كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

نبيل المالح..

حوارات عن السينما والحرب في سوريا

ارشيف "السفير"

عن رحيل شيخ السينما السورية نبيل المالح

   
 
 
 
 

نبيل المالح، المخرج السينمائي السوري، ولد في دمشق، في العام 1938، وانتسب إلى جامعة السينما والتلفزيون في براغ عام 1958، لينال شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، عام 1964، عن رسالته «الصورة الذاتية والموضوعية في السينما المعاصرة - دراسة في وسائل التعبير التجريبيّة». وبعد عودته إلى سوريا عمل في المؤسسة العامة للسينما.

بدأ المالح حياته السينمائية بإخراج أفلام قصيرة، قبل أن ينجز فيلمه الروائي الطويل: «الفهد» المأخوذ عن رواية لحيدر حيدر ولعبت فيه إغراء دور البطولة، ثم فيلم «غوار جيمس بوند» لدريد لحّام، العمل الذي قال المالح عنه أنه «يظهر للمسؤولين إمكانية أن يسقط مخرج شاب في هاوية السينما التجارية».

وخلال رحلته الفنيّة، تنوعت إنجازاته السينمائية، من «السيد التقدمي» (1975)، وهو من انتاج المؤسسة العامة للسينما، و«بقايا صور» (1980) عن رواية الكاتب السوري حنا مينا، وكذلك «كومبارس» (1993)، «تاريخ حلم» (1983)، و«فلاش» الذي نال الجائزة الذهبية ضمن مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان دمشق السينمائي العاشر.

في ما يلي، حوارات من أرشيف «السفير»، مع المخرج السوري الذي توفي صباح اليوم الأربعاء عن عمر 78 عاماً، تستعيد علاقته بالسينما عموماً وبمؤسسته الرسمية خصوصاً، وتضيء على تجاربه السينمائية التي تعددت بين الأفلام القصيرة والطويلة والوثائقية، فضلاً عن موقفه من الأحداث في سوريا في السنوات الخمس الأخيرة.

السفير اللبنانية في

24.02.2016

 
 

نبيل المالح وسنوات السينما العجاف:
هل صحيح أن السينمائيين كانوا يبحثون عن سينما بديلة؟

من أرشيف "السفير"، حوار مع المخرج السوري نبيل المالح عن "السينما البديلة"، ضمن سلسلة محاورات "السفير" حول طموح جيل سينمائي عربي جديد، نشر بتاريخ 26 آذار 1978 .... المزيد

السفير اللبنانية في

26.02.1978

 
 

نبيل المالح: القطاع العام لا يرى في الكاميرا إلا أداة لنقل صورته

من أرشيف "السفير"، حوار مع المخرج السوري نبيل المالح، أجري في استديو الصوت في دمشق، أثناء إشرافه على "دوبلاج" فيلمه "بقايا صور"، نشر بتاريخ 13 تموز 1980 .... المزيد

السفير اللبنانية في

12.07.1980

 
 

علمتني أمي أن أكون سيد نفسي

نبيل المالح: ما يجمع أعمالي هو كلمة لا

اسكندر حبش - حسين بن حمزة

من أرشيف "السفير"، حوار مع المخرج السوري نبيل المالح حول فيلمه "فلاش" وبعض قضايا السينما العربية، نشر في 12 تشرين الثاني 1997. يعاد نشره بمناسبة وفاة المالح اليوم الأربعاء، في 24 شباط 2016، عن عمر 78 عاما.

لا نبالغ لو قلنا ان فيلم نبيل المالح القصير »فلاش« كان أحد أجمل أفلام مهرجان دمشق السينمائي العاشر، الذي استحق عليه الجائزة الذهبية ضمن مسابقة الأفلام القصيرة.

حول "فلاش" وبعض قضايا السينما العربية الراهنة، كان هذا الحوار:

·        كيف بدأت فكرة الفيلم، وبخاصة أنك في البداية لم تكن مشاركا في المهرجان؟

في الأساس، تأخرت في الانتهاء من فيلمي الروائي لعدم انجازي للسيناريو، الذي أعمل عليه منذ سنوات طويلة. أعتقد ان عملي هذا، وبعد كل ما صنعته في السينما، هو فيلمي الأول. وما زلت في حالة من القتال والصراع معه، ويحمل عنوان »فيديو كليب«. على كل، رغبت بالمشاركة بطريقة ما، كنت مزمعا على انجاز فيلم مدته 6 دقائق بعنوان »درس في القتل« احاول فيه، ضمن صياغة تجريبية، ان أقدم كناية كونية عن كيفية قتلنا كبشر يوميا بدون إطلاق رصاصة. يثيرني هذا الموضوع منذ زمن طويل لقناعتي بأن هناك عملية قتل يومية تمارس علينا، ولكن لصعوبة التنفيذ، ابتعدت عن تنفيذه، وصادف ان جاء بسام كوسا وطرح عليّ فكرة »فلاش«، فجعلني أتلقفها فورا وهذا ما حصل.

من ناحية اعداد العمل، حاولت دراسة مختلف التفاصيل بدقة بالغة، استغرق التحضير فترة طويلة من التأمل، اما التنفيذ، فقد استغرق يوما واحدا والمونتاج، يوما واحدا والموسيقى أيضا... الخ.

·        لماذا اخترت بسام كوسا، هل لأنه صاحب الفكرة؟

ليس لذلك أي علاقة بالأمر. فبسام يحمل طاقة داخلية كبيرة ويفهم كل مفردات عملي ولديه معادلات استطيع استنباطها او تركيبها وتكوينها بدون عناء. الى جانب قناعتي بأنه يمثل فيزيائيا النموذج الانساني البسيط الاكثر انتشارا. بالاضافة طبعا الى تقنيته الاختزالية العميقة التي تخدم بشكل خاص في مثل هذا النوع من الاعمال. وبما انه صاحب الفكرة في الأساس، فهذا يشكل إضافة الى علاقته بالعمل.

لا أهتم بالجوائز

·        قيل ان انجازك الفيلم بهذه الفترة القصيرة، ليس مفاجأة بقدر اهتمامك بالمشاركة في المهرجان. وبخاصة انك تطمح بشكل ما الى الفوز بجائزة على كل حال، سمعنا انك ستفوز بجائزة ما عن فيلمك هذا (جرى الحوار قبل إعلان النتائج).

لا يوجد الا الأغبياء الذين وجدوا أنني أصنع فيلما من اجل المهرجان، »لأضبط خبطتي«.. لدي هموم أكبر بكثير من المهرجان ولدي الكثير مما أريد قوله بمهرجان او بدونه. قد يكون المهرجان مناسبة لأتواصل فورا مع اكبر عدد من البشر ومن أقطار مختلفة. وقد يكون في ذلك ميزة، ولكنني حقا لم أفكر بالجوائز ولا أفكر فيها فعليا.

إشكاليتي الرئيسية، هي كيف أستطيع التعامل مع أفكار ورؤى وأساليب تستطيع اختصار وايجاز هذا العالم المرعب الذي يحيط بنا. وعليّ ان أعترف بالقيمة الكبرى لجهة عامة في سوريا كالمؤسسة العامة للسينما التي سمحت بإنجاز هذا العمل.. وقبله »الكومبارس«. وفي ذلك مؤشر الى ما أعتقد انه هامش نادر عربيا، ويمنح قيمة خاصة، لما يمكن ان تقدمه مؤسسة السينما في سوريا من اعمال تحمل توقيعا صريحا لمبدعيها. وأتمنى دائما ان تبقى هذه المؤسسة مكانا، فيه ضوء حضاري، لقناعتي بأن هناك مجموعة من السينمائيين السوريين يستحقون أفضل الظروف وأعتقد ان مؤسسة السينما قد غدت الواحة العربية الوحيدة الممكنة للعمل بكرامة.

·        عودة الى كلامك حول الجوائز: برغم ما تقول، فأنت اكثر مخرج سوري حاصل على جوائز. وأحب ان أضيف: ماذا تريد من السينما او لنقل ما هو مشروعك السينمائي؟

ثمة امر يجمع كل أفلامي من الناحية الفكرية، من بداياتي حتى الآن. انها كلمة لا. كل أعمالي هي رفض لكل ما حولنا وفينا من عملية تهميش وتقزيم وحتى الإلغاء كبشر وهذا ما تجيده معظم الانظمة العربية. وفي هذا المجال لم أنحرق لحظة واحدة عن قناعتي بأن »لا« هي محرك التاريخ ومحركي أنا. اما من الناحية السينمائية: لدي قناعة بأن السينما فن ما زال في أبجدياته الاولى ولم يستكشف بعد. ولذلك كنت احاول في كل عمل مهما كان ان اعيش في هذه اللغة العجيبة البالغة الثراء والتي ما زال العالم يتعامل معها لغويا كمفردات كتاب طلاب الصف الثالث الابتدائي. وأعتقد بأنني أحاول الاقتراب الآن اكثر فأكثر من تصوراتي عن السينما كلوحة تمثل عصرنا. وان تبتعد عن ان تكون مجرد صورة فوتوغرافية او حكواتي. وما زلت أقاتل في سبيل هذا.

المشكلة مع نفسي

·        الا تخشى ان توقعك هذه ال»لا« في المباشرة، في المطبات الايديولوجية مثلا؟

لقد تعرضت الى مطبات كثيرة جدا في حياتي. مُنعت من العمل. لوحقت. منع عني حتى رغيف الخبز. ولم يكن هنالك احد ورائي في أي لحظة من اللحظات. ولكن المشكلة ليست في العالم الخارجي. فحدوده وخطوطه معروفة. نحن نقاتل من اجل تدمير هذا الركام الذي يخنقنا. المشكلة هي مع نفسي. فأنا لم أعد ولم أرغب ابدا في ان اتحول عن أشياء وقناعات كانت دائما مبررا لوجودي. انا حتى اليوم، لا أملك اي مصدر رزق ثابت. في أحيان كثيرة، ليس لدي قسط مدرسة ابنتي ولكنني اعتبر ذلك جزءا من عملي وحياتي ولست معترضا. اعتراضي الاساسي هو على وضع الملايين ممن هم مثلي لكنني لا أملك شيئا احسد نفسي عليه. ما زلت شابا وما زلت ابحث وأخرج وأرسم واكتب الشعر وأقول لا.

·        الى متى ستستمر في قول لا، كيف ستقولها وسط هذا الحصار اذا جاز التعبير؟

لا توجد وصفة مسبقة الصنع لهذه العلاقة او لهذا التوق. اتذكر بهذه المناسبة، قصيدة لشاعر تشيكي او انها نثر ادبي، تقول بأن عمال المناجم عندما يحفرون في الأنفاق العميقة يطلقون طائرا، ومنه يعرفون فيما اذا كانت هناك غازات سامة او لا. انها دليل على الحياة. ويقول ذلك الشاعر ان الفنان هو هذا الطائر الذي يتقدم الآخرين لاكتشاف اسم ولكنه لا يدري بأنه سيكون اول ضحاياه. فالقضية ليست معادلة بقدر ما هي اختيار. ان مهمة الانظمة ان تنفي عنك قدرتك على الاختيار وان تصبح صوتا واحدا. وقوتي تكمن في أنني قادر على الاختيار وقوي بالآخرين الذين يمتلكون عظمة قول لا. وبقناعتي، والشواهد كثيرة، ان العالم قد قدم لنا دروسا كبيرة ولكن ما يؤسفني اولئك الذين يدرسون التاريخ وليس لديهم بصيرة دراسة المستقبل. قد تنتهي حياتي ولم يتغير شيء. لكن ليس هذا مشكلة. المشكلة هي ان أمرّ من دون ان »أخربش« هذا الحائط الصلب والشرس.

·        يبدو من كلامك وكأن الفن بهذه اللحظة، عبارة عن مواجهة. الا تعتقد انك لو كنت مرتاحا اكثر لكانت مخيلتك السينمائية اكثر راحة ايضا. ففي كلامك ما يفيد انك سينمائي مقاتل في حين انك تملك لغة سينمائية منفردة..

التنوع بالنسبة اليّ، موقف كما ان مبدأيتي في قول لا هي موقف. هناك مفهوم متخلف لمفهوم السينما مكرس عالميا، وقد كرسته السينما الاميركية بشكل خاص، اذ انها قد كرست الحكاية، وبذلك اختصرت هذا الفن العظيم الذي هو صورة عصرنا الى مجرد بنية حكواتية وحيدة المنحى وغدت بذلك، لا تختلف عن الحكواتي الاكبر بعصرنا وهو التلفزيون ولكن بإبهار مشهدي تقني اكبر، علينا ان نفهم ان مكونات عصرنا في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا ومختلف الانشطة الانسانية وعلاقات الدول والأفراد وأشكال القمع الجديدة وعمليات الاستيلاب المبتكرة وغير ذلك الكثير، ليس حكاية وانما هو حالة. ولا يوجد فن اليوم يستطيع التعبير عن الوجوه المختلفة بهذا الكريستال الكوني اكثر من السينما. فمفرداته المتواجدة في كل ثانية مع بعضها هي التي تستطيع تقديم وجوه عالمنا في آنية خارقة وتزامن يقول ما لا يقال. وهو اكبر من الكلمات والحركات. ولأعطي مثلا على ذلك، في لقطة واحدة يتواجه الزمان المكان التشكيل الانسان الضوء الثقافة زاوية الصورة الموسيقى المؤثر الصوتي البنية الاسلوبية وأشياء كثيرة اخرى في تواجد حاسم ودقيق الى أبعد الحدود والوهم والواقع والخيال. وانا أفهم السينما، بأنها هي هذا المنظور الكريستالي العجيب وهي لوحة عصرنا الصعبة المنال. ويؤلمني انها الآن في كثير من مظاهرنا وأدوات تعبيرها لم تصل بعد الى ما وصله الشعر، الموسيقى، النحت، الرسم في بداية هذا القرن. ان صنع سينما جديدة وصنع تكوين معاصر لعالمنا اليوم بكل مفرداته وزواياه وظلاله المحسوسة والحسية، يجعل السينما وفق تصوري ليست لعبة تشكيلية وانما هي المعادل الكوني الوحيد الممكن.

القطيعة والتغيير

·        بأي معنى هي المعادل الكوني الوحيد، اي ما هي الشروط التي تفرضها علينا؟

يجب ان نميز بشكل حقيقي وواقعي بين نوعين من الفن. بقناعتي لا يمكن ان يُسمى فنا الا التجريب في الفن. لأن كل فن هو تجريب، وأي مماثل له فيما بعد هو استنساخ. وهذا يصل بنا الى ما نسميه فن السلطة. السلطة بمختلف معانيها. ان البشر الآن في العالم يعيشون تحت هيمنة أدوات التسلية وأهمها التلفزيون. والذي لا يمكن ان يكون الا شكلا سلطويا على اختلاف اشكال هذه السلطة. نظام شركة متعددة الجنسيات، رأسمال حزب الخ...

لقد صنع فن السلطة مقاييس جمالية تمتد من الموضة حتى الديكور، حتى الأفيش، حتى الخطاب السياسي والشعارات ومختلف مفردات الاستهلاك اليومي للبشر، بصريا وسمعيا. صنع عالما على صورته، بل انه الاكثر قدرة على غسل عقول البشر وتوحيدها ضمن مفاهيم وغايات وقيم مصنعة في أروقة السلطات ويبدو ان هنالك اتفاقا ضمنيا غير معلن على قتل اي بادرة ابدايعة في اي مجال من المجالات، لان الابداع هو خروج عن مفهوم القطيع ومطالبة بتغيير شيء ما، وأي تغيير في اي تفصيل سيقود الى مطالبة بتغيير أعم وأشمل، وهذا لم ولن ترضى به اي سلطة في العالم. واكبر مثال على ذلك، هو اتفاق الدول العربية من مشرقها الى مغربها، على تعميم القبح والبشاعة والتلوث السمعي البصري الذي يرافقنا منذ استيقاظنا الى ساعات نومنا. لقد صنع الاعلام العربي كمثل واقعي عالما غير موجود في عالمنا. صنع واقعا موازيا نتفرج عليه وليس له اي علاقة بواقعنا المعاش. ويبدو كأنه يقودنا الى التساؤل: أي منا على صواب؟ هل هو انا المواطن المقهور، انا الغبي لأنني لا احس بعظمة ما يجري ام انه يتم استغبائي يوميا؟

·        تحدثت عن التجريب في السينما. ولتحدد، ما هو مفهومك للتجريب في السينما، وبخاصة ان هذه الكلمة تستدعي مناخات وعوالم، قد لا تؤدي الى ما تقصده؟

لا أقصد بالتجريب في السينما، المعنى المجرد او التجريب من أجل التجريب بحد ذاته. التجريب هو محاولة اكتشاف العلاقات الداخلية لمفردات حياتنا واستنباط وسائل لغوية للتعبير عنها. دون نسيان او إغفال المتلقي، ولكن بالتعامل مع بنى يستطيع الفنان الحقيقي ان يكتشفها ويستخدمها لخلق حالة تواصل مع هذا المتلقي. القضية ليست اكروبات فني وانما هي قضية استكشافية تعيد النظر في عالمنا بصياغات اقرب الى حقيقة مجمل مؤثرات حياتنا اليومية وأحلامنا. وأود الإشارة الى انني لست ضد الحكاية ولكنني ضد ان تصبح هدفا لقناعتي. فالحكاية هي مفردة من مفردات الفيلم وليست الفيلم كله.

·        سؤال أخير، لو خير لك ان تعيد حياتك منذ البداية هل تختار السينما مجددا؟

أعيدها كما هي. انا إنسان علمتني أمي شيئا مهما. ان لا اكرر اي شيء. ان أكون متفردا حتى لو أخطأت. ان لا يعطيني احد أمرا، ان لا أتبع احدا، ان لا يوجد شيء في الكون يهيمن عليّ وأن يجعلني أبدو غير نفسي. كل مسيرتي، كنت أنا سيد نفسي حتى في حالات إحباطي وفشلي. لن استطيع ان اكون غير ذلك.

(دمشق)

السفير اللبنانية في

12.11.1997

 
 

الأفراد الذين صنعوا السينما السورية موضوعون في قفص الاتهام

نبيل المالح: أفضّل أن أتعامل مع موضوع وتمويل سوريين

راشد عيسى

لا يصدق المرء أن نبيل المالح بأعوامه الأربعة والسبعين (مواليد 1936)، وفي بلد قليل الإنتاج السينمائي، لا يزال يتحدث عن مشاريع سينمائية، مشاريع لا مجرد أحلام أو أوهام، فالرجل أثناء لقائنا به كان ينشغل أحياناً باتصالات للتنسيق لفيلم تسجيلي بحماس شاب يبدأ مسيرته للتو. لكن من يطلع على قائمة الأفلام التي أنجزها المالح، سيرى أن الرجل أنجز أكثر من 150 فيلماً، بين فيلم روائي طويل أو تجريبي أو وثائقي. لا أحد بالطبع سيزعم أنه شاهد تلك الأفلام، فمعظمها في الأساس غير متاح. لكن أحداً لن ينسى فيلمه الجميل «كومبارس» (1993)، أو ربما «الفهد» (1972) فيلمه الجماهيري المأخوذ عن رواية لحيدر حيدر، ولعبت فيه إغراء دور البطولة. فما حكاية صاحب «رجال تحت الشمس» (1970)، و«السيد التقدمي» (1975) و«بقايا صور» (1980) وسواها مع السينما، ومع مؤسسة السينما؟

·        صار الحديث عن خلافك مع مؤسسة السينما أشبه بفلكلور سنوي، نسمع من المؤسسة عن سبب للخلاف معك، ما حكاية هذا الخلاف؟

حسناً، لنحـاول أن نضـع كشف حسـاب نـهـائياً، وأرجو أن يملك الآخـرون شـرف الشجـاعة والنـزاهـة في تقـديـر الأمـور. أعـترف بـأنـه كـان هنـالك خـلاف حـول تطبـيق بنـد واحـد من بنـود عقدي مع المؤسسة حـول حـقـوق مـدة عرض الأفـلام السـوريـة (ثلاث أو خمس سنـوات) التي قمت بتسويقها إلى إحدى القنـوات المشـفـرة. بالرغم من أن ذلك لم يشـكل أي مكسب مـادي لي، وخسرت في هـذا الخـلاف لأسباب مثـيرة للشـك، من بينها رشـوة المحكم الذي يمثلني، وهو مخرج زميل، بتحقيق فيلم مقابل التخلي عني. ولكنـنـي ومنذ أكثـر من عـام طبقـت حكم المحكمة وأنهيت الأمـر. وكـانت المؤسـسة متفرغـة لاستخدام كل وسـائلهـا لتشـويـه الوقـائع والصفـات إضـافـة إلى التشهيـر والكـذب والتلفيق، مـع السـكوت الفاضح على الدعـاوى القائـمـة، ومـا زالت، مع شـركـة أولاد عبد الحليم خـدام.

لقد بـدأ العـداء منـذ بـدايـة عهـد هـذه الإدارة، بـنـاءً على تـوجيهـات من جهـات محـددة كـعـقـاب على مواقف فـكـريـة لي. وكـان ذلك أيـام انـفـلات عبد الحليم خـدام في التشهيـر وعـقـاب كل من لـه عـلاقـة بفكـرة المجتمع المدني. ولنعـد إلى السينمـا، فمـنـذ أربعيـن عـامـا بدأنـا وزمـلائي القلائل مسيرة وضـع سـوريـا على خـارطـة السينمـا العالميـة وحفرنـا الطريق بأظـافرنـا في أصعب مـراحل صنـع سينمـا وطنـيـة أصيلـة، وأعـمـالنـا ونجـاحنـا يشـهـد على ذلك ( بينمـا مديـر المؤسسة ينكرهـا وهو الذي كـان طـفـلا غـرّا وربمـا لا يزال) وهـو سـوري بالجنسية ولكنـه غـريب بالكـامل عن جنسية المكـان الذي يديـره، والدليل على ذلك ( بالرغم من غـرامـه بلقب النـاقد الكبير) أن كل مـا كتبـه هـو ترجمـة لمقـالات نقـديـة من صحافة أجنبية ووضعها في كتب وبرامج تلفزيونيـة مع ادّعـائهـا لنفسـه، وأتحـداه أن يتمكـن من أن يجلس في أي مناظـرة فـكـريـة أو تحليليـة أو نـقـديـة سينمـائيـة في أي وقت من الأوقـات حـول أي فيلم من الأفـلام وخاصة السـوريـة، وجهـلـه فـاضح حتى في مسيرة الأفـلام السـوريـة المؤتـمـن على إدارة مصـيرهـا. فترهـاتـه التلفيقية الحـافلـة بالكذب والتزويـر الوضيع والتي نشـرهـا ضـدي كـانت كـردّ فـعـل على احتجاجي، في كتــاب مـوجّـه إلى السيد رئيس الجمهورية عبـر وزير الثقافـة آنــذاك، على رفض مؤسـسة السينمـا وتجـاهلها دعـوة فيلمي «الفهـد» إلى مهـرجـان بوزان حيث تـم اختـيـاره واحـداً من الأفـلام الخـالدة في تــاريخ القارة الآسيويـة. وأعــاد نشـر نفس المـادة السـامـة بعـد أن نشـرت مقـال «الثقافـة في المرأب»، والتي لم أشـر فيهـا إلى أي اسـم من المتورطين في فضيحـة شـراء سـيـارة النقل الخارجي بما يزيـد على مئة مليـون ليرة لتـوضع أخيـرا كخـردة في مـرأب «دار الأسـد للثقافة والفنون». يدهـشـنـي أن الأمـور سـارت بشكـل عجـائبي ومعكوس، فعـوضـاً عن تشكيل لجنــة للتـحقـيق في الأمـر، تـمّ التعتـيم على الأمـر وزيـادة جـرعـة الهجـوم عليّ وكأنـنـي أنـا سـارق عـمـولـة هـذه السيارة العجـيبـة، إضـافـة إلى التشهيـر والاتهـام لعدد من زمـلائي الذين يشـرّفـون صـورة السينمـا السـوريـة. ولا أدري كيف يمكـن أن يسـمح لمـثـل هـذا المخلوق أن يمسّ رمـوز الثقافـة بهـذه الفجـاجـة وعـدم المسؤوليـة، بينمـا نجـد أن مخرجـاً مصـريـاً مثل شـادي عبد السـلام، الذي تـوفي عن فيلم جميل واحـد وهو «المـوميـاء» قـد أطـلق اسـمـه على الشـوارع، وسميت جـوائـز المهرجـانـات باسـمـه. هل يجرؤ أحد في مصر بطولها وعرضها على التشهير باسم مثل يوسف شاهين الذي كانت له ألف قضية مع الدولة؟

المحصـلة تبـدو مضحكـة ومأسـاوية في آن، وكـأنهـا مسلسل تلفزيـوني درامي سخيف، فالأفـراد الذين صـنـعـوا السينمـا السـوريـة واسـمهـا موضـوعـون في قـفص الاتـهـام، وفـرد جـعـل لجهلـه من هـذه السينما بإدارتـه في أدنـى مـراتبهـا، ويملك شـجاعـة الوقـاحـة للتـباهي بتدمـيـر هـذه السينمـا، وكبرهـان على كـلامـي أدعـوه بكـامل الجـديـة، وبعـد كـل التباهـي بالعروض السينمائيـة الأجنـبـية في مهرجـان دمشق الذي يديـره، إضـافـة إلى أسـابـيع الأفلام الفرنسية والإيرانـيـة والتركيـة وغيرها، أن يتـفضـل على المشـاهـد السـوري (الذي مـوّل الأفـلام السـوريـة أصـلا) بتـنـظـيم أسبوع للأفـلام السـوريـة التي أنـتجــت في السنوات العشـر الأخيـرة بقـيـادتـه وإشـرافـه العام على اعتـبـار إنـه يضع لنفسـه صـفـة الإشـراف العام على عـنـاوين الأفلام التي أنتجتهـا المؤسـسـة، وهـذا أيضـا أمـر فريد عـالميـا، حتى سبيلبرغ لم يجـرؤ على وصف نفسـه بـه ويكتفي بصفـة منـتج، والمدهش أن المخرجين لدينا يقبلون بذلك. إنـنا نـريد كمواطنـين سوريين أن نـتعـرف على كل الأفـلام (وأعني كل الأفـلام) التي صـرف عليهـا أكثـر من مليار ليرة على مـدى السنـوات العشر الأخـيرة إضـافـة إلى الملايين المصـروفـة على أجهـزة ومعـدات وأجـور ومعاشـات وتعـويضـات سـفـر لعشـرات من الموظفين الإداريين إلى المهـرجـانـات السينمـائيـة العالميـة، ونـتمنـى أن نـرى قـوائم المستفيدين من هذه الإيفـادات والصـورة التي قـدمـوهـا إلى العالم عن منـتجـنـا الوطـنـي هـذا. إنـنـي أربـأ بـنـفسـي عن أن أدخل في الأمـور الشـخصـيـة الكـثـيـرة التي تمسّ الآخـرين، ولكنـني أتحـدث عن شـأن عـام رائحتـه قـد غدت تزكـم الأنــوف. وأتـذكـر بهـذه المناسبة خبـراً جـاء منـذ أيـام في إحدى الصحـف المحليـة، يقول إن إدارة مـا في مدينـة سـوريـة مـا طلبت من موظف لديهـا في لجنـة المشتريـات أن يـوقـع على كشف مـا، ورفض هـذا الموظف الشريف التوقيع لشكـه في مصداقيـة ذلك، فـمـا كـان من الإدارة كتكريـم لـه إلا أن نقـلتــه إلى محافظـة نـائيـة وخربت له بيـتـه. هـل الكلمـة الحـرّة مـدانـة في بـلادي وهـل التخـريب الأعـمى مقـبـول أو يغـفـل؟ أشـك في ذلك.

·        ما حاجتك لمؤسسة السينما؟

لم أكن بحاجة، ولكنها مؤسستي، وما أفخر به أنني درست على حسابي ولا فضل لأحد علي، ولم أوفد مرة واحدة إلى مهرجان، ولم أكافأ ، ليس لي تقاعد ولا ضمان صحي.. وبالرغم من كذب إعلان مدير عام المؤسسة عن دعوته لي لصنع أفلام للمؤسسة، وهذا لم يحصل أبداً، ولديهم في المؤسسة ثلاثة سيناريوهات لي منذ سبع سنوات لم تقرأ، فأقول له الآن إنني لن أعمل مع المؤسسة بأي شكل من الأشكال ولست بحاجة إلى ذلك أبداً. ولن أمنح هذه الإدارة شرف التعامل معي.

التمويل الخارجي

عملية الاستبعاد قلصت قناعة الآخرين بنا وخاصة المنتج السوري. ولكن تأتينا العروض من الخارج، وأنا ضمن مشروعي لا أحب التعامل مع التمويل الخارجي وعندما صنعت فيلم «وليمة صيد»، وهو إنتاج بريطاني وسيخرج إلى الجمهور على أنه بريطاني ولكن هذا ليس ضمن مشروعي الثقافي السوري.

·        وهل يتعارض التمويل مع مشروع ثقافي سوري؟

أفضل أن أتعامل مع مشكلة وموضوع وهمّ وتمويل سوري. إنها مسؤولية وطنية سورية. أنا صاحب مشروع وأنا من بناته الأولين، ولكن لست ضد أن يعمل الاخرون بتمويل أجنبي. حتى الآن الأسماء المشهر بها هي الوحيدة المطلوبة في الجامعات ومراكز الأبحاث والنوادي السينمائية حول العالم، والوحيدة المعروفة في السينما السورية.

وفيلم مثل الكومبارس هو ضمن المنهج المدرسي بكلية السينما بجامعة ديوك في أميركا.

·        أين مشكلة التمويل؟ محمد ملص عمل فيلم «الليل» وجزء منه بتمويل فرنسي وبقي مع ذلك فيلماً سورياً؟

هذه حالة فردية. أفضل أن أعمل فيلماً سورياً تماماً مع احترامي لكل المحاولات. لا أحب الاتكاء على شيء.

بعيداً عن القضية

·        عملت مجموعة كبيرة من الأفلام التسجيلية إلى جانب أعمالك الروائية، في أي سياق تضعها؟

لعلك تلاحظ أنه يبدو وكأن الفيلم الروائي الطويل مفتاح السينمائيين السوريين. أتعجب من عدم اهتمامهم بالشأن العام عبر الفيلم الوثــائقي. الموقف هو واحد لا يتجزأ، أنا عندما لا أصنع فيلماً طويلاً أصنع أفلاماً تعنيني وتعني مجتمعي.

هناك شيء أعتبره من أهم منجزات حياتي، رغم ما يقال إن منجزي هو بالأفلام الطويلة، ولكن من يعرف مسيرتي يرى أن اهتمامي بالشأن العام الإنساني والمجتمعي والسياسي أكبر، وأعتــبر نفسي من المجددين، ولي بصمات واضحة في تقديم ابتكارات بالشــكل والتعبير، وكان هذا متاحاً بالأفلام القصيــرة والتجــريبية لأنها تحتمل المغامرة.

أحب أن أرى الأشياء التي أحبها في سوريا، ولكن لدي كم كبير من الأفلام عن الأشياء التي لا أحبها في سوريا، فأنا لست مروجاً. مع الأسف ليس هناك تأريخ للمنجز السينمائي في سوريا وكذلك لا توثيق لشغلي. مهرجان السينما على مدى تاريخه أصدر أكثر من 200 كتاب ولم ينتج كتاباً واحداً تحليلياً وحقيقياً بكتابة مسؤولة عن السينما السورية. صرنا نعرف ماذا يجري في الكونغو لكننا لا نعرف ماذا يجري في سوريا.

ما حصل في سوريا أن هناك فصلاً بين المشروع الثقافي، الذي يحمله عدد من السينمائيين السوريين، وبين المشاريع الشخصية المتناثرة، والتي لسوء الحظ لم تترك بصمة سينمائية أو ثقافية، وهذا يعود بنا إلى ما يسمى حرفة فن السلطة والإبداع. هذا هو الفرق.

·        لكن بعــض أفلامــك التسجيلــية كــان ممولاً بأموال رسمية؟

لا أنكر أن مجموعة من الأفلام الإبداعية الجيدة كانت منتجة بأموال رسمية، وهذا يعطي فخراً للجهة المنتجة. وكان من أجمل ما أنجزت في السنوات الخمس الأخيرة مجموعة من الأفلام الوثائقية لمصلحة «الهيئة السورية لشؤون الأسرة»، التي تناولتُ فيها المرأة، المجتمع، الهجرة، الطفل، تزايد السكان، بأفلام فيها مسؤولية وطنية وهامش إبداعي. عدد هذه الأفلام يتجاوز 17 فيلماً. بالإضافة إلى حوالى 50 سبوت عن مواضيع ساخنة وحقيقية. هذا يقودنا للتساؤل عما يشغل بال السينمائيين؛ أنا أعرف أن شروط إنتاج فيلم روائي طويل في مؤسسة السينما معقدة ومشخصنة وتخضع لشرط إعجازي من التنازلات، خاصة لأن القرار فيها قد يعود إلى شخص واحد مشكوك في الأساس بمشروعية مشروعه ومشروعية وجوده على رأس المؤسسة، وبالتالي جاءت الأفلام على قياسه.

«الهيئة» كان لديها مشروع واضح على المستويين المجتمعي والثقافي، كما لديها الجرأة والشجاعة للدخول ومعالجة وفهم القضايا المجتمعية من دون تلفيق أو تزوير، وأنا وجدت هناك المساحة الإبداعية المسؤولة إلى حد بعيد جداً، وهذا ما ساعد على صنع مجموعة من الأفلام التي أفخر بها.

نحن نعيش في عالم مكشوف في عالم الرقميات والإنترنت. وبصراحة، بعكس الكثير من المسؤولين، أنا لا أخجل من موقعنا وترتيبنا وتصنيفنا في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة. لا أخجل من أن لدينا فقراً وبطالة، ولكنني أخجل أن أكذب وأن أصبغ الحقائق الحزينة بألوان زاهية، أنا أفخر اليوم بأن السلطة لا تحاول أن تخدع نفسها وتخدع الآخرين بل إنها تحاول أن تجابه بشجاعة كل المعوقات التي تقف في وجه ارتقائنا. وهذا هو دور السينما، لا نستطيع أن نغير إلا بالمعرفة. والمؤسف أن دور مؤسسة السينما كان سلبياً في هذا الجانب، كان سلبياً في وعي أن أهم منتج لدينا هو الثقافة، وهي إبداع وشجاعة ورؤيا، ومن حسن الحظ أن هذه العناصر تحققت في الفنون الأخرى.

أفلام تسجيلية

·        من الواضح أنك لم تعان من رقابة عندما صنعت أفلامك التسجيلية، في حين يعاني آخرون؟

عليّ أن أعترف أن كثيراً من هذه الأفلام لم يعرض.

·        لماذا أردت أن تنأى بالفيلم التسجيلي عن موضوع القضية الفلسطينية؟

ابتعدت عن موضوع القضية الفلسطينية في الفيلم التسجيلي مع أنني أول من عالج القضية الفلسطينية في «إكليل الشوك» و«رجال تحت الشمس» و«نابالم»، لكننا لا نستطيع اللحاق بمستجدات القضية الفلسطينية في السينما، وواحدة من الأشياء التي جعلتني أبتعد هو هذا الشرخ القاتل داخل الفلسطينيين، فبعد أن كنا نتحدث عن النضال الوطني الفلسطيني أصبحنا نتحدث عن الصراع الفلسطيني الفلسطيني.أنا لا أفهم كيف يمكن الحديث عن فلسطين وأنا أرى أمامي في الحين نفسه أن المشروع الصهيوني يتحقق يوماً بعد يوم على يد العرب، ليس بفضل ذكاء الإسرائيليين بل بفضل غبائنا.

·        ماذا حذف من أفلامك؟

لا أنسى ما تعرض له فيلم «الفهد»، الذي منع من التصوير قبل أسبوع واحد من الموعد المحدد عام 1969، ولم نعد إليه إلا عام 1971. كذلك جاءت إدارة للمؤسسة ومنعت فيلم «السيد التقدمي» ولم يعرض إلا بعد ذهاب المدير، لأنه بشكل ما كان يشير إلى شخصية فاسدة معروفة. ثم قطع ربع ساعة من «بقايا صور»، وحرق فيلم «المدرسة» وهو ما يمكن تسميته بالوثائقي النقي، ولم أتدخل فيه بكلمة.

ما أتمناه الآن إطلاق الأفلام التي أنتجتها لصالح «الهيئة السورية لشؤون الأسرة»، مثل «شهرزاد»، «ضوء معاكس»، «الكريستال المقدس»، «ع الشام»، ومجموعة من أفلام العنف ضد المرأة.

تمنيات

·        ماذا تفعل لو كنت مديراً لمؤسسة السينما؟

هذا ما لا أريده حتماً حتى للعدو، ولكن لو حدث لفكرت بطريقة استراتيجية. أولاً أن أعيد المشاهدين إلى الصالات، وأعتقد أنني سأصرف على صالات سينمائية صغيرة في مختلف الأحياء، وأعيد الطقس السينمائي للمجتمع بدلاً مما يصرف على مهرجان دمشق السينمائي، الذي لا أنكر أهميته، ولكن الصالات أهم، فهي باقية لنا. وبالمناسبة منذ أيام فقط افتتح مهرجان للسينما في موريتانيا وعرض فيه 60 فيلماً، من بينها 48 فيلماً موريتانياً.

ثانياً أتوقف عن استجداء التمويل، وأقترح قانوناً يفرض على الشركات الخاصة والعامة أن تدفع جزءاً من ضرائبها كتمويل لصندوق ثقافي عام، الأمر الذي هو مفتاح نجاح السينما الأوروبية والأميركية.
ثالثا أفكر بشكل استراتيجي بجيل جديد من السينمائيين، فلقد استطاع القطاع الخاص عبر الدراما أن يرتقي بأسماء شابة هامة، مثل الليث حجو، سامر برقاوي، المثنى صبح، وغيرهم.

رابعاً أحدد سقفاً قدره 15 مليون ليرة وأطلب من السينمائيين التقدم بمشاريع في إطار هذه الميزانية، وبذلك يتم إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفلام.

خامساً ألغي القوائم السوداء والحمراء والخضراء من منظومة العمل، وأسعى لأن تبقى السينما بأفلامها الطويلة والقصيرة مساحة حرية وشجاعة وابتكار في الشكل والمضمون.
سابعاً العمل على تصدير الثقافة من سوريا، والتعامل معها كصناعة استراتيجية، مثل السياحة.
ثامناً أن لا أكذب، حيث البعض يكذب جيئة وذهاباً.

·        باعتبارك أشرت إلى أسماء تلفزيونية، ألا تجد أن هناك جيلاً من السينمائيين الشباب يمكن أن يشار إليه؟

هناك أسماء مثل سامر برقاوي، وألفوز طنجور، ونضال حسن.. وأسماء أخرى لا أتذكرها الآن، وهناك بالتأكيد مواهب خفية لم تتح لها الفرصة ولا الحرية. أكبر جريمة يمكن أن نرتكبها حيال المبدعين الشجعان هي أن نقولبهم. صناع المشاريع الكبرى يتعاملون مع أصحاب الأفكار الكبرى وهذا ما لا يحصل غالباً.

أفلام منفصلة

·        ماذا تحب من الأفلام السورية؟

سؤال محرج جداً. لأنني قد أحب أشياء فيها، ولا يعني ذلك بالضرورة أن أحبها بكاملها.
أما الفيلم الذي أشعر بأنه ظلم فعلاً فهو فيلم «اليازرلي» لقيس الزبيدي، يعجبني كفيلم بكامله، أما البقية فأحب منها أجزاء ومشاهد. مثلاً مقاطع من «رسائل شفهية»، ومن «أحلام المدينة» ومن «نجوم النهار».

قصص كافكا

·        سبق أن أعلنت موت السينما في سوريا؟ فهل المؤسسة وحدها المسؤولة؟

لا، ولكن طالما أنها المرجعية فأي أحد لديه فيلم سيذهب إليها. لو كان لدينا صندوق وطني للسينما خارج عن الرقابات التقليدية والجماليات الرسمية يملك الحرية والشجاعة لاختلفت الأمور بشكل جذري.

المحزن في القضية كلها أنني عندما أنظر 40 سنة من العمل أكتشف أن السينما هي الفن الوحيد الذي وصل إلى ما وصلت إليه اليوم بينما ارتقت كل الفنون الأخرى بشكل تصاعدي مدهش سواء في الدراما، الموسيقى والفن التشكيلي، وهذا مؤشر إلى أن هناك خطأ ما، وهو موزع على طرفين؛ إذا كانت هناك عشر سنوات من الفشل فلا يمكن أن نحملها للأفراد، فكل السينمائيين حالمون يحاولون أفضل ما لديهم، يتبعون ويبحثون ولكن قد تختلف النتائج تبعاً للموهبة والطموح والرؤية. إذاً هنالك خطأ في المنظومة. لماذا نجحت الدراما التلفزيونية السورية، وكذلك الموسيقيون، التشكيليون؟ لأنهم بالكامل يعملون بدون عملية الوصاية، كل فنان يعمل بشكل فردي، والمحصلة منتج ثقافي ارتقى بصورة سوريا وصنع نوعاً من التنافس الخلاق والمجزي.

·        أنجزت هذا الكم من الأفلام في الوقت الذي لم يعمل أكثر المخرجين السوريين نشاطاً سوى بضعة أفلام؟

أنا نشيط ولا أتوقف عن العمل، وعندما لا أجد جهة منتجة أخرج بالكاميرا لوحدي بيدي وأصور أفلاماً. أعرف كيف أصنعها ولا أعرف كيف أسوقها، ولا أن أسوق نفسي.

لكنني في النهاية لا أريد إطلاقاً شخصنة الأمور، فأنا أتحدث عن حالة وطنية عامة. ما أزعجني وجرحني فعلياً هو أنه عندما كان البعض يشهرون لم يقف المثقفون ولا الصحافة، ولم ينبر أحد لنقد أو كشف هذه الحالة العوجاء والمشوهة، في ما عدا قلة ممن نشروا خارج الوطن.

أشعر بأن الجميع قد باعنا وباع نفسه. فجأة اكتشفت، بالإضافة إلى إحساسي بالخيانة من الوسط الثقافي الذي لم يتخذ موقفاً شريفاً وقبِل كلام محمد الأحمد وتركه على غاربه، أكتشف أن لا أحد لي في البلد. اكتشفت أنني أعزل، ليس ورائي لا مسؤول ولا ضابط ولا مثقف، وكنت أعتقد أن تاريخي يمنحني الحصانة. ولكني في محيط يشبه قصص كافكا فيه الكثير من اللامعقول والنتن.

أحزنني أكثر أنني أشعر أنني في مرحلة من تاريخ سوريا فيها محاولة لتصحيح الأخطاء المتراكمة وصنع دولة عصرية، وأنا أريد أن أكون جزءاً من هذا الارتقاء ولكن حكم علي بالشلل، وهم مدينون لي بعشر سنوات لا أعرف كيف أستعيدها.

(دمشق)

حوار مع المخرج السوري نبيل المالح من أرشيف "السفير"، نشر بتاريخ 3 كانون الأول 2010، ويعاد نشره بمناسبة وفاة المالح اليوم الأربعاء، في 24 شباط 2016، عن عمر 78 عاما.

السفير اللبنانية في

03.12.2010

 
 

لا يحق للنظام أن يعاقب الشعب المطيع لأنه قال لا للمرة الأولى

نبيل المالح: الناس منقسمون لكنهم نسوا سوريا

يوسف عكاوي

المخرج السينمائي السوري نبيل المالح، هو الأكثر غزارة من بين المخرجين السوريين، ومع ذلك يرى أن ما أنجزه لا يساوي عشرة بالمئة مما حلم بإنجازه. لكن المالح يقع خارج تلك الخاصية السينمائية السورية، إذ غالباً ما يقضي المخرج حياته في إنتاج فيلم أو اثنين. لكن ليست هذه ميزته الوحيدة، فهو يقول إنه رغم كل الجوائز التي حظي بها، ظل السينمائي المبعد عن المؤسسة طوال اربعين عاما. فهل كان لذلك علاقة بالسياسة؟ هنا يتحدث المخرج عن أفلامه كمواقف سينمائية ـ سياسية، تؤكدها الثورة السورية التي اندلعت منذ عام ونيف، كما يتحدث عن موقفه من النظام والثورة، وأسباب مغادرته للبلاد.

·        لماذا أنت في دبي الآن؟

أحسست أن الجو مقبل على مزيد من التوتر، وأنا بحاجة لأن أكتب وأرى الأمور عن بعد. ثم إنني لا أريد أن أكون شاهداً على دمار، لا طاقة لي على تحمل ما يجري.

·        ألم يكن ذلك نتيجة لتعرضك لمضايقات؟

لا. ولكن حين وصلت إلى دبي كانت نشرة الأخبار المسائية تورد نبأ اعتقالي. يبدو لي أن الجو كان سائراً بهذا الاتجاه.

·        هل فوجئت بمجريات الثورة؟

الجميع يعرف أن البداية كانت سلمية، وكانت المطالب هي الكرامة والحرية، وذلك بعد سنوات طويلة من القمع والقهر وتعديات النظام. كان هناك أمل في البدايات بأن تتم لملمة الأمور بالحوار الوطني، ولكن ردة فعل السلطة كانت أعنف، وجاء الحل الأمني مبكراً كشيء مضمون، وحينما فكرت السلطة بالحوار الوطني كانت الأمور قد تأخرت.

لا أخفي سراً أنني اقترحت قناة تلفزيونية للحوار الوطني قوبلت بالموافقة، ولكن يبدو أن هناك جهات لم يكن يعنيها هذا الاقتراح، فوقفت ضده أو تجاهلته. كنت أرسلت محتوى هذه القناة والسبل التقنية لتنفيذها خلال خمسة أيام، وحينما جاء الضوء الأخضر اتصلت بكل المعارضة في الداخل والخارج، والكل أبدى حماساً وكان الجميع جاهزاً للحوار. الكل كان ذاهباً لاحتواء الحالة وبدء مرحلة جديدة، لكن تم تجاهل كل ذلك وبدأ حمام الدم والقتل، وتزايدت المظاهرات وكسرت الرموز التي لم تكن تمس.

بعد أربعة أشهر من ذلك تمت الدعوة إلى حوار وطني الذي أداره فاروق الشرع، ولكن الوقت كان قد تأخر، ومن كان قد قبل بالحوار رفض تالياً، وكان الشارع تهيج إلى حد كبير ودخل في حالة الدفاع عن النفس وتطورت الأمور بحيث تسلح من تسلح، وأنا كنت شاهد عيان على مجابهات عقيمة حيث كنت مرة في باب توما وكان هناك عسكر ذاهبون إلى الغوطة مدججون بالسلاح وذاهبون إلى حالة قمعية نارية صدمت صدمة قوية، ورأيت أن الفعل العنيف للسلطة بدأ يسقط رموزاً، والأشياء التي لم يحكها الناس حكوها، وانكسر حاجز الخوف وهذا ما طور الأمور وأوصلنا إلى حالة الدمار لبلد من أجمل البلدان.

·        ما المحتوى المفترض لتلك القناة التلفزيونية؟

قناة لا يوجد فيها خطوط حمراء، وتطرح الأمور للنقاش العام، لا أحد فيها ممنوع من الكلام.

·        ما كانت توقعاتك؟

أنا فوجئت بالشكل الذي وصلت إليه الثورة، ولكن من يعرف القمع والغضب والخوف التي أوصلت الناس إلى الذروة يدرك شرعية الحراك الشعبي. كذلك فإن الثورات كانت معدية. معروف أن الشعب السوري مرن، وكان للقيادة بشخص الرئيس شعبية معينة لا ينكرها المرء، وكان يمكن احتواء الأمور. ولكن بحياتي لم أتصور أن تصل السلطة إلى هذا المستوى من القمع القاسي والشرس. أعترف أن الشعب السوري على مدى أربعين سنة هو شعب مطيع، ممنوع عليه التظاهر، وإذا قيل له اخرج بمسيرة مؤيدة لا يمانع، يعني أربعون عاماً من الامتثال للنظام ونحن نعرف كمية الفساد والنهب، وبالتالي لا يحق للنظام أن يعاقب هذا الشعب رغم طاعته كل هذا الوقت عندما يقول للمرة الأولى لا بهذه الطريقة. كان مفاجئاً للعالم كله أن يدمر البلد. والآن أرى المستقبل بشكل معتم كيفما جرت الأمور. كيف يمكن أن تعيد بناء النسيج السوري الاستثنائي بعدما تم تخريبه؟ أن يدمر البلد على هذه الشاكلة أمر لن ينسى لقرون، وما يؤسفني أن الفرصة أتيحت للسلطة أن تتصرف بشكل مختلف.

في البداية قلت يجب أن يطالب الشعب والرئيس بإسقاط النظام ، فإذا هو رأس النظام الذي نريد أن نزيله، ولذلك أنا حزين جداً.

تجاهل الأبطال

·        هل شاركت في المظاهرات؟ هل كنت على تماس معها؟

لا، لم أشارك، فردود فعل السلطة كانت قاسية جداً، ولا أنسى ما جرى مع (الممثلة) مي سكاف وآخرين. وأعتقد أن موقعي ليس في المظاهرات أنا منذ 40 سنة أشتغل على قول كلمة لا.

لم يحصل أن كنت على تماس مع المظاهرات ولو بالصدفة. حينما رأيت ما فعلوه عبر الموبايل في نقل الحدث شعرت بأننا في عالم جديد ومختلف وأن الحدث اليومي أكبر من كل الكلام. الصورة فيها أشياء رائعة ومأساوية.

أنا معجب بهؤلاء الثوار والمتظاهرين، لكن ما يشغلني في هذه الأيام من ينقل صورة الحدث، الكل يريد أن يظهر في نشرة الأخبار ولكن هناك تجاهلاً لمصير الأبطال الحقيقين؛ النساء اللواتي يبحثن عن طعام لأولادهن، وأولئك الذين بآخر عمرهم فقدوا كل ما يملكون. السوري صاحب الكرامة والشهامة الآن يبحث عن الملجأ والأمان. هذا لم يتم تغطيته ولم نره في العمل الإعلامي، وهذا يشعرني بالمهانة التي وصلنا إليها. من الذي أوصل الناس لأن تدمر بيوتهم؟

·        هل كان هنالك دور للسينمائيين؟

هناك أناس أشجع مني، ما أرسل على الموبايل أشجع وأكثر تأثيراً، ولا أستطيع أن أتحداه. أنا أعمل على مصائر البشر ويجب أن أنأى قليلاً حتى أرى الصورة كاملة. هناك فنانون أخذوا مواقف، لكن المحزن أن الناس منقسمون إلى موالاة ومعارضة ونسوا الشيء الأساسي الذي هو سوريا.

السينما بمعناها السينمائي لا دور لها، الدور الآن هو لتغطية الأحداث. كل الأعمال السينمائية العظيمة عن الحروب كانت تأتي في ما بعد. استطاع السينمائيون أن يقدموا الصورة بمفهومها الشامل لا الجزئي، السينما تحتاج إلى دراسة وفهم عميق ورؤية شمولية.

·        هل أملت عليك الثورة فكرة أو موضوعا؟

أنا أعمل على فيلم سينمائي ملحمي، وأشتغل على السيناريو الآن، وأستطيع أن أفخر به. كنت قد أنجزت فيلماً منذ أربع سنوات بعنوان «عالشام عالشام»، ومنع من العرض، وهو يحكي عن الهجرة من الريف إلى المدينة، وفيه نكتشف من هم وقود الثورة ولماذا الثورة نتيجة حتمية.
الفيلم الذي أعمل عليه الآن يتناول حياة إنسان عاش الأربعين سنة الماضية. ترى في الفيلم سوريا في مراحل معينة، ترى عناصر داخلية في المجتمع والنظام السوري بحيث لا يمكن أن يكون هناك نتيجة إلا الثورة، الثورة ليست حدثاً مدبراً وإنما نتيجة حتمية.

·        هل جعلتك الثورة ترى أعمالك بعين أخرى؟

بل كرست لي نظرتي لما عملت. أنا كنت دائماً مبعداً، ولكنهم كانوا مضطرين للتعامل معي، فيبدو أنني سينمائي جيد، وأنني قدمت لسوريا أشياء لها خصوصية، أنظر باحترام لما أنجزت عبر أربعين عاما، وأرى بأن في أفلامي مواقف سياسية. دائماً كنت أعرف أنني مسيس، وطوال عمري أعتبر أن هناك وحشا غامضاً، هو تركيبة سلطوية تقف في وجه البلد وطبيعته الانسانية. منذ صغري حين كنت أكتب في الصحافة في عمر الثانية عشرة كان لي موقفي السياسي الواضح، وحتى الآن.

السينمائي ليس عالماً مغلقاً على نفسه، بل مفتوح على أشكال ووسائل التعبير. حاولت أن أجدد ضمن الممكن ، كثير من الأعمال كان لأول مرة في تاريخ السينما العربية وربما العالمية، فمثلاً لنعد إلى فيلم مبكر هو «إكليل الشوك» وهو عن القضية الفلسطينية، لأول مرة تستخدم فيه مقاطع بالألوان ضمن الأبيض والأسود (سبيلبيرغ عمل ذلك بعد سنوات)... لأول مرة يتم جمع المادة الوثائقية بنسيج روائي. «اكليل الشوك» دراما تمتزج بالوثيقة، هو عن مخيمات الفلسطينيين عقب حرب 67، وهو موجود بنسخة مدمرة في المؤسسة التي لم تحافظ على الأفلام، وكذلك فيلم «الفهد». النيغاتيف الأصل يفترض أن لا يمس ويجب أن يعمل عنه نسخ. فيلم «الفهد» صار من كلاسيكيات السينما لكن أصوله دمرت. «الفهد» فيه بناء سردي خاص، حيث الحس الجمعي مع الحس الفردي جعله ذا بنية غير مسبوقة.

فيلم «نابالم»، وطوله 90 ثانية أثار العالم، كان جديداً كلياً على مستوى الشكل الفني، وهو اعلان فني ساخر (إعلان عن قنابل) يختصر بدقيقة ونصف السياسة العالمية، هذا هو الابتكار الذي لم يعمله أحد.

·        إذاً فالمؤسسة لم تقم بأبسط واجباتها اتجاه الأفلام؟

نهائياً. أحياناً هناك ألاعيب من قبل أن أدعى إلى مهرجانات فيعمدون إلى عدم إبلاغي بها، أو تُطلب أفلام ولا يرسلونها. أنا السينمائي الوحيد المبعد من قبل المؤسسة على مدى أربعين عاماً. وإذا حدث أن شاركوا بأفلامي في مهرجانات وتظاهرات سينمائية فذلك يحدث من دوني، علماً انني أنا من حصل على أكبر عدد من الجوائز. هذا جزء من ذاكرة الحزن السوري.

·        هل استطعت أن تعمل كل الأفلام التي أردت أن تعملها؟

لم أنجز سوى عشرة بالمئة مما أريد. ولكن لدي إحساس بأني رغم العمر يمكن أن أبدأ من جديد، العالم متجدد وأنا مستعد للتجدد معه.

·        اثمرت الثورة عدداً من الأفلام الوثائقية كيف نظرت إليها؟

أحترم ذلك، وهذا أمر مهم، لكن يبدو أن الصيغة السينمائية لم تنضج، نضجت صيغة الربيورتاج السينمائي الذي لا يملك تكامل الحالة السينمائية، ولكن ذلك عظيم ويعمل إضافة لذاكرتنا.

·        برأيك لماذا هذا الانقسام حول الثورة السورية بين المثقفين؟

باعتقادي السينما موقف. والحياة موقف. كثير من السينمائيين متوافقين لأنهم مستفيدون، ما يجمعهم، وهذا شيء محزن، قلة الموهبة. في العشر سنوات الأخيرة لم يظهر فيلم مهم في السينما السورية وهذا يدل على تدجين. السينمائي الذي لديه موقف من الثورة عملياً لديه موقف من فنه كلياً. أحزن من أجلهم لأنهم ضيعوا فرصة الإمساك بهذا المفصل التاريخي. كثر يقفون الآن على الرصيف وسيبقون في الأيام القادمة على الرصيف.

·        أين كنت من البيانين؟ أعني «نداء السينمائيين»، و«بيان سينمائيي الداخل»؟

لا أعرف الاثنين. الأمور لم تعد ببيان. كثير من الأشياء فاقدة للبوصلة. التاريخ لا يتوقف ولا يمكن تغطية الجرائم بالماكياج. لكنني أقدر أن كثيراً من الناس خائفين على لقمة العيش. الفنان الحقيقي غير مقيد بل أكبر من السلطات. ولكن أحترم الجميع على كل حال.

·        قلت لم تر سينما سورية في السنوات العشر الأخيرة؟ ماذا عمّا قبلها؟

هناك معالم مهمة في السينما السورية. السينما ليس سرد حكاية. الحكواتي المعاصر هو التلفزيون. نحن بلد صغير، لا نستطيع أن نعمل إنتاجات ضخمة كهوليوود، فما الذي يضعنا على الخريطة خصوصيتنا. مجرد الدخول في المعادلات التقليدية على غرار الحكواتي سأكون رقماً ضمن أفلام كثيرة لا مكان لها. هذه الخصوصية لم تتشكل في السينما السورية، والسبب هو غياب حرية التعبير، ثم قصر النظر للمؤسسات الممولة ثم قلة الموهبة. لا تستطيع بمليون دولار أن تصنع موهبة. في السنوات العشر الأخيرة الكل يدور في فلك الحكواتي.

لا أريد أن أدخل في ورطة التصنيف، والمحاباة. لا شك أن هناك أسماء عملت اضافات مهمة مثل قيس الزبيدي في فيلم «اليازرلي» ففيه جماليات خارقة، وقد تم إعدامه . فيلم «نجوم النهار»، «أحلام المدينة»، هناك شذرات مهمة في السينما السورية ولها حضور في المنطقة. المحزن أن التلفزيون قدم أعمالاً لافتة للنظر إن على مستوى الشكل الفني والسرد أهم. السينما منطقة أخرى تماما، وخاصة أننا نحن من دولة صغيرة لا يمكن أن نعمل بالأفكار الصغيرة.

جيل شاب

·        ما هو فيلمك الأحب؟

هناك مجموعة من الأفلام، «الفهد» كمكانة في تاريخ السينما، «بقايا صور» حالة سينمائية، «الكومبارس» مساحة تعبير أحبها.

·        طالما لم تنتج لك «المؤسسة العامة للسينما» كيف كنت تتدبر أمر التمويل، وهل كان ذلك يؤثر على خياراتك على مستوى الشكل والموضوع؟

لم تكن «المؤسسة العامة للسينما» بشكل عام الجهة المنتجة الوحيدة لأعمالي، فلقد استطعت عبر السنوات خلق مصادر تمويل أخرى، وكانت مجزية في الغالب، فلقد تعاملت مع جهات لبنانية (مسلسل حالات) ومع جهات سورية وليبية في سلاسل وثائقية سينمائية إضافة لفيلم «تاريخ حلم»، إضافة لأعمال عديدة مع أوروبا، بينها الفيلم الروائي الطويل مع بريطانيا «وليمة صيد» وفي الحقيقة فإن العديد من هذه الأعمال كانت من خياراتي وبأسلوبي الفكري وأنا أفخر بها من ناحيتي الشكل والموضوع، فمن المعروف أنني أكتب كل سيناريوهات أفلامي بأشكالها المختلفة، وحتى التلفزيونية (مسلسلات حالات - حكايا وخفايا - وأسمهان وغيرها)، ثم أنني تعاملت مع جهات رسمية أخرى كوزارة البيئة (درس في القتل) والريّ والتلفزيون السوري (شيخ الشباب) وأهم جهة كانت الهيئة السورية لشؤون الأسرة التي أتاحت لي فرصة إنجاز حوالي 15 فيلما (من بينها: «ع الشام ع الشام»، «الكريستال المقدس»، « باقة دمشقية»، « شهرزاد»، « في الظل»، وغيرها الكثير أعتبرها من الأهم في مسيرتي في مجال الفيلم الوثائقي وكانت فرصة لقراءة الواقع السوري من الداخل. كانت التجربة مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة ( 2004-2007) هي الأكثر حرية وإبداعا مع جهة رسمية.

·        هل تعفي كل المتمولين من شبهة الانصياع لأجندة الممول؟

تتفاوت شروط الإنتاج في سورية وفق مستوى المخرج والكاتب، فهنالك من الكتّاب من يعمل وفق مشروعه الإبداعي الشخصي، وآخرون يعملون بناء على الطلب والسوق، ولا شك أن أجندة الممول تلعب دورا (وهذا ما جعلني أبتعد بنفسي عن سوق الإنتاجات التلفزيونية) وغالبا ما يحدد الممول طلباته وفقا لسوق التوزيع. وأعترف (بكثير من الاحترام) أن عددا من الكتاب قد استطاع الخروج من هذه الدائرة الضاغطة وصنعوا دراما سورية طموحة وذات خصوصية أهّلتها للتفوق عربيا، ولا شك أن الجهات المنتجة السورية قد ساهمت بشجاعة في تقديم وتحقيق هذه الأعمال . هنالك حقا سوق رئيسية للمنتج التلفزيوني السوري في دول الخليج والسعودية، ولكن الأعمال التي أنتجت فرضت نفسها على المحطات بسبب مصداقيتها وشجاعتها وغيّرت الشروط الرقابية التقليدية.

·        هل من امثلة؟

كل ما كتبه نجيب نصير وحسن سامي يوسف، وفادي القوشقجي وفؤاد حميرة وعدد آخر من الكتّاب الشجعان والحقيقيين.

·        هل تعتقد أن مؤسسة السينما تظل إطاراً صالحاً للإنتاج بعد الثورة؟

يعتبر استحداث «المؤسسة العامة للسينما» في الستينيات واحدا من أهم الأحداث الثقافية في عالمنا العربي، إذ تواجد فيها الحلم بوجود منصة إبداعية حرّة، واستطاعت في بداية السبعينيات أن تشكّل فارقا في المشهد الثقافي. ولكن السلطة اكتشفت آنذاك أن هذه المؤسسة ستكون عبئا على المنظور الثقافي المغلق للسلطة، وأنها ستشكل تجاوزا للخطوط الحمراء، فسارعت إلى تطويقها بإدارات منصاعة انصياعا كاملا بل ومنفذة للخطاب السياسي للـسلطة بكل ضــيقه وحدوده.

أنا مؤمن بجيل شاب جديد من السينمائيين الذين يستطيعون أن يتقدموا بالسينما السورية إلى آفاق جديدة، وستبقى المؤسسة إطارا صالحا للإنتاج بعد الثورة في حال استعادت حريتها من السلطة ومن الوصوليين والفاسدين و(شبيحة الثقافة) القائمين عليها الآن.
وجود مؤسسة السينما ضرورة حيوية من أجل قراءة القادم الحرّ المبدع والمتعدد الوجوه في هذا الوطن.

·        الأفضلية عندك للفيلم الدرامي الروائي أم التسجيلي؟

لكل من المنهجين جمالياته وأهميته، فمثلا يستهويني الفيلم التسجيلي لعدد من الأسباب، أولها إبقاء علاقتي متجددة بالواقع المعاش للبشر إضافة إلى إمكانية التجريب اللانهائية في الشكل السينمائي، وكل ذلك إلى جانب قدرة الفيلم التسجيلي على التعبير السياسي والاجتماعي الواضح والدقيق، وأنا لم أكن لأستطيع أن أصنع أفلاما روائية جيدة لولا خبرتي في التسجيلي، فالبشر والأماكن والأحداث تكون قادمة من أرضية صلبة وواضحة.

(دبي)

حوار مع المخرج السوري نبيل المالح من أرشيف "السفير"، نشر بتاريخ 5 تشرين الأول 2012، ويعاد نشره بمناسبة وفاة المالح اليوم الأربعاء، في 24 شباط 2016، عن عمر 78 عاما.

السفير اللبنانية في

05.10.2012

 
 

نبيل المالح:

قوى المعارضة في الخارج خانتنا وتركتنا نستجدي

خاض المخرج السوري المخضرم كما كل أبناء وطنه في المتاهة السورية، لكنه آثر الابتعاد عن لهيب الحرب الدائرة، مسافراً إلى دبي، تاركاً قلبه في دمشق، مدينته التي قدم لها مثل ما قدم لسوريا أهم الأفلام في تاريخ سينما بلاده...المزيد

السفير اللبنانية في

30.01.2015

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)