كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الموت بحاجة إلى تصحيح

محمد عبدالعزيز

عن رحيل شيخ السينما السورية نبيل المالح

   
 
 
 
 

الموت تحوُّل.. بُعد فيزيائي.. اندماج.. صيغة لونية.. موشور.. تردّد..هسيس.. في هذا الوقت لا بدّ أن نبيل قد اندمج مع الوعي الكلي.. حلل طبيعة الأشياء وأرشد الكومبارس للبرازخ الأخيرة. (ستوب.. تيك تو).. صوت.. (رولينغ).. (كاميرا).. (روول).. كلاكيت.. المشهد الأخير ثاني مرة!..
(كلاك.. كلاك).. (أكشن بسام: أهلين ندى؛ تغلق سمر سامي الباب؛ تسند ظهرها الى العتبة. بسام كوسا (تفضلي.. تفضلي سمر: شو؟ فرجيني بسام: ع مهلك ع مهلك سمر: قف قليلاً يا نبيل قليلاً.. هذه يدك.. انتظر.. انتظر لا ترحل مثل الأولاد الصغار).

شوكة من زجاج. (ستوب) السينمائي لا يموت.. فالفيلم حي.. يحيا كلما نبضت الشاشة بالضوء؛ وكلما عاد الشريط الى البكرة في حجرة الأرشيف؛ فالصورة خلية تنقسم على ذاتها وتتناسل عبر المشاهدة.. تمتص المشاعر وألق الأعين في عتمة الصالة يتنفس في مقبرة اليوتيوب.. يقضم الزمن.. يرتشفه الى آخر قطرة. السينمائي سيد الزمن، لا يموت. يعيش في كل ثانية أربعةً وعشرين كادراً.. حياة المخرج .. خلود الصور؛ حبوره اللانهائي وألمه الهندسي.

نبيل: (إعادة.. ستاند باي.. إند أكشن).

دمشق.. الفهد.. إغراء؛.. بوستر.. أبوعلي شاهين.. دمشق.. أديب قدورة.. دمشق حرية.. حرية.. حرية؛ حرب.. حرب، انكفاء، هجرة، مسمار المنفى، دمشق، حلب، درعا، سويداء، اللاذقية، قامشلي، طرطوس، كوباني، حماة، وبعدها (ع الشام ع الشام.. ع الشام): راكبٌ واحد إلى الشام - أنا من الشام، أنا نبيل المالح؛ أنا الآن ميت وهذا آخر ما تذكرته وأنا على السرير، هذيان.. واقع.. أنا متألم يا بلدي، يا شعبي، أيتها الصالات السينمائية.. يا باعة الخبز على أوتوستراد الفيحاء؛ أنا الآن ميت وأتجوّل في دمشق، أطفو كريشة فوقها. شرب الشاي بالقرنفل في النوفرة؛ أتأمل مئذنة العروس؛ أزيح الغبار عن بسطات الكتب في التكية السليمانية؛ أنثر الخبز المبلل (لستيتيات) حي الشهبندر.. أبازر باعة التفاح في دمشق القديمة؛ أنحني أمام آلام شعبي؛ أضع الكاميرا في زاوية حادة فوق قاسيون: لقطة عامة لملكوت الإسمنت والبارود؛ للناس وهم يتنفسون خيط الصباح.

(ستوب فريم)، (باي فريم) يعود نبيل ويتقمّص السينمائي طبيعة الأشياء.. ينتحل ذاكرة أشجار النارنج في سوق ساروجة؛ يتكور كأقواس باب شرقي؛ ينساب كمياه الأمطار في ساحة المسكية؛ يتقمص محيط الصخب النقي في حي الشيخ محي الدين بن عربي؛ يعلو في ركن الدين ويغدو خفيفاً كالضوء وأزهار الإسمنت؛ يصفو في الأموي؛ يستظل بكنيسة حنانيا ويمتد ليثمر كبساتين المِزة؛ يزهر ويتبرعم في الغوطة.

أُسعدت مساءً نبيل؛ عبر العدسة تضيق حدقة العين؛ لقطة أولى: سترة نجاة الى جانب قوارب الموت؛ تطفو وسط المياه الباردة؛ أُمٌ سورية ترفع طفلها لتملئ رئتيه بالهواء؛ تغوص في الماء؛ الجمهور يلتقط أنفاسه والأم تغرق.

موسيقا تصويرية؛ الأم غارقة والطفل يبكي؛ على الشاطئ جسدان ممددان؛ موجة تلطم سترة النجاة؛ طفل يحبو على الرمل تاركاً أثر حبوه على الرمل باتجاه سورية. وجه الأم؛ قلبها؛ يدها الممدودة؛ ترتجف عينها؛ اهتزاز في جهة القلب؛ نبض.. نبض.. نبض..

ترى الطفل.. تعود من الموت - (ريفيرس)؛ يعودون من الموت يا نبيل وتعود معهم، من قاع البحار؛ من تحت ركام المنازل؛ من عتمة القبور؛ من الأحياء المدمرة سيتقاطرون خلف الأم، جحافل؛ جحافل من الكومبارس؛ فألم تخبرهم عن النبأ السوري العظيم؟ عن الأشجار وكائنات المكان؟

تسير خلف الأم التي التقطت طفلها ذا السترة الحمراء عن الشاطئ ووقفت وخلفها آلاف آلاف السوريين وابتسمت للكاميرا. نبيل المالح: (ستوب) الموت تحوُّل.. الموت بحاجة إلى تصحيح.

سينمائي سوري

صداقة أخرى

نديم جرجوره

اللقاءات العديدة التي تجمع نبيل المالح بضيوف مهرجانَي أبوظبي ودبي، تحديداً، في الأعوام القليلة الفائتة، كفيلةٌ ـ وإنْ يبقى عددها قليلاً ـ كي تبلور مفهوماً آخر لصداقةٍ جميلة. لن أدّعي اقتراباً إليه إلى حدِّ الصداقة. المهنة سببٌ للقاءات متباعدة. المهنة؟ اشتغاله في السينما كصانع أفلام محصّنة من كلِّ نسيانٍ، لشدّة حساسياتها الجمالية في قراءة لحظة، أو في سرد حكاية، أو في صنع صورة، أو في كونها نتاج حماسةٍ لا توصف. واشتغالي في صحافةٍ مكتوبة، تريد بعض القراءة إثر المُشاهدة، وبعض النقاش إثر اللقاء، كي يجعل النقاشُ والقراءةُ من اللغة المشتركة مبنىً لعالمٍ يتأتّى من واقع، ويُحوِّل المتخيَّل إلى مدى أوسع لحكاية لا تكتمل، هي حكاية الصورة وأسئلتها.

يرحل نبيل المالح قبل أيام على ذكرى بداية النار السورية، التي تفرض عليه خروجاً من المكان، كمحاولة فردية للبقاء في عمق الجغرافيا وتاريخها، وكمسعى ذي مصداقية إنسانية وأخلاقية إلى استعادة الجغرافيا من راهنها العنفيّ، وإلى المُشاركة في غدٍ أرقى. يرحل نبيل المالح. هذا نبأ مُتوقَّع، لأن الموت ختامٌ. ولأن المرض يفتِكُ، فإن النهاية حاضرةٌ. مع هذا، قسوة النبأ أخفّ من قسوة مضمونه. ذلك أن السينمائيّ، إذْ يُلغي كلَّ فرقٍ بين الواقع والمتخيّل من أجل الصورة وامتداداتها الإبداعية، لا يُلغي الإنسان الفرد، بل يُعزِّز، أحياناً كثيرة، من جمالية الإنسان الفرد فيه. ذلك أن السينمائيّ نفسه يبدو، بالتزامه سموّ الإنسان الفرد فيه، كمن يؤجِّل موته عبر ابتكار لغة بوح، أو كمن يعتاد موته باختراع شخصيات تنبض حياةً، وتواجه تحدّيات، وتقارع موتاً، جاعلةً منها كلّها تمريناً على الاحتيال، من أجل لحظة إضافية تنصهر، لاحقاً، بالغياب. مع هذا، تبقى الحياة مطلباً، لأن لا حياة في الصنيع، وإنْ يتعدّى الصنيع كلّ جمالٍ في الحياة.

يرحل نبيل المالح، بسبب مرضٍ يُنهك الجسد والروح معاً، أو بسبب قهرٍ يُلهب انفعالاته، فيُمتِّن فيه معنىً أجمل لتأمّلٍ أو عزلةٍ أو حيوية اشتغالٍ. إنجاز فيلم جديد؟ كتابة مشروع جديد؟ تفكيرٌ ونقاشٌ من أجل عمل جديد؟ لقاءات ونكات ونميمة جديدة؟ هذا عالمٌ قائمٌ بذاته، يُضيف نبيل المالح نكهةً أحلى عليه، وإنْ تبقى النكهة معلّقة في حلمٍ أو رغبةٍ، أو من أجل اكتمالٍ آخر في لقاء مقبل.

والنبأ، إذْ يُشكّل دافعاً لاستعادة أعمالٍ وخبريات، يؤكّد مُجدّداً أن للموت طغياناً لا يُقاوَم، وأن للرحيل قوّة لا تُقْهَر. فإذا بالاستعادة، إنْ تتوصَّل إلى رسم نهائيّ لمشهد الابتكار البصريّ والتأمّلي، تردم بعض فراغٍ غير مقصود بين صنيع ومتلقٍّ، وتتيح مسافةً مطلوبة لفهم إضافيّ لمعنى الصورة وحكاياتها.

المعلم

سامر محمد اسماعيل

تكاد جنازته الصامتة العابرة من أمام أبراج دبي تصرخ بعلو الصوت: «عالشام.. عالشام» عنوان فيلمه الوثائقي الذي رصد فيها نبيل المالح – ( 1936- 2016) حركة التجريف التي تعرّض له الريف السوري نحو عشوائيات المدن وأكواخها السريالية؛ ربما تصحّ استعارته لنسمع آخر نداءات الرجل الميت خارج أسوار دمشق؛ متمّماً بذلك مسيرته السينمائية التي كانت دائماً خلف الكاميرا وأمامها، وعبر عشرات الأفلام والمشاريع الوثائقية والروائية المكتوبة منها والمروية بلسانه للأصدقاء وعشاق الفن السابع من جيل الشباب الذين ساندهم ووقف معهم وقدّم لهم الإمكانيات الفكرية والمادية كلها من دون أن ينتظر مقابلاً؛ مشاريع ومشاريع ربما تكون سيناريوهاتها الآن ما زالت مسوّداتها في أدراج بيته المتروك في حي المهاجرين الدمشقي، فمن هناك كان الرجل يهبط صباحاً أدراج جبل قاسيون بقميصه الزهري الفاتح ونظارتيه السميكتين ولهجته الشامية المحبّبة وصوته الخافت العميق ونكتته الحاضرة. كان ذلك قبل أن تبعده الأحداث الدامية عن جنته الدمشقية منذ عام 2012، مؤثراً الإقامة مع أسرته في الإمارات العربية.

ثمانون عاماً قضى الراحل منها نصف قرن ونيّف في عمر سينمائي متواصل؛ فمنذ ذهابه إلى «براغ» نهاية خمسينيات القرن الفائت وهجره لدراسة الفيزياء النووية هناك ليدرس الإخراج السينمائي في أكاديميتها؛ بدأ مشوار العمر مع حبيبة عمره، والتي ستأخذه كرجل مسحور بها نحو مفازات لا ترد؛ محققاً أهم الأفلام عن بلاده المسرنمة.

هذا العمر السينمائي كانت ذروته في فيلم «كومبارس» (1993، المؤسسة العامة للسينما) حيث نعثر بقوة على الشريط - الوثيقة الذي ابتعد فيه «المالح» عن شبهة الأفلام التجارية التي كان قد حققها على نحو «غوار جيمس بوند - 1973» فرد شخصية السينما وطلاقة أدواتها إلى تسجيل حافة من حافات الماغما الاجتماعية وتفاعلاتها الخطيرة المشطوبة من حسابات الكثيرين من سينمائيي ومسرحيي وروائيي سورية.

الفهد
وإذا كان فيلمه «بقايا صور» (1980) المأخوذ عن رواية حنا مينة هو فاتحة الهطول لإنعاش ذاكرة السوريين عن أواخر عشرينيات القرن الفائت؛ وما لف هذه المرحلة من غموض في الهوية الوطنية، وما اكتنفها من صراع طبقي مرير؛ فإن فيلمه «الفهد» (1969) المأخوذ عن رواية لحيدر حيدر هو بكل قوة كان وثيقة إنسانية بالغة الثراء والمصداقية عن حراك اجتماعي سياسي لفرد وحيد أوحد يواجه السلطة أعزل ومعدوماً ومحاصراً بوجوه بني جلدته؛ والذين أحالهم القهر والحرمان والظلم إلى مجاميع خرافية من صور الانصياع والطاعة والامتثال.

صورة كان السوريون سيخسرون كثيراً لو لم يمضِ صاحب «نابالم» إلى صياغتها في هذا الشريط الساحر الذي تماهت فيه المسحة الوثائقية للشخصيات مع الروائية الصادمة لمصرع «بو علي شاهين» البطل الشعبي الذي مضى به «المالح» إلى منصة إعدامه، وكأنه شعب كامل من الفقراء والمستضعَفين، وبتجسيد عالي المستوى لفنان من قامة أديب قدورة؛ الممثل الذي كان هذا المخرج قد اكتشفه بعد ظهوره على خشبة «مسرح الشعب» بحلب؛ موظفاً وجهه وصوته الأسطوريين مع «وحدو شرد بالليل» الأغنية التي كتبها ممدوح عدوان كنهاية لفيلمه الملحمي الكبير؛ ذاك الفهد المكبَّل بسلاسله؛ وبوجوه من دافع عنهم وهم صامتون يشاهدون مصرعه أمام أعينهم ولا يحركون ساكناً. صورة لا تُردّ عن خذلان الحشود لأبطالها التراجيديين؛ إنه تاريخ الآباء والأجداد؛ تاريخ البلاد المعاصر الذي لولا أفلام المالح وزملائه لعاد السوريون، بل والعالم بأسره إلى مسلسلات الفنتازيا التلفزيونية كي يستقرأوه! إذ كان «نبيل» يعرف أن السلطات العربية لا تريد ولا ترغب بأية وثيقة تدينها وتدحض روايتها الرسمية عن شعبٍ أعزل تم تفخيخه تلفزيونياً؛ وذلك كي يبقى هذا الشعب معتقلاً في منازله وغرف نومه؛ ولهذا يمكن القول إن «كومبارس» كان رائعة نبيل المالح التي أصرّ فيها على البقاء في منزل من منازل دمشق، إذ جعل الراحل قصة فيلمه تدور داخل جدران شقة بين أرملة وشاب يعمل كومبارساً في مسرحيات قومية، يعيش ويموت ويتظاهر بالموت هاتفاً في المظاهرات بأمر من «المخرج». مفارقة تركتنا أمام حميمية لا تُقاوم عن قصص مأساوية تجري في منازل المدينة كلٍ على حدا؛ حيث يلتبس الواقع السياسي مع صورة إنسان يحتلم تحت سرير فوق جسد رفيقته الخائفة؛ الخوف؛ أجل الخوف.. ولماذا نبحث عن مفردةٍ أُخرى هنا، ففيلم «كومبارس» كان شريطاً عن الخوف الممزوج بالشهوة والمطعّم بأقسى حالات الموت عزلةً ورهبة؛ الخوف الذي ضرب شخصيتَيْ الفيلم التي جسّدها كل من بسام كوسا وسمر سامي بأقصى حساسية يمكن ارتكابها أمام كاميرا طبيعية أرادها المخرج السوري ألا تتلصص بقدر ما كانت تراقب وتتابع وتقتفي آثار جسدين مرتعشَيْن في عراء مدينة عنيفة؛ مدينة يحدث فيها الموت العاطفي والجنسي منعزلاً على سرير كراهية واحد، سرير الرغبة والكبت المستتر والمحروس جيداً بأجهزة القمع الساهرة على راحة بال الأكليروس الديني والسياسي والجنسي؛ منزهاً من أي خرق يمكن تحقيقه على مستوى اجتماعي إنساني.

حياة السوريين

لحظة سينمائية متواترة كان «المالح» أبرز مَن كرّسها في الحياة الثقافية السورية؛ نافياً مقولة «ماركيز» بأن «الحياة نوع من الأدب الرديء» فمع أن الحياة كذلك؛ إلا أنها في أفلامه وشخصياته ستبدو مفتوحة على خيارات مشاهدة جديدة، في كلّ مرة يعود فيها المرء إلى أشرطته الثمينة التي سجلت سِفراً بصرياً حساساً وصادقاً عن حياة السوريين؛ فلم يكن الواقع كما بدا في أفلامه وإن طابقَهُ فنياً؛ بل كان على الدوام مقطعاً عرضياً من حياة قبضها صاحب «فلاش» (روائي قصير)، مستعيراً الزمن الواقعي لسينما نبشت بقوة في المخبوء والمسكوت عنه داخل مدينة محجّبة، لكنها تغلي من الداخل؛ تفور وتمور تحت سريرها الحديدي؛ فها هي الحشود التاريخية في «الفهد» ستتمخض أخيراً عن شخصيتين سجينتين في منزل دمشقي محاصر كما حالهما في «الكومبارس»؛ هما رجل وامرأة لا تدينهما إلا طبيعتهما البيولوجية؛ فلقد أدرك هذا الفنان بعد لأيٍ طويل أن السينما التي أراد أن يحققها ليست فيلمه «السيد التقدمي» الذي تعرض فيه لملف الفساد في صراع بين شخصيتَيْ برجوازي وصحافي، ولا هو «الكريستال المقدس» (2007» والذي انصاع فيه «المالح» لبروباغاندا «تعايش الطوائف»، بل كان هو هذا المزج الحاذق بين الفردي والجماعي؛ لتصير الكاميرا مِبضعاً لجس أورام اجتماعية نمت بسلام تحت جلد الكارثة.

تلك المهارة التي وصفه بها محمد ملص رفيق عمره، عندما أطلق على المالح لقب «المعلم» استطاع عبرها أن يؤسس للخط الوطني في سينما بلاده؛ لكنه وبعد موت «فيديو كليب» مشروعه الذي تحدث عنه لسنوات باحثاً له عن تمويل لكن دونما جدوى؛ سيلقى مصيراً مشابهاً للعديد من مشاريعه المؤجلة التي طاردها الرجل حتى آخر أيامه كفراش ملوّن، ولعل مشروع فيلمه «الوشم السابع» الذي كان ينوي تحقيقه عن المأساة السورية آخر تلك الأحلام السينمائية الموؤودة التي لم يستطع إليها سبيلاً؟

(دمشق)

محطات
يُعدّ نبيل المالح (دمشق - 1936)، من رواد السينما السورية؛ فبعد دراسته للسينما في تشيكوسلوفاكيا عام 1964 عاد إلى سوريا في ستينيات القرن الفائت ليعمل في «المؤسسة العامة للسينما»، حيث قدّم أفلاماً روائية قصيرة عدة كان أبرزها: «إيقاع دمشقي» و «نابالم».

قدم في العام 1969 أول فيلم روائي قصير له بعنوان «إكليل شوك» وليقدم بعدها فيلمه «المخاض ـ 1970» ضمن الثلاثية السينمائية الروائية «رجال تحت الشمس» التي تعتبر أول فيلم سوري طويل ونال عليه جائزة مهرجان قرطاج السينمائي. ساهم المالح في تكوين حساسية سينمائية خاصة عبر أفلامه «الفهد ـ 1969» وفيلمه « بقايا صور-1980» وفيلم «تاريخ حلم - 1983» وفيلم كومبارس -1992» الذي نال عليه جائزة أفضل إخراج في مهرجان القاهرة السينمائي؛ وفيلمه الروائي القصير (فلاش - روائي قصير ـ 1993) عن نص لبسام كوسا (الجائزة الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي العاشر).

توفي في أحد مستشفيات دبي في 24 شباط بعد صراع مع مرض سرطان الرئة.

السفير اللبنانية في

25.02.2016

 
 

رحيل «فهد السينما» نبيل المالح

المصدر دبي - الوكالات

غيب الموت يوم أمس، المخرج السوري نبيل المالح، أو «فهد السينما»، حيث اشتهر بإخراجه لفيلم «الفهد» مطلع السبعينات وكذلك فيلم «رجال تحت الشمس» و«كومبارس» والعشرات من الأفلام الروائية والتسجيلية والتوعوية، بلغت حصيلتها نحو 170 عملاً سينمائياً.

وتوفي المالح عن عمر يناهز 80 عاماً في دبي، حيث كان يقيم منذ بضع سنوات، وقدم المالح أعمالاً سينمائية لاقت رواجاً وتأثيراً وحصدت جوائز عربية وعالمية، وكان المالح درس الإخراج السينمائي في براغ وعاد إلى بلاده مطلع سبعينات القرن الماضي وبدأ بإخراج أفلامه التي تناولت مختلف جوانب الحياة العامة في سوريا والعالم العربي.

ومن أفلامه التي لاقت رواجاً أيضاً في العقد الأخير فيلم «ع الشام ع الشام» قدم فيه معالجة وتصويراً لواقع النزوح من الريف إلى دمشق والأسباب التي أدت إلى هذه المعضلة التي كانت نقطة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث.

وحقق المالح الكثير من الإبداعات السينمائية وفق إجماع النقاد، وكان صاحب مدرسة خاصة في الفن السابع.

البيان الإماراتية في

25.02.2016

 
 

الموت يغيب المالح في الغربة على »إيقاع دمشقي«

عمان - ناجح حسن

غيب الموت في دبي صباح امس المخرج السينمائي السوري نبيل المالح عن 80 عاما وذلك اثر معاناة طويلة مع المرض ، وبوفاته تكون السينما العربية قد خسرت احد ابرز قاماتها الرفيعة .ظلت سينما المخرج السوري الراحل نبيل المالح تحمل سماتها الابداعية الخاصة التي تنحاز الى هموم الانسان البسيط وتوقه الى التحرر والانعتاق من قيود واقعه المثقل بالوان من ازمات محيطه السياسية والاجتماعية والثقافية .تنوعت اشتغالات المالح الذي طالما احتفت الحياة الثقافية الاردنية بابداعاته سواء من خلال فعاليات الهيئة الملكية الاردنية للافلام او نشاطات لجنة السينما في مؤسسة شومان، تتنقل بين المنحى التاريخي والتشويق المعاصر الذي ينبش في موضوعات ذاتية والآتية من صلب احداث عصيبة عاش فيها افراد وجماعات في اكثر من بيئة محلية وانسانية وكانت ان شكلت خصوصيتها في منجز السينما السورية والعربية.تبلورت مسيرة المخرج نبيل المالح المتميزة في السينما العربية الجديدة عقب عودته من دراسة الاخراج السينمائي في تشيكوسلوفاكيا (سابقا) وانجازاته لسلسلة من الافلام القصيرة: «ايقاع دمشقي»، «نابالم» اضافة الى عدد من الافلام الروائية الطويلة التي جابت اركان المعمورة وهي على التوالي: «الفهد» 1972، «السيد التقدمي» 1974، «بقايا صور» 1980، و»كومبارس» الذي انجزه عام 1994.ناقش فيلم «الفهد» المستمد قصته من عمل ادبي كتبه الروائي حيدر حيدر، حقبة زمنية عصيبة عاشتها سوريا في عهد الاقطاع من خلال نموذج الفلاح البسيط الذي تمرد دون وعي سياسي متكامل على سلطة الآغا، سليل الاستعمار ووريثة بالنهب والاستغلال، حيث يجد نفسه في مواجهة محتومة مع الدرك ورجال الاغا الاقطاعي ولا يسعه الا ان يمضي في هذه المواجهة بعد سلسلة من المطاردات والمواجهات التى قادته الى حبل المشنقة، لكن الأمل كان يكمن في عيون الجموع التي شهدت موته وتتحفز للنهوض من جديد، وظفر «الفهد» على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق الدولي لسينما الشباب عام (1972) مناصفة مع فيلم «وشمة» المغربي وجائزة تقديرية اخرى من مهرجان كارلو فيفاري بتشيكوسلوفاكيا في العام ذاته.وسرد فيلم «السيد التقدمي»، قصة صحفي شاب يسعى الى ادانة وفضح احد ابناء الطبقة الثرية المترفة الذين يدعون النضال والتقدمية، ويحاول الصحفي في سبيل ذلك الحصول على وثائق ادانة احد الفاسدين، فيلجأ الاخير الى توريط الصحفي في جريمة كان هو قد ارتكبها ويحاول بعد ذلك مساومة الصحفي لاعتقاده بوجود صور ووثائق تدينه لديه، كاشفا عن فساد شريحة اجتماعية استأثرت بالنفوذ والسلطة من خلال ممارساتها الخاطئة دون ان يحدد البيئة او المجتمع الذي تنحدر منه.تناول المالح في فيلمه «بقايا صور» المأخوذة احداثه من عمل روائي بالعنوان ذاته للاديب السوري حنا مينة اجواء فترة تاريخية احداثه تسري داخل بيئة فلاحية بعيدا عن اجواء المدينة حيث عائلة ريفية تجبرها ظروف الفقر والحالة الاجتماعية الصعبة في بدايات القرن الماضي الى الطواف والهجرة بحثا عن حياة افضل، لكنها فجأة تجد نفسها اسيرة لسطوة رموز الاقطاع والفساد مما يحدو بعائلها الى التمرد بحثا عن العدالة في واقع فاسد وبائس ولكنه يسقط منذ المواجهة الاولى لكن احد ابنائه لن يتوانى عن اخذ زمام المبادرة ليحمل عن والده احلامه واماله بالتحرر من التسلط والظلم والهوان والفقر .أكد المالح بفيلمه «بقايا صور» على حرفيته في التعبير بالصورة التي تطغى على الكلمات ووصل في محاولته هذه الى ايجاد اسلوبية لافتة في جرأته على تحويل رواية حنا مينة الى فيلم الذي لم يكن من الممكن ترجمتها الى فيلم لعدم توفر اي شكل للبناء الدرامي في الرواية.كما اطلق الراحل اقصى طاقاته الابداعية بفيلمه المعنون «كومبارس» حين قدم منحى شديد الخصوصية ليعالج مشكلة اجتماعية تصلح للتعبير عن الانسان في اي وقت او اي زمان او مكان فكان العمل بمثابة بدايات نهوض سينما المؤلف في سرد فريد ممتع لواحدة من حالات القهر الطافح لدى رجل وامرأة يجمعهما مكان واحد لا يستطيعان فعل اي شيء سوى الانصياع للظروف القاسية لتكتمل عليهما حلقة الحصار حتى في عزلتهما من خلال مجرى الحياة اليومية التي يكابدانها.وتأكدت براعة الراحل في الفيلم امكاناته في تصويره الحاذق لكتل الفراغ داخل مكان محدود على خلفية من عزلة الشخصيات وانعكاسات الاحداث على سلوكها، ومن هذا كله نسج معالجة جريئة طرح فيها تكوينات بصرية ومشاهد بالغة الثراء في المكان الضيق، مثلما تفوق في المزج الفطن بين الواقع والخيال في سلاسة وتوظيف متين لشريط الصوت بشكل مبتكر سواء في لجوءه الى المؤثرات الصوتية او استخداماته البديعة لصوت المذياع.المخرج نبيل المالح الحائز على جائزة رفيعة عن مجمل انجازاته في مهرجان دبي السينمائي الدولي، حظيت افلامه مجتمعة باعجاب النقاد والجمهور على السواء واعتبرته ادبيات السينما العربية مدرسة حرفية على مستوى الاخراج وكتابة السيناريو والحوار ايضا وكرسته من بين ابرز نماذج الابداع الحقيقي في السينما العربية.

الرأي الأردنية في

25.02.2016

 
 

نبيل المالح... طوى أشرعته بعيداً عن دمشق

خليل صويلح

لم يركن إلى سردية بصرية واحدة. كان معجوناً بالمغامرة والشغف لارتياد مناطق بصرية مفارقة ومبتكرة. أمس، انطفأ المخرج المعروف، تاركاً 12 فيلماً روائياً، وعشرات الأعمال القصيرة التجريبية والوثائقية، وضعته في مكانة مرموقة في الفن السابع السوري

قبل نحو ثلاثة أسابيع، كرّم ملتقى «الرواق» في دبي، نبيل المالح (1936- 2016). كانت الصورة التي شاهدنا على الموقع الالكتروني للملتقى تثير الشجن والأسى، فقد أتى المخرج السوري المخضرم على كرسي متحرّك (!).

لن يصدّق من يعرف حيوية صاحب «الكومبارس» أن يشاهده على هذا النحو المؤلم. في شباط (فبراير) قبل خمس سنوات، خطف الموت المخرج عمر أميرلاي، وها هو في الشهر نفسه يضع نبيل المالح في «سجل اختفاء» آخر، قبل أن يجفّ التراب على قبر نذير نبعة الذي غاب قبل يومين. يا لها من مقبرة مفتوحة للسوريين!

الآن، ونحن نستعيد شريط السينما السورية، لن تستقيم نظرتنا النقدية إلى هذه السينما، من دون أن نضع أفلام نبيل المالح في الواجهة، بالتوازي مع سيرته الشخصية الصاخبة.

هكذا توجه الابن المشاكس لعائلة بورجوازية دمشقية إلى براغ، مطلع ستينيات القرن المنصرم، لدراسة الفيزياء النووية، لكن مصادفة عابرة حرفت طريقه، بعد سنتين من الدراسة، نحو السينما: «كنت مفلساً، حين اقترح عليّ أحد الأصدقاء أن نعمل كومبارساً في فيلم تشيكي. في موقع التصوير، اكتشفت أن السينما هي المهنة التي أبحث عنها». حالما أنهى دراسة السينما في براغ، عاد إلى دمشق، ليجد نفسه رهن الاعتقال بسبب تقرير أمني. بعد خروجه من السجن، تشرّد سنوات في أوروبا، إلى أن عمل في منظمة اليونيسكو بمساعدة صديقه شريف الخزندار، وأصدرا كتاباً مشتركاً بعنوان «سرّ المسرح». في سنة 1968، أتى دمشق في زيارة عابرة قبل هجرته إلى كندا، لكن مصادفة أخرى أبقته في البلاد. كانت «المؤسسة العامة للسينما» في بداية تأسيسها، ومديرها حينذاك موفق الخاني يبحث عن مخرج سينمائي لتحقيق فيلم عن النكسة، فقرّر البقاء في البلد، إلى أن وقعت بين يديه رواية «الفهد» لحيدر حيدر. لكن الفيلم واجه عثرات كثيرة، لم تكن في الحسبان. قبل تصويره بأسبوع واحد، جاء «فرمان» من وزارة الداخلية بمنع الفيلم بذريعة أنه يشجّع التمرّد الفردي لقاطع طريق، ويسيء إلى سلك الشرطة. كانت حكاية الفيلم مستقاة من قصة حقيقية عن فلاح يدعى «بو علي شاهين»، تمرّد على الإقطاع، فطارده رجال الدرك في الجبال، وشُنق في ساحة قريته ليكون عبرة للآخرين. هكذا طويت صفحة الفيلم مؤقتاً، إلى أن تغيّرت الأحوال السياسة في سوريا، مطلع السبعينيات، وسُمح بتصوير «الفهد». حقق الشريط نجاحاً ساحقاً، وصار بين أكثر الأفلام السورية شعبيةً. في أحد مشاهد الفيلم، تظهر الممثلة إغراء عارية، لكن هذه اللقطة الجريئة، غير المسبوقة في تاريخ السينما السورية، ستُحذف بعد... خمس سنوات على إنجاز الفيلم!

بصمته الحقيقية تجسدت على نحوٍ جمالي خلّاق في فيلم «كومبارس»

في «بقايا صور» (1973)، اقتبس المالح رواية حنا مينة عن سيناريو كتبه بمشاركة سمير ذكرى، ومحمد علي فروح. في الرواية الأصلية، تتفوّق السيرية على ما عداها، لكن السيناريو سيعتني بالبيئة الريفية ومناخاتها، مطلع القرن العشرين، حين كان فقر الفلاحين يمشي على قدمين. يتناول الشريط حياة عائلة ريفية بائسة تجبرها ظروف العيش الصعبة على الطواف والهجرة بحثاً عن حياة أفضل. العائلة المكوّنة من أب وأم وثلاثة أولاد لم تعرف للراحة أو الاستقرار طعماً. لكنها فجأة تجد نفسها أسيرة لسطوة رموز الإقطاع وعنف السلطة، مما يحدو بعائلها إلى التمرد بحثاً عن العدالة، فيقف وحيداً أعزل معترضاً لما يراه من واقع فاسد وبائس ويسقط منذ المواجهة الأولى. لكن احد أبنائه لن يتوانى عن أخذ زمام المبادرة ليحمل عن والده أمنيات الظروف القاسية وغير المنصفة.

كاميرا ذكية في التعبير عن سحر الطبيعة وبؤس البشر، وصوغ جملة بصرية أخّاذة، تمكّنت من نسف الوصف الفائض في الرواية لمصلحة الصورة المشبعة من الداخل، وبناء مشهدية مبهرة، في رؤية فكرية غير محايدة. على أن بصمته الحقيقية تجسدت على نحوٍ جمالي خلّاق في فيلم «كومبارس» (1993). فهذا فيلم سوري يفترق عن سواه باشتباكه مع واقع راهن، وأسئلة مضمرة عن الحريّة الفردية، وإذا به يبتعد مسافة طويلة عن أفلام السيرة الذاتية التي وسمت السينما السورية خلال العقدين المنصرمين. فيلم عن عاشقين خائفين في عالم أمني، خانق وضيّق، يضغط على الأرواح. عاشقان مطحونان في غرفة مغلقة، لكن همومهما ستتسرّب تدريجاً إلى الفضاء الخارجي كصورة عن تراكم أشكال القمع والاستلاب والعبودية في مدينة تنبذ أي صيغة للتمرّد. فأنت مجرد كومبارس على الخشبة، وفي الشارع، وإلا ستتعرّض لصفعة من رجل أمن تعيدك إلى مربعك الضيّق بكامل رعبك. بإمكانك أن تحوز بطولة مطلقة ولكن بين الجدران الكتيمة فقط، وما زحام الشوارع وحيويتها إلا شرارة مضمرة، لكنها قيد الاشتعال، في أي لحظة. لم يركن نبيل المالح إلى سردية بصرية واحدة، فقد كان معجوناً بالمغامرة والشغف لارتياد مناطق بصرية مفارقة ومبتكرة من موقع الاختلاف لا التراكم. 12 فيلماً روائياً، وعشرات الأفلام القصيرة التجريبية والوثائقية، وضعته في مكانة مرموقة لجهة البلاغة البصرية، وزاوية النظر، فهو ما انفك يرتحل من أسلوبية إلى أخرى في بحثٍ جريء عن مناطق سينمائية بديلة، إذ لطالما شبّه نفسه بالمحارب الذي يخوض معاركه على كل الجبهات، ذلك أن مشاريعه المؤجّلة أكثر من مشاريعه التي أنجزها طوال نصف قرن من العراك والسجالات الساخنة، رافضاً أن يكون مجرّد حكواتي، فالسينما كما كان يراها تكمن في اقتحام مناطق العتمة في المجتمع، وفحص طبقات القاع المهملة. هكذا أنجز مجموعة من الأفلام القصيرة، في سنواته الأخيرة معبّراً خلالها عن تحولات المجتمع السوري، مثل «عالشام..عالشام» عن هجرة الريفيين إلى المدينة، وفيلم «الكريستال المقدّس» حيث تتجوّل الكاميرا في رقعة صغيرة من دمشق القديمة تمتد من البوابة الرومانية إلى الباب الشرقي: «في هذه الجغرافيا، ستجد أربعة جوامع، وعشر كنائس، وأربعة مساجد يهودية. هذه صورة فريدة لدمشق، تؤكد استثنائية هذه المدينة وروحها المنفتحة على كل الطوائف والإثنيات» كما قال. رحل نبيل المالح بعيداً عن الشام طاوياً أشرعته في المنفى، فيما بقيت عشرات المشاريع المؤجلة في أدراجه.

أفعلتها يا صديقي؟!

محمد ملص

أعتقد بأنك كنت تعرف جيداً، أن هناك من ينتظرنا، واحداً وراء الآخر، كي نمضي، لننصرف من وجهه. ألم تمتلك مزيداً من القوة والقدرة والفعالية التي عهدناك بها، كي تقلع عيونهم بشوكتك الحادة يا معلّم؟

لطالما كنت معلّمي، منذ سنوات دراستي الأولى في السبعينيات، وكنت مرجعي في الحركة والدأب والمحاولة، إلى أن زرعت بذرتك الأولى في فيلمك «الفهد»، ثم سأقف مدهوشاً أمام «نبلك» السينمائي في فيلمك المهم والجميل «الكومبارس» الذي اخترت أن تصوّره في مكانٍ ضيّق، حين كنّا نظن بأن هناك متسعاً للضوء. وها نحن اليوم نكتشف نظرتك الثاقبة إلى ما نحياه اليوم من ضيق في الأمكنة والأرواح، ونعجز عن صوغ أفلامنا خارج الأمكنة الضيّقة، بشروط صعبة وقاسية ومحدودة، بعدما حُرمت علينا حركة الشارع، وحرّمناها على أنفسنا بوجود حملة السيوف. كنتَ حرّاً، وهذا ما نفتقده نحن اليوم. أتعرف؟ كنتُ اعتزم أن نكمل حواراتنا في دمشق، ما أن تعود إليها من إقامتك في دبي، عن أحلامنا المؤجلة في صناعة سينما وطنية، لكنك تعجّلت في المضي. هل لاحظت بأنني صوّرت فيلمي «سلّم إلى دمشق» في مكانٍ ضيّق أيضاً؟ بفارق أنني كنت مضطراً لذلك. كنت واثقاً بأننا سنستكمل تلك الحوارات كما «مسامرات الموتى»، وها أنت تترجّل من دون إنذار، وتدفن بعيداً عن أرضك الأولى، فكيف سنعيش هذه الظروف المرهقة في غيابك يا معلّم؟

* سينمائي سوري

الرائد والمؤسس لا يشبه إلا نفسه

علي وجيه

واحداً تلو الآخر، يتساقط المبدعون السوريون. كأنّهم ينهارون فجأةً، تحت وطأة الحزن على بلد سابح بالدماء. ما يزيد النبأ الفاجع مرارةً أنّ السينمائي والتشكيلي والشاعر الدمشقي لم يُدفَن في مدينته الأثيرة.

دمشقه التي صوّرها كثيراً، مصطاداً بعض جوانبها المظلمة، وكثيراً من وجوهها البهيّة. من الآثار الجانبيّة المريعة للحرب السوريّة، ألا يُوارَى المثقف السوريّ تحت تراب بلاده.

نبيل المالح لا يشبه إلا نفسه. التمعّن في نصف قرن سينمائي من حياته الحافلة، يستخلص فرادةً واختلافاً في آلية التفكير والبحث والأفلمة. مشروعه الكبير في الفيلم الطويل والقصير والوثائقي، لم يعرف الكلل أو الركون. لا بدّ من التنوّع والتجريب، لاستكشاف تيمات تلامس الفرد، وجغرافيا تظهر المزيد من دمشق وما حولها. أسلوبية خاصّة طوّرها عبر السنوات، ليصنع ختماً خاصّاً لعدسة لا تشبه السائد ولا تقلّد الآخر. «كان من بين قلّة من المخرجين، صنعوا هوية ما عُرِفَ بالسينما السورية»، عبارة وردت كثيراً في أخبار نعي الرجل. بضع نقاط قد تسهّل الاقتراب من تميّز الراحل وخصوصيته:

إثر دراسة السينما في براغ كأوّل مخرج سوري يتعلّم المهنة خارج البلاد، عاد نبيل المالح إلى دمشق. بدأ العمل مع المؤسسة العامّة للسينما على أوّل فيلم روائي سوري طويل بعنوان «الفهد»، عن رواية لحيدر حيدر بالاسم نفسه. حكاية الفلاح البسيط الذي يتمرّد على الإقطاع والاستبداد لم تعجب وزارة الداخليّة، فلم يرَ الشريط النور حتى عام 1972، محققاً نجاحاً مدوياً والعديد من الجوائز. كذلك، يُحسَب للمالح أول فيلم ديجيتال روائي طويل في سوريا، هو «غراميات نجلا» (2001)، الذي نال فضية «مهرجان القاهرة» التلفزيوني وذهبيتي أحسن سيناريو وأحسن ممثلة لرنا الأبيض. يُضاف إلى ذلك عناوين وثائقيّة مبكّرة، مثل «إكليل الشوك» (1969) والشهير «نابالم» (1970)...

منذ «الفهد»، انحاز نبيل المالح إلى حريّة الفرد وكرامة النفس، داعياً إلى مقاومة المحتل والمستبد. المقاوم الفلسطيني في ثلاثيّة «رجال تحت الشمس» التي أخرج أحد أجزائها، يتقاطع مع ذلك الفلاح الذي لعبه أديب قدّورة. بشكل أو بآخر، سيتكرّر ذلك في «بقايا صور» (1973) و«السيّد التقدمي» (1974)، وصولاً إلى تحفته «الكومبارس» (1993). في غرفة ضيقة، توهّج بسام كوسا وسمر سامي ضدّ العسف والقمع. صرخا من أجل حريّة الفرد. لا شكّ أنّ تجربة المالح الشخصيّة عزّزت عنده هذا التوجّه البيّن، الذي ختمه بالوقوف إلى جانب المنتفضين في بلده منذ آذار (مارس) 2011. لقد تلقّى صفعة من عسكريّ في متنزّه عام أيام الطفولة، فكره القبضة الأمنية إلى الأبد. عمله في منظمة الأونيسكو، عرّفه أكثر على حقوق الإنسان ومعنى المواطنة. أسفاره العديدة إلى أميركا وأوروبا، مكّنته من «استخدام الحياة» بشكل عملي. هكذا، صار المالح حالماً بكثير من المفاهيم الهشّة في أرض «الكريستال المقدّس».

التصق اسم المالح بأكثر من 150 عنواناً. كان يعمل بلا انقطاع، متلوّناً بين التصوير والسيناريو والشعر والرسم. مشاريع كثيرة لم ترَ النور، منها «البيانو» و«فيديو كليب»، ووثائقيات عن جرائم الشرف وحقوق المرأة وتاريخ دمشق. اللافت في طرح المالح هو الذكاء في الجمع بين القيمة الفنيّة والجذب الشعبي، بين البلاغة والحرفة والبزنس والراهن الحار. الكاتب والصحافي إبراهيم الجبين روى تجربةً لافتةً مع المالح في «العرب» اللندنيّة. صاحب «عالشام.. عالشام» لم يتردد في العمل على وثائقي عن أسامة بن لادن عندما كان يعيش في الساحل السوري. المالح والجبين قابلا أهل والدة أسامة وابنته بالتبنّي، ليخرجا بمادة ساخنة قادرة على اكتساح العالم بعد تفجيرات برجي التجارة. من سوء الحظ، قام الأمن السوري بمصادرة الشريط قبل ولادته. ببساطة، يمكن التنبّؤ بشطارة المالح كرجل صناعة لا يساوم على الجودة، لو شهدت سوريا مشهداً سينمائياً حقيقياً مع شبّاك للتذاكر.

لم يفارق المالح شباب السينما طوال حياته. حرص على نقل المعرفة والخبرة إلى الآتين بعده. درّس في تكساس وكاليفورنيا، وظلّ مواظباً على نشر فيديوهات تعليمية على مدوّنته حتى النهاية. ساهم في تطوير عدد من المشاريع، ولم يمتنع عن مد يد العون لطالبي المشورة. مشاركته في تأسيس «مهرجان السينما البديلة» مطلع السبعينيات دليل على تشبّثه بالانفتاح، وعدم الانقياد خلف المفاهيم الأحادية والأفكار الجاهزة.

الأخبار اللبنانية في

25.02.2016

 
 

نبيل المالح.. هامش تحت الشمس

أحمد باشا

صباح أمس الأربعاء، رحل عن عالمنا من يمكن وصفه بحق كأحد "رواد السينما السورية". نبيل المالح؛ صاحب ما يزيد عن مئة وخمسين فيلماً بين روائي ووثائقي وقصير. في جعبته أيضاً ثمانية عقود اختلطت وتفاعلت بسير البلاد وبتواريخها التي عايشها بمواقفه وبكاميرته.

نشأ المالح (1936 - 2016) في حقبة استثنائية في التاريخ السوري. اعتقل ابن الثالثة عشرة في نهاية الأربعينيات بسبب مشاركته في الحراك المشتعل الذي كانت تعيشه العاصمة دمشق، كما اعتقل بسبب الرسوم الكاريكاتورية التي كان ينشرها في الصحافة آنذاك. تربّى صاحب كتاب "سر المسرح" (1968) في فضاء تتسيّده النقاشات والمظاهرات التي كان يختبر فيها السوريون مفاهيم، عقب استقلالهم، عن البلاد والحرية والديمقراطية والمواطنة.

أثناء الوحدة بين سورية ومصر، كان المالح يدرس السينما في براغ، فسحبت الجنسية السورية منه بسبب تقرير أمني، وسرعان ما اعتقل عند عودته بعد الانفصال. دائماً ما يقترن اسم المالح بفيلمه "الفهد"، الذي يعد علامة فارقة في السينما السورية، كما يعتبر أول فيلم روائي سوري طويل، إضافة إلى منع الرقابة تصويره عام 1968 بسبب "تشجيعه على التمرد الفردي"، ليعود السينمائي السوري وينجزه بعدها في عام 1972.

"قدّم للسينما السورية أسلوباً لافتاً في إدارة الممثل"

منذ البداية، لم يرد المالح رفع السقف الرقابي فقط، بل أراد أن يهمّشه، لذلك أصر أن تظهر الممثلة إغراء عارية في أحد مشاهد أفلامه؛ اللقطة التي أعيد حذفها بعد سنوات خمس. وفي السياق السابق نفسه، لم يبحث المالح عن نجم ليلعب بطولة فيلمه، فذهب إلى المسارح الهامشية، ليقع اختياره على الممثل الفلسطيني السوري أديب قدورة، وهذا ما يحمل دلالة كبيرة.

رويداً رويداً، بدأت تتضح معالم فلسفته السينمائية خلال أفلام السبعينيات "رجال تحت الشمس" (1970) والفيلم التسجيلي "نابالم" (1971) و"السيد التقدمي" (1975) وفيلم "بقايا صور" (1980). قبل أن يكون المنفى خياره الشخصي في بداية عقد الثمانينيات احتجاجاً على ضربه من قبل أحد العساكر أمام وزارة الداخلية في دمشق.

انكب المالح في منفاه على كتابة سيناريو فيلمه الأشهر "كومبارس" الذي عاد وأخرجه بعدها وتعرّفت معه السينما السورية على أسلوب لافت في إدارة الممثل. استطاع صاحب "بقايا صور" أن يقدّم بسام كوسا وسمر سامي بأبهى صورهما، بل إن ممثلاً كعبد المنعم عمايري عاش طويلاً على تقليد شخصية البطل في الكومبارس لسنوات عديدة في أدواره التلفزيونية اللاحقة.

أما على صعيد المضمون، فإن بطلي "كومبارس" (1992)، ينتميان إلى الهامش السوري، إلى مجموعة كبيرة من الشخصيات التي أراد المالح أن يقدّمها وهي تناضل من أجل الحب ومن أجل حريتها الشخصية في فضاء يطحن أبناءه يوماً بعد الآخر.

هكذا، عثرنا على ميزة في أفلام المالح قلّ نظيرها في السينما السورية وهي انعدام النرجسية التي نراها في سينما المؤلّف السورية، والتي كان أصحابها يخفون بها أبطالهم فيظهر الممثل أداة يحرّكها المخرج كيفما أراد مرة، ومرة أخرى شخصية منفلتة تتسم بالسذاجة التي تجلب الضحك المجاني.

إلى جانب رصيده السينمائي الكبير، كان المالح من أشد المدافعين عن قيم المواطنة وحرية التعبير في البلاد التي تدار من قبل أجهزة المخابرات. لم تكن لحظة الثورة السورية مربكة بالمعنى الأخلاقي لصوت طالما اتسم بالعلو، لكنها كانت دافعاً ومحفزاً له ليقضي، في مكان إقامته في دبي، جلّ وقته في كتابة مشاريع أفلامِ عن الراهن السوري. لا بد من يوم قادم، نرى فيه ماذا كتب المالح بعد 2011، ونعرف ماذا حل بأبطاله، التي تشبهه كثيراً، ربما إلى درجة التطابق.

العربي الجديد اللندنية في

25.02.2016

 
 

نبيل المالح.. آخر مشهد لصاحب "كومبارس"

دبي ــ العربي الجديد

عن 80 عاماً، رحل اليوم، في دبي، المخرج السينمائي السوري نبيل المالح. بعيداً عن مسقط رأسه، دمشق، التي غادرها منذ اندلاع الثورة السورية، سيبقى صاحب "بقايا صور"، حيث سيوارى الثرى في دبي أيضاً.

في الخمسينيات، شدّ المالح رحاله إلى براغ لدراسة الفيزياء النووية. هناك، أتيح له أن يمثّل دور كومبارس في فيلم ما، ليكتشف السينما، ويدرسها في تشيكوسلوفاكيا، ويحصل على درجة الماجستير في الإخراج السينمائي والتلفزيوني.

في عام 1969، أنجز المخرج أول أفلامه، "إكليل الشوك"، وكان روائياً قصيراً. بعد عام، قدّم ثلاثية "رجال تحت الشمس"، وكان فيلماً من ثلاثة أعمال سينمائية، هي "المخاض" و"الميلاد" و"اللقاء"، من إخراج محمد شاهين ومروان المؤذن ونبيل المالح. كتب السيناريو، حينها، كل من نجيب سرور وقيس الزبيدي وشاهين والمؤذن والمالح.

كانت هذه الثلاثية بمثابة تعبير عن الانحياز لقضية الشعب الفلسطيني؛ فهي مستوحاة من رواية غسّان كنفاني "رجال في الشمس". في عام 1972، قدّم المالح فيلمه "الفهد"، المأخوذ من رواية الكاتب السوري حيدر حيدر. عملٌ يتطرّق إلى أنظمة ما بعد الاستعمار، وممارساتها القمعية والإقطاعية.

في بداية الثمانينيات، اتّجه المالح إلى الولايات المتحدة لتدريس السينما في تكساس وكاليفورنيا. شكّلت هذه الخطوة بداية رحلة ستمتد لعقدين، أمضى معظمها في اليونان؛ حيث كتب سيناريو فيلمه "كومبارس" الذي يحكي قصة رجل بسيط يعمل مع الممثلين ككومبارس.

لم تقتصر تجربة المالح على الأفلام الروائية القصيرة والطويلة فقط، بل عمل أيضاً في الأفلام التسجيلية، وآخرها كان "عالشام.. عالشام". أُنتج العمل في 2006، لكن مُنع العرض في سورية. ولم ير النور إلا في 2012؛ حيث عُرض في دبي.

يتطرّق العمل إلى أهل الريف السوري، وأسباب هجرتهم إلى دمشق، من خلال شهادات لمهاجرين. يتعرّف المشاهد إلى دوافع هذه الهجرة، والتي يتعلّق معظمها بالبحث عن لقمة العيش، لعدم توفّر فرص عمل في القرى حيث يقطنون.

"عالشام.. عالشام" هو آخر أعمال المالح. وبعيداً عنها غادر عالمنا.

العربي الجديد اللندنية في

24.02.2016

 
 

رحل عن ثمانين عاماً وأكثر من مئة وخمسين فيلماً:

المخرج نبيل المالح… حكاية السينما في سوريا

راشد عيسى - باريس- «القدس العربي»:

لدى سؤاله عمّا فعلت الرقابة بأفلامه تذكّر نبيل المالح فيلماً وثائقياً له بعنوان «المدرسة»، يعتقد أنه أحرق، وهو يجد فيه التعبير الأصدق عن حال سوريا. كان يسميه بـ«الفيلم النقي»، لأنه لم يتدخل فيه بكلمة واحدة. وهو وَصَفَه بالقول إنه يصوّر أطفالاً بين الخيام، فوق ركام حياة بائسة، يقرؤون نصوصاً مدرسية عن حضارة هذا البلد، فيما الكاميرا تبتعد لتعرض أي حال يعيش فيه أبناء هذه الـ»حضارة».

أُحرق فيلم «المدرسة»، على ما قال المالح، كذلك منع فيلمه الروائي «الفهد» من التصوير قبل أسبوع واحد من الموعد المحدد عام 1969، ولم يعد إلى تصويره إلا عام 1971. وتالياً دُمرت أصول هذا الفيلم، كما يقول. ثم منع عرض فيلمه «السيد التقدمي»، ولم يعرض إلا بعد ذهاب مدير «مؤسسة السينما» آنذاك، لأن الفيلم كان يشير بالبنان إلى شخصية فاسدة معروفة، بالإضافة إلى قطع حوالى ربع ساعة من فيلمه «بقايا صور». ليست الأفلام وحدها، المخرج نفسه ظل بعيداً على الدوام عن «مؤسسة السينما»، مبعداً على وجه الدقة، رغم النجاح الواضح لكثير من أفلامه، إن كان جماهيرياً أو علـى مستوى المهرجانات. 

لم يدرس المالح السينما، موفداً من «الحزب»، أو الحكومة، بواسطة من هذا أو ذاك، يفخر الرجل بأنه درس على حسابه «ولا فضل لأحد عليّ. لم أوفد مرة واحدة إلى مهرجان، ولم أكافأ، ليس لي تقاعد ولا ضمان صحي»، وفوق ذلك أكد ذات مرة أن «في المؤسسة ثلاثة سيناريوهات مكتوبة لي منذ سبع سنوات لم تقرأ». 

أما إذا جرى تكريمه مرة في واحدة من نسخ مهرجانات دمشق السينمائية، فلأن المهرجان لم يترك أحداً لم يكرمه، وبات نافراً أن لا يكرم من له هذا الرصيد من الأفلام، كماً ونوعاً.
لا يدهشه بعد ذلك كيف أن «الأفراد الذين صنعوا تاريخ السينما السورية موضوعون في قفص الاتهام» على الدوام. حدث ذلك حتى وقت قريب، فالثورة السورية، وانتماء معظم السينمائيين السوريين إليها، وضعتهم من جديد أمام مقصلة اتهامات المؤسسة الرسمية، لا تكف عن التشهير بهم، وشتمهم عبر منابرها. يتذكر المخرج الراحل حكاية خارج السينما، لكنها كانت شديدة التأثير، حين ضربه عسكري بأخمص بارودته على وجهه، قرر حينها أنه لا بد أن يغادر، وبالفعل، جاءت السنوات العشر التالية في المنفى اليوناني، وربما المصادفة وحدها أعادته ليصور فيلمه الأثير «الكومبارس» في دمشق، مع ممثلين سوريين.

حتى الأفلام التي حققها لمصلحة مؤسسات أخرى لم يكن نصيبها من المنع والرقابة أحسن حالاً، فقد عبّر، في حوار سابق عن تمنيه «إطلاق الأفلام التي أنتجتها لصالح «الهيئة السورية لشؤون الأسرة»، مثل «شهرزاد»، «ضوء معاكس»، «الكريستال المقدس»، «ع الشام»، ومجموعة من أفلام العنف ضد المرأة». هذا بعض مما أصاب المخرج الأبرز بين السينمائيين السوريين من «سوريا الأسد»، فكيف سيكون موقفه منها، ومن ثورة أبناء بلده، مع أن أحوال البلاد تستحق مئة ثورة حتى لو أن القهر لم يمس هذا المبدع أو ذاك بشكل شخصي. بالطبع لم يتردد المالح في قول موقفه، وإعلانه بالانتماء لثورة شعبه غير عابئ بالعواقب، كما يفعل كثير من زملائه، الذين «يُوتْوِتون» لأنفسهم ولذويهم وللمقربين فقط أن لهم موقفاً من النظام، لكن من دون أي تصريح أو ظهور إعلامي يدعم ذلك، متخففين من أي مسؤولية، أو ربما محافظين على «خط رجعة»، لعل فرصة عمل ما تقع هنا أو هناك!

موت السينما

أكثر ما يلفت في شخصية المخرج، الذي رحل أمس عن ثمانين عاماً (مواليد 1936)، هو مقدرته الفائقة على توليد المشاريع والاشتغال عليها. في بلد ينتظر فيه السينمائي عشرة أعوام أو أكثر كي يحقق فيلماً واحداً يستطيع نبيل المالح أن يخرج أكثر من مئة وخمسين فيلماً، بل، وفوق ذلك، يكتب سيناريوهات أفلام، ومسلسلات تلفزيونية، وقد يسهم في إنتاج أعمال أخرى لغيره. 

إنه حقاً درس للسينمائيين دائمي الشكوى من قلة فرص التمويل، وتجاهل المؤسسات الرسمية. يعرف كل من حوله أنه حتى اللحظة الأخيرة من حياته كان يتحدث عن أفلام ومشاريع قيد الكتابة أو التحضير. يقول إنه إن لم يجد مشروعاً بين يديه فلا يتردد في النزول إلى الشارع كي يصور ما تصل إليه يداه، كاميرته.

ربما هذا الكسل السينمائي لدى عدد كبير من السينمائيين السوريين هو ما يجعله يلومهم، معتبراً أنهم ألقوا، بعد الثورة، بالحمل كله على الشبان وحدهم، على قلة خبرتهم وحيلتهم. لكنه قبل ذلك كان أعلن موت السينما في سوريا، حتى أن جوابه ذات مرة على سؤال حول أفلامه السورية الأحب أغضب كثيرين من زملائه، حين قال «سؤال محرج جداً. لأنني قد أحب أشياء فيها، ولا يعني ذلك بالضرورة أن أحبها بكاملها».

وأضاف «أما الفيلم الذي أشعر بأنه ظلم فعلاً فهو فيلم «اليازرلي» لقيس الزبيدي، يعجبني كفيلم بكامله، أما البقية فأحب منها أجزاء ومشاهد. مثلاً مقاطع من «رسائل شفهية» لعبداللطيف عبدالحميد، ومن «أحلام المدينة» لمحمد ملص ومن «نجوم النهار» لأسامة محمد.

لكن نبيل المالح، في إحدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة، بدا، رغم كل شيء، واثقاً، يعرف جيداً ما هي العوائق أمام سينما أجمل. لقد اختصر بكلمتين فقط أمله بالمقبل من الأيام «سنصنع سوريا غير شكل».

القدس العربي اللندنية في

24.02.2016

 
 

رحيل المخرج السينمائى السورى نبيل المالح بالإمارات

دبي ـ«سينماتوغراف»

انتهت اليوم بالإمارات مراسم جنازة المخرج السينمائى السورى الكبير نبيل المالح، بعدما كان الفقيد قد فارق الحياة بأحد مشافى دبى ودفن بمدافن “القوز” هناك.

وكان المخرج الراحل يقيم بالإمارات منذ أعوام، إثر خروجه من دمشق بعد اندلاع الثورة السورية، حيث كان للمخرج موقفه الواضح مما يجرى فى بلده، حين وقف ضد النظام الذى عمد إلى قمع الثورة بعنف غير مسبوق.

 المخرج الراحل كان متعدد المواهب فبجانب كونه مخرج سينمائى كان فنانا تشكيليا ويعتبر المالح من أصحاب الأرقام القياسية فى عدد الأفلام التى أخرجها، ما بين روائى وتسجيلى، إذ يسجل باسمه أكثر من مئة وخمسين فيلماً سينمائياً، وهو تقريباً ظل حتى النفس الأخير من حياته ممتلئاً بمشاريع سينمائية.

ومن أبرز أعماله فيلم كومبارس، 1993، من بطولة بسام كوسا وسمر سامى، وكان نموذجاً لسينما جميلة قليلة الكلفة، وفيلم “الفهد” 1972 فيلمه الجماهيرى المأخوذ عن رواية لحيدر حيدر، ولعبت فيه إغراء دور البطولة، كما قدم «ثلاثية رجال تحت الشمس» (1970) مع محمد شاهين ومروان المؤذن.

سينماتوغراف في

24.02.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)