رئيس مجلس الوزراء قرر منع عرضه وإعادته للرقابة
فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبي يثير
أزمة بين الحكومة والسينمائيين في مصر
القاهرة: عبد الستار حتيتة
أثار قرار الحكومة المصرية بوقف عرض فيلم «حلاوة روح»، بطولة
الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، من دور العرض السينمائي في البلاد،
الليلة قبل الماضية، استياء سينمائيين ونقاد. وقال مصدر في الحكومة
لـ«الشرق الأوسط» إن السبب وجود «مشاهد وألفاظ خادشة للحياء» في
الفيلم المخصص «للكبار فقط»، لكن عددا من المخرجين والنقاد
السينمائيين عبروا عن خشيتهم من أن يكون قرار الحكومة مقدمة
لمصادرة أعمال فنية أخرى.
وقال الناقد السينمائي شريف عوض، لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئت بتدخل
رئيس الوزراء لمنع فيلم، ونحن كلنا، كنقاد، ومع احترامنا لأطراف
العمل في الفيلم، ومن بينهم أصدقاء لنا، إلا أن هذا لا يمنع من أن
نزن الفيلم وننظر إليه بموازين فينة. الفيلم فيه ابتذال، وموضوعه
بعيد عن المجتمع المصري، وهو مقتبس من أحد الأفلام الأجنبية، وروحه
غير مصرية بالمرة، على الرغم من أن أحداثه تدور في حارة مصرية».
وأصدر المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء قرارا بوقف عرض
الفيلم الليلة قبل الماضية، بعد أن أثار في أيام عرضه الأولى، منذ
أواخر الأسبوع الماضي، ضجة واسعة في البلاد. وتضمن القرار «إعادة
عرض الفيلم على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية».
وتدور قصة فيلم «حلاوة روح» في إطار حارة شعبية بمصر عن امرأة
اسمها «روح»، وتجسد دورها الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي.
وتدور حبكة الفيلم حول طمع أهل إحدى الحواري المصرية في جسد زوجة
شابة، بعد سفر زوجها للخارج. وتواجه هذه المرأة الوحدة بسبب غياب
زوجها عنها وأسفاره الكثيرة، فتقرر تعويض هذه المشكلة من خلال
علاقات مع أطراف أخرى في المجتمع، لكن المشكلة التي أثارها الفيلم
تتمحور حول استخدام العديد من الألفاظ التي يرى البعض أنها «خادشة
للحياء العام»، خاصة تلك الكلمات التي ترد على لسان مراهقين وأطفال.
وقال رئيس جهاز الرقابة بالمصنفات الفنية، أحمد عوض، إن الفيلم
يتضمن ألفاظا ومشاهد مثيرة للغرائز.
وتسببت المشاهد التي تظهر وتتردد فيها صور وألفاظ «ذات إيحاءات»،
في تأجيل عرض «حلاوة روح» عدة مرات، بسبب كثرة المراجعات التي كانت
تقوم بها هيئة الرقابة على المصنفات. ومع الأيام الأولى لعرض
الفيلم، شهد إقبالا كبيرا من المشاهدين المصريين، واصطفت طوابير
طويلة أمام دور السينما في محاولة للحصول على تذكرة دخول، إلا أن
عدة جهات، من بينها شخصيات في المجلس القومي للطفل، احتجت لدى
الحكومة، «بسبب شخصية طفل لم يبلغ سن المراهقة يؤدي دورا يتضمن
إيحاءات لا يمكن أن تكون واقعية أو تعكس أي جانب فني أو جمالي»،
وفقا للمصدر الحكومي الذي شاهد مقاطع من الفيلم، يوم أول من أمس.
ويتولى جهاز الرقابة في مصر إجازة العروض العامة للأفلام على
مرحلتين؛ الأولى بالسماح بالتصوير بعد قراءة السيناريو والحوار،
والثانية السماح بالعرض في دور العرض السينمائي، بعد الانتهاء من
تصوير الفيلم.
ومن جانبه، قال مسؤول في هيئة الرقابة على المصنفات لـ«الشرق
الأوسط» إن الهيئة راجعت أهم مشهدين تكررت فيهما صور وكلمات «غير
مقبولة ولا مبرر لها في سياق الفيلم، وهما مشهد الاغتصاب للشخصية
المحورية في الفيلم، التي قامت بأدائها الفنانة هيفاء وهبي مع
الفنان محمد لطفي، ومشهد القبلات الساخنة في الفيلم بين الشخصية
المحورية (روح) والفنان باسم سمرة».
وسبق لمخرج الفيلم، سامح عبد العزيز، وهو مصري، إخراج فيلمين
سابقين حظيا باهتمام النقاد وعكسا أسلوبا جديدا في تناول شخصيات
الحواري المصرية التي تتسم بالفقر والتهميش والبحث عن الخلاص، وهما
فيلما «كباريه» و«الفرح»، لكن «حلاوة روح» واجه سيلا من النقد في
العديد من مقالات المتخصصين في السينما وغير المتخصصين فيها. وكتب
الناقد محمود عبد الشكور، مقالا وصف فيه الفيلم بأنه «عمل
ميلودرامي من الدرجة الرابعة لا يحدث فيه شيء سوى تفرغ حارة
بأكملها لمطاردة امرأة طمعا في جسدها.. فيلم يفتقد الحد الأدنى من
الإبداع».
وشارك هيفاء وهبي في فيلم «حلاوة روح» نجم الأغنية الشعبية المصري
حكيم بغناء أغنية الفيلم، فضلا عن قيام هيفاء وهبي خلال أحداث
الفيلم بتخيل حكيم وهي ترقص أمامه أثناء غنائه. وأكد حكيم سعادته
للمشاركة في هذا الفيلم، وأن أغنيته في الفيلم «أحدثت صدى قويا».
وعلى الرغم من قول منتجه، محمد السبكي، إن أحدا لم يخطره بوقف عرض
فيلمه المثير للجدل، فإن عددا من دور العرض السينمائي قامت بالفعل
برفع إعلانات الفيلم عن واجهاتها، انتظارا لما سيسفر عنه النزاع
بين الحكومة والمسؤولين عن صناعة السينما في البلاد، وهيئة الرقابة
على المصنفات الفنية التي تقرر أن يعاد الفيلم لعرضه عليها من جديد.
وقال مدير إحدى سينمات مدينة السادس من أكتوبر، صباح أمس، إن
الإدارة قررت «رفع أفيشات (صور إعلانات) الفيلم من على واجهة
السينما، بناء على تعليمات الحكومة». وبينما أعلن السبكي أن أحدا
لم يبلغه بقرار وقف عرض الفيلم (حتى أمس)، وأنه لهذا السبب لن يتخذ
أي رد فعل إلا بعد إبلاغه بالقرار الحكومي رسميا.
ويعود الناقد شريف عوض للتعليق قائلا إن شخصية «روح» بعيدة كل
البعد عن بنت الحارة المصرية، لكن النقطة اللافتة للانتباه هي أن
الفيلم جسد شخصية الطفل الذي يقع في حب فتاة أكبر منه، على الرغم
من أن هذا الطفل لم يدخل في سن البلوغ بعد. وأضاف: «لا نريد جهات
رقابية أكثر من الرقابة المصرية المعروفة.. لا نريد جهات إضافية
تتدخل في إباحة الفيلم السينمائي أو حظره»، مشيرا إلى أن مصر في
حاجة إلى أن يكون فيها إنتاج جيد ينافس الإنتاج الرديء». وتابع
قائلا: «أعتقد أن هذه من المرات النادرة في تاريخ مصر التي يحدث
مثل هذا الأمر، وتدخل الحكومة لمنع فيلم من العرض.. لا نريد رقابة
سياسية ودينية أكثر مما لدينا».
وشهدت نهاية سبعينات القرن الماضي قرارا مماثلا في حق فيلم
«المذنبون» الذي أخرجه سعيد مرزوق عن قصة للروائي المصري نجيب
محفوظ، بصدور قرار تنفيذي بوقف عرض الفيلم ومعاقبة موظفي الرقابة
الذين أجازوه، بعد شكوى مصريين في الخليج قالوا إن الفيلم أساء إلى
سمعة مصر.
ويقول عوض إنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها
البلاد، بسبب الأحداث السياسية، منذ نحو ثلاث سنوات، فإن رئيس
الوزراء، النشيط جدا، يمكن أن يعمل أي مشروع لإنتاج أفلام جيدة،
قائلا إن «القطاع العام في مصر كان في السابق هو من يتولى الإنتاج
السينمائي». وتابع: «لدينا سيناريوهات جيدة لهذا. ومنذ الثورة غاب
نجوم الصف الأول عن صناعة السينما، واتجهوا للتلفزيون، بسبب الوضع
الاقتصادي لصناعة السينما».
وقال المخرج أمير رمسيس إن قرار رئيس الوزراء يعد «تعديا على سلطة
جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وتعديا على حرية الفكر
والتعبير، وضرب عرض الحائط بحريات الفكر ودولة القانون»، وفقا لما
نقلته عنه وكالة «رويترز»، بينما شدد المخرج روماني سعد على رفضه
لقرار إيقاف عرض الفيلم حتى لا يفتح الطريق لمصادرات أخرى.
وقال مقربون من الفنانة وهبي إنها موجودة في الوقت الحالي في
لبنان، وتستعد لاستكمال دورها في بطولة مسلسل «كلام على ورق»،
تأليف محمد أمين راضي، وإخراج محمد سامي. كما أنها تحضر حاليا
لإطلاق برنامج مسابقات الجديد تحت اسم «شكلك مش غريب» سيذاع كل يوم
سبت على قناة «إم بي سي». وفي آخر تعليق لها على الضجة التي أثارها
فيلم «حلاوة روح»، قالت لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية
إنها تعاملت مع قصة تعبر عن المعاناة الإنسانية الصعبة لفتاة يترصد
لها من حولها، ويحاولون إيذاءها، على الرغم من أنها لم تقترب من أي
شخص بسوء.
وتابعت قائلة إنه «لا يؤلمها النقد الذي يُوجّه لها»، وإنها كثيرا
ما تتعرض للهجوم الفني من قبل نقاد ومن فنانين ولا يؤلمها هذا
النقد، غير أنه «من المفترض أن لا يهاجم الفنانون بعضهم بعضا».
وأضافت أن «بعض المنتجين يهدفون أولا من أفلامهم إلى جني الأرباح،
وأنا دائما لا أستطيع أن أؤدي أي نص سينمائي تملأه العنصرية
والكراهية، وأحرص في علاقاتي الفنية بالفنانين والمنتجين والمخرجين
على أن تسود بيننا روح الود والصداقة».
وتابعت قائلة عن الفيلم إنها عندما قرأت السيناريو شعرت بصعوبة في
أداء القصة في البداية: «إلا أنني أحببتها لأن قصة الفيلم مختلفة
عن شخصيتي تماما كفنانة، وبالتالي كان الفيلم يمثل تحديا بالنسبة
لي لتقديم هذا الدور الصعب»، مشيرة إلى أن مخرج الفيلم شخص محترم
وتثق فيه، لافتة إلى أنه لا يشترط في الفيلم الجيد أن يصرف عليه
عشرات الملايين بل من الممكن بإنتاج محدود إخراج قصة جيدة تكون
أقرب لعلاج مشكلات مجتمعية.
وتعرض فيلم «حلاوة روح» لانتقادات من سياسيين يطمحون في خوض
انتخابات الرئاسة والبرلمان المقبلة، وخرجت كثير من التعليقات
المنتقدة للفيلم على شاشات التلفزيون وبرامج الدردشة. وبعد صدور
القرار الحكومي الليلة قبل الماضية، سارع عدد من السياسيين
بالترحيب بالقرار. وقال ناجي الشهابي، المنسق العام لمجموعة تحالف
أحزاب التيار المدني الاجتماعي، إن قرار الحكومة يجب أن يكون بداية
لنهضة فنية تشارك فيها وزارتا الثقافة والإعلام ونقابة المهن
الفنية، بحيث تعبر عن ثقافة المجتمع وحضارته ولا تتعارض مع القيم
النبيلة والسامية التي تنادي بها الأديان السماوية. |