيقار ريويتشي ساكاموتو والناقدة الأمريكية ستيفاني زكاريك.

وانطلقت فعالياته الخميس الماضي بعرض فيلم  الرسوم المتحركة "جزيرة الكلاب" للمخرج الأمريكى الشهير "ويس أندرسون" ليكون فيلم افتتاح الدورة فى عرضه العالمى الأول.

الفيلم الكرتونى "جزيرة الكلاب"، يمثل سابقة أولى لمهرجان برلين، حيث إنها المرة الأولى التى يعرض فيها المهرجان فى افتتاحه فيلم رسوم متحركة.

وهو العمل الذي تدور أحداثه حول طفل فى الـ 12 من عمره، يسافر فى رحلة يجوب بها اليابان بحثا عن كلبه الذى فقده.. ويقوم بأداء الأصوات فى الفيلم نخبة من نجوم هوليود منهم إدوارد نورتون وليف شرايبر وبيل مورى وتيلدا سوينتون ويوكو أونو وغيرهم، ومن المفترض أن يعرض الفيلم فى دور السينما أبريل العام المقبل.

اليوم السابع المصرية في

21.02.2018

 
 

لماذا هم فى البؤرة ونحن على الهامش؟ : «خنزير» فانتازيا سينمائية على الطريقة الإيرانية!!

طارق الشناوي

تشارك كالعادة إيران داخل مهرجان برلين بأربعة أفلام فى مختلف التظاهرات، بينها فى المسابقة فيلم «الخنزير خوك»، ولها فى جوائز المهرجان طوال تاريخه رصيد كبير، بينما السينما العربية مجتمعة تواجدها فى الماضى والحاضر لايزال هامشيا.

«الخنزير خوك» من إخراج وتأليف مانى حقيقى، يقع فى إطار «الفانتازيا»، حيث يتكئ المخرج على الإغراق فى الخيال، متجاوزا الكثير من القواعد الصارمة التى تفرضها الرقابة الإيرانية، ولكن بهامش محدود مقنن، يقف فيها على تخوم «التابوهات» ولا يتجاوزها، يحرص فقط على الوصول إلى أقصى ما هو مسموح، الرقابة صارمة فى تطبيق الممنوعات، من بينها العنف والدموية، المخرج مانى حقيقى لم يلتزم حرفيا، ستجد دماء وعنفا، حتى لو كانت تعبر عن خيال المخرج الذى منح البطولة لممثل يؤدى دور مخرج محبط يفكر فى مشروعه السينمائى، ولهذا أضاف هذا الهامش من الخيال الذى يسمح بقدر من الدموية، بينما هناك التزام بحجاب المرأة والبعد عن المشاهد العاطفية المباشرة، وإن كان هذا لم يمنعه من اللجوء أحيانا إلى سلاح الإيحاء، وهى جرأة ولاشك بمقياس السينما الإيرانية.. قبل أن نوغل أكثر فى فيلم «الخنزير» دعونا نُطل سريعا على السينما الإيرانية.

استطاعت إيران أن تتواجد بكثافة وألق عالميا بسينما فى قسط وافر منها خارجة عن نظام (الملالى) واقفة على الجانب الآخر من الجمهورية الإسلامية، بل تصل فى بعض الأحيان إلى أن تصبح رسالتها هى إسقاطها، وفى العادة تجد هؤلاء المبدعين بكثرة فى الخارج مثل المخرج محسن مخلباف كنموذج صارخ لهذا التوجه، يقيم فى باريس منذ سنوات هو وعائلته التى توارثت المهنة، وكان فى البداية من مؤيدى الثورة إلا أنه انضم لفريق المصلحين الذى ينادى بالحرية، فوجد نفسه معرضا للتنكيل به، فلم يجد أمامه سوى أن يهاجر فى انتظار التغيير السياسى، وهناك أيضا سينما خارجة من عباءة النظام، مخرجوها إما عن قناعة أو من أجل استمرار تواجدهم فى إيران، يواصلون العمل بكل القيود وتحت كل المحددات وأشهرهم مثلا مجيد المجيدى، وفى العادة تسند لهم الدولة أفلاما أو تسهم فى إنتاجها وترويجها، فى المسافة الواقعة بين مخرج يخرج عن النظام وآخر يخرج من النظام متبنيا قضاياه، نرصد قائمتى عن ومن، سنجد فريقا ثالثا مغضوبا عليه داخل ايران مثل جعفر بناهى ومحمد رسولوف وهما ممنوعان ولايزالان من ممارسة المهنة منذ 20 عاما أو مغادرة البلاد، ولديهما حكم مبدئى بالسجن 6 سنوات بحجة تقديم أفلام تحرض ضد نظام الدولة، إلا أنهما بين الحين والآخر يمارسان المهنة، ويبقى فريق رابع كان من علاماته عباس كيروستامى هذا المخرج الكبير الذى رحل عن عالمنا قبل أكثر من عام وأقام له العام الماضى مهرجان «كان» تحية خاصة، وأيضا تلميذه أصغر فرهدى، هؤلاء يقدمون أفلاما فى العادة إنتاجا مشتركا مع دول أجنبية: فرنسا وإيطاليا واليابان وألمانيا وغيرها، لا تحمل توجها سياسيا ضد إيران، ولكنها تراهن على قضايا الإنسان، أيضا تلتزم هذه السينما بمحددات لا تقترب منها وإن كانت توحى بها مثل الجنس والعنف الزائد، كما أنها غير ملزمة بوضع الحجاب فوق رؤوس كل البطلات، لأن هذه الأفلام تقدم عادة فى أجواء غير إيرانية، وعلى هذا لا يمكن فرض الحجاب على الشارع الغربى، مثلما هو مفروض أيضا على المرأة فى إيران، رغم أن التمرد ونزع الحجاب المفروض بقوة القانون فى ايران يحدث بين الحين والآخر.

الراحل كيروستامى وتلميذه النجيب أصغر فرهدى الحاصل على جائزتى (أوسكار أفضل فيلم أجنبى) سارا فى علاقتهما مع النظام على المثل الشهير (يا نحلة لا عايز عسلك ولا أخاف لدغتك)، فمن يحصل على العسل عليه أن يدفع الثمن لو خرج عن الخط بمزيد من اللدغات، فهما لا ينتظران شيئا من الدولة، وفى نفس الوقت لا يقدمان أفلاما تحمل موقفا مباشرا ضد النظام، ولهذا يُسمح لأصغر ومن يقف على نفس الخط بالسفر والعودة دون منغصات أو عراقيل، إلا أنهما غير مرضى عنهما من النظام ولهذا لا تسند لهما أعمال سينمائية.

يبقى السؤال، وهو أن التحليل العميق والموضوعى لقوة السينما الإيرانية وتهافت المهرجانات عليها باعتبارها السينما التى ينتظرها الجمهور وليس فقط النقاد والصحفيون، فهى لا تتكئ بالضرورة على توجه سياسى رافض كما يحلو للبعض تفسيره، وإن كان هذا لا ينفى قطعا أن العديد من المهرجانات الكبرى تحتفى بالسينما المعارضة، ليس فقط لأنها معارضة ولكن لما بها من سينما، وهو ما دفع إيران فى فترة حكم أحمدى نجاد للاحتجاج ضد عدد من الأفلام التى تواجدت فى المهرجانات على اعتبار أنه موقف سياسى إلا أن التجربة أثبتت أن المهرجانات تبحث أساسا عن الأفضل.

السينما برحابتها أحالت القيود التى يفرضها النظام الإيرانى بتلك الرقابة الأخلاقية إلى عوامل قوة، وهذا ما يفسر لك أن النظرة العميقة للحياة التى تتجاوز الحبكة وتقفز بالمتلقى بعيدا عن ملاحظة حجاب المرأة هى السائدة، كما أن حضور الأطفال بتلك النظرة البريئة والدهشة الدائمة صنعت مذاقا خاصا للسينما الإيرانية، والتى لا يمكن وصفها لمجرد أن البطل طفل أنها سينما الطفل، ولكنها سينما الإنسان فى كل مراحله العمرية لأن مخرجيها يحرصون على أن تأتى الإطلالة دائما على الحدث بعيون الطفل.

ويبقى الموقف السياسى فى عام 2015، حصد المخرج جعفر بناهى الدب الذهبى فى برلين عن فيلمه «تاكسى»، لم يستطع الحضور لأنه ممنوع ولايزال من السفر، البعض فسر الجائزة سياسيا كنوع من المؤازرة للمخرج الذى استطاع أن يهرّب فيلمه خارج الحدود لأنه دائما للأفكار والأفلام أجنحة، جعفر كان ولايزال ينتقد فى كل أحاديثه غياب حرية التعبير فى إيران، وفيلمه «تاكسى» الذى تميز بروحه التسجيلية من خلال لقاءات المخرج التى أجراها مع زبائن عابرين، حتى من تعرفوا على شخصيته أكمل معهم الحوار. بينما فيلم «الخنزير»، رغم خروجه بنسبة ما عن الإطار التقليدى للسينما الإيرانية وتقديمه لحالة كوميدية بروح «الفانتازيا»، فهو يُشعرك بكثير من الادعاء الكاذب، المؤكد سيخرج مساء السبت القادم عند إعلان الجوائز خاوى الوفاض، ويبقى السؤال: كيف تسلل أساسا للمسابقة؟ ربما بسبب قوة الدفع التى تحظى بها السينما الإيرانية، فكان لابد أن تتواجد فى المسابقة الرسمية!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

المصري اليوم في

21.02.2018

 
 

"الوريثات" من أبرز أفلام المسابقة الرسمية في مهرجان برلين

كتب بواسطةأمير العمري

يستمر مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ68 حتى الخامس والعشرين من فبراير الجاري، ويتم فيه عرض حوالي 400 فيلم، 19 منها تتسابق على جوائز الدب المرموقة التي يتم منحها في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.

من بين الأفلام التي شاهدناها في مهرجان برلين السينمائي يبرز حتى الآن فيلم وحيد جاء من باراغواي هو فيلم “الوريثات” للمخرج مارشيللو مارتنيزي، هذا الفيلم يدور حول شخصية امرأة وحيدة في بداية الخمسينات من عمرها هي “شيلا”، تعاني من تفاقم حالتها المادية إلى درجة أنها أصبحت مرغمة على مغادرة صفوف الطبقة الوسطى الميسورة في باراغواي، التي تنتمي لها، إنها تبدو كما لو كانت قد قبلت هذا التحول الدرامي الكبير في حياتها، في هدوء، لكنه الهدوء الذي يخفي تحته بركان حزن وغضب.

شيلا تواجه احتمال أن تسجن بعد أن تراكمت عليها الديون وعلى رفيقتها “شيكيتا” التي عاشت معها طويلا في المنزل نفسه، وغالبا تجمعهما من زمن علاقة جسدية أيضا، ولكن شيكيتا الآن هي التي تحمّلت عواقب المحنة الاقتصادية، فدخلت لتقضي عقوبة عدة أشهر في السجن بتهمة التحايل للحصول على قروض والعجز عن السداد.

أما شيلا فقد ظلت في الخارج مضطرة لبيع أثاث بيتها الذي ولدت وعاشت فيه طوال حياتها، بكل ما فيه من قطع فنية ولوحات نادرة، وهي تستعين بخادمة جديدة كونها لا تستطيع الاعتماد على نفسها في تدبير أمور حياتها، رغم حالتها المادية الصعبة، هذه الخادمة هي “باتي” التي تشعر بالضياع في فضاء ذلك المنزل الذي تباع قطع أثاثه واحدة وراء الأخرى.

شيلا الصامتة معظم الوقت، التي تخفي ألما داخليا عميقا، تجد نفسها وقد قبلت تدريجيا أن تصبح سائقة، تستخدم سيارتها الخاصة التي كانت تعتزم بيعها، في نقل صديقاتها ومعارفها من سيدات الطبقة الوسطى. إنها نماذج مختلفة لسيدات من الجيران ومن الصديقات والمعارف في نفس عمرها أو أكبر منها عمرا، تنقل بعضهن بسيارتها يوميا، بل تجازف وتقود السيارة في الطريق السريع، رغم أن رخصة قيادتها سحبت منها، والدافع توصيل المرأة الحسناء الشابة الحسية “إنجي” التي تفيض بالحيوية والحرارة، وتبدو من النوع الذي لا يمانع في إقامة علاقات مفتوحة مع الجنسين.

ما يكسب الفيلم الباراغواياني "الوريثات" مصداقيته وتأثيره الكبير، استخدام المخرج مجموعة ممثلات من غير المحترفات

هل ستقبل شيلا على إقامة علاقة مع إنجي خاصة وأنها مشدودة إليها تتطلع إليها بنظرات تنم عن الرغبة، أم ستفضل انتظار خروج شيكيتا من السجن؟ هل ستمضي في حياتها الجديدة استنادا إلى هذا العمل غير القانوني، مجازفة بأن يصدر عليها حكم مماثل بالسجن، أم ستنتقل خارج هذه الدائرة من الإحباطات المتتالية، تتحرّر من إحباطاتها وتعيش حياتها كما تريد؟

هناك الكثير من المشاهد التي تقترب من الواقعية التسجيلية، خاصة مشاهد زيارة شيلا لرفيقتها في السجن، ولعل مما يكسب الفيلم مصداقيته وتأثيره الكبير، استخدام المخرج مجموعة ممثلات من غير المحترفات، كما استخدم عددا من نزيلات السجون الحقيقيات وجعل كل واحدة منهنّ تروي بنفسها سبب وجودها في السجن.

ويستخدم المخرج مارشيللو مارتنيزي في هذا الفيلم الذي يبدو محيطه أنثويا بامتياز، اللقطات الثابتة، القريبة للوجوه، للأيدي المعروقة، للنظرات الصامتة، مع الحوار الذي يبدو عفويا بدرجة مدهشة، ولا شك أن المخرج ترك هامشا من الارتجال للممثلات.

الوسواس القهري

حتى الآن تصيبنا أفلام المسابقة بإحباطات متتالية، فالفيلم الفرنسي “إيفا” Eva للمخرج بينوا جاكوت الذي تقوم ببطولته باقتدار كبير إيزابيل أوبير، يبدأ بداية جيدة توحي بالكثير، لكنه سرعان ما ينحرف عن هذا المدخل المثير للاهتمام، ليدخلنا إلى قصة تقليدية تتعلّق بالعشق المرضي الذي يشبه مرض “الوسواس القهري” عندما يصيب شابا يريد بأي ثمن، أن يحظى بقلب امرأة تتمتع بشخصية أرستقراطية، لكنها في الحقيقة تمارس الدعارة مقابل أجر.

زوجها يقضي عقوبة في السجن، وهو يعرف بالطبع أن زوجته تعمل في الدعارة وغالبا هو القواد الذي يرتب لها اللقاءات التي تتم فقط في منزلها الأرستقراطي الفخم، لكن الشاب المولع بها نراه في البداية وهو أيضا يبيع جسده مقابل المال. وعندما يذهب لزيارة كاتب مسرحي إنكليزي مسن، يطلعه الرجل على مخطوطة مسرحيته الأخيرة بعنوان “كلمة السر” ويخبره أنه لم ينجح في العثور على منتجين لها في فرنسا وبريطانيا.

يصاب الرجل فجأة بنوبة قلبية ويتوفى فيستولي صاحبنا الشاب على المخطوطة، وتمر فترة من الوقت لنرى أن المسرحية أنتجت منسوبة إلى هذا الشاب باعتباره المؤلف، وهو مرتبط بابنة مدير الفرقة التي تعتقد أنه كاتب موهوب، لكنه لا يحبها، بل كل همه الآن أن يحظى بحب السيدة اللعوب الغامضة التي تكبره في العمر والتي لا شك أنها تعرف جيدا الحقيقة، إنه من ناحية يرغب في قتلها، ولكن رغبته في السيطرة عليها بالحب، أكبر.

من البداية التي توحي بفيلم بوليسي، ينتقل الفيلم إلى التعقب المرضي من جانب الشاب للعاهرة، رغم تكرارها أنها لم تحب رجلا غير زوجها.

مشكلة فيلم “إيفا” تكمن أساسا في السيناريو الذي يعجز عن تطوير الشخصيات والأحداث، فيظل يدور من حولها، في استطرادات وتنويعات كثيرة على نفس النغمة، كما يفتقد الفيلم إلى الإيقاع المتماسك فيسقط في الترهل والبطء، ويعاني من وجود ثلاث نهايات أو بالأحرى ثلاث فرص لتحقيق النهاية المناسبة، لكن بينوا جاكوت، الذي سبق أن قدم أفلاما أكثر إتقانا، لا ينهي فيلمه، بل يظل يستطرد من دون أن يضيف، فينتهي الفيلم فجأة من دون إشباع.

مشكلة فيلم "إيفا" تكمن أساسا في السيناريو الذي يعجز عن تطوير الشخصيات والأحداث، فيظل يدور من حولها

أما الفيلم الإيطالي في المسابقة “ابنتي” للمخرجة لاورا بيسبوري، فهو فيلم نسائي خالص، يصوّر ويعرض ويناقش موضوعا نسائيا في إطار عاطفي مليء بالمشاعر، ولكن رغم ميلودراميته الواضحة وسخونة أجوائه يحقّق استجابة لدى الجمهور كما تبدى في استقباله في العرض الصحافي الحاشد بالمهرجان.

بين أمين

ابنتي” أو على نحو أكثر دقة “الابنة التي تنتمي لي” The Daughter of Mine هو عن ابنة تدعى “فيتوريا”، لكن فيتوريا موزعة على امرأتين: “تينا” (فاليريا غولينو) من ناحية، وهي السيدة التي قامت بتربيتها ورعايتها منذ مولدها، وهي تحبها أكثر مما يمكن تصوّره، لكنها ليست أمها “البيولوجية”، وهناك من ناحية أخرى “أنجيليكا” (ألبا رورواتشر)، وهي الأم البيولوجية الحقيقية، غير أنها لم تفعل شيئا للابنة من الأصل، فهي صعلوكة، شريدة، فتاة البلدة العابثة المنحلة التي عاشت حياة خشنة، فقد أدمنت الكحول، وتمارس الدعارة بين وقت وآخر للحصول على ثمن الشراب.

وهي التي تخلت عن فيتوريا، بل ولم تكن تريدها أن تأتي إلى الحياة من الأصل، ولم تكن تستطيع أن تكون لها أما وهي تمارس هذه الحياة المنحرفة المختلة رغم طيبة قلبها، لذلك وافقت على أن تتخلى عن ابنتها لـ”تينا”.

كما هو معروف ومتوقع في مثل هذا النوع من الميلودرامات، سيأتي وقت عندما تبلغ الطفلة العاشرة من عمرها، لا يصبح ممكنا اخفاء الأمر كثيرا عن فيتوريا، خاصة بعد أن لاحظت هي التشابه الكبير مع أمها.

ما الذي سيحدث، هل ستنحاز فيتوريا لأمها الأصلية وتتخلى عن الأم الحقيقية التي منحتها كل شيء؟ لقد أصبحت أنجيليكا الآن بسبب استهتارها وحياتها المفتوحة المنحرفة، تعاني من تشوّش ذهني واضح كما أصبحت مهدّدة بالطرد من بيتها لعدم التزامها بدفع الإيجارات؟ وكيف سينتهي الصراع الحتمي الذي ينشأ بين المرأتين، وهل ستنجح محاولة تينا إبعاد أنجيليكا بدفع مبلغ من المال لها، أم سيتعين على كل من تينا وأنجيليكا مشاركة فيتوريا؟

صور مدهشة من عين كاميرا لا تكف عن الحركة، وموسيقى تصل إلى قمة الإثارة في النهاية، وفيلم أنثوي صنعته مخرجة هي لاورا بيسبوري.

البحث عن السعادة

فيلم “المصلي” The Prayer للمخرج الفرنسي سيدريك خان مشارك في المسابقة، ومخرجه معروف بتعدد أنواع الأفلام التي يخرجها وعدم التزامه بأسلوب واحد، وارتباط مستوى الفيلم الذي يصنعه بمستوى السيناريو، وهو قد يكون متميز من ناحية السيطرة على عناصر الإخراج كما يبدو في هذا الفيلم، لكنه رغم ذلك، لا يحقّق اختراقا كبيرا كما كان منتظرا، والسبب أن السيناريو لا يصل إلى مستوى الفكرة، أي فكرة التسامي الروحاني كوسيلة للتغلب على الإدمان، إدمان المخدرات تحديدا.

تومس هو البطل/اللابطل، وهو في الثانية والعشرين من عمره، يصل في بداية الفيلم إلى أبواب دير في جبال الألب الفرنسية، يبدو للوهلة الأولى كما لو كان سجنا كبيرا، أو مكانا صالحا للعزلة، وهو كذلك بالفعل، ولكن للتعبّد والأشغال الشاقة معا.

نزلاؤه مجموعة من الشباب من أصول فقيرة، جاؤوا للتخلّص من الإدمان عن طريق الصلاة والتقرب إلى الله حسب ما تقضي به تقاليد الكنيسة الكاثوليكية، وهم يخضعون خضوعا تاما لتعاليم الكنيسة ويلتزمون بتقاليدها، يساعدون بعضهم البعض ويتساندون، محظور عليهم عمل علاقات مع الفتيات (اللاتي يقمن في مبنى آخر منفصل) ومحظور عليهم التدخين وشرب الخمر.

هل سينجح توماس في عبور هذا الاختبار الصعب؟ إنه يصاب بعد فترة قصيرة بنوبة تشنج بفعل انقطاع التعاطي، وهو عاجز ثانيا عن التأقلم مع المكان ومع رفاقه الشباب، يرفض النصح، يحتج ويغضب ويتشاجر، يريد أن يغادر، فيغادر، لكن لكي يقع في غرام فتاة طرق بابها في القرية القريبة حيث قضى ليلته، لكنها تقنعه بالعودة إلى الدير فيعمل بالنصيحة.

هناك تمر سنتان، يحقّق توماس بعض التقدّم، ولكن هل هو مؤمن بالفعل بالمسيح أم أنه يتظاهر فقط كما تقول له الراهبة العجوز التي تأتي في زيارة تفقدية للدير؟ وتقوم بالدور ببراعة الممثلة الألمانية المخضرمة هانا شيغولا، التي عرفناها في الثمانينات من خلال أفلام فاسبندر والموجة الألمانية الجديدة بوجه عام.

يطرح الفيلم سؤالا يتعلق بالإيمان، بالعلاقة بين الجسد (الذي يخضع لإغراء تناول الضار وليس المحظور فقط) والروح التي تتألّم لغياب الشعور بالحرية، أي الخضوع سواء للمخدر أو لغيره من الأمور.

ربما لا يتمكن توماس من التعايش طويلا مع الحياة في الدير، رغم أنه يؤكد عكس ذلك، فعلاقته بالفتاة تطغى وتدفعه إلى أن ينهل من المتعة الجسدية.

 “المصلي” وهو نوع آخر من فيلم “دراسة الشخصية”، هنا الكثير من اللقطات الليلية في الطبيعة خارج الدير لمسيرة الشباب أثناء العمل أو الصلاة، على نحو يذكرنا بالفيلم الفرنسي الكبير “عن الآلهة والرجال”، ولكن شتان ما بين الفيلمين.

كاتب وناقد سينمائي مصري

####

قصص اللاجئين تلهم المخرجين في برلين السينمائي

صناع السينما يقولون إنهم يريدون أن يبعثوا برسالة سياسية وأن يستعرضوا التغيير الذي طرأ على أوروبا بسبب الهجرة.

برلين - يبدو أن صناع الأفلام في مهرجان برلين السينمائي الدولي وجدوا أرضا خصبة في مشكلة الهجرة التي ترهق ألمانيا منذ أزمة اللاجئين إليها عام 2015، إذ عرضوا هذا العام أفلاما تسلط الضوء على قصص هروب اللاجئين ووصولهم واندماجهم.

ففي النسخة الثامنة والستين من مهرجان برلين السينمائي الذي أسس عام 1951 لعرض أفلام تتناول موضوعات اجتماعية وسياسية، يستعرض المهرجان تجارب لاجئين، فيما لا يقل عن ثمانية أعمال مشاركة تضمنت أفلاما وثائقية وعملا فنيا مقتبسا من رواية تعود إلى أربعينات القرن العشرين.

ويقول صناع السينما في المهرجان إنهم يريدون أن يبعثوا برسالة سياسية وأن يستعرضوا التغيير الذي طرأ على أوروبا بسبب الهجرة.

وقال ديتر كوسليك مدير المهرجان “الآن يكثر النظر في ما يفعله اللاجئون بعد وصولهم إلى أوروبا، ما هو المستقبل الذي ينتظرهم؟”.

ومن الأعمال المشاركة في المهرجان فيلم “إلدورادو” للمخرج السويسري ماركوس إمهوف الذي يروي قصة مهاجرين جرى إنقاذهم قرب الساحل الليبي ونقلوا إلى إيطاليا، حيث قد ينتظرون في مساكن إيواء وينتهي بهم المطاف أحيانا إلى الترحيل أو يغادرون المخيمات للعمل بصورة غير قانونية ويخاطرون بتعرضهم للاستغلال.

وثمة فيلم وثائقي آخر بعنوان “سنترال إيربورت تمبلهوف” الذي يعرض حياة أناس يقيمون وينتظرون في مساكن إيواء للاجئين من خلال مدونة لاجئ سوري أقام في مطار تمبلهوف ببرلين.

ويوثق الفيلم، وهو من إخراج البرازيلي كريم آينوز، حياة سكان المطار الجدد ويقارنهم بسكان برلين وهم يمرحون في متنزه واسع مجاور ليبرز التناقض في وضع اللاجئين.

وقال المخرج البرازيلي كريم آينوز “هناك تناقض ظننت أن من المهم حقا توثيقه”.

وأضاف “أهم سؤال لأوروبا على الصعيد السياسي الآن، هو كيف يمكن لها أن تكون قارة متنوعة.. رائع حقا أن تكون هناك أفلام تتناول تلك المسألة”.

ومن خلال قصة خيالية تجري أحداثها في فرنسا المعاصرة ويظهر فيها بعض الألمان الذين يفرون من قوات تحتل مارسيليا، اقتبست أحداث فيلم “ترانزيت” من رواية للكاتبة اليهودية أنا سيجرس تروي فيها قصة هروبها من ألمانيا النازية عام 1940.

ويروي الفيلم، وهو من بين 19 فيلما تتنافس على جائزة الدب الذهبي في المهرجان، تفاصيل رحلة لاجئين يحاولون الحصول على تأشيرات دخول وأوراق رسمية في مسعى للهروب من الاضطهاد.

العرب اللندنية في

21.02.2018

 
 

فيلمان عن الناس والحب والهجرة وكوميديا إيرانية ركيكة

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي - 5 -: هل مهرجان برلين مصاب بالتخمة... ولمن تؤول رئاسته بعد عامين؟

برلين: محمد رُضا

سؤالان طافا في بال كثير من الموجودين، خلال أيام الدورة 68 من مهرجان برلين التي بدأت في الـ16 من الشهر، وتختتم في الـ25 منه.

الأول سرّ وجود عدد من الأفلام المتسابقة غير المدعومة بالمستوى الفني اللازم لاشتراكها في مسابقة مهرجان رائد كهذا.

الثاني عمن سيخلف رئيس المهرجان الحالي، دييتر كوزليك، عندما تنتهي ولايته في مطلع مايو (أيار) العام المقبل.

ليست هناك من طريقة لمعالجة الوضع الأول. نظرياً، فإنّ الأفلام المنتقاة هي من بين أفضل ما أنتج عالمياً، إلا إذا تدخلت عوامل أخرى غير معروفة. كما أن هذه الحالة قد تقع في أي مهرجان آخر صغيراً كان أم كبيراً. وبالنسبة للمهرجانات الأولى التي على غرار برلين ومنافسيه، «كان» وفينيسيا، فإن هذا سبق له أن حدث عدة مرّات، تحت عاملين رئيسيين: إمّا لجنة لديها تحبيذها الخاص، وإما أن المقتَرَح عليها من أفلام يحتوي على قليل من الأعمال البديعة.

الموضوع الثاني الذي هو أكثر انتشاراً في الواقع لا يقل أهمية. المهرجانات الكبيرة حول العالم لا تنتظر حتى الأشهر الأخيرة من السنة لكي تعلن مَن سيكون خليفة رئيسها أو مديرها الفني، بل تخطّط لذلك قبل وقت طويل. وخطة وزيرة الثقافة والإعلام مونيكا غروترز هي الإعلان عن الرئيس المقبل في غضون هذا الصيف حتى يلتحق بالرئيس الحالي كوزليك فيتعلم منه ما يجب عليه معرفته قبل أن يحمل بطيخات الدورة الـ70 سنة 2020.

في طيات ذلك الهدف تعيين لجنة سينمائية عليا تدرس وتقترح وتتألف من ألمان وغير ألمان فالوزيرة صرّحت في مؤتمر صحافي بأنّه ليس من الضروري أن يكون رئيس المهرجان ألمانيّاً، معيدة للأذهان الدورات السابقة التي رأسها السويسري موريتز دهدلن بنجاح ملحوظ آنذاك.

بعض منتقدي كوزليك يقولون إن المهرجان مصاب بالتخمة لاحتوائه على أكثر مما يجب من أفلام في أكثر مما يجب من أقسام وتظاهرات. لكن وإن كان هناك أكثر من 300 فيلم تتوزع على عشرة أقسام، فإن الزخم والحجم اللذين يتمتع بهما برلين هما التميّز المهم الذي يفصله عن المهرجانات الكبيرة الأخرى. طبعاً سينجح إذا ما قلص عدد تظاهراته وأقسامه إلى النصف، ما يمكنه من الاستغناء عن ثلث عدد أفلامه أو أكثر، لكنه قد يصبح نسخة قريبة أكثر من فينيسيا.

من أجمل ما يتحلّى به هذا المهرجان، ومهرجانات دولية أخرى، غياب الشللية؛ لا تستطيع أن تمد أصبعك نحو فئة وتسميها شلّة. هناك موظفون من شتّى المضارب والمشارب يعملون معاً لهدف واحد ولن تجد أن لفيفاً منهم يفرض خطاً خاصّاً به أو يفرض وصاياه ومصالحه وعلاقاته الخاصة، مفضلاً إياها على مصلحة المهرجان ككل.

أشباح وضباب

المؤكد بالنسبة للعروض ذاتها أنها حافظت على تنوّعها وأثار بعضها اهتماماً سياسياً ليس غريباً عن مهرجان برلين، كونه حافظ على دوره كوسيط بين اتجاهات العالم السياسية منذ أن كانت هناك أوروبا شرقية وأخرى غربية.

لجانب «7 أيام في عنتبي» الذي حصد فتوراً بين معظم النقاد، شاهدنا «ترانزيت» الذي يتمحور حول التجربة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية. هذه التجربة التي يتكرّر الغوص فيها مع تكرار كثير من الأفلام التي تتطرق إلى تلك الأحداث التي شهدتها أو جاورتها. كثير من هذه الأفلام تبدو كما لو كانت نتاج جهاز لصناعة المعلّبات، لكن من حين لآخر يأتي ما هو مختلف (بصرف النظر عن مستواه الفني) و«ترانزيت» للألماني كرستيان بتزولد هو أحدها... وليس على نحو كامل أساساً.

ففي حين تقبع كثير من تلك الأفلام في زوايا ميلودرامية متكرّرة حول ما حدث ونتائجه، يتخلص الألماني بتزولد من تبعات تلك المعالجات ويؤم حكاية جديدة بأسلوب عمل جيد في غالبه. بطله هو كاتب اسمه جورج (فرانز روغوفسكي) النازح إلى مرسيليا لكي يهاجر إلى القارة الأميركية عبر البحر. كان حصل على أوراق كاتب يهودي أقدم على الانتحار هرباً من مصير محتم اسمه وايدل، من بينها أوراق هوية؛ فإذا بالسلطات التي تمنح تأشيرات الهجرة تمنحه تأشيرتها على هذا الأساس الذي بات يفرض عليه التحوّل إلى شخص آخر سواه. هو الآن في أحد تلك النزُل الصغيرة القريبة من المرفأ ينتظر الإبحار على متن إحدى تلك البواخر المزدحمة. خلال ذلك يتعرّف على نزلاء آخرين طامحين لمغادرة رصيف المدينة بينهم ولد اسمه إدريس وامرأة يهودية كذلك على زوجة وايدل التي لا تدري بعدُ أن زوجها مات ولا أنّ جورج قد استولى على شخصيته ولو بالصدفة.

من المفترَض أن الأحداث تقع، كما في المصدر المتمثل في رواية وضعتها سنة 1942 آنا سيغر، وهي ذاتها التي وضعت عدة روايات عن الحقبة النازية في الثلاثينات والأربعينات من بينها ما حوّل إلى السينما «ستّة»، أبرزها فيلم فرد زنيمان الأميركي «العبور السابع» (1944). لكن ما يقوم به المخرج الحالي بتزولد هو نقل الأحداث إلى اليوم. نعم، النازيون قادمون وهناك لاجئون فارُّون، لكن مَن هم النازيون الذي احتلوا باريس، وها هم ينتشرون فوق باقي الأراضي الفرنسية وسيصلون إلى مرسيليا قريباً؟

بتزولد يوفر الجواب عن طريق استحضار شبح الماضي ليصبح ضباب الحاضر. بذلك يوحي بأن هناك نازيةً جديدةً وحروباً أخرى ومهاجرين، إنما من شتى الأجناس الخائفين مما قد يتعرضون له. وبهذا، هو غير ما توفر سابقاً عن أفلام هولوكوست.

بجلب الماضي ليلعب دور المؤشر للحاضر، فإنّ هذا الشبح المتمثل في زمن يعيد نفسه هو قريب أيضاً من شبح وايدل الذي يطغى على شخص جورج. حين يدخل الثاني القنصلية المكسيكية لاستحواذ «فيزا» يقع الخطأ الذي بموجبه تحوّل من شخص لآخر. من هنا سيعيش جورج تحت ضباب وايدل والظروف المختلفة التي تحيط به وبعمله الروائي والأمور ستزداد اضطراباً مع تعرّفه على زوجة وايدل (باولا بير) والوقوع في حبها.

جبريل ومريم

أمام هذا الفيلم فرصة لا بأس بحجمها لنيل «الدب الذهبي» في نهاية الدورة. لكن خارج المسابقة ثمة أفلام أخرى تتعاطى والمسائل الشائكة الحالية من بينها «جبريل» للألمانية (كذلك) هنريكا كول. ما تطرحه ليس بعمق طروحات «ترانزيت» بطبيعة الحال، لكنّه موحٍ ببعض الإشكالات الناتجة عن أناس في غير أوطانهم عليهم أن يعيشوا حياتهم ضمن الثقافة الجامعة وترتيبات ظروفهم الحاضرة. بطلة الفيلم امرأة شابة اسمها مريم (سوزانا عبد المجيد) تعيل ابنتها الصغيرة، وفي أحد الأيام يطلب منها إيصال طرد إلى سجين اسمه جبريل (مالك أدان). حين تلتقيه وراء قضبانه، يكتشفان أنّهما التقيا قبل عدة سنوات. شغف اللقاء الأول يتكرّر الآن ويزداد مع تكرار الزيارات.

الناتج حب من بعيد لبعيد يتبادله الاثنان (يقضي جبريل سنوات وراء القضبان) في معالجة لا تريد أن تتخلى عن رومانسيتها تحت أي ظروف مستفيدة من أن شخصية الفيلم النسوية هي امرأة وضعت عواطفها في الثلاجة بسبب ظروفها الخاصة، والآن تخرج هذه العواطف إلى العلن. حين تلتقط المخرجة مشاهد مريم بعد ذلك اللقاء الثاني تمنح شخصيتها تلك الأنثوية الناعمة التي تسير يداً بيد مع الحالة العاطفية الجديدة التي تمر بها. يبرز ذلك في مشهد لها وهي تدور حول نفسها أمام السجن كما لو كانت ترقص على ألحان موسيقى غير موسيقى المؤثرات، كما في مشهد قيامها بالرقص في حفل زواج صديقة لها.

العنوان رجالي، لكن البطولة نسائية، والمخرجة استمدت أحداثها، كما قالت في تصريحاتها، من حدث حقيقي صوّرته قبل أربع سنوات، كفيلم تسجيلي، حول حب متبادَل بالشكل نفسه، إذ تقرر صنع هذا الفيلم الروائي تختار منح الأحداث بعض التعميق بجعل الشخصيتين الرئيسيتين عربيين. هذا ينفع ضمن هذه الغاية لكنه لا يفيد كثيراً عند الحكم على الطريقة التي سرد الفيلم عبرها فإذا به مرتب أكثر من اللازم لكي تقع فيها الأحداث على نحو يؤمّن المرور في عنق الزجاجة لاحقاً. أكثر ضرراً تصميم اللقطات التي بمجملها قريبة بكاميرا محمولة ومبتهجة، كما أن علينا أن نتابع الكاميرا وليس الشخص الذي تصوّره.

في قسم «الفورام» عُرض فيلم إيراني عنوانه «خنزير»، ومخرجه اسمه ماني حجيجي، كان أم الإخراج قبل 18 سنة، وعرض له المهرجان، في هذا القسم تحديداً، بعضاً من أفلامه. إذا لم نسمع به سابقاً، على نحو أترابه من المخرجين الإيرانيين، فإن ذلك يعود إلى أنه أخفق في الوصول إلى مرتبة مماثلة.

الذي يحدث عادة هو تسريب فيلم إلى مسابقة في مهرجان ما يصوّر وضعاً محلياً بقدر كافٍ من الحسنات الفنية التي قد تؤول به إلى نيل الجائزة الكبرى. هنا يرفض المسؤولون الإيرانيون عادة النتيجة واتهام مخرجي تلك الأفلام بالخروج عن قوانين يجهلون ما هي وحين عودتهم يُحظر العمل لهم أو التعامل معهم. بعضهم، كمحمد رسولوف وجعفر باناهي، يجدون أنفسهم مهددين بالسجن.

لا أعتقد أن المخرج حجيجي سيهدّد بالمنع أو السجن ليس لأن فيلمه الجديد ليس من أفلام المسابقات، وبالتالي لن يجهر أمام الإعلام بأي شيء تعتقد إيران أنّه يمس بها، بل لأن الفيلم خالٍ من أي نقد أو دلالات ذات قيمة. الأسوأ من ذلك أنّه كوميديا رديئة الإخراج تدور حول مخرج كان ممنوعاً من العمل (هذا يأتي من دون بحث فيما جعله على اللائحة السوداء) يقف الآن وراء الكاميرا من جديد. لكنّ الظروف المحيطة الآن تدفعه إلى صرف الوقت على حل مشكلات عاطفية منها أنّ الممثلة التي تمثل الآن فيلماً لمخرج آخر يعاديه تبتعد عنه بينما يزداد هياماً بها. ابنته الشابة أيضاً لا تحبّذ تدخله في شؤون مستقبلها الفني. الساعة الأولى من الفيلم تمضي في متابعة هذه الأوضاع التي كان يمكن لها أن تُعرض في ربع الساعة الأولى لتتفرغ الأحداث لما هو أهم. قبيل نهاية الفيلم نكتشف أنّه ليس هناك ما هو مهمّ فعلاً بل حكاية نصف عاطفية مع كَمّ حوارات أكثر من المطلوب.

هناك خيط كان يمكن لهذا الفيلم الإمساك به وتحويله إلى بُعد سياسي: هناك مجرم خفيّ فالت يقتل مخرجي السينما. بطل الفيلم خائف على روحه والمخرج حجيجي لا يعرف كيف، وقد كتب السيناريو بنفسه، كيف يبقي الجانب العاطفي متزامناً مع ذلك الوضع الغامض الناتج عن وجود قاتل مجهول. وإذ يفقد الرغبة في توجيه مسألة قتل المخرجين لتحمل دلالات ما (قد يُقصد بذلك النظام، لكنّ هذا ليس وارداً) فإنّ النتيجة الماثلة ركيكة الكيان. المشهد يستمر عادة بعد زوال أثره الأول. تصميم اللقطات ومن فيها تقليدي والرغبة في اللجوء إلى فيلم آخر سريعاً لنسيان هذه التجربة هو الشعور الوحيد المتصاعد في النهاية.

####

روبرت إيفريت لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمه الجديد: انطباعي عن أوسكار وايلد أنه كان شريد زمنه

برلين: محمد رُضا

لم تكن حياة الشاعر والمسرحي الآيرلندي أوسكار وايلد مريحة. كان بلغ في منتصف العقد العاشر من القرن التاسع عشر مرتبة الشهرة بين أترابه، مسرحياته كانت تُقدَّم بنجاح في عواصم العالم الغربي، لكنّه كان يواجه مشكلات شخصية كبيرة. كان لوطياً في وقت كان القانون يدين هذا الأسلوب من الحياة، ويقضي على المذنب بعقوبة السجن. في حالته هو فإن العقاب (كون شريكه في الحياة التي اختارها كان من رجال السياسة وابن مركيز مقاطعة كوينزبيري)، شمل الأشغال الشاقة لمدة سنتين (من 1895 إلى 1897). إثر الإفراج عنه غادر بريطانيا وآيرلندا إلى فرنسا، حيث مات فيها سنة 1900 مصاباً بمرض السحايا (التهاب في أغشية الدماغ).

الفيلم الذي اختار الممثل البريطاني روبرت إيفريت أن يكون أول أعماله كمخرج هو «الأمير السعيد» الذي يروي السنوات الثلاث الأخيرة من حياة أوسكار وايلد. إلى جانب تحقيقه هذا الفيلم بنفسه قام بدور الكاتب في تلك المرحلة النهائية من حياته. حياة إيفريت حافلة بنحو 50 فيلماً من عام 1984 إلى اليوم. وسبق له أن لعب دور أمير في فيلم مختلف هو «جنون الملك جورج» لنيكولاس هتنر سنة 1994، لكنّه اشتهر أكثر بأدوار كوميدية وعاطفية أبرزها «زواج أفضل أصدقائي» و«راحة الغرباء». إيفيريت، على ذلك، كان قريباً من الأدوار الأدبية والكلاسيكية. لجانب «جنون الملك جورج» شوهد في «شكسبير عاشقاً» (لعب دور غريمه الأدبي كريستوفر مارلو) و«حلم ليلة منتصف الصيف» من بين أخرى.

في سن الـ58 يأتي قراره بالتحول إلى الإخراج مفهوماً ولو أن الفيلم يحمل من الطموحات أكثر من الإنجازات.

·       عُرض فيلمك الجديد «الأمير السعيد» عالميّاً لأول مرّة في مهرجان «صندانس» وليس هنا. هل هناك سبب معين لتفضيل المهرجان الأميركي على الألماني؟

- المسألة ليست مسألة تفضيل على الإطلاق. لم أنظر إليها كمنتج على هذا النحو. كل من المهرجانين حدث مهم جداً للسينمائيين. لكنّنا توخينا أن نعرضه أولاً في «صندانس» لأن المهرجان مفتاح دخول للسوق الأميركية. برلين مهرجان ضخم ومهم جداً ويسعدني أن أحضره ومعي هذا الفيلم.

·       متى بدأت التفكير بالتحوّل إلى الإخراج ولماذا؟

- في الحقيقة واتاني القرار بالتدرج. قبل بضع سنوات بدأت أفكر في أنني أريد القيام بفعل تغيير في حياتي. إنّه الوقت المناسب جداً في حياتي لمثل هذه الخطوة. لذلك بدأت كتابة سيناريو هذا الفيلم ولم يكن في بالي أن يكون عملي الأول بالمطلق. كنتُ أكتبه وأفكر في سواه.

·       متى قرّرت أنك تريد فعلاً تحقيق هذا الفيلم؟

- عبر مراحل الكتابة. كلما كتبتُ تبلوَر المشروع في ذهني كحاجة ماسة. دافعي التحوّل إلى الإخراج بدا منطقياً أكثر مع العمل المتواصل لهذا الفيلم. ما شجعني على ذلك هو أنّني أردت تقديم جانب آخر من جوانب حياة الشاعر لا أعتقد أن الأفلام الأخرى التي قدّمته اعتنت به على نحو كافٍ. وايلد بالنسبة لي لم يكن ضحية القوانين التي ارتبطت بمفاهيم ذلك العصر بقدر ما كان ضحية نفسه. كان شريد زمنه أكثر ممّا كان الشخصية الحكيمة المطلقة التي جاءت بها بعض الأفلام السابقة. الصورة التي أردتُ تقديمها هي لشاعر كبير مات مفلساً ومريضاً ومهملاً. مات شريداً.

·       هل شهد الفيلم حماس المنتجين لتمويله بسبب موضوعه أو بسببك أنت؟

- لا أستطيع أن أقول بكل راحة إن المنجين تحمّسوا لي أو للموضوع في بادئ الأمر. دعني أشرح ما أعنيه. منذ البداية وجدتُ أنني أريد تمثيل الدور الأول. لم أكن قرّرتُ أن أصبح مخرج مشروعي على الرغم من أنني كنت أبحث كما قلتُ عن فرصة لتحولي من التمثيل إلى الإخراج. لكن بعض المنتجين خشوا قيامي بهذا الدور. ربما نظروا إلى من خلال أدواري الكوميدية فقط. أخذتُ أبحث عن مخرجين للفيلم ووجدت أنّ مَن تكلمت إليهم في هذا الخصوص لم يمتلكهم الحماس الذي كان يسكنني. هنا ولهذه الأسباب قررت أن أخرج الفيلم بنفسي وأن ألعب بطولته أيضاً.

·       لماذا توجه اهتمامك إلى السنوات الأخيرة من حياة أوسكار وايلد وليس أي فترة أخرى؟

- لأنّها فترة لم تُثِر اهتمام أحد من قبل. وردت في طيات أعمال بيوغرافية شاملة لسنواته النشطة قبل محاكمته. أو هي تخصصت في تلك المحاكمة. بالنسبة لي تلك السنوات الأخيرة كافية لتلخيص رحلته كاملة كرجل سقط في الشق الذي يصعب الخروج منه بعد فترة من النجاح الكامل.

·       في الفيلم تؤديه كشخص أهمل حياته واستحق ما وصل إليه. وهذا أمر لم تتطرق إليه أفلام أخرى أيضاً.

- هذا حقيقي. أعتقد أنه دَمّر نفسه من حيث لا يعي، أو لكي أكون دقيقاً أكثر، من حيث سمح لنفسه بأن يتغافل عن سقطاته. لا أتحدث عن جوانب أخلاقية فقط بل مهنية أيضاً. أعتقد أنّه انساق للاثنين بكثير من الشغف وهذا الشغف هو ما أحببته فيه، لكن ليس النتائج.

·       مثّلتَ عدداً من الأفلام التاريخية. هل ساعدك هذا في مهمتك لتحقيق هذا الفيلم بالتحديد؟

- نعم، أعتقد أن قيامي بتمثيل كثير من الأفلام الأدبية والتاريخية أعطاني الوسيلة لكي أعرف تماماً ما الذي أنشده كمخرج من وراء هذا الفيلم. هناك مهام كثيرة ملقاة على كتفي أي مخرج وهي كافية لكي يشعر بثقلها، لكنّ أخطر هذه المهام منح الفيلم المعالجة التي يريدها لعمله. هذا يتعلّق بالتصميم الكامل فنياً وكتصميم وكأسلوب.

·       ... وكانت لك أفلام مثّلتها من كتابات وايلد أيضاً...

- بالتأكيد، مثلتُ إحدى مسرحياته في باريس.

·       بالفرنسية؟

- نعم، هي مسرحية «ضرورة أن تكون مخلصاً» وقد لاقَت نجاحاً كبيراً في الحقيقة.

·       ومثلتَ فيلماً مأخوذاً عن تلك المسرحية أيضاً؟

- صحيح. مأخوذ عن المسرحية التي وضعها وايلد وليس المقتبَسة عنه. مثلت أيضاً «الزوج النموذجي» قبل 20 سنة تقريباً. أسمّي ذلك لقاءات بيني وبين أدب أوسكار وايلد وشخصياته لذلك أعتبرها أيضاً من تلك العناصر التي لم تكوّن اهتمامي به فقط، بل كوّنت كذلك طبيعة الفيلم الذي حققتُه عنه.

·       خلال العام الحالي سنراك في فيلم واحد على ما أعتقد... لماذا؟

- انتهيتُ من تصوير دور السير هيو روز في زمن الملكة فيكتوريا... وها أنا ذا أعود للتاريخ (يضحك). سعدت به جداً لأن التجربة جديدة ولمخرجة هندية. لكنّ هذا سيكون الفيلم الوحيد الآخر الذي لدي هذه السنة.

·       هل من سبب؟

- نعم. سأنشغل طوال السنة بتمثيل مسلسل تلفزيوني عن رواية أمبرتو إيكو «اسم الزهرة».

·       هل هناك من مشروع آخر ستقوم بتحقيقه؟

- هناك أفكار في البال حالياً. أنا متأكد من أنّ أحدها سوف يتحوّل إلى سيناريو.

·       ما الذي خرجتَ به من هذه التجربة الأولى؟

- تعلمتُ أنّ الإخراج للمرّة الأولى مسألة دقيقة، ليس فقط بالنسبة لمستقبل المخرج بل في تعامله مع الآخرين خلال التصوير. عليه أن يكون مدركاً تماماً ما يريده ولماذا، وإلّا لبدا ضعيفاً، وهذا ما يقود إلى فوضى.

·       سأقوم بإخراج أول فيلم لي قريباً... هل لديك نصيحة؟

- صحيح؟ رائع... نصيحتي أن تتأكد تماماً ممّا تريد فعله وادرسه جيداً قبل البدء بالتصوير.

الشرق الأوسط في

22.02.2018

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)