كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

نبيل المالح: كلّ شيء بدأ بكلمة "لا"

هوفيك حبشيان

عن رحيل شيخ السينما السورية نبيل المالح

   
 
 
 
 

يعتبر نبيل المالح الذي توفى في الامارات في الرابع والعشرين من الشهر الفائت عن 80 عاماً، من الذين سعوا لإنشاء سينما سورية. قبل الانطلاق في مسيرة تخللها ترحال وبحث، وجد المالح نفسه في بيئة دمشقية ذات حضور تاريخي طاغ. وشربت سينماه من بئر الشام القديمة حيث كان له احتكاكه الأول بعالم الصور والألوان. في صباه، لعبت مدرسة التجهيز دوراً محورياً في تنمية وعيه السياسي. وهذه المدرسة التي أطلعت المالح على الأفكار السياسية، كانت تحتضن في تلك المرحلة كل التظاهرات الطالبية.

العلاقة مع السلطة من الاشكاليات التي تكررت في معظم أعماله. مسألة رفض السلطة غُرست فيه مذ كان في السابعة من العمر، يوم كان يلعب في احد الملاهي، فتلقى صفعة من جندي. لم يتأخر ردّ الطفل الجريء، فقذف الجندي بحفنة تراب. ولعله كان هذا اول هرب له من منطق التسلط في مسيرة تتضمن حالات هرب مماثلة. "اكتشفت أن العالم كله قائم على كلمة "لا". وكلمة "نعم" هي التي تقتل الانسان والمجتمع والتاريخ وحركة الدنيا. فصار المضمون في سينماي مرتبطاً بكلمة "لا": كل أبطالي يقولون دوماً "لا" ولكن بطرق مختلفة نتيجة تجربتهم".

عاد الى دمشق بعدما اختبر الرسم والكتابة (وحتى الدهانة!) في اوروبا لثلاث سنوات، وفي باله احلام كبيرة ليشارك مخرجين آخرين في انجاز فيلم "رجال تحت الشمس". عن ستينات القرن الماضي التي شهدت بدايات عدد كبير من الفنانين الحالمين، يقول المالح: "كل الشروط في ذلك الحين كانت تشير إلى أننا مقبلون على شيء آخر: كانت هناك فكرة الوحدة بين سوريا ومصر، اضافة الى حركات التحرر في العالم، التي كانت قد أخذت شكلاً في أميركا اللاتينية وأفريقيا. شهدت المرحلة أفقاً لعالم جديد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإعادة إحياء البشر الذين ظلوا بعض الوقت خارج اطار الحضارة والتاريخ والجغرافيا. جيلنا كان يحمل الكثير من الأفكار، وطبعاً اتهمنا بالتخوين".

يُعتبر "الفهد" باكورة افلام المالح الروائية الطويلة وهو اول عمل أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا. نال "الفهد" تقديراً ما من النقاد وحقق نجاحاً جماهيرياً ونال الجائزة الكبرى في مهرجان لوكارنو، وفيه يروي المخرج قصة فلاح بسيط يتحدى الإقطاع والإستغلال بعدما سُلبت منه ارضه وممتلكاته. "انه فيلم سوري مئة في المئة. عملياً هو أول فيلم سوري، وقد سجل تاريخياً على هذا الأساس. غير ان الأمور لا تقاس بفيلم بل بمسيرة. فالسينمائي مثل الكريستال، متعدد الجوانب يعكس العالم الخارجي وتحتويه داخلها".

واصل المالح نقده الاجتماعي والسياسي اللاذع، الى ان تجلى تمرده في فيلم سياسي بامتياز، "السيد التقدمي"، مصوراً عملية ابتزاز بين صحافي وبورجوازي يحاول شراء ضميره، من اجواء واقع سياسي غير سليم. الفيلم ظل اسير الرقابة خمس سنوات قبل ان يرى النور. وبعدما طرح القضايا الكبرى في افلامه السابقة، اخترق المالح خصوصيات الفرد وهواجسه واشكاليته مع السلطة. ولد من هذا الهم "بقايا صور"، نقلة سينمائية لرواية حنا مينة، ويقدم بانوراما عن الواقع الريفي السوري في خمسينات القرن الماضي، على خلفية مواجهات بين الفلاحين والاقطاعيين. يسير الفيلم على خطى "الفهد" ولا سيما في الشق المتعلق بالتمرد وماذا يعني ان يبقى الانسان مخلصاً لاحلامه رغم صعوبة العيش. عبر تصويره نماذج رمزية، اتسمت لغة الفيلم بشاعرية بدت واضحة. يقول المالح ان ما يميز افلامه كافة وجود انكسار. "لكن هذا الانكسار لا يعني الهزيمة، إذ لديَّ اقتناع بأن أهم ما نملكه هو ما يملكه الفرد في هذا الوطن.

وأكثر ما يؤلمني إن كل إنسان يعيش حالة حلم: الكل يحلم بيوم آخر، بحياة أخرى، بعلاقات إنسانية مختلفة، وبعلاقات بين السلطة والفرد وبين الدين والآخر، مختلفة عما هو سائد حالياً. وما يولد تالياً من هذا التمزق هو تراكم الاحباطات والمعوقات لكي نتحول من حالمين إلى مكسورين، علماً أن المفترض حدوثه هو العكس".

في بداية الثمانينات، انتقل المالح للعيش في الولايات المتحدة. ولكن قبل الوصول الى القارة الجديدة، جال هذا الرحالة في اوروبا بحثاً عن وطن يحتضن طموحاته ورغبته الدائمة في الهروب. عملية البحث هذه قادته الى اليونان حيث أمضى عشر سنين، ثم اكتشف انه لا يزال يبحث عن وطن. اعترف المالح حتى في سنواته الأخيرة بأنه لا يزال يبحث عن هوية سينمائية. على تلك الهوية، بحسب قوله، أن تكون تابعة لثقافة معينة، فهو لا يريد أن يحمل هوية سينمائية فرنسية أو أميركية، وإنما هوية سينمائية عربية سورية فيها خصوصية ما. لكن ذات يوم، اكتشف أنه يقاتل في جبهة وحده.

بعد عودته الى سوريا، باشر المالح العمل على فيلم "الكومبارس" الذي يتطرق الى معاناة شاب فقير يُغرم بأرملة، فيساعده صديقه ليجد نفسه في خلوة مع المرأة التي يحبها. لكن يتبين ان المكان ليس هو العائق في طريق التواصل، انما الآخرون هم الذين يمنعون اللقاء المنتظر. "كل فيلم هو وجه من وجوه عالم محيط بي ولي علاقة به وموقف منه"، يقول المالح بعدما لجأ الى الانتاج المشترك والرساميل الاوروبية لانجاز فيلمه الاخير الذي يتضمن الكثير من مشاهد الحركة على الطريقة الاميركية.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

النهار اللبنانية في

03.03.2016

 
 

بقايا صور للسوري نبيل المالح

إسماعيل مروة

قيمة فنية عالية، وقامة سورية من الطراز الفريد.. بدأ مبدعاً، وغادر متمسكاً بأهداب إبداعه الأصيل. انحاز منذ عودته إلى البسطاء، وكانت آراؤه مسيرة لمشروعاته، فمن جانب وطني وإنساني بسيط اختار مشروعه الروائي الطويل الأول (الفهد) فأخذه عن رواية قصيرة لحيدر حيدر تحمل العنوان نفسه، وكثير من النقاد والناس يرون أن هذه الشخصية حقيقية، وقد صاغها أكثر من مبدع، اختار نبيل المالح أن يبدأ مع البسطاء فكان أبو علي شاهين الرمز البسيط الذي حوّله بإبداعه وكاميراته وثقافته من رجل بسيط في مناطق بعيدة إلى رمز في السينما السورية، ليصبح فيما بعد واحداً من كلاسيكيات السينما السورية والعربية والآسيوية. وشأنه شأن المبدعين الكبار لم يختر ممثليه من المتاح، بل أجرى مسابقة واختبارات لاختيار الذي سيكون رمز البسطاء، فاكتشف المبدع التشكيلي النجم أديب قدورة، ومع أديب قدم شخصية لا تنسى مع إغراء في دور العمر، ربما تناغم نبيل المالح مع أديب قدورة في بذرة الإبداع، فكلاهما تشكيلي يعنى بالرسم، وكلاهما لا يكترث إلا للفن الجميل الذي ينعتق من ذاته ليسكنه.. نبيل المالح قد يكون الوحيد الذي لم يركن إلى نجاح تجربته الأولى، ولم تسكره فرحته بما أنجز وبالجوائز التي انهالت عليه، ولا بتحول نجمه المكتشف أديب قدورة إلى نجم عربي يشارك في كثير من الأعمال المشتركة.

بقي نبيل المالح يجوب شوارع دمشق، يرصّ عينيه في مواجهة الشمس، ويبرع في اختيار خطوة لا تقل عن سابقتها، ومن من جيلنا الذي عاصر بدايات مهرجان دمشق السينمائي ينسى ذلك الفيلم الذي أنجزه نبيل المالح عن رائعة حنا مينة (بقايا صور) إذ برع في استعادة أديب قدورة واستنباط إبداع سمر سامي. ونكهة حنا مينة الحقيقية، ولعل المالح هو أبرع من قدم مينة في الجانب السينمائي، مع أن أعمالاً عديدة قدمت عن روايات الكاتب الكبير.

لم يركن المالح لتقديم الفيلم الشخصي، أو فيلم السيرة الذاتية، ولم يقدم الفيلم النخبوي الذي يصلح للمهرجان، ولكنه بإبداعه وحرفيته وصدقه قدم المعادلة الناجحة في فيلم يحصد الجوائز، وفي الوقت نفسه يحصد رضا الجمهور عند عرضه، والفهد إلى اليوم وبقايا صور لو عرضا لحصدا إعجاباً لا متناهياً على الرغم من التقانات الجديدة، ومع أن الأول بالأبيض والأسود، لكن براعة المالح وحرفيته جعلت عمله أقرب لأفلام السينما الإيطالية التي تستمتع برؤيتها في أي وقت، وتحت أي ظرف مهما كان التقدم التقني، لذا اختير الفيلم بين أفضل الأفلام الآسيوية منذ سنوات.

لم يسكره النجاح الذي حققه، وبقي ذلك الذي يجوب شوارع دمشق مشياً على الغالب من جادة الوزيرة حيث اختار بيته وحديقته، مروراً بمقاهي دمشق المميزة، وصولاً إلى دمشق القديمة، كثيراً ما يستوقفك نبيل وأنت معه، ويسرح صامتاً، ثم يمشي من دون أن يتحدث، وعليك أن تعلم أنه التقط شيئاً، دوّنه على ورقة من أوراقه الكثيرة التي يضعها في جيبه، وعلى الغالب ستضيع هذه الورقة لأنها رسخت في ذاكرته.

وتابع المالح انحيازه إلى البسطاء، وإلى التجريب السينمائي، وكلما تحدثت معه يقول لك: لدي مشروعات كثيرة، ولا يعبر عنها بتسمية الأفلام، لأنه في كل عمل يقدم تجربة، وفي انحيازه هذا قدّم الصديق الراحل تجربة من أبرع التجارب (الكومبارس) ليكشف جانباً مهماً من إبداع سمر سامي، وما عرفه من إبداع بسام كوسا، ولا أظن فيلماً سورياً أثار لغطاً وردود فعل إيجابية كما فعل هذا الفيلم، لقد كان نبيل المالح مميزاً ومختلفاً ولا يكرر ذاته.

ومشروعه الأثير أسمهان الذي بقي يحمله سنوات طويلة، يخاف عليه، لم يكن ليخرج كما خرج لولا أنفاس نبيل، وإن كانت القطبة المخفية..

لم يتوان بين تجربة وأخرى أن يهرع إلى الرسم والموسيقا والقراءة والأفلام التسجيلية، وفي آخر تجاربه التي شهدتها كنا نعمل في مشروعات للهيئة السورية لشؤون الأسرة، ففاجأ الجميع بفيلمه التسجيلي الراقي المفزع (عالشام وديني) وجرت حوله ندوات كثيرة، ولقي ردود أفعال متضاربة، لكن المالح قدّم ما عجزت عنه الدراما، وحوّل كل طفل إلى نجم، وكل مهمشة إلى نجمة.

اعتزل.. ابتعد.. هذا خياره.. كان صامتاً دامع العينين، لم يخرج عن تهذيب أو وقار.. تناول وجبة سريعة في ركن مخصص، أصابعه ترتجف، لا يتم طعامه.. يخرج إلى الشمس الحارقة، يبدأ التهام لفافة تبغ مميزة، وحين يتأبط ذراعك يرتجف.. وعند الوداع تدمع عيناه كثيراً، ويطول عناقه، ولا أنسى عبارته التي دونتها قبل مدة: (عالشام وديني) نظرت إليه، فقال لا تصدق، أنا لا دور لي، أنا الكومبارس عالشام وديني..!

هل كان نبيل المالح بقامته الأعظم من الإكسبو التي تقول: أنا قامة سورية شامية يختصر رحلة في بقايا صور؟؟ ربما.

وداعاً نبيل، وأنت تعلم أنني سأشتاقك، ونلتقي ونتحاور باختلاف، لكن بصوتك الخفيض الذي لا يغادر الذاكرة.

وستبقى السينمائي المخلص للسينما، المؤسس والعاشق، المخلص للسينما السورية بصنوفها كافة روائية وتسجيلية.. رحلت أيها النبيل وفي فمك كلام كثير لا أود ذكره إذ اكتشفت الحقيقة مبكراً، ولكن بعد أن خسرتك الكاميرا مبدعاً في الأزقة والأحياء، وافتقد الإنسان الذي جعلته همّك عدستك التي تنقل الجرح الغائر، وتصور نزف الإنسان..

وداعاً نبيل، وقد بقيت على قناعاتك ولم تحد عنها حتى رحلت وأنت ترقب الشمس الساطعة الحارقة التي تفتقد روعة شمس دمشق التي أدمنتها.. نختلف مع بعضها أو نتفق مع البعض الآخر لكن الشيء الذي لا نختلف عليه أنك كنت نبيلاً حتى أثناء الخلاف معك.

وداعاً أيتها القامة السورية التي يندر أن تجود الكاميرا بمثل رهافتها.

الوطن السورية في

03.03.2016

 
 

نبيل المالح:

الرجل الذي وحده الموت أوقف حروبه المتواصلة

دمشق - علي العقباني

ربما يكون لدور «الكومبارس» الذي لعبه في أحد الأفلام في مدينة براغ التشيخية مطلع شبابه حين كان موفداً لدراسة الفيزياء النووية، أو ربما يكون للصفعة التي تلقاها صغيراً من أحد حراس الخارجية في حديقة شعبية، أثر مهم في تغيير مسار حياة نبيل المالح، السينمائي والرسام والكاتب والسيناريست السوري، الذي رحل قبل أيام عن عمر ناهز الـ78 سنة، في غربته في مدينة دبي بعد صراع مع مرض رئوي. وهو دُفن هناك بعيداً من سوريا التي أحبّ، ومن دمشقه التي سكنته منذ أيام طفولته الأولى، لكن لا الدور ولا الصفعة أحبطا من عزيمة الشاب الذي رفض لعب دور «الكومبارس» في الحياة والسينما والشأن العام، كما صدّ كل صفعات الحياة وتقلّباتها عليه داخل العمل أو في المعتقلات التي «زارها».

ربما يكون نبيل المالح من أوائل السينمائيين السوريين الذين درسوا الإخراج السينمائي، ودرسوه في العديد من الدول كأميركا واليونان، لكنه حين عاد إلى سورية في الستينات من القرن المنصرم، وجد الحال السينمائية مرتبطة بالقطاع العام، وكانت المؤسسة العامة للسينما هي الجهة العامة الموكل إليها إنتاج الأفلام السينمائية في ذلك الحين. لكنه لم يتمهّل كثيراً في انتظار ما يمكن أن يأتي، بل أقدم على إخراج الأفلام، فقدّم خلال فترة قصيرة أربعة أفلام طويلة للتلفزيون، هي: «المفاجأة» و «أحلام» و «رجلان وامرأة» و «إكليل شوك». وبدأ تعاونه مع المؤسسة العامة للسينما في سورية من أعمال تسجيلية وروائية وتجريبية، فكان فيلم «نابالم» في العام 1970، والذي حصد حضوراً مميزاً على المستوى العالمي.

بعد هذا الفيلم وفي العام ذاته، خاض المالح تجربة سينمائية خاصة من خلال فيلم «رجال تحت الشمس»، وكان فيلماً يتألف من ثلاثة أعمال سينمائية: «المخاض»، «الميلاد»، و«اللقاء»، من إخراج محمد شاهين ومروان المؤذن ونبيل المالح، وكتب السيناريو حينها نجيب سرور ونبيل المالح وقيس الزبيدي ومحمد شاهين ومروان المؤذن.

بعد أعمال سينمائية عدة، قدّم المالح فيلمه الجميل «الفهد» 1972، عن رواية حيدر حيدر، والذي يدور حول حكاية فلاح بسيط يكتشف أن السلطة الإقطاعية هي امتداد للسلطة الاستعمارية حين انتزعت منه أرضه. يدخل السجن ويعذَّب بقسوة من السجانين الذين يقاومهم ببندقية حصل عليها، متحولاً إلى أيقونة شعبية. الفيلم فاز يومها بالعديد من الجوائز المحلية والعالمية، من بينها جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي وجائزة تقديرية من مهرجان لوكارنو السينمائي، وجائزة تقديرية من مهرجان كارلو فيفاري، وغيرها الكثير.

بعدها، أنجز المالح أفلام: «غوار جيمس بوند» 1973، «السيد التقدمي» 1974، و«بقايا صور» 1980 عن رواية للروائي السوري حنا مينة بالاسم نفسه.

أما عمله السينمائي المميز «كومبارس» الذي أنجزه عام 1994، فقد كتب له السيناريو وهو خارج البلاد، ليعود ويقدّمه لمؤسسة السينما التي وافقت على إنتاجه. والفيلم تدور أحداثه بين رجل وامرأة. رجل بسيط يعمل مع الممثلين ككومبارس. وامرأة عادية. يتواعدان ليلتقيا في بيت صديق له. وفيما هما هناك، تدور بينهما الأحاديث ومن حولهما أحداث تقرأ تاريخ الخوف والضغوطات التي يعاني منها المواطن. وهذا كله من خلال ساعتين زمنيتين وسينمائيتين يديرهما المالح ببراعة سينمائية لافتة، حيث قام بالدورين الرئيسيين بسام كوسا وسمر سامي.

عُرض «الكومبارس» في مهرجان دبي السينمائي، ونال جائزة أحسن إخراج من مهرجان القاهرة، وجائزتي التمثيل لبطليه من مهرجان السينما العربية في باريس، وجائزة أحسن سيناريو من مهرجان فالنسيا، والجائزة الفضية لمهرجان ريميني.

الى هذا، أنجز المالح العديد من الأفلام التسجيلية المميزة، لعل أهمها «البحث عن شيخ الشباب»، وهو فيلم عن المناضل فخري البارودي، أحد أهم أعلام دمشق ومناضليها الوطنيين في القرن العشرين، ثم أخرج فيلم «عالشام... عالشام»، إضافة الى كثير من الأعمال القصيرة الأخرى. وحاول إخراج فيلم عن أسامة بن لادن بالتعاون مع ابراهيم الجبين، وذهب إلى الساحل ليصوّر هناك بحثاً عن عائلة ترتبط ببن لادن، لكن الأجهزة الأمنية صادرت الفيلم ولم يُعرض.

وصل عدد أفلام نبيل المالح القصيرة والتسجيلية والروائية والتلفزيونية، وفق الكثير من المواقع السينمائية وكلام للراحل، إلى أكثر من 150 فيلماً، وربما بلغ عدد المشاريع المخبأة في أدراجه أكثر من هذا العدد، فالمالح كان دائم المشاريع والكتابة والبحث والتنقل. وهو الذي اختار دبي مقراً له خلال السنوات الأخيرة... ذهب يبحث هناك عن ضوء آخر ومستقبل آخر وطمأنينة تريح روحه، هو الذي لم يتوقف إلا عند رحيله المفجع عن خوض حروبه السينمائية والحياتية وعلى كل الجبهات.

الحياة اللندنية في

04.03.2016

 
 

السينما السورية تفقد رائدها

بقلم: سمير فريد

الرائد فى السينما وغيرها من الفنون، ليس فقط أول من أخرج فيلماً، ولكن أيضاً أول من أخرج فيلماً كان نقطة تحول، وقد فقدت السينما السورية يوم ٢٤ فبراير ٢٠١٦ المخرج الكبير نبيل المالح الذى كان فيلمه الروائى الطويل «الفهد» عام ١٩٧٢ نقطة تحول فى تاريخ السينما السورية.

تابعت مسيرة نبيل المالح منذ أن شاهدت أفلامه القصيرة الأولى فى أولى زياراتى إلى دمشق عام ١٩٧٠، وامتدت علاقتى به منذ ذلك العام، وكان آخر لقاء معه فى مهرجان دبى عام ٢٠١٣، حيث أقام منذ اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١، وتوفى ودفن فيها. ليلة ٢١ فبراير فى برلين، سألت عنه صديقنا المشترك قيس الزبيدى، فقال إنه مريض للغاية، ويوم ٢٤ أرسل قيس عبر الميل: فقدنا نبيل المالح.

منذ علمت بالخبر المحزن حاولت تدقيق المعلومات عن حياته وأفلامه من واقع أرشيفى الخاص، وراعنى كم المعلومات الخاطئة المتداولة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى حتى فى تاريخ ميلاده، فهو ليس عام ١٩٣٦ وإنما عام ١٩٣٩، وتاريخ تخرجه فى معهد براج، فهو ليس عام ١٩٦٤ وإنما عام ١٩٦٢، وعدم ذكر أنه تخرج فى معهد «فامو» فى براج، وكان من أهم معاهد السينما فى العالم آنذاك، والذى تخرج فيه فورمان وغيره من أعلام السينما التشيكوسلوفاكية الجديدة فى ستينيات القرن الميلادى الماضى، وكان فيلم التخرج روائياً قصيراً بعنوان «مشكلة عائلية»، وفى نفس العام ١٩٦٢ عاد إلى بلاده سوريا، ومن إنتاج التليفزيون السورى أخرج أول أفلامه القصيرة «انتبهوا.. الأطفال»، وأول أفلامه الطويلة «مفاجأة» عام ١٩٦٤، وكلاهما من الجنس الروائى.

أخرج «المالح» ١٢ فيلماً روائياً طويلاً آخرها «وليمة صيد» عام ٢٠٠٥، ومن أهمها «رجال تحت الشمس» عام ١٩٧٠ عن قصص غسان كنفانى، والذى اشترك فى إخراجه مع محمد شاهين ومروان مؤذن، و«الفهد» عن قصة حيدر حيدر عام ١٩٧٢، و«السيد التقدمى» ١٩٧٥، و«بقايا صور» ١٩٨٠ عن روايتى حنا مينا، ويعتبر فيلمه «كومبارس» الذى كتبه وأخرجه عام ١٩٩٣ تحفته الكبرى، ومن تحف السينما العربية.

وأخرج عشرات الأفلام والحلقات التليفزيونية القصيرة الروائية والتسجيلية، وكان رحمه الله يعتبر الحلقة التليفزيونية فيلماً، ولكن التليفزيون غير السينما، أولها الفيلم التسجيلى «حلب» عام ١٩٦٨، وآخرها الفيلم التسجيلى «عالشام عالشام» عام ٢٠٠٦، ومن أهمها «لون وحياة» ١٩٦٨، و«إكليل الشوك» ١٩٦٩، و«نابالم» و«إيقاع» ١٩٧٠، و«قلاش» ١٩٩٧، و«العتمة المضيئة» ٢٠٠٣، و«حادثة اغتيال» ٢٠٠٥، ولاشك أن حياة وأفلام وحلقات نبيل المالح التليفزيونية تحتاج إلى دراسة شاملة توثق وتحلل هذه الأعمال، ودوره فى تطور السينما السورية، ولا أحد يدرى كيف توضع هذه الدراسة وغيرها من الدراسات، والعالم العربى، من بين كل مناطق الدنيا، ينفرد بعدم وجود سينماتيك حقيقى واحد من المحيط إلى الخليج.

المصري اليوم في

07.03.2016

 
 

فيلم 'كومبارس' يؤكد أن مخرجه لم يعش حياته كـ'كومبارس'

العرب/ علي العائد

يموت سالم في فيلم “الكومبارس” للمخرج السوري الراحل نبيل المالح، حسب طلب مخرج المسرحيات التي اختص فيها بأدوار الكومبارس، كما يموت الآلاف يوميا وهم على قيد الحياة بين دراسة في الجامعة، وعمل في “كازية”، واشتغال ككومبارس في المسرح القومي.

نستحضر فيلم “الكومبارس” للمخرج السوري الراحل نبيل المالح تعبيرا عن صدمة الموت التي هزت مشاعرنا حين فارقنا مؤخرا دون أن يرى سوريا المستقبل التي حلم بها، وبعيدا عنها، حيث يأتي الموت في الفيلم كمفردة تتكرر -وليست هي المركزية- إلاّ كمعادل للخوف الذي لم يذكر على لسان سالم (بسام كوسا)، وندى (سمر سامي)، لكنه يبرز في كل لقطة من لقطات فيلم “الكومبارس” (إنتاج المؤسسة العامة للسينما سنة 1993)، العمل الأشهر للمالح الذي توفي، الأربعاء 24 فبراير الماضي، في دبي بالإمارات العربية المتحدة، ودُفن فيها.

يعيش سالم في الفيلم حياة كومبارس، مثل ملايين الشباب العرب، لكنه أُجبر أيضا على أن يحلم مثل كومبارس، وهو طالب بكلية الحقوق يقضي فيها ما يتبقى له من وقت بعد كل انشغالاته، يتأتئ في الكلام، لكنه يجد فسحة للتفكير في الخروج من فقره وفقر أسرته التي يعيش أفرادها السبعة في شقة من غرفتين.

علاقة سالم بندى لم يرسم لنشأتها المالح مسارا في السيناريو، هما يعرفان بعضهما مسبقا، وكانا يلتقيان في الحدائق والشوارع، لكنهما في الفيلم يلتقيان لأول مرة تحت سقف وبين جدران يُفترض لها أن تحمي خصوصيتهما.

سالم وندى خائفان من جسديهما، فهو جديد على عالم المرأة، إلاّ من الصور التي تمثُل في خيالاته أو في المجلات الجنسية التي يخبئها تحت وسادته، بينما تبدو ندى كامرأة مطلقة في مجتمع شرقي خائفة من الجنس، كما ينبغي لمثيلاتها، وخوفهما هذا يتعدّى كذلك إلى رقابة المجتمع عموما والأهل خصوصا، الخوف من العار الذي لم تهدّئه حتى فكرة سالم أن تردّد ندى وراءه “زوَّجتك نفسي.. على الصداق المسمى…”.

تتشابك خطوط الفيلم بكثافة، فالفقر قمع، والخوف قمع، والكبت قمع، ورجال الأمن عنوان لكل أنواع الخوف والقمع.

المعادل السياسي طاغ في الفيلم، رغم أن المالح حاول المزاوجة بينه وبين معادل فني، في حدود ما تتيحه ميزانية متقشفة للفيلم يبررها الحديث عن الفقر

يخلي عادل، صديق سالم، شقته لساعتين كي يلتقي فيها سالم بندى. جار عادل الذي يعرفه سالم موسيقي أعمى متهم بمعرفة شخص مطلوب من الأمن، ويصادف أن يبحث رجال الأمن عن الأعمى في نفس الوقت الذي يتزامن فيه وجود سالم وندى بالشقة، وعند القبض على الأعمى، كان رجاؤه فقط ألّا يهينوه، فطلب من سالم أن يتوسط له عند رجال الأمن لأجل ذلك، لكن في النهاية يعتقل ويهان، وتلحق الإهانة بسالم كذلك أمام حبيبته.

لم يكن سالم متأكدا من اكتشاف ندى لما تعرض له من رجال الأمن، خاصة أنها حاولت أن توهمه بأنها لم تر المخبر وهو يصفعه عندما حاول التدخل لصالح الجار الموسيقي.

ثيمة الكومبارس عند المالح مختزنة في ذاكرتين؛ ذاكرة شخصية لكونه سافر في الستينات إلى تشيكوسلوفاكيا قصد دراسة الفيزياء النووية، فصادف أن لعب دور كومبارس في فيلم تشيكي، اكتشف من خلاله عالم التمثيل، فدرس الإخراج السينمائي بدلا من الفيزياء. وذاكرة عامة لكونه يعيش في العالم العربي المبتلى بالدكتاتوريات التي حوّلت كلّ شعب من شعوبها كتلة وأفرادا إلى كومبارس.

حاول المالح في سيناريو الفيلم أن يقول إن عوامل عديدة تجعل من المواطن السوري كومبارس؛ تبدأ بالفقر وتنتهي به، فالفقير عاجز عن التقرب من السلطة إلاّ كمخبر، وعاجز عن الابتعاد عنها لأنها ابتلعت دولته ومجتمعه، وبالتأكيد لا يستطيع أن يتحالف معها لكونه لا يملك المال الذي يبادله بسلطة ممنوحة من السلطة. أراد نبيل المالح أن يقول كل ذلك وأكثر، فالفقير عاجز حتى أن يحبّ كما يريد، ولذلك ليس أمامه سوى تأسيس أسرة، ليتناسل وينجب “كومبارسات” تعيش في ظل السلطة.

المعادل السياسي طاغ في الفيلم، رغم أن المالح حاول المزاوجة بينه وبين معادل فني، في حدود ما تتيحه ميزانية متقشفة للفيلم يبررها الحديث عن الفقر، حتى أن الكاميرا لم تخرج من شقة في بناية مؤلفة من عشرة طوابق، لكن العالم الخارجي كان يرسل أصواته إلى العشيقين المذعورين من كل ما هو آت من خارج جدران الشقة. وينتمي المالح إلى الجيل الذي تأثر بالأفكار الاشتراكية، وواقعيتها التي توظف الأسماء في الأدب والفن لخدمة الفكرة، ومن المستبعد أن يكون اسم سالم في لقطة الشاهد من دون توظيف، حين لم يسلم سالم من صفعة المخبر، وصديقه عادل، طالب الهندسة، يعيش في بيت قذر وفي منتهى الفوضى.

ربما كان اسم ندى غير واضح التوظيف، لكن دموعها التي حبستها قهرا على حبيبها الذي شردت الصفعة رجولته أمامها تجعل من توظيفنا غير تعسفي بالضرورة، فندى هنا حاولت جبر عثرة حبيبها سالم، كما جبرت نساء كثيرات في شرق المتوسط والعراق عثرات أحبائهن وأزواجهن وأبنائهن، عندما حاول عسس الدكتاتور اغتيال كرامة هؤلاء.

حاول المالح ألاّ يعيش حياته كـ“كومبارس”، فقدّم أكثر من 150 فيلما روائيا وقصيرا وتسجيليا، عدا مشاريع كثيرة كانت جاهزة للتنفيذ، لكنه مات قبل أن يرى سوريا المستقبل التي حلم بها، وبعيدا عنها.

العرب اللندنية في

08.03.2016

 
 

افتتاحية

وداعًا نبيل المالح

غسان زكريا

يصعب على المرء أن يكتب عن قامة مثل نبيل المالح، السينمائي السوري الاستثنائي الذي رحل عن عالمنا قبل فترة وجيزة. ولدى التصدي لهذه المهمة، يحار أيكتب عن تاريخه السينمائي الحافل، أم عن شخصه الدمث اللطيف، أم عن إرثه في تعليم العديد من الطلبة، أم عن عدم خشيته من التجريب والابتكار، أم عن قلبه الذي أبى أن يكف عن النبض إلا وهو قلب شابّ لم يتجاوز العشرين رغم مرور السنين.

ولا نكاد نفهم رحيله إلا ويأتي عيد ميلاد سوريا الحرة الخامس. وليست المناسبة الثانية بأقل دفعًا إلى الحيرة من الأولى. فعمَّ نكتب اليوم؟ عن مأساة الموت والتهجير والشتات؟ أم عن فنٍّ أصيل جديد أنتجته المظاهرات؟ أم عن صمود الشعب السوري الأسطوري في وجه العالم كله؟

ثمة ترابط وثيق بين المناسبتين التقطه الصديق تمام هنيدي بدقة في مقالته لهذا العدد من مجلتنا. وينبع هذا الترابط من ارتباط السينمائي الراحل بسوريا، مكانًا ومجتمعًا وشعبًا. أفلام نبيل المالح لا تبتعد قيد أنملة عن معركة السوريِّ مع الحياة، عن معاناته مع الفقر كما في بقايا صور، عن حرمانه من الحق في الحب والتعبير الفني كما في الكومبارس، عن تسلُّط الطاغية عليه كما في فلاش، عن إبداعه رغم المصاعب والإعاقة كما في عتمة مضيئة، عن حق المرأة في الحياة بحرية وكرامة كما في غراميات نجلاء، والقائمة تطول.

تتقاطع المعاني بين الأفلام، فلا يخلو أحدها من الإشارة إلى موضوع الآخر. ويمتزج ذلك دائمًا مع صوت فنيٍّ أصيل، وتعبير جمالي متجدد لا يتهيَّب توظيف العناصر والأدوات التعبيرية من دون التخلي عن التزامه إمتاعَ المشاهد بما يقدمه. ويمتد ذلك إلى الأفلام التي لم يتمكن المالح من تنفيذها، وكان لي شرف الاطلاع عليها. عشية الثورة، كان يحلم بفيلم يروي حكايةً سوريَّةً تمتد من الشمال إلى الجنوب، وترسم بِحُبٍّ غير مشروط بانوراما سوريا بألوانها كافة، الزاهية منها والقاتمة. وبعد اندلاع الثورة، كان يحلم بفيلم يحقق المهمة المستحيلة المتمثلة في رواية حكايتها وتكثيفها.

وكما كان الفن السينمائي أداة نبيل المالح الأساسية، كان الفن الغنائي أداة الثوَّار الأساسية في إيصال صوتهم. ولئن كان نبيل المالح قد استقى أفلامه، بشكلها ومضمونها، من اليوميات السورية القاسية التي ألفها، فإن الثوار قد استقوا أغنيات وهتافات مظاهراتهم من تراث سوريٍّ ألِفوه، ووجدوا فيه تعبيرًا عن يومياتهم نفسها.

بهذا الارتباط السحري، يبدو جمال أفلام نبيل امتدادًا طبيعيًا، بل وبديهيًا، لجمال الثورة السورية وبهائها، بصرف النظر عن زمن هذه وتلك، فللأفلام وللثورة جذور عميقة وقديمة أخرجت نباتها وثمارها في لحظات مختلفة.

يريدنا العالم اليوم أن ننسى معجزة الثورة السورية الأخّاذة، وأن نراها حربًا أهليةً قبيحة لا ناقة “للسوريين العاديين” فيها ولا جمل، وإذا بالمظاهرات تعود بتماهيها الصوفي وغنائها الشجي لتصفع الطغاة والخاملين والمتعامين. ويذكِّر رحيل نبيل المالح، إن كان هناك من نسي، بأيام سوريا التي أنتجت، بمخاض صعب، هذه الثورة الإعجازية، وبأن ثورة سوريا، كما بدأت فعليًا قبل المظاهرات، ستستمر بعد سقوط الطاغية.

إذا كان لنا أن نعرِّف بنبيل المالح إثر رحيله، فما من تعريف أكثف وأدق من أنه ثائر سوري، رحل مع الراحلين، وبقي إرثه وأثره، كما بقي إرث مئات ألوف الشهداء وأثرهم.

رحم الله نبيل المالح، وحفظ الثورة السورية.

موقع تحت الـ 35 في

16.03.2016

 
 

أربعون نبيل المالح: مرثية للذات

خليل صويلح

لم يشأ نبيل المالح (1936 ـــ 2016) أن يرحل من دون أن يقف أمام كاميرا شقيقه محمد علي المالح كي يروي سيرته كسينمائي. الشريط الذي حمل اسم «نبيل» (22 دقيقة) عُرض للمرة الأولى أول من أمس في دمشق، أمام حفنة من أصدقائه في مناسبة مرور أربعين يوماً على غيابه، بمبادرة من منتدى «حركة البناء الوطني»، في التوقيت نفسه مع «مهرجان مواسم السينما العربية» في باريس الذي كرّم المخرج الراحل بعرض فيلمه «كومبارس».

في هذا البورتريه الشخصي، يستعيد صاحب «بقايا صور» محطات من سيرته السينمائية التي اختزلها بأنها مغامرة مستمرة على قول كلمة «لا»، مشبهّاً نفسه بشخصية «بوعلي شاهين» في فيلمه الروائي الأول «الفهد» (1972) لجهة التمرّد والعصيان «أنا الفهد، والفهد أنا». وإذا بنا أمام مرثية للذات محمولة على الحلم والخيبة والأمل، معتبراً أن السينما مشروع حياته. لذلك سعى من دون هوادة إلى أن ينشب أظافره في نسيجها بوصفها حياةً موازية، من دون أن يتوقّف عن إزاحة بقع السواد عن الذاكرة. فالزمن حسب قوله «لديه مزبلة لكل ما هو أسود، ليحلّ البياض وحده في مواجهة ذاكرة القتل والدم والسيوف». أراد المخرج الرائد الذي انطفأ في دبي (24 شباط/ فبراير الماضي) أن يواجه نفسه أمام العدسة لاكتشاف صورته كما هي، والتوغل عميقاً في تفكيك شخصيته الغامضة التي لا يعرفها بدقّة. لكنه سيشير إلى حلمٍ مخبأ وراء ضباب، أو حائط زجاجي، وأن هذا الحلم سيتحقّق حتماً.

شريط «نبيل» عُرض للمرة الأولى أول من أمس في دمشق

هكذا تناوب حضور المخرج مع مقاطع من أفلامه «الفهد»، و«بقايا صور»، و«الكومبارس». بدا كأنه إحدى شخصيات أفلامه في تطلّعها إلى فضاءٍ آخر بلا عسف. في النقاش الذي أعقب عرض الشريط، قال المخرج محمد ملص بأن هذه الأمسية تحيّة إلى روح هذا المعلم، وليست مجلس عزاء... «المعلّم» الذي لم يكفّ يوماً عن أن يرمي نفسه في جحيم السينما، خطوةً وراء خطوة، ليؤسس خطّاً جديداً في السينما السوريّة، وصولاً إلى تحفته «كومبارس»، واضعاً لمسته على أكثر القضايا إشكاليةً بجمالية بصرية متفرّدة، فيما روى المخرج محمد قارصلي ذكرياته مع صاحب «السيد التقدمي» خلال صداقة متينة بدأت منذ نحو ربع قرن، واصفاً إياه بأنه «كان يسابق الغيوم»، نظراً الى ازدحام المشاريع التي كانت تدور في رأسه، بالإضافة إلى هوسه بكل ما هو جديد ومختلف. من جهته، حكى الممثل أديب قدورة عن علاقته بنبيل المالح وكيف أسند إليه دور «بوعلي شاهين» في فيلمه الأول «الفهد»، ثم تعاون معه ثانيةً في «بقايا صور». ما أثار الأسى أن «الفهد» وصل إلى قاعة العرض، متكئاً على عكاز.

* في ذكرى وفاته الأربعين، يعرض «نادي لكل الناس» فيلم «الكومبارس» في «مترو المدينة» (الحمرا) عند السادسة من مساء الجمعة 15 نيسان ــ للاستعلام: 76/309363

الأخبار اللبنانية في

11.04.2016

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)