يتنافس 19 فيلما في مسابقة الدورة الـ68 من مهرجان
برلين السينمائي التي تقام في الفترة من 15 إلى 25 فبراير الجاري،
على جائزة الدب الذهبي وغيرها، في المهرجان الذي يعدّ أحد أهم
ثلاثة مهرجانات في العالم، إلى جانب مهرجاني كان وفينيسيا، إلاّ أن
المسابقة الرئيسية تخلو هذا العام من الأفلام العربية، بما في ذلك
الأفلام الأوروبية التي يخرجها مخرجون من المغتربين العرب.
تفتتح الدورة الـ68 من مهرجان برلين السينمائي (أو البرليناله)
للمرة الأولى بفيلم من أفلام رسوم (التحريك)، هو “جزيرة الكلاب”
Isle of Dogs
وهو من الإنتاج البريطاني، ومن إخراج المخرج الأميركي لويس
أندرسون، وهذه هي التجربة الثانية لأندرسون في فيلم من أفلام
التحريك بعد فيلمه “مستر فوكس الخرافي” (2009). ويروي “جزيرة
الكلاب” قصة تدور في اليابان في المستقبل، حيث تقوم السلطات بإبعاد
جميع الكلاب إلى جزيرة منعزلة، بسبب الشك في وجود فيروس مُعد ينقل
عن طريق الكلاب، وهناك يقرّر خمسة من الكلاب التمرّد على هذه
العزلة القسرية، ومن بينها الكلب الخاص ببطل الفيلم الصغير “أتاري”
الذي يذهب إلى الجزيرة للبحث عنه وتخليصه.
ويشارك في الفيلم -بأصواتهم فقط- عدد من مشاهير الممثلين، مثل
هارفي كيتيل وسكارليت جوهانسون وتيلدا سوينتون وبيل موراي وليف
شرايبر وف. موراي أبراهام.
وتشارك الدولة المنظمة للمهرجان، ألمانيا، بثلاثة أفلام في
المسابقة كما تشارك في إنتاج فيلمين آخرين، ومعظم الأفلام المشاركة
في المسابقة من الإنتاج المشترك، ولكننا سنعتمد هنا على جنسية
المخرج وطبيعة الفيلم وموضوعه ومكان أحداثه، لتصنيف الأفلام بغرض
تفادي ما قد ينتج من تشويش في حالة ذكر الدول المشاركة في الإنتاج
وهي متعددة.
ومن الولايات المتحدة، أكبر وأهم بلد منتج للأفلام في العالم، يأتي
الفيلم الجديد للمخرج غاس فان سانت “لا تقلق فهو لن يبتعد كثيرا
على قدميه”
Don’t Worry،
He Won’t Get Far on Foot
وهو من بطولة جواكيم فينيكس وروني مارا وجونا هيل، وقد عرض هذا
الفيلم في مهرجان سندانس، غير أن الغالبية العظمى من أفلام مسابقة
برلين من الأفلام التي تعرض للمرة الأولى على الصعيد العالمي،
وموضوع الفيلم يعتمد على مذكرات الموسيقي وفنان التحريك جون
كالاهان الذي يتعامل مع موضوعات مقبضة تتناول فكرة الموت. أما
الفيلم الأميركي الثاني في المسابقة، فهو “دامسيل”
Damsel
الذي اشترك في إخراجه الشقيقان ديفيد وناثان زيلنر، وهو من نوع
الكوميديا التي تتخذ شكل أفلام “الويسترن”، ومن بطولة روبرت
باتينسون وميا فاسيكوفسكا.
العلاج بالصلاة
يشارك المخرج الفرنسي -من أصل إيراني- إيميلي عاطف بفيلم من
الإنتاج الفرنسي (بمشاركة ألمانية)، وهو فيلم “3 أيام في كيبيرون”،
وتشارك إيران بفيلم في المسابقة، هو “خنزير” للمخرج ماني حجيجي
الذي تخرّج من جامعة أونتاريو بكندا، والفيلم من النوع الكوميدي
وتشترك في بطولته ليلى حاتمي وحسن ماجوني وليلى رشيدي.
ومن فرنسا يشارك المخرج سيدريك خان بفيلم “المُصلي”
The Prayer
الذي يصوّر كيف ينضم شاب أدمن تعاطي المخدرات إلى مجموعة من
المدمنين السابقين الذين اتخذوا لهم مكانا منعزلا في الجبل، حيث
يعالجون الإدمان بالصلوات والتسامي الديني.
ومن ألمانيا يعود للمسابقة المخرج كريستيان بيتزولد بفيلم
“ترانزيت” الذي يقوم ببطولته فرانز بوكوفسكي وباولا بير، وهو مقتبس
من رواية بالعنوان نفسه، تدور خلال الحرب العالمية الثانية حينما
يتم تكليف شاب في السابعة والعشرين من عمره، بتوصيل رسالة إلى شخص
ما ألماني يعيش في باريس، لكنه يعلم أن الرجل الذي يبحث عنه قد
انتحر، ويبدأ في جمع المعلومات عنه وعمّا كان يفعله ويعيد رسم صورة
كاملة لحياته في زمن الصراع، وكان بيتزولد قد شارك في مسابقة برلين
في عام 2012 بفيلمه “باربره” من بطولة نينا هوس.
ومن ألمانيا أيضا يشارك فيلم “في الممرات” للمخرج توماس شتوبر، أما
الفيلم الألماني الثالث، فهو بعنوان “شقيقي اسمه روبرت وهو أبله”،
ويعود المخرج الفلبيني لاف دياز إلى مسابقة المهرجان بفيلم من
أفلامه الطويلة التي اشتهر بها والتي تختبر صبر المشاهدين، وهو
فيلم “موسم الشيطان” الذي يبلغ زمن عرضه أربع ساعات، ويعتبر الفيلم
من أفلام مخرجه المتواضعة من ناحية زمنها، ففيلمه السابق “ترنيمة
اللغز الحزين” الذي شارك في مسابقة برلين قبل عامين، كان يبلغ 8
ساعات، والفيلم الجديد يوصف بأنه فيلم موسيقي ولكنه نقيض للأفلام
الموسيقية.
ويشارك الفيلم السويدي “وكالة العقارات” (من الإنتاج المشترك مع
بريطانيا) وشارك في إخراجه مانز مانسون وأكسيل بتيرسن، كما يشارك
فيلم “إيفا” للفرنسي بينوا جاكوت، بطولة إيزابيل أوبير. وتحضر
المخرجة الإيطالية لاورا بيسبوري بفيلمها الجديد “ابنتي”، والمخرجة
الرومانية أدينا بنتيلي بفيلم “لا تلمسني”، والمخرج المكسيكي
ألونسو روزبلاسيوس بفيلم “متحف”، عن سرقة الأعمال الفنية التي
انتشرت في المكسيك في الثمانينات من القرن الماضي وكان وراءها عدد
من شباب الضواحي الفقيرة.
ويشارك المخرج مارشيللو مارتنيسي من باراغواي بفيلم “الوريثة”، كما
تشارك المخرجة البولندية مالغورزاتا زوموفسكا الحائزة على الفهد
الفضي في مهرجان لوكانو عن “33 مشهدا من الحياة” (2008) بفيلمها
الجديد “قدح”، ومن الأفلام المنتظرة من بين أفلام المسابقة، الفيلم
الروسي “دوفلاتوف” للمخرج الروسي ألكسي جيرمان (الابن).
الحادث الإرهابي
أضافت إدارة المهرجان الفيلم النرويجي التسجيلي “22 يوليو” للمخرج
إريك بوبي إلى المسابقة، وهو يعيد تفاصيل الحادث الإرهابي الذي وقع
في 22 يوليو 2012 عندما أطلق شاب نرويجي من غلاة اليمينيين النار
على مجموعة من شباب حزب العمال اليساري، في جزيرة أوتويا، فقتل 69
منهم وأصاب 66 آخرين بجروح، وكان خلال ذلك يهتف ويهلل فرحا، وقد
استمر هذا الشخص في إطلاق النار لأكثر من ساعة قبل أن تتمكن الشرطة
من القبض عليه، وحكم عليه في ما بعد بالسجن لمدة 21 عاما، وشأن
معظم أفلام المسابقة سيكون عرض هذا الفيلم في المهرجان، هو العرض
العالمي الأول.
وتكوّنت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة من المخرج
الألماني توم تايكوير رئيسا، وعضوية كل من: الممثلة البلجيكية سيسل
دو فرانس، والممثل الأميركي وليم دافو، والمدير السابق للسينماتيك
الإسبانية شيما برادو، والمنتجة الأميركية أديل رومانسكي،
والموسيقار الياباني رايوتشي ساكاموتو والناقدة الأميركية ستيفاني
زاكاريك.
وقد وقع اختيار المهرجان على خمسة أفلام ضمن البرنامج الرسمي على
أن تعرض خارج المسابقة: أولها فيلم “غير عاقل” للمخرج الأميركي
ستيفن سودربرغ الذي كان قد أعلن قبل خمس سنوات اعتزاله العمل
السينمائي، لكنه عاد في 2013 بفيلم صنعه للتلفزيون هو “وراء
الشمعدان” بطولة مايكل دوغلاس وعرض في مهرجان كان السينمائي محققا
نجاحا كبيرا. وخارج المسابقة يعرض أيضا الفيلم البلغاري (بتمويل
ألماني فرنسي) “أغا” للمخرج ميلكو لازاروف، ويصوّر عودة امرأة من
الغجر إلى موطنها لكي ترى أمها التي أصبحت مشرفة على الموت.
ويعود المخرج السويسري المخضرم ماركوس إيمهوف (77 سنة) إلى
المهرجان، بفيلم تسجيلي بعنوان “الدورادو” يستوحي فيه من تجربته
الخاصة مع طفلة من اللاجئين الذين التقى بهم في طفولته بعد الحرب
العالمية الثانية، إلاّ أنه يتخذ من القصة التي علقت بذاكرته،
مدخلا للمقارنة مع تعامل أوروبا مع اللاجئين اليوم.
ويقدّم المخرج الأيرلندي لانس دالي فيلم “أسود 47” عن المجاعة التي
اجتاحت بلاده عام 1847، وكان من الغريب أن يضم المهرجان فيلما
بعنوان “7 أيام في عنتيبي”، إخراج جوسيه باديلا، بطولة دانييل برول
وروزاموند بايك (فتاة اختفت).
والفيلم يعود إلى موضع قديم سبق أن عالجته السينما الأميركية
والإسرائيلية في ثلاثة أفلام تجارية رديئة، وهو موضوع اختطاف جماعة
من الفدائيين الفلسطينيين طائرة فرنسية عام 1976 والتوجه بها إلى
مطار عنتيبي في أوغندا، حيث أصبح ركابها رهائن إلى أن قامت فرقة
خاصة من القوات الإسرائيلية بمساعدة الموساد، بالهجوم على المطار
ونجحت في تخليص الرهائن والعودة بهم إلى إسرائيل بأقل خسائر ممكنة.
ومن أهم الأفلام التسجيلية التي تعرض خارج المسابقة الفيلم
البريطاني “مؤلف الأغاني” إخراج موراي كمنغز الذي سيعرض في افتتاح
قسم “العروض الخاصة”، وفي القسم نفسه يعرض 19 فيلما من بينها أول
فيلم يخرجه ويقوم ببطولته الممثل البريطاني روبرت إيفريت، وفيلم
“رحلة إلى البلاد المدخنة” للمخرج الأرجنتيني فرناندو سولاناس، وهو
فيلم يناقش المخاطر البيئية الناتجة عن المبيدات الزراعية.
ومن الملاحظات البارزة هذا العام والتي تتعلق باختيار الأفلام، عدم
التركيز على الأسماء الكبيرة لمشاهير الإخراج في العالم، بل تقديم
أسماء جديدة لا تتمتع بنفس الشهرة، أي أن الاختيار تم على أساس
المستوى الفني فقط. والملاحظة الثانية أن المهرجان يتيح الفرصة
لمشاركة عدد كبير نسبيا لأفلام المخرجات (النساء)، كما يضم أفلاما
كثيرة للمخرجين المبتدئين، أي أعمالهم الأولى والثانية، لكن تلاحظ
الهيمنة الواضحة لأفلام المخرجين الأوروبيين، بحيث يبدو
“البرليناله” هذا العام مهرجانا أوروبيا خالصا تقريبا، مع بعض
الأفلام من آسيا وأميركا اللاتينية.
أفلام العرب
من العالم العربي يعرض في قسم “البانوراما” من المغرب فيلمان،
الأول، هو “من دون وطن” للمخرجة نرجس النجار، وهو فيلم تسجيلي عن
المهاجرين الذين يعيشون على الحدود المغربية- الجزائرية، والثاني
الفيلم الروائي الجديد للمخرج هشام العسري، وهو بعنوان “جاهلية”
ويعتبر الجزء الأخير من ثلاثية “الكلاب”.
ومن مصر يشارك فيلم تسجيلي طويل في قسم “البانوراما” أيضا بعنوان
“الجمعية” للمخرجة ريم صالح، وهو من الإنتاج المشترك مع لبنان وقطر
وسلوفينيا واليونان، ويصوّر كيف تتغلّب نساء الطبقة الفقيرة من
سكان روض الفرج على الأحوال الاقتصادية الصعبة عن طريق تكوين ما
يعرف بـ”الجمعية”، أي الاشتراك ببعض المال من قبل عدد منهنّ يوزعنه
على أعضاء الجمعية بالترتيب، شهرا بعد شهر.
وهناك فيلم آخر قصير من مصر، هو “قبل ما انسى” (27 دقيقة) لمريم
مكاوي (تمويل ألماني) ويعرض في قسم “الملتقى الممتد”.
ومن لبنان يعرض في “الملتقى الممتد” أيضا، الفيلم القصير “وأخيرا
مصيبة” (16 دقيقة) للمخرجة مايا الشورجي عن ذكريات السجن ما بين
بيروت ودمشق، وفيلم “شغب: 3 حركات” (17 دقيقة) لرانيا ستيفان عن
كيف واجه شباب بيروت مشكلة تراكم القمامة في 2015، وفيلم “بين هيكل
ستديو بعلبك”(47 دقيقة) من إخراج سيسكا، وهو فيلم عن الرقص، و”أرض
المحشر” (10 دقائق) لميلاد أمين، و”على قد الشوق” لغسان سلهب.
ويعرض المهرجان أكثر من 450 فيلما طويلا وقصيرا، روائيّا
وتسجيليّا، ويشهد الكثير من الفعاليات مثل الموائد المستديرة
لمناقشة أهم قضايا الإنتاج السينمائي حاليا، وفعالية خاصة ترويجية
تسلط الأضواء على السينما الأفريقية، وقد أضاف المهرجان هذا العام
للمرة الأولى، قسما خاصا لعرض مختارات من مسلسلات التلفزيون.
ويشتهر المهرجان بالسوق الدولية للأفلام التي تقام بالتوازي معه
وتشهد مشاركة عدد كبير من شركات الإنتاج والتوزيع في العالم، حيث
تعقد الكثير من الصفقات لبيع وشراء الأفلام.
ومن المتوقع أن تصل إلى مهرجان برلين، آثار ومخلفات الضجة التي
أثيرت مؤخرا في هوليوود وخلال حفل مسابقة جوائز “غولدن غلوب” وما
بعده، والتي تتعلق بحملة “وأنا أيضا”، وينتظر أن يتحدث مدير
المهرجان ديتر كوسليك، عن موضوع التحرش الجنسي في افتتاح المهرجان،
لكي يلحق مهرجانه إلى موجة الإدانة في أوساط التظاهرات السينمائية
في أوروبا والولايات المتحدة.
ناقد سينمائي مصري |