28
مخرجًا يجسون نبض العالم فى مهرجان گان
حوار: خالد محمود
فى مهرجان كان السينمائى تبقى شهادات 28 مخرجا يجسون نبض العالم
بأسره، ونبض الذين يحيطون بهم عبر افلامهم وأفكارهم، سيجعلونك
تسافر معهم إلى اوطانهم تبحر فى قضاياها السياسية والاجتماعية
والانسانية معاصرة كانت أو قديمة.. فبين البكاء على الماضى او
استلهام المستقبل مسافة بسيطة. من هؤلاء المخرجين الذين يقومون
بالمهمة الكبير جان لوك جودار، الذى نستطيع ان نطلق عليه اليوم
عميد المخرجين، ومعه الاخوان داردين، تومى لى جونز، وكين لوتش،
وكزافييه دولان، وسيساكو ،ومايك لى.
بدأ اليوم الثانى من المهرجان بعرض فيلم مايك لى «السيد تورنر»،
واعقبه مؤتمر صحفى حضره من اسرة العمل تيموتى سبال والممثلة دوروثى
أتكنسن وماريون بايلى ومدير التصوير ديك بوب والمنتجة جورجينا لوى.
وقال مايك لى عن حياة تيرنر: «كان رساما كبيرا ورائعا. أدركت أنه
كان من الممكن الاستلهام من حياة هذا الرجل الرائع بشتى الطرق. يجب
أن يشعر المخرج بشىء من التفهم إزاء موضوعه. كانت حياة تورنر عسيرة
ومما لا شك فيه أنى أشعر بهذا التفهم».
وعن الدقة التاريخية للفيلم قال مايك «سبق لى أن عملت فى فيلم جرت
أحداثه فى حقبة فيكتوريا. كان من مسئوليتى أن أنشئ حقيقة تاريخية،
ولكن كانت هناك أيضا الحاجة إلى ابتكار شخصية للفيلم، وعليه، فقد
بحثنا واطلعنا على وثائق رائعة ولم يكن هناك حينئذ أى سيناريو، كما
تجرى العادة!».
تحدث تيموتى سبال عن تحضيره للشخصية «من أجل تفادى أية تفاهة على
الشاشة، خصصت وقتا طويلا ـ سنتان لكى أتعلم الرسم. عكفت علاقته مع
أمه التى تركت جراحا فى قلبه وكان نفسيا مضطربا بالكامل، وعلى وجه
الخصوص مع النساء».
دموع سيساكو بين إعجاب النقاد والخوف من الجهاديين
من جديد يعود المخرج الموريتانى عبدالرحمن سيساكو ليدلى بشهادته عن
الصراع الصامت للرجال والنساء العزل، فى قضية راهنة تخص صراع
الشمال المالى، وسياسكو قادر على إحداث مفاجأة خاصة بمعالجته تأثير
حكم الجماعات المتطرفة فى مالى والإرهاب الذى يمارسه رجال قادمون
من مكان آخر.
ففى فيلم «تمبتكو» الذى يعد أداةٌ للتنديد بالواقع، نرى كيف أصبحت
المدينة المالية تحت سيطرة المتطرفين الدينيين، ويعانى سكانها
يوميا من جرائم الجهاديين «أكثر من نصف البلد تحت احتلال هؤلاء
الرجال القادمين من مكان آخر» كما تجرى العادة، النساء هن الأوائل
اللواتى يقاسين هذه الظروف. إذ يسرد عبدالرحمن سيساكو قصة كيدان
وفاطمة وبنتهما توبا وقصة إسان وهو راعيهما الصغير، حيث يثور ضد
الرعب السائد فى منطقة الصحراء هذه ، والتى لا تحظى باهتمام وسائل
الإعلام فى الغرب، صور الفيلم فى شرق موريتانيا، بالقرب من الحدود
المالية وتحت المراقبة العسكرية. ورغم أن حظوظ الفيلم الموريتانى
«تمبوكتو» فى الفوز بالسعفة الذهبية تبدو ضعيفة، بالنظر للمنافسة
القوية على السعفة الذهبية، إلا ان الفيلم الذى يعالج تأثير حكم
الجماعات المتطرفة فى مالى، قادر على إحداث مفاجأة خاصة، بعدما
أشاد نقاد ونجوم مهرجان «كان» السينمائى بشجاعة سيساكو، الذى
يتناول فى فيلمه موضوع التطرف الدينى الذى يجتاح دول الساحل
الإفريقى، ويقدم مدينة «تمبكتو»، المعروفة بتاريخها الثقافى
وانفتاحها على العالم فنيا وثقافيا، ضحية للعنف الذى تمارسه
القاعدة فى المدن والقرى الإفريقية التى قامت بغزوها وأعلنتها دول
إسلامية تحكمها بقوة السلاح والسوط وبفتاوى بعيدة عن تقاليد وأعراف
إفريقيا.
ففى الفيلم، يواجه إمام جامع تمبكتو، الذى يمثل الإسلام المعتدل،
التطرف ببدء حوار مع مجموعة تمثل القاعدة حول مفاهيم الإسلام،
وفتاوى زواج القاصرات بالقوة، ومنع الموسيقى، وتحريم عمل المرأة
وغيرها. ويسألهم إمام الجامع: من أرسلكم لتطبيق هذه القوانين
البعيدة عن الإسلام؟ ولماذا تحرمون كل شىء حتى لعبة كرة القدم
لشباب المدينة؟ وهنا يترك أعضاء القاعدة الجامع، ويطالبون الإمام
بالطاعة وتطبيق الشريعة الإسلامية دون تقديم إجابات عن تساؤلاته.
وفى تحدٍ لعناصر القاعدة، يقيم شباب القرية مباراة لكرة القدم ولكن
دون كرة فى الملعب، ويجرون وراء كرة افتراضية، وتتعالى صيحاتهم.
ويضع الموقف الغريب عناصر القاعدة فى حيرة، فيتركون الشباب يلهون
بالكرة الافتراضية، الفيلم ملىء بالكوميديا السوداء وهو ما يتجلى
ايضا فى مشهد مثل تعذيب المغنية التى حكمت عليها محكمة جهادية
بالجلد 22 جلدة، واستمرت فى الغناء أثناء تنفيذ العقوبة، ثم تنهار
وتترك فى العراء.
وفى المؤتمر الصحفى صفق الجمهور بشدة بعدما انجرف المخرج
الموريتانى فى البكاء مغلوبا بالعديد من المشاعر، ولم يخف قلقه من
أن التطرف يتوسع، ومحاربته مسئولية دولية وقال: فيلمى يتحدث عن رجم
شخصين فى قرية صغيرة بدولة مالى، وأهمية الموضوع تكمن ليس فقط فى
حدوث هذا الشىء ولكن أيضا فى أن لا أحد تحدث عنه، وشدد المخرج على
أن العالم أصبح غير مبالٍ بالرعب.
وتحدث المخرج سيساكو عن الجانب الانسانى فى الجهاديين، حيث قال
«هناك جانب معقد لكل إنسان، حيث يوجد الخير والشر، فالجهادى هو شخص
مثلنا تماما ولكن الفارق أن حياته تغيرت بشكل جذرى ودرامى، فالشخص
الذى يسىء إلى غيره ربما يمتلك شكوكا فى هذه الاساءات، وهذا ما
يجعلنى أعتقد أن لديه جانبا انسانيا فى شخصيته.
وعن اختيار فيلمه فى المسابقة قال: لا توجد أى أسباب سياسية أو
توجهات متطرفة ضد الإسلام أو المسلمين لاختيار الفيلم للعرض فى
المسابقة الرسمية، مشيرا إلى أن هناك توجها حقيقيا من أجل تقديم
الوجه الحقيقى للدين الإسلامى الحنيف والقبول بالآخر.
وقال سيساكو إن ظروفا صعبة مرت بفترة تصوير الفيلم وتزامنت مع
الحملة الدولية لمطارة المتشددين الإسلامين فى مالى على وجه
الخصوص، حيث تم تصوير أحداث الفيلم الذى تطلب قرابة أربعة أعوام من
الإعداد والتحضير والإنتاج، مشيرا إلى أن الفترة الأولى للتصوير
أحيطت بالسرية التامة.
وحول واقع حال السينما فى موريتانيا، قال سيساكو إن السينما فى
العالم العربى والدول الإفريقية بوجه عام تمر بظروف إنتاجية غاية
فى الصعوبة، ملمحا إلى ضرورة السعى إلى إنتاج سينمائى مشترك مع عدد
من القطاعات الإنتاجية الأوروبية، والفرنسية على وجه الخصوص.
فيلم جرىء لمخرج يعترف أنه كان جبانا
جاء فيلم المخرج السورى اسامة محمد المقيم فى المنفى «مياه فضية..
صورة ذاتية لسوريا» الذى عرض فى قسم «نظرم ما» ليعيد بشكل وثائقى،
الواقع المأساوى للمجتمع السورى، الذى اصبح يشكل حالة انسانية
صعبة، فى المشاهد الاولى يصدم العمل مشاهديه برجل عجوز يتحول فجأة
شعره الفضى إلى لون أحمر دموى، وبالتتالى نعرف ان الرجل أصيب بطلق
نارى فى رأسه ليسقط ضحية جديدة فى الحرب الاهلية الدائرة فى سوريا
منذ أكثر من ثلاث سنوات والتى أودت بأرواح أكثر من 150 الف ضحية.
هذا المشهد وغيره طوال العرض بدا وان المخرج استخدم فيه كاميرا
حائرة ومرتعشة، وكأن المصير سيظل حائرة لزمن طويل دون ان يعرف
الاستقرار، فناك صور أخرى قاسية للغاية لا حصر لها من الصراع وتكشف
حجم الدمار الواقع فى سوريا وعن شعبه الحاصر من اطراف عديدة، تشكل
نسيج الفيلم لمخرجه الذى ترك بلاده فى مايو عام 2011 وسافر إلى
العاصمة الفرنسية باريس خوفا على سلامته الشخصية حسبما ذكر هو.
ففى خلفية الفيلم الذى يؤكد قوة تأثير توثيق ما يحدث نسمع اسامة
محمد يقول بصوته «منذ ان تركت سوريا أصبحت جبانا». فقد كان هناك
شعور بالذنب لدى صاحب بعد ان ترك أهله وأقرانه فى وقت الشدة حين
بدأت الاحتجاجات السلمية تتطور إلى حرب أهلية، وبدا اسامة يجمع
اللقطات من موقع يوتيوب ليتابع ولو عن بعد ما يحدث فى بلاده. ومن
مشاهد حية للقتل والحرب والتعذيب التى تشنها ايضا قوات المعارض
بجانب قوات النضام سواء لبشر أو حيوانات مثل تلك التى صورتها فتاة
كردية تدعى وئام سيماف فى حمص لمدينتها التى تتحول امام عينيها إلى
حطام صاغ فيلمه.
الفيلم الذى حظى باستقبال حافل فى المهرجان نجح فى استحضار المأساة
كعمل مؤثر يؤرخ بواسطة الصور والمقاطع المنشورة على الإنترنت لهذا
الوضع الدائر فى ظل لا مبالاة المجتمع الدولى.
وقال المخرج إن هذا العمل شكل لديه بحثا طويلا وشاقا وأتاح له فهم
ما يجرى فى بلده. وقد ضم العمل مشاهد لتظاهرة حاشدة، يهتف فيها
المشاركون «حرية»، قبل أن تطلق عليهم قوات الأمن الرصاص الحى
لتفريقهم. ثم يبدو شاب وهو يصرخ بعبارات معادية للنظام ودموعه فى
عينيه فوق جثة والده.
كذلك، طفل فى السادسة من العمر يلتفت يمينا ويسارا حذرا من رصاص
القناصة، قبل أن يعبر الشارع راكضا، ورجال يحتمون وراء جدار
ويحاولون سحب جثث اهاليهم، وجنود نظاميون يعذبون معتقلين بقسوة،
ويمثلون بجثث القتلى، وهى مقاطع التقطها جنود نظاميون بهواتفهم وتم
تسريبها إلى ناشطى المعارضة.
ويبقى تساؤل اسامة محمد وهو يسعى لتعبئة المجتمع الدولى لما يحدث
فى سوريا: هل علينا ان ننتظر جنين العنف كى يكبر لنصرخ من الخطر؟ |