مصر في مهرجان "كان" بعربة ترحيلات.. فيلم عن الثورة يدعو إلى
المصالحة
هافينغتون بوست عربي | مها شهبه
في العام 2014، شهدت مصر واحدةً من الحوادث التي يصعب نسيانها حين
لقي 37 مصرياً مصرعهم محترقين داخل سيارة ترحيلات شرطية كانت
تنقلهم إلى أحد السجون.
الواقعة استوحى منها المخرج المصري الشاب محمد دياب فكرة فيلمه
“اشتباك” الذي يشارك في مهرجان “كان” في فرنسا، أكبر مهرجانات
السينما العالمية في دورته الحالية.
وإن لم يقدم الفيلم الواقعة بتفاصيلها الحقيقية، فقد وظّفها المخرج
ليقدّم حالة رمزية عن وضع مصر الآن، التي تبدو وكأنها تعيش وضعاً
مؤقتاً صعباً في عربة ترحيلات، ولا حلّ معه إلا الحوار والتعايش
بين أبنائها على اختلاف أطيافهم السياسية، للخروج من عربة
الترحيلات إلى فضاء الطريق.
انقسام المصريين بعد ثورة “25 يناير”
فيلم “اشتباك” الذي تمّ اختياره للمشاركة في مسابقة “نظرة ما” في
المهرجان - الذي افتتح الأربعاء 11 مايو/أيار ويستمر حتى 22
مايو/أيار -، يحاول تقديم صورة من التاريخ المعاصر لمصر.
فقد خرج الفيلم من رحم ثورة “25 يناير” التي أطاحت بنظام الرئيس
السابق محمد حسني مبارك، لتخبو الجذوة الثورية بعد انتخاب الرئيس
السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين رئيساً للبلاد.
“بكيت يومها”، هكذا يقول المخرج لصحيفة
New York Times
عن يوم انتخاب مرسي. ولم يفسّر أكان بكاؤه فرحاً بسبب وصول رئيسٍ
مدني منتخب لسدّة الحكم أم كان بكاؤه تعبيراً عن الخوف على مصر من
وصول تيار ديني للحكم المدني في مصر.
لكن “اشتباك” الذي تدور أحداثه في لحظة الفوضى التي سادت في العام
2013، ليصور حالة الاضطراب السياسي التي تلت الانقلاب على مرسي بعد
عامٍ واحدٍ من انتخابه.
يروي الفيلم قصة 25 مصرياً من مختلف شباب الثورة المنقسمين بين
مؤيدين ومعارضين لحكم مرسي، ويتنوّعون بين اشتراكي-ثوري وإسلامي
وليبرالي ومؤيد للحكم العسكري، تم اعتقالهم بواسطة الشرطة في أثناء
تلك الأحداث.
ليدور الفيلم داخل عربة ترحيلات تابعة للشرطة، إذ تم تصوير مشاهد
الفيلم في مساحة لا تزيد عن 8 أمتار، مذكراً بفيلم المخرج صلاح أبو
سيف “حياة أو موت” الذى دارت أحداثه داخل مصعد.
يقول المخرج الشاب محمد دياب (38 عاماً) في حوار مع
New York Times،
“أردت أن أصنع فيلماً عن الثورة، لكن كلما جاءتني فكرة، تغيرت
الأوضاع لأجد الفكرة لم تعد صالحة، فالأحداث تتحرك بسرعة”.
وفي العام 2013، جاءت فكرة هذا الفيلم لشقيقه خالد، بالتركيز على
وضع مجموعة من المواطنين متبايني الاتجاهات السياسية في مكان واحد،
فكتبا الفيلم معاً.
المعتقلون جميعهم في السيارة يجدون أنفسهم، كما يقول دياب مضطرين
لاكتشاف إنسانية بعضهم البعض، بدلاً من القوالب التي اعتادوا أن
يروها في بعضهم، بعد أن اضطروا لهذه الصورة القسرية من “التعايش”.
فهل يقدّم الفيلم دعوة فنية للتصالح المجتمعي بين المصريين
“المحشورين” في مرحلة انتقالية طالت قليلاً وصارت تشبه سيارة
ترحيلات تمضي إلى المجهول؟
يقول دياب الذي يأمل في حصول فيلمه على جائزة من مسابقة “نظرة ما”،
إنهم بدأوا بمحاولة “صنع فيلم عن الثورة لكننا انتهينا وقد صنعنا
فيلماً عن فشل الثورة”.
وقال المخرج أنه حاول أن يقدّم كل الشخصيات المشاركة في الفيلم
بصورة إنسانية، حتى رجال الشرطة.
وربما لهذا، “كل من أعرفهم في حياتي والقريبين مني نصحوني ألا أصنع
هذا الفيلم لأنه سيغضب الجميع”.
مشروع فني واضح
من خلال سجله القصير بأفلام ثلاثة فقط آخرها “اشتباك”، ومن قبله
“الجزيرة” و”الجزيرة 2”، يبدو أن للمخرج محمد دياب مشروعاً يقوم
على دراسة العنف المجتمعي في ظواهره المتعددة والوصول إلى جذوره.
وهو في الفيلم الجديد الذي تلعب بطولته الفنانة المصرية نيللي كريم
وطارق عبد العزيز، وهاني عادل، وأحمد مالك، يصوّر كيف يمكن أن
يتحول ذلك العنف الناتج عن غريزة البقاء داخل سيارة ضيّقة في ظروف
مشتعلة، إلى تعاون بين فرقاء، بل وأعداء من أجل البقاء على قيد
الحياة.
إذ يشتبك عددٌ كبير من الشخصيات في لحظات تتنوع بين الجنون،
والكوميديا، والرومانسية والعنف، ليكشف الفيلم من خلال هذا
الموقف/الأزمة عن أفضل وأسوأ ما في الإنسانية، حيث مجموعات من
البشر في عداء سافر، ليس معهم ما يربطهم بالحياة سوى هاتف محمول تم
تهريبه، وشفرة حلاقة ومبولة بدائية.
الفيلم الأول لدياب كمخرج والذي حمل عنوان “القاهرة 678”، كان يدور
حول 3 نساء من القاهرة واجهن التحرّش الجنسي، عرض في أوائل في
العام 2011، بعد انطلاق ثورة يناير مباشرةً، بدا للكثيرين وكأنه
يحمل نبوءة.
نجاح الفيلم في مصر جعل من المخرج شخصية شهيرة على شاشات
التليفزيون، ونجاحه عالمياً ساعده في الحصول على تمويل لفيلم
اشتباك.
مهرجان "كان": عام استثنائي لأفلام الشرق الأوسط.. و"اشتباك"
المصري مرشح لنيل جوائز
هافينغتون بوست عربي
تشهد نسخة هذا العام من مهرجان “كان” السينمائي الدولي حضوراً
كبيراً لأفلام الشرق الأوسط، فمن المنتظر أن ينافس فيلم “االبائع”
أحدث أفلام المخرج الإيراني الفائز بجائزة أوسكار أصغر فرهادي، على
جائزة “السعفة الذهبية” لهذا العام.
كما ينافس الفيلم المصري “اشتباك” لمخرجه محمد دياب على جائزة
“نظرة ما” والذي يصور خلاله انتصار الثورة المصرية وانكسارها، حيث
تُمنح هذه الجائزة للأعمال الأكثر تحدياً، وتشارك فيها أيضاً أفلام
من إيران وإسرائيل بحسب تقرير نشرته صحيفة New
York Times الآميركية.
وفي تصريحات لمجلة “سلايت” الفرنسية، قال ناقد الأفلام والمحرر
السابق في مجلة
Cahiers du Cinéma
جون ميشيل فوردون، “إن حضور أفلام الشرق الأوسط والأفلام العربية
كان ضعيفاً خلال الأعوام الأخيرة، وهذا العام يعد من أهم الأعوام
بالنسبة لها”.
”البائع” الإيراني مرشح للتألق
ويعد الفيلم الإيراني “البائع” أحد الأفلام التي ينتظرها الجميع
هذا العام، ويحكي الفيلم قصة زوجين صغيرين من طهران، وهما ممثلان
هاويان يلعبان دورين في مسرحية “موت بائع متجول” للكاتب آرثر ميلر.
وكما سبق أن فعل فرهادي في فيلمه “انفصال” الذي فاز بجائزة
الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في العام 2012، يعود اليوم ليمارس
أسلوبه بالضرب على أوتار مختلفة، ليبرز فيلمه بأسلوب سهل وعالمي في
ذات الوقت.
يقول المنتج الفرنسي اليكساندر ماليت غاي الذي شارك فرهادي في
إنتاج فيلمه الأخير، “ثمة جانب رمزي وآخر أخلاقي، لكن أيضاً ثمة
بعدٌ اجتماعي وطبقة اجتماعية وبعد ديني. لم يسبق له أن عارض النظام
علانية، ولكنه يفعل ذلك بين السطور، وهذا هو نوع السينما الذي
يتبنى نموذجه”.
وتدور أحداث فيلم “البائع” حول شخصيتي عماد (شاهاب حسيني) ورنا
(ترانه عليدوستي)، حيث انقلبت حياتهما رأساً على عقب بعد أن اضطرا
لمغادرة منزلهما بسبب أعمال البناء، بينما يشاركان في التمثيل
بمسحرية آرثر ميلر.
وكان على فرهادي أن يعرض قصة الفيلم على الحكومة الإيرانية قبل أن
يحصل على التصريح اللازم للتصوير في طهران، لكنه لم يواجه أي
عقبات، وذلك وفقاً لما قال ماليت غاي.
وأضيف الفيلم لقائمة الأفلام المتنافسة على جائزة السعفة الذهبية
في وقت متأخر عن باقي الأفلام، وذلك بسبب تأخر فرهادي عن الانتهاء
من تصوير فيلمه حتى أواخر فبراير/شباط.
ويقول ماليت غاي إنه سجل فيلمه لدى مدير المهرجان تييري فريمو بعد
الإعلان مباشرة عن القائمة المبدأية المشاركة في مهرجان كان في
منتصف أبريل/نيسان، ويضيف قائلاً إن فيلم “البائع” سيُعرض في 21
مايو/أيار، أي في الأيام الختامية للمهرجان، بيد أنه جذب اهتمام
كثير من الشركات في الولايات المتحدة.
Inversion..
فارس إيران الثاني
كما يشارك الفيلم الإيراني
Inversion
من إخراج بهنام بهزادي للمنافسة على جائزة “نظرة ما”. وتدور أحداثه
خلال الجو الضبابي المعاصر لطهران، حول قصة نيلوفار (سحر دولت
شاهي) وهي امرأة عزباء تبلغ من العمر 30 عاماً تمكث في المدينة
وحدها بدلاً من المغادرة مع أمها المريضة التي يخبرها الأطباء أن
عليها مغادرة المدنية للحفاظ على سلامة جهازها التنفسي.
وقد كتب بهزادي في إحدى الصحف، “مدينة طهران تعد من أكثر المدن
تلوثاً حول العالم، حيث تصل نسبة التلوث إلى ذروتها خلال الأيام
التي يحدث خلالها انقلاب حراري. لم يكن لدى نيلوفار الحق أو الفرصة
لأن تختار، وقد اعتادت على ألا تمتلك ذلك الأمر. والآن هي في حاجة
إلى انقلاب
Inversion
لكي تذكر نفسها والآخرين أن يحترموا حريتها في الاختيار”.
تنافس عربي - إسرائيلي محموم
كما يشارك في قسم جائزة “نظرة ما” لهذا العام الفيلم الإسرائيلي
“ما وراء الجبال والتلال” قصة وإخراج عيران كوليرين، وتدور أحداثه
حول شخص يعاني من أجل العودة إلى حياة المدنية بعد أن قضى 27 عاماً
في الجيش.
ويشتهر كوليرين بفيلمه الكوميدي “زيارة الفرقة الموسيقية” من إنتاج
العام 2007، والذي فاز بعديد من الجوائز، حيث تدور أحداثه حول فرقة
مصرية تقدم حفلاً بأحد المراكز الثقافية العربية في إسرائيل.
أما الفيلم الفلسطيني “أمور شخصية” من إخراج مها الحاج، فيحكي قصة
زوجين من فلسطينيّ الداخل يعيشان في مدينة الناصرة، ويشعران بالقلق
على حياة ابنهم البكر، الذي يعيش قرب الحدود مع مدينة رام الله.
وسيعرض “أسبوع النقاد” لهذا العام فيلم التراجيديا الكوميدي
One Week and Day
للمخرج الإسرائيلي إيساف بولونسكي والذي تدور أحداثه حول ردة فعل
زوجين على وفاة ابنهما بطرق مختلفة. كما يعرض فيلم
Tramontane
للمخرج اللبناني فاتشي بولغورجيان وتدور أحداثه حول قصة رجل صغير
في قرية لبنانية صغيرة يكتشف أن بطاقة هويته مزورة.
”اشتباك” يرفع راية المصريين
ويأخذ المخرج المصري محمد دياب، من خلال فيلمه “اشتباك”، المشاهدين
في جولة تحكي عن تاريخ مصر الحديث. وقد استوحى الفيلم من تجربته في
ميدان التحرير خلال الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري محمد حسني
مبارك في العام 2011. لكن الوعود التي انتظرها الثوار تبددت مع بدء
حكم الرئيس المنتخب السابق محمد مرسي - بحسب مخرج الفيلم -، حيث
يقول دياب إنه بكى في اليوم الذي انتُخب فيه محمد مرسي.
وتدور أحداث فيلم “اشتباك” حول لحظات الفوضى التي امتلأ بها في
العام 2013 بعد المظاهرات التي أطاحت بمحمد مرسي، وذلك قبل أن يطيح
به النظام العسكري الذي يحكم إلى الآن. ويحكي الفيلم قصة 25 مصرياً
من كل الأطياف الثورية، بدءاً من الديمقراطيين وحتى الإسلاميين،
كلهم اعتقلوا على يد رجال الأمن بعد تلك المظاهرات.
وقال دياب البالغ من العمر 38 عاماً في مقابلة تليفونية “أردت أن
أصنع فيلماً عن الثورة، إلا أنني في كل مرة أمتلك الفكرة تتبدد مني
الأشياء”. ففي العام 2013 توصل أخوه خالد إلى فكرة أن تدور الأحداث
حول مجموعة من المعتقلين الذين يكتبون الفيلم معاً.
وأضاف دياب “بدأنا في محاولة العمل على فيلم يحكي عن صعود الثورة،
لكن الحال انتهى بنا بفيلم تدور أحداثه حول انكسار الثورة. حاولنا
نقل التجربة الإنسانية لكل شخصية في الفيلم، حتى الشرطة. يوضح دياب
الفكرة قائلاً "كل شخص في دائرتي، وكل شخص قابلته في حياتي نصحني
بألا أعمل على هذا الفيلم لأنّه سيزعج الجميع”.
وكانت أول الأعمال التي أخرجها دياب هو فيلم “القاهرة 678” وتدور
أحداثه حول 3 نساء يحيين في القاهرة ويواجهن التحرش الجنسي، وقد
بدأ عرضه في السينمات في أعقاب الثورة حيث اُعتبر نبوءة لما حدث.
وساعد نجاح الفيلم في مصر أن يجعل من دياب شخصية تلفزيونية خلال
الثورة، كما ساعده نجاح الفيلم على تمويل فيلمه الآخير “اشتباك”.
ويعد الفيلم إنتاجاً مشتركا بين فرنسا ومصر بالإضافة إلى التمويل
القادم من ألمانيا والإمارات، التي ساعد تنامي علاقتها بشبكة
المهرجانات على ظهور الأفلام القادمة من العالم العربي. ولا يزال
دياب غير متأكد مما إذا كان فيلمه سيُعرض في مصر أم لا، حيث يقول
هو والنقاد الآخرون إن الحكومة الحالية في مصر تضيق على حرية
التعبير أكثر من عهد الرئيس مبارك، وكثير من المصريين صارو ا أكثر
حذراً وخوفاً عند محاولتهم للتظاهر.
يقول دياب “كل الأشخاص خائفون من أن نصير نموذجاً آخر من سوريا أو
اليمن، لذا لا يفعل أي شخص أي شيء حيال الأمر”.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة
New York Times الأميركية. للاطلاع على
المادة الأصلية، اضغط هنا. |