السينمائيات ينتفضن ضد هيمنة الذكورة في مهرجان كان
العرب/ عدنان حسين أحمد / كان (فرنسا)
مخرجات وممثلات يتهمن صناع السينما بالتحيّز للجنس الرجالي، مؤكدات
أنها لا تزال معقلا للذكور، وأن النساء مستبعدات ولا يحصلن على
حصتهن في التمثيل.
حضور نسائي قوي في لجنة تحكيم الدورة السابعة والستين لمهرجان
“كان” خلال هذا العام حيث بلغ عددهن خمس عضوات وهن جين كامبيون،
كارول بوكيه، صوفيا كوبولا، ليلى حاتمي، ودو- يوان جوان، كذلك نجد
فيلمين مذيّلين بتوقيع مخرجتين معروفتين، وهما نيومي كاواسي وأليس
روفاخر اللتين اشتركتا في المسابقة الرسمية.
رغم كل هذا الحضور النسائي القوي لـ”كان” هذا العام إلا أن المخرجة
والمنتجة النيوزلندية جين كامبيون لا تزال تشكو من نقص حضور
المخرجات في المسابقات الرسمية، وفي بقية محاور المهرجان الرئيسية
مثل: “نظرة ما” و”عروض خاصة” و”أفلام قصيرة” وما إلى ذلك من برامج
أساسية يرتكز عليها المهرجان، وترى كامبيون في هذا النقص الفادح
افتقارا إلى المناخ الديمقراطي الذي يجب أن يساوي بين التمثيل
الرجالي والنسائي على حد سواء.
وقد صرّحت كامبيون لصحيفة “الغارديان” في 14 مايو الجاري بأن
“الصناعة السينمائية لا تزال تُبعد النساء خارج المشهد”. كما صرّحت
للصحفيين ونقاد السينما في المؤتمر الصحفي الذي عُقد قبيل فيلم
الافتتاح: بـ”أن هناك تحيّزا جنسانيا في الصناعة السينمائية التي
تعتقد أنها تستبعد النساء وأنهن لا يحصلن على حصتهن في التمثيل”.
وقبل عامين نشرت صحيفة “لوموند” رسالة مفتوحة وموقعة من قبل مخرجات
وممثلات يتهمن القائمين على صناعة السينما بأنهم يكيلون بمكيالين.
ولعل أهم ما ورد في هذه الرسالة: “إن النساء في مهرجان “كان”
يعرضنَ صدورهن، بينما يعرض الرجال أفلامهم”.
وفي هذا الصدد ذكرت جين روسكو، مديرة مدرسة الفيلم بلندن “بأن
صناعة السينما يهيمن عليها الرجال”، وأنها لا تزال معقلا للذكور
على الرغم من بعض التقدم الذي أحرزته المرأة في هذا المضمار، ولكن
لا يزال هناك العديد من الثغرات في هذه الصناعة التي تُمثل فيها
المرأة تمثيلا ناقصا، ولم يعد وجودهن، الذي يفتخرن به، على
الملصقات كافيا.
ربما يكون الشيء اللافت للانتباه في مهرجان “كان” لهذا العام هو
هيمنة الأفلام التي تعتمد على دراسة “الشخصية” أو على السير
الشخصية بشكل أوسع.
ففي فيلم “غريس أميرة موناكو” الذي عدّه الكثير من النقاد
الأوروبيين بأنه دراسة لشخصية “غريس كيلي” التي أصبحت لاحقا أميرة
موناكو بعد اقترانها بالأمير رينيه الثالث. وقد حاول المخرج
أوليفيه داهان، وبطلة الفيلم النجمة الأسترالية المشهورة نيكول
كيدمان أن يثبتا بالأدلة القاطعة بأن هذا الفيلم هو “دراسة شخصية”،
أكثر منه فيلم سيرة ذاتية لأميرة موناكو.
فشخصية “غريس كيلي”، النجمة الهوليوودية ذائعة الصيت قد أصبحت
أنموذجا معقدا للشخصية الإنسانية التي تتنازعها الرغبة في تحقيق
الذات والاستمرار في عملها السينمائي وبين الالتزام بمنظومة القيم
والأعراف، التي يفرضها واقعها الجديد بوصفها أميرة لموناكو والتي
أصبحت بعد مدة من الزمن أما لثلاثة أطفال، يتوجب عليها أن تربيهم
التربية المثالية التي تليق بأسرة مالكة.
لا يخرج فيلم “ونتر سليـﭖ” للمخرج التركي نوري بلكَه جيلان عن إطار
دراسة الشخصية أيضا، حيث يجسّد آيدن “هالوك بلجينير” شخصية ممثل
متقاعد، ميسور الحال يحلم بأن يتحكم في مصائر الناس، ويتلاعب
بمقدراتهم أيضا.
لقد اختار جيلان بذكاء ملحوظ المكان الذي تدور فيه أحداث قصته
السينمائية “نوم شتوي” أو “سُبات”.
لقد اختار “كبادوكيا”، المنطقة التي تقع في إقليم الأناضول، وهي
منطقة جبلية مثلجة ووعرة من جهة، وأثرية من جهة أخرى، حيث صوّر
فيها لمدة شهرين بالتمام والكمال، قبل أن يقضي أربعة أسابيع أخرى
وهو يصور أحداثا أخرى داخل الأستوديو بكاميرا (SonyF65)
ذات المواصفات الخاصة.
يمتلك آيدن فندقا مريحا في هذه المنطقة التي يعيش فيها هو وعائلته،
كما يمتلك بيوتا ومشاريع تجارية أخرى أسند إدارتها إلى عدد من
وكلائه الذين لا يتورّعون في ضرب المستأجرين الذين لا يفون
بالتزاماتهم، الأمر الذي أثار حفيظة الناس وأوغر صدورهم بالحقد
الدفين عليه، ليصل الأمر إلى أن يضرب أحد الأطفال سيارته بحجر، ثم
تعتذر إليه الأسرة برمتها.
إن ما يهمنا أكثر هو حياته الأسرية التي تسلّط الضوء على الجوانب
النفسية لشخصيته المعقدة فأخته “ديميت آكبا” تنتقد عموده الأسبوعي،
ولا تجد غضاضة في التعبير عن امتعاضها منه.
كما أن زوجته الشابة “ميليسا سوزن” التي تعمل في منظمة خيرية تفكر
في الطلاق من هذا “الفنان المتقاعد”، حينما تقطع الشك باليقين على
أنه “شخص لا يُحتمل”، فهو “أناني وحقود ويتهكم على الآخرين”.
أما الفيلم الثالث فهو “مستر تيرنر” للمخرج البريطاني مايك لي الذي
صنع فيلما إشكاليا يتمحور على شخصية جي. أم. دبليو تيرنر، الذي كان
منشغلا بالرسم طوال حياته، حيث أصبح الفن هاجسه الأول والأخير.
لقد اختار “لي” شخصية فنية قلقة أثارت اهتمام النقاد الفنيين على
وجه التحديد. لم يكن تيرنر شخصية فنية عابرة، بل هو واحد من أبرز
أساتذة الرسم بالألوان المائية، كما كان يُعرف بـ”رسّام الضوء”.
وقد نجح “لي” في رصد أهم العلامات الفارقة في حياته الشخصية
والفنية في آن معا. |