رحلت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة عن عمر يناهز 84 عاما إثر أزمة صحية
مفاجئة. تعد فاتن علامة بارزة في السينما العربية؛ حيث عاصرت عقودًا طويلة
من تطور السينما المصرية وساهمت بشكل كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام
لدور السيدات بصورة عامة في السينما العربية من خلال تمثيلها منذ عام 1940.
اختيرت في عام 1996 في احتفال السينما المصرية بمناسبة مرور 100 عام على
نشاطها كأفضل ممثلة وتم اختيار 18 من أفلامها ضمن 150 فيلمًا من أحسن ما
أنتجته السينما المصرية، وفي عام 1999 تسلمت شهادة الدكتوراه الفخرية من
الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي عام 2000 منحت جائزة نجمة القرن من قبل
منظمة الكتاب والنقاد المصريين، كما منحت وسام الأرز من لبنان ووسام
الكفاءة الفكرية من المغرب والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001.
صاحب عودتها للعمل الفني بعد غياب طويل ضجة إعلامية، حيث شاركت بعام 2000
في المسلسل التليفزيوني وجه القمر الذي عرض على 24 قناة فضائية ومحطة
تليفزيونية عربية والذي انتقدت فيه العديد من السلبيات بالمجتمع المصري من
خلال تجسيدها شخصية مذيعة كبيرة بالتليفزيون وكان في المسلسل تعاطف مع
الانتفاضة الفلسطينية عبر مشاهدة أبطال المسلسل للأحداث على أرض فلسطين إلى
شاشات التليفزيون وتأييدها؟؟؟؟، خصوصًا عبر تعليقات المذيعة ابتسام
البستاني (التي قدمت دورها) حول الانتفاضة وتجار السلاح، وكان سبب الضجة
الإعلامية إقامة مؤلفة العمل ماجدة خير الله دعوى قضائية ضد الشركة المنتجة
للمسلسل بدعوى أن المسلسل أصابه التشويه من كثرة الحذف والإضافة في النص من
قبل بطلته والتي وحسب المؤلفة كانت تتدخل في عمل المخرج سواء باختيار
النجوم أو في عملية المونتاج، ولكن برغم هذه الضجة تم اختيار حمامة أحسن
ممثلة ومسلسل وجه القمر أحسن مسلسل.
وفي عام 2007، اختارت لجنة السينما للمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة
ثمانية من الأفلام التي ظهرت فيها فاتن حمامة فيها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم
في تاريخ السينما المصرية
فاتن بطلة الأفلام الأولى للمخرجين الكبار
ولدت فاتن أحمد حمامة في 27 مايو 1931 في السنبلاوين إحدى مدن الدقهلية في
مصر، وذلك حسب سجلها المدني لكنها وحسب تصريحاتها ولدت في حي عابدين في
القاهرة، وكان والدها موظفا في وزارة التعليم. بدأ ولعها بعالم السينما في
سن مبكرة عندما كانت في السادسة من عمرها عندما أخذها والدها معه لمشاهدة
فيلم في إحدى دور العرض في مدينتها، وكانت الممثلة آسيا داغر تلعب دور
البطولة في الفيلم المعروض، وعندما بدأ جميع من في الصالة بالتصفيق لآسيا
داغر واستنادًا إلى فاتن حمامة فإنها قالت لوالدها إنها تشعر بأن الجميع
يصفقون لها ومنذ ذلك اليوم بدأ ولعها بعالم السينما.
وعندما فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر أرسل والدها صورة لها إلى المخرج
محمد كريم الذي كان يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع الموسيقار محمد
عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد» (1940)، وأصبح المخرج محمد كريم مقتنعا
بموهبة الطفلة فقام بإبرام عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله
السينمائية المستقبلية، وبعد 4 سنوات استدعاها نفس المخرج مرة ثانية
للتمثيل أمام محمد عبدالوهاب في فيلم «رصاصة في القلب» (1944)، ومع فيلمها
الثالث «دنيا» (1946) استطاعت وضع قدم لها في السينما المصرية وانتقلت
العائلة إلى القاهرة تشجيعًا منها للفنانة الناشئة ودخلت «حمامة» المعهد
العالي للتمثيل عام 1946.
لاحظ يوسف وهبي موهبة الفنانة الناشئة وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم
«ملاك الرحمة» (1946)، وبهذا الفيلم دخلت مرحلة جديدة في حياتها وهي
الميلودراما وكان عمرها آنذاك 15 سنة فقط وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين
بها. واشتركت مرة أخرى في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي في فيلم «كرسي
الاعتراف» (1949)، وفي نفس السنة قامت بدور البطولة في الفيلمين
«اليتيمتين» و«ست البيت» (1949)، وحققت هذه الأفلام نجاحا عاليا على صعيد
شباك التذاكر.
كانت الخمسينيات بداية ما سمي العصر الذهبي للسينما المصرية، وكان التوجه
العام في ذلك الوقت نحو الواقعية، خاصة على يد المخرج صلاح أبوسيف. قامت
بدور البطولة في فيلم «لك يوم يا ظالم» (1952) الذي اعتبر من أوائل الأفلام
الواقعية واشترك هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي. وكذلك اشتركت في أول
فيلم للمخرج يوسف شاهين «بابا أمين» (1950) ثم في فيلم صراع في الوادي
(1954) الذي كان منافسا رئيسيا في مهرجان كان السينمائي. كذلك اشتركت في
أول فيلم للمخرج كمال الشيخ «المنزل رقم 13» الذي يعتبر من أوائل أفلام
اللغز أو الغموض. في عام 1963 حصلت على جائزة أحسن ممثلة في الفيلم السياسي
«لا وقت للحب» (1963).
3 زيجات والممثلة الأغلى أجرا
في عام 1947 تزوجت من المخرج عزالدين ذوالفقار أثناء تصوير فيلم أبوزيد
الهلالي (1947)، وأسسا معًا شركة إنتاج سينمائية قامت بإنتاج فيلم موعد مع
الحياة (1954) (وكان هذا الفيلم سبب إطلاق النقاد لقب سيدة الشاشة العربية
عليها). وظلّت منذ ذلك اليوم وحتى آخر أعمالها وجه القمر (2000) صاحبة أعلى
أجر على صعيد الفنانات. انتهت العلاقة مع ذو الفقار بالطلاق عام 1954
وتزوجت عام 1955 من الفنان عمر الشريف.
ترجع قصة لقائها بالشريف إلى اعتراضها على مشاركة شكري سرحان البطولة معها
في فيلم يوسف شاهين «صراع في الوادي» وقام شاهين بعرض الدور على صديقه
وزميل دراسته عمر الشريف، حيث كان الشريف زميل دراسته بكلية فيكتوريا
بالإسكندرية، وكان عمر الشريف في ذلك الوقت قد تخرج في الكلية ويعمل في
شركات والده بتجارة الخشب فوافقت على الممثل الشاب، وأثناء تصوير هذا
الفيلم حدث الطلاق بينها وبين زوجها عز الدين ذو الفقار. كانت مشهورة
برفضها أي مشهد أو لقطة فيها قبلة ولكن سيناريو الفيلم «صراع في الوادي»
كان يحتوي على قبلة بين البطلين، ووسط دهشة الجميع وافقت على اللقطة. بعد
الفيلم أشهر عمر الشريف إسلامه وتزوج منها واستمر زواجهما إلى عام 1974.
استنادا إليها في إحدى المقابلات الصحفية فإن علاقتها بذو الفقار تدهورت
لأنها اكتشفت أن علاقتها معه كانت علاقة تلميذة مبهورة بحب الفن وانجذبت
لأستاذ كبير يكبرها بأعوام عديدة، وكانت سعيدة مع الشريف وكانت تعيش في حلم
لا تريده أن ينتهي، ولكن الشائعات من جهة وكونها، وعلى لسانها، كانت «شديدة
الغيرة عليه» استحال استمرار الزواج وارتبطت بعده بالدكتور محمد عبدالوهاب
أستاذ الأشعة بالقصر العيني.
أفلامها دافعت عن المرأة وغيرت قوانين الأحوال الشخصية
عندما بدأت مشوارها في السينما المصرية كان النمط السائد للتعبير عن
الشخصية النسائية للمرأة المصرية في الأفلام يسير على وتيرة واحدة، حيث
كانت المرأة في أفلام ذلك الوقت إما برجوازية غير واقعية تمضي معظم وقتها
في نوادي الطبقات الراقية، وكانت إما تطارد الرجال أو بالعكس، وأيضا كانت
هناك نزعة نحو تمثيل المرأة كسلعة جسدية لإضافة طابع الإغراء لأفلام ذلك
الوقت، وكانت معظم الممثلات في ذلك الوقت يُجدن الغناء أو الرقص.
قبل مرحلة الخمسينيات ظهرت في 30 فيلما، وكان المخرجون يسندون لها دور
الفتاة المسكينة البريئة، ولكن كل هذا تغير مع بداية الخمسينيات. حيث بدأت
في الخمسينيات ونتيجة التوجه العام في السينما المصرية نحو الواقعية بتجسيد
شخصيات أقرب إلى الواقع؛ ففي فيلم «صراع في الوادي» (1954) جسدت شخصية
مختلفة لابنة الباشا فلم تكن تلك الابنة السطحية لرجل ثري وإنما كانت
متعاطفة مع الفقراء والمسحوقين وقامت بمساندتهم، وفي فيلم «الأستاذة فاطمة»
(1952) مثلت دور طالبة في كلية الحقوق من عائلة متوسطة وكانت تؤمن بأن
للنساء دورًا يوازي دور الرجال في المجتمع، وفي فيلم «إمبراطورية ميم»
(1972) مثلت دور الأم التي كانت مسؤولة عن عائلتها في ظل غياب الأب، وفي
فيلم «أريد حلا» (1975) جسدت دور امرأة معاصرة تحاول أن يعاملها القانون
بالمساواة مع الرجل؛ وبسبب هذا الفيلم تم تغيير قوانين الأحوال الشخصية،
وفي عام 1988 قدمت مع المخرج خيري بشارة فيلم «يوم مر.. يوم حلو» ولعبت فيه
دور أرملة في عصر الانفتاح والمبادئ المتقلبة، وتحمل هذه الأرملة أعباء
ثقيلة جدا دون أن تشكو وكلها أمل بالوصول إلى يوم حلو لتمسح ذاكرة اليوم
المر.
ويرى معظم النقاد أنها وصلت إلى مرحلة النضج الفني مع فيلم «دعاء الكروان»
(1959) هذا الفيلم الذي اختير واحدا من أحسن ما أنتجته السينما المصرية
وكان مستندا على رواية لعميد الأدب العربي طه حسين، وكانت الشخصية التي
قامت بتجسيدها معقدة جدًا من الناحية النفسية، ومن هذا الفيلم بدأت بانتقاء
أدوارها بعناية، فتلا هذا الفيلم فيلم «نهر الحب» (1960) الذي كان مستندًا
على رواية ليو تولستوي الشهيرة «آنا كارنينا» وفيلم «لا تطفئ الشمس» (1961)
عن رواية إحسان عبدالقدوس، وفيلم «لا وقت للحب» (1963) عن رواية يوسف
إدريس.
نجمة الجوائز
·
حصلت الراحلة على جوائز عديدة في مقدمتها
·
شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1999
·
جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتاب والنقاد المصريين عام 2000
·
وسام الأرز من لبنان (1953 & 2001)
·
وسام الكفاءة الفكرية من المغرب
·
الجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001
·
ميدالية الشرف من قبل جمال عبدالناصر
·
ميدالية الشرف من قبل محمد أنور السادات
·
ميدالية الاستحقاق من ملك المغرب الحسن الثاني بن محمد
·
ميدالية الشرف من قبل إميل لحود
·
وسام المرأة العربية من قبل رفيق الحريري
·
عضوة في لجنة التحكيم في مهرجانات موسكو وكان والقاهرة والمغرب والبندقية
وطهران والإسكندرية وجاكرتا.
·
شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 2013
الجولف وكرة القدم وفاتن حمامة
ياسر أيوب
«أصبحت أنت رمزا لكل ما أحبه فى وطنى.. وعندما أفكر فى مصر أفكر فيك..
وعندما أحن إلى مصر أحن إليك.. وأنا أحبك وأريد منك أن تحبينى لا أن تفنى
كيانك فى كيانى أو كيان أى إنسان.. لا أريد لك أن تستمدى ثقتك فى نفسك وفى
الحياة منى أو من أى إنسان».. كانت تلك السطور هى بعض ما قاله صالح سليم
لفاتن حمامة فى خطاب أرسله لها فى فيلم الباب المفتوح الذى قام الاثنان
ببطولته عام 1963..
فى هذا الفيلم كانت قصة الحب بين ليلى وحسين، وحين سافر حسين خارج مصر أرسل
إلى ليلى هذا الخطاب الذى أصبح من أشهر وأرق خطابات السينما المصرية.. وإذا
كان النجمان الكبيران قد عاشا على الشاشة فى هذا الفيلم قصة الحب الرقيقة..
فإن الذى جمع بينهما فى الحياة كان صداقة الود والتقدير والاحترام.. ولم
يكن صالح سليم فقط الذى اختص فاتن حمامة بكل هذا الاحترام.. فالفنانة
الكبيرة والقديرة تحولت سنة وراء أخرى على الشاشة المصرية وفى الواقع
والحياة إلى رمز للاحترام والشموخ والكبرياء.. وربما كان هذا هو سر الصداقة
الخاصة جدا التى جمعت بين صالح سليم وفاتن حمامة.. فالاثنان تعلم منهما
الجميع أنه ليس من الضرورى لتنجح أن تتنازل عن مبادئك واحترامك لنفسك..
وأنه لا داع أو ضرورة لأى نجاح يحققه الإنسان إن كان ثمن النجاح هو أن يخسر
هذا الإنسان نفسه..
وهكذا كانت فاتن حمامة فنانة أبدا لم تتنازل ولم يدفعها أى شىء أو أى أحد
للتضحية بوقارها وكبريائها واحترامها لنفسها.. فكان المقابل أن وضعها
الجميع فى مكانة خاصة كفنانة وإنسانة أيضا.. وإذا كانت فاتن حمامة وستبقى
هى النجمة الكبيرة جدا والراقية جدا التى لن تنساها مصر والسينما المصرية..
فإن الرياضة المصرية أيضا لن تنسى فاتن حمامة التى أدخلت كاميرا السينما
المصرية للنادى الأهلى عام 1956 لتصوير فيلم القلب له أحكام الذى قامت
ببطولته أمام النجم الكبير أحمد رمزى الذى كان فى الفيلم أحد لاعبى الأهلى،
أحبته فاتن حمامة ابنة بولاق التى انتصرت بغرامها على كل الحواجز والأسوار
العالية الفاصلة بين بولاق والزمالك..
وكانت فاتن حمامة أيضا هى التى أعادت صالح سليم للتمثيل من جديد بعد فيلمى
السبع بنات والشموع السوداء حين طلبت منه الوقوف أمامها فى فيلم الباب
المفتوح.. وليس صحيحا ما يردده البعض عن اعتزال صالح للتمثيل بسبب عدم رضاء
الجمهور عن أدائه أمام سيدة الشاشة العربية.. ففاتن كانت الصديقة العزيزة
جدا والغالية أيضا والقريبة من صالح سليم وزوجته الرائعة والرقيقة زينب
لطفى.. وحين وقع خلاف بين صالح وفاتن بسبب بعض الشائعات والأكاذيب صالحت
«فاتن» صالح بطريقتها السينمائية فاختارت هشام صالح سليم ليقف أمامها كأحد
أولادها فى فيلم إمبراطورية ميم.. وبعيدا عن كرة القدم تحدثت فاتن لمجلة
الموعد عام 1971 عن حبها لممارسة لعبة الجولف.. أما فاتن نفسها فستبقى مصر
كلها تحترمها وتحبها أيضا. |