فاتن حمامة... خشيت المسرح فخاصمته
كتب الخبر: أمين
خيرالله
قدمت فاتن حمامة أكثر من مئة فيلم، إلا أنها لم تواجه الجمهور على خشبة
المسرح طوال تاريخها الفني الممتد من 1941. ما الأسباب التي حالت دون خوض
سيدة الشاشة العربية تجربة المسرح؟
السبب الرئيس في ابتعاد فاتن حمامة عن المسرح، برأي الممثلة القديرة سميرة
عبدالعزيز، اعتمادها الهدوء والبساطة في التعبير مع الالتزام بالنص
والكلمة، «فلم تخرج عن النص يوماً رغم نجوميتها، لأنها نشأت على هذا الخط
في مجال التمثيل الذي خاضته منذ طفولتها، وهذا مغاير للعمل في المسرح».
تضيف: «كانت سيدة الشاشة العربية تتحسس خطاها الفنية ولا تخوض أي تجربة قبل
أن تتأكد من نجاحها، لذا خوضها تجربة المسرح كان مغامرة غير محسوبة، خشية
الإخلال بالسينما التي عشقتها».
تؤكد عبدالعزيز أن انشغال فاتن بحياتها الخاصة والأسرية أبعدها عن المسرح،
لا سيما «أنه يعيقها عن التركيز في شؤونها الخاصة، ويتطلب مجهوداً بدنياً
وفنياً، بالإضافة إلى الالتزام بمواعيد العرض والتمارين. ومن يعرف فاتن
حمامة شخصياً يلمس مدى التزامها بمواعيدها ومحافظتها عليها، وكان المسرح
سيعيقها ويعطلها عن السينما التي اعتبرتها بيتها الأول».
انشغال بالسينما
تعزو الممثلة سميحة أيوب ابتعاد فاتن حمامة عن المسرح إلى انشغالها
بالسينما، بالإضافة إلى أن المسرح لم يستهوها، تقول: «فنانون كثر لا يميلون
إلى العمل فيه وابتعدوا برغبتهم. سنجد مثلاً فناناً يفضل السينما وآخر يفضل
الدراما التلفزيونية وثالثاً يفضل المسرح وهكذا». تضيف: «لم يكن حصول فاتن
حمامة على لقب سيدة الشاشة العربية من فراغ بل لعشقها للسينما وتكريسها
وقتها ومجهودها لها، ومن الصعب أن تجد فناناً أخلص لوسطين فنيين».
تتابع: «لا تقدم فاتن حمامة إلا ما تحبه، لذا نجحت، ومن هذا المنطلق لم
تدخل تجربة المسرح، لأن السينما أسرتها بحبها، إذ قدمت أعمالاً تراجيدية
مغموسة بأزمات المجتمع المصري، على غرار: «الحرام» و{دعاء الكروان» و{أريد
حلاً»، التي اعتبرت ضمن كلاسيكيات السينما العربية، وكانت وراء تغيير بعض
القوانين، ما يدل على نجاح منقطع النظير، فلماذا تخوض تجربة المسرح؟».
بدوره، يرى الناقد المسرحي أحمد سخسوخ أن الممثل المسرحي الرائد زكي
طليمات وراء ابتعاد سيدة الشاشة العربية عن المسرح، فقد وصفها بأنها تملك
فطرة سليمة وخصبة وتؤدي أدوارها بإحساس عميق يرتسم في أعضاء جسمها مثل آلة
الكمان أو العود، وصوتها ضعيف إنما ثاقب وساخن ينفذ إلى القلب. لكن عليها
التدرّب لتتحكم في علوه، ليصل إلى آخر متفرج، وهو ما يحتاج إليه ممثل
المسرح.
يضيف: «خلال دراستها في «المعهد العالي لفن التمثيل العربي»، الذي أعيد
افتتاحه عام 1944 بعدما أغلقت أبوابه 13 سنة، شاركت فاتن حمامة في أكثر من
مسرحية، من بينها «البخيل» بمشاركة زملائها في الدفعة، ورفضت أكثر من مرة
تقديم مسرحية للجمهور لانشغالها منذ صغرها بتقديم أعمال سينمائية».
يشير سخسوخ إلى أن سيدة الشاشة العربية كرَّست حياتها للسينما. في التاسعة
من عمرها (1940) قدمت كماً من الأفلام في السنة والواحدة، ولمدة أربع سنوات
قبل التحاقها بالمعهد مباشرة، وخلال سنواتها الخمس في المعهد قدمت نحو 23
فيلماً، وهذا الرقم لم يتجاوزه إلا إسماعيل ياسين الذي قدم أكثر من فيلمين
في الشهر.
أداء هادئ
يوضح الناقد الفني نادر عدلي أن فاتن حمامة تميّزت بأداء هادئ وبسيط وصوت
منخفض، وهذه المقومات لا تتناسب مع المسرح الذي يتطلب انفعالات مبالغاً
فيها، نظراً إلى تفاعل الجمهور المباشر مع الفنان.
يضيف أن سيدة الشاشة العربية لم تتلق عروضاً مسرحية مناسبة لها، واعتُبرت
شخصية سينمائية فريدة راقية الأداء، فرغم تعاملها مع الفنان الكبير يوسف
وهبي في أكثر من عمل، إلا أنه لم يطلب منها المشاركة في مسرحية معه.
يتابع: «في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، اتسم أداء الممثلين
بالمبالغة والانفعالات الشديدة على غرار يوسف وهبي وغيره من ممثلي المسرح،
إلا أن فاتن حمامة رفضت هذه الطريقة»، مشيراً إلى إخلاصها للفن السابع
وتجاهلها المسرح، وقد حدث ذلك مع الدراما التلفزيونية ولكن بنسبة أقل».
يسأل: كانت تعشق السينما، وتفوقت على زميلاتها وقدمت أفلاماً باسمها،
فلماذا تذهب إلى المسرح؟ خصوصاً أنها كانت تحتاج إلى تدريب حتى تعتلي خشبته.
فاتن حمامة
كتب الخبر: فوزية
شويش السالم
وضعت اسم فاتن حمامة كعنوان بدون أي إيضاحات تسبقه أو تعقبه، فاسمها وحده
بات علامة جودة تعني قيمة فنية عالية استحقتها بكل جدارة، وباتت علامة
فارقة لأجيال عديدة تربت على فنها الملتزم المحترم الذي أدرك ماهية الفن
وجوهره، ودور الفنان كرمز وأداة تجسد روح الفن وقيمته الأصيلة ودوره المهم
في حياة الناس كإشعاع وبث وتعزيز لثقافة فنية تعلو بالسلوكيات والعادات
لترهفها وتزيدها رقيا ورفعة وعمقا، وهو ما أدركته فاتن حمامة واستشعرته،
وعرفت ماهية دور الفنان به، فعملت على تجسيده بحرفية عالية واتقان يحسب
لها، فمنذ بداياتها الرومانسية التي كانت في أوائل أفلامها وفي عمرها
الصغير حينذاك عملت في أفلام عكست مشاكل وهموم ذاك الوقت الذي كان إيقاع
العصر أبطأ ومشاكله أبسط وأقل تعقيدا، وكانت السمة الرومانسية هي هوية
وطابع الناس في ذاك العصر، لذا عكست أفلام فاتن زمن البساطة والطيبة
بمشاكله التي لا تتعدى خلافات الحب والغرام وهموم الحياة العادية، لكن مع
تطور العصر وتعقد الحياة وزيادة مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
دخلت فاتن مرحلة الفن الناضج الأكثر مسؤولية ووعيا وأكثر تعقيدا وتغلغلا في
مشاكل الناس الحقيقية، فمثلت أفلاما عالجت أوضاع المرأة في "أريد حلا" و"لا
عزاء للسيدات"، وقضايا اجتماعية في أفلام "أفواه وأرانب" و"وجه القمر"
و"ضمير أبله حكمت" وموضوعات مختلفة طرحتها في أفلام بلغ عددها 94 فيلما،
منها 8 ضُمت لقائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ما أهلها لنيل
الجوائز، وعلى قمتها شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية
بالقاهرة، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، وجائزة
المرأة العربية، وأيضا جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتاب والنقاد
المصريين، هذا عدا ميداليات وأوسمة الشرف التي نالتها من قبل جمال
عبدالناصر، والرئيس أنور السادات، وملك المغرب، والرئيس رفيق الحريري.
تاريخ فني غني راق ومحترم، لذا جاء خبر موتها صدمة للناس، ليس لأنها غير
قابلة للفناء، فهي على عكس ذلك عاشت عمرا مديدا، لكن محبة الناس لها لم
تتحمل فكرة فراقها الذي آلم الآلاف من الذين ساروا في جنازتها، ومن الذين
لم يسيروا فيها، والجميع شعروا بألم ووجع حقيقي لرحيلها، وهذا يبين كم كانت
فاتن حمامة قيمة فنية عظيمة بينت للناس كم الفن محترم ومهم في الحياة.
ورغم اعتزالها الفن منذ 15 سنة أو أكثر مازال الجميع يتذكرونها بقوة كأنها
مازالت معهم، لذا جاء حزنهم حقيقيا ومؤثرا وصادرا من مشاعر عاشوها معها في
أغلب مراحل عمرهم في أفلامها، وأنا واحدة من الذين حزنوا عليها بشدة،
فبموتها شعرت كأن مراحل كثيرة من عمري ماتت معها، فكل مشهد أو لقطة من
أفلامها تعني لي زمنا معينا عشته فيها، من الطفولة وحتى الآن وإلى آخر
العمر ستكون فاتن حمامة علامة درب لأجيال وأجيال ستشاركهم حياتهم المعيشة
في أفلامها.
أتذكر حين قابلتها لأول مرة في لندن بمنزل الصديقة ليلى حسين، وقد دُهشت من
رقتها وتواضعها وبساطتها التي تدخل القلب بلا استئذان، تكاد تذوب القلب من
حلاوة روحها ودماثة خلقها الذي ينثر الاحترام لها رغم كل هذه البساطة في
القرب والتعامل الذي يجعل منها سيدة الشاشة بجدارة، فلا غيرها يستحق شرف
هذا اللقب.
فاتن حمامة أيقونة فنية سواء في فنها الغني المتنوع في ثراء مواضيعه أو في
سلوكها وأخلاقها وتعاملها مع الآخرين في مجالها الفني والاجتماعي، فهي قدوة
للرقي والسلوك الأخلاقي السليم الذي دُمر على يد بعض الفنانين الذين عكسوا
واقعا سيئا للحياة الفنية، كما أنها كانت مثالا للأناقة والذوق والجمال،
فعلى مدى عمرها الفني خلقت حالة تخصها وحدها، فبات صوتها الخافت نموذجا
يتبع في السينما والحياة، وكذلك طراز ملابسها ذات الذوق الكلاسيكي يحتذى من
قبل الكثيرات على كل مستوى في المجتمعات، وهذا يبين كم كان تأثيرها بالغا
على جمهورها الذي أحبها بلا حدود.
رحم الله فاتن حمامة الفنانة التي أعادت للفن احترامه وقيمته الفنية، ما
جعلها ملكة عليه وعلى قلوب آلاف الذين شيعوها إلى مقرها الأخير. |