جيهان نجيم:
«الميدان» رسالة مفعمة بالأمل والمستقبل الواعد
أجرى الحوار: دعاء سلطان
فوز فيلمى بالأوسكار إشادة كبيرة بشجاعة الشعب المصرى.. ونحن أمام
لحظة تاريخية للمرأة العربية رحلة شخصيات الفيلم تؤكد أننا كنا
أقوى باتحادنا.. وكثير من المصريين كانوا مرعوبين من الانزلاق إلى
حرب أهلية
العالم كله ينتظر حفل الأوسكار من العام للعام.. 85 عامًا مرَّت
على هذا الحفل السنوى.. نشاهده نحن كمصريين على الشاشات بحياد تام،
وانبهار معلن.
فى حفل الأوسكار السادس والثمانين الذى سيقام فى الثانى من مارس
القادم، لن نكون مجرد مشاهدين محايدين.. لأول مرة منذ 85 عاما
تشارك مصر بفيلم وتنافس على الأوسكار الذى تحتبس أنفاس العالم فى
أثناء إعلان جوائزه.
تشارك مصر بفيلم «الميدان» فى مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقى.
بدلا من أن نفرح ونقيم الاحتفالات لهذه السابقة الأولى من نوعها فى
تاريخنا السينمائى وسط كل هذه الانتكاسات فى حياتنا، سنَّ البعض
سكاكينه على الفيلم وصناعه وظروف إنتاجه، بل ووصل الأمر بهم إلى
التشكيك فى مديرى جائزة الأوسكار أنفسهم لأنهم اختاروا الفيلم ضمن
الأفلام المرشحة للمنافسة على الجائزة الكبرى!
بعضهم قرر التبرؤ من الفيلم، مشيرين إلى أن مخرجته أمريكية
الجنسية، وإنتاجه أمريكى، وبالتالى فإن الفيلم أمريكى! رغم أن
قانون السينما يؤكد أنه ما دام هناك منتج مصرى ضمن منتجى الفيلم،
فيمكن الإشارة إلى أنه فيلم مصرى، وضمن منتجى الفيلم منتج مصرى،
وهو كريم عامر الذى قرر البعض ضمن حملة تشويه إنجاز وصول الفيلم
إلى مسابقة الأوسكار أنه ملحد فى إشارة إلى شخص آخر تم اتهامه
بازدراء الأديان فى عصر مبارك وسُجن وقتها! بينما منتج الفيلم هو
«كريم عامر» آخَر غير ذلك الذى يعتبر سجنه وصمة عار فى جبين نظام
مبارك أصلا!
ثمة فيلم «يتمحك» ليكون مصريا ويشارك بِاسم مصر فى أكبر مسابقة
سينمائية فى العالم، وثمة من يحاربون للتخلص من عاره! تلك هى
المأساة وهذا هو البؤس بعينه.
هذا بخلاف الأقاويل التى نالت من مخرجة الفيلم التى هى مصرية الأصل
أمريكية الجنسية، وكيف أنها لا تعرف شيئا عن مصر، ثم إنها غير حسنة
النية فى تعاملها مع الثورة المصرية، فمن ضمن شخصيات الفيلم
«إخوانى» وهذا لا يجوز قطعا!
وبعدما تأكُّد وصول الفيلم إلى مسابقة الأوسكار، أصبح الجميع نقادا
سلبيين، فالفيلم بالنسبة إليهم ساذج وتافه ولا يستحق كل هذه الضجة،
حتى إنهم تبرعوا بنشر صور معكوسة لتوضيح مواطِن الضعف فى فيلم تم
ترشيحه للأوسكار! هذا عدا اتهام مسابقة الأوسكار -نفسها- بأنها
مسيسة وأنها اختارت فيلم «الميدان» تحديدا لإحراج مصر فى هذا
التوقيت، خصوصا أن الفيلم ينتصر لثورة 25 يناير -التى يجرى تشويهها
الآن- بشكل ممنهج!
كثير من الهراء تردد وكثيرة هى السخافات، ولكن تبقى حقيقة وحيدة،
وهى أننا بصدد أول فيلم مصرى تم ترشيحه للأوسكار منذ 85 عاما هى
عمر هذه المسابقة.. ألا تهلِّلون وتكبِّرون؟!
تواصلتُ مع مخرجة فيلم «الميدان» جيهان نجيم، مصرية الأصل أمريكية
الجنسية، وأجريت معها هذا الحوار الذى ترجمه الزميل إيهاب التركى،
احتفاءً بوصول أول فيلم مصرى لمسابقة الأوسكار.. عن الفيلم
والأوسكار والثورة:
■
قلتِ من قبل إن الفيلم كان تجربة غيَّرت حياتك.. فماذا بعد ترشيحه
كأول فيلم مصرى للأوسكار؟
-
ترشيح الفيلم للأوسكار يعنى أن الكثير من الناس سوف يرون الفيلم،
وسوف يتأثرون به، كما تأثرنا نحن به.. المصريون مرّوا بأحلك
الأوقات ما بعد الثورة، ونأمل أن يذكرنا الفيلم بأننا كنا أقوى
عندما كنا متحدين.. رحلة الشخصيات فى هذا الفيلم فى أوقات وظروف
مضطربة ومجهولة، لكنهم ما زالوا مفعمين بالأمل والاحتمالات. بسبب
هذا الفيلم، أرى نفس الأشياء عندما أنظر إلى مصر.. أرى الأمل.. أرى
الجمال.. أرى المستقبل الواعد. على الرغم من صعوبة رحلة شخصيات
الفيلم.. إنها نفس العوامل التى جذبت دعم الجماهير التى شاهدت
الفيلم من جميع الخلفيات والانتماءات، المصريين أو غيرهم.
■
هل تعتقدين أن لديكِ فرصة للفوز بالأوسكار وأنتِ تنافسين عملا
مهمًّا لجوشوا أوبنهايمر «فعل القتل» وأربعة أفلام أخرى مهمة؟
-
هناك أربعة أفلام كبيرة أخرى رُشِّحت لجوائز الأوسكار، ونحن نتشرف
بكون فيلمنا جنبا إلى جنب مع كل منها.. الفوز سيكون إشادة كبيرة
بشجاعة الشعب المصرى، ولحظة تاريخية لحفل توزيع جوائز الأوسكار..
النساء اللائى ترشحن لجائزة الأوسكار عن فئة الإخراج هذا العام
عربيات.. «سارة إسحق» اليمنية الاسكتلندية، و«أنا» المصرية
الأمريكية.. هذه لحظة تاريخية بالنسبة إلى المرأة العربية، وهذا
المزيج الذى نمثله يشعرنا فى بعض الأحيان كأننا نتآلف مع كل مكان،
ولا نتآلف مع أى مكان فى نفس الوقت. ربما هذا هو السبب فى أننا
نصنع الأفلام، لأننا نحاول التوفيق بين شعورنا بالانتماء، ومحاولة
الغوص فى عمق حياة الآخرين لفهمها.
■
بمجرد دخول الفيلم منافسات الأوسكار سارع البعض بالقول إن الفيلم
اختير خصيصا لأنه يتوافق مع سياسات الببت الأبيض حاليا تجاه مصر،
فما ردُّكِ؟
-
أعتقد أن الفيلم ضرب على وتر حساس لدى الجمهور لأنه يوثق مطالبة
الشعب بحقوقه من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.. هو
صراع عالمى يمكن أن تتواصل معه الشعوب فى جميع أنحاء العالم..
طالبَت الشعوب بهذه الحقوق فى أشكال مختلفة كثيرة، من حركة مارتن
لوثر كينج للحقوق المدنية فى الولايات المتحدة، إلى حركة «احتلوا»،
إلى معارك من أجل حقوق متساوية فى روسيا وكييف فى الوقت الراهن،
ولكنه فى الأساس هو فيلم عن الصداقة والعلاقات الإنسانية الأساسية
وليس عن السياسة.
أنا أتفهم تماما لماذا يُثار هذا الاتهام، هذا ناتج عن طبيعة
الأحوال السياسة الحالية فى مصر.. بعض الناس لديهم ردود فعل مثل
هذه أمام هذا النوع من السرد المجرد للأحداث، وكثيرا ما يواجَه
الفنانون والكتاب بهذا النوع من الاتهام، كأن قول الحقيقة فى حد
ذاته ليس سببا كافيا! أنا أتفهم هذا جيدا.
■
ما الذى تتفهمينه؟
-
المصريون مزَّقهم ما يحدث فى مصر.. كثيرون مرعوبون أن تنزلق مصر
إلى حرب أهلية.. هم بشكل طبيعى وتلقائى يشتبهون فى أى شىء يمكن أن
يزيد من زعزعة استقرار الوضع.. نرى فى الفيلم رحلة الشخصيات خلال
السنوات الثلاث الماضية، خصوصا العلاقة بين أحمد ومجدى عضو جماعة
الإخوان المسلمين.. رأى الكثير من الناس أننى التقيت أو تواصلت مع
وجهة نظر مختلفة تماما.. قصتهم تمثل قاسما مشتركا من النضال فى مصر
على الرغم من الانقسامات السياسية العميقة، وعلى الرغم من أن أحمد
ومجدى يمثلان وجهتَى نظر سياسيتين مختلفتين جدا، فإن مشاعر الحب
والرعاية والولاء والصداقة التى تربطهما ونحو مصر فى نهاية الفيلم
تعطى الكثير من الأمل للمصريين الذين شاهدوا الفيلم فى أن مصر يمكن
أن تبقى متحدة. هذا هو مضمون فيلم «الميدان»، وهذا هو ما يحاول
توضيحه.
■
هل تتدخل السياسة فى اختيارات الأفلام فى الأوسكار بعيدا عن مستوى
الأفلام؟
-
يقوم بالتصويت للأفلام فى الأكاديمية مخرجون متميزون، وصانعو
أفلام، ومنتجون صنعوا على الأقل فيلمين.. كفنانين لاشك أنهم
يتحملون عبء ومسؤولية صعبة لاختيار الأفلام على أساس الجدارة
الفنية، وفى حين يبدو الفيلم سياسيا للمصريين، فإنه لغير المصريين
الذين يعيشون على بعد آلاف الأميال، هو عن تلك القصة القديمة عن
الشجاعة والتضحية فى النضال العالمى من أجل الحرية والعدالة
والمساواة، هذا ما دفعنا بقوة إلى أن نحكى هذه القصة الصعبة، وهذا
ما تجاوب معه الجمهور الدولى، ومن المهم أن نلاحظ أن هذا الفيلم قد
فاز بجائزة فى كل مهرجان ذهب إليه بما فى ذلك جائزة الجمهور فى
مهرجان صندانس وتورنتو ومونتريال، والجائزة الأولى فى مهرجان دبى
السينمائى وجائزة الفيلم الوثائقى الدولية -الجائزة المرموقة من
قبل مجتمع السينما الوثائقية- كما حصل على جوائز فى مهرجان دوك
شيفيلد فى إنجلترا، ومهرجان الكرمل السينمائى، ومهرجان هامبتونز
السينمائى الدولى، وأعتقد أن قوة وجمال الشعب المصرى وصلت إلى
الجماهير فى جميع أنحاء العالم.
■
كيف سيشاهد الجمهور المصرى الفيلم؟ هل هناك اتفاقات لعرضه الفترة
القادمة؟
-
نحن مسرورون جدا للعمل مع ماريان خورى وشركتها «مصر الدولية» لعرض
الفيلم فى مصر، فهى خبيرة وماهرة جدا فى عملها، وهى التى ستتولى
عملية عرض الفيلم فى دور السينما بمصر، لكنها تحترم رغبتنا فى
إتاحة عرض فيلم «الميدان» مجانًا فى العروض العامة حتى يتسنى لجميع
المصريين مشاهدته.. بعض هذه العروض تحدث بالفعل، ونأمل أن نتمكن من
الحصول على التصاريح اللازمة لعرضه فى مصر فى وقت قريب، فهناك نسخ
غير قانونية بأعداد هائلة تمت مشاهدتها على موقع «يوتيوب» وغيرها
من المواقع.. كثيرون فى مصر شاهدوا نسخة منخفضة الجودة وفى بعض
الأحيان شاهدوا نسخا تم التلاعب بها، ونحن بطبيعة الحال نود أن يرى
الناس النسخة النهائية عالية الجودة من الفيلم، فهناك الكثير من
الأشخاص خاطروا بأرواحهم من أجل صنع هذا الفيلم ومن حقهم أن يشاهد
الناس عملهم بشكل جيد.. هذه النسخ الموجودة للفيلم على مواقع
الإنترنت ذات جودة منخفضة، وفى كثير من الحالات يتم التلاعب فيها
للأسف.. المصريون يستحقون مشاهدة الفيلم فى نسخته الأصلية، وبأعلى
جودة مثل أى شخص آخر فى العالم، ونحن نبذل كل ما فى وسعنا لتحقيق
هذا فى أقرب وقت ممكن.
■
أول أفلامك كان «المقطم» عن جامعى القمامة.. كيف تحافظين على صلتك
بمصر فى ظل اختيارك العيش فى أمريكا؟ كيف تنشغلين بأحوالها رغم
البعد؟
-
من الصعب بالنسبة إلىَّ أن أفهم هذا السؤال لأننى لم أشعر حقًّا
أننى بعيدة عن مصر.. هناك قول مأثور فى مصر: «إذا شربت من نيل مصر
سوف تعود إليها دائما»، وأنا شربت من ماء مصر طبعا، فعلى الرغم من
أننى ذهبت للدراسة فى الولايات المتحدة، فإننى منذ ذلك الحين قسمت
وقتى بين مصر والولايات المتحدة، وأجزاء أخرى من العالم حيث يتطلب
منى العمل بالسينما الوثائقية.. لقد قمت بإخراج وتصوير ومونتاج 3
أفلام فى مصر «غرفة التحكم
Control Room»،
و«Shayfeen.com»
و«Rafea,
Solar Mama».
يعيش والدى وبقية عائلتى المصرية فى
القاهرة والإسكندرية، وأنا فخورة جدا بأصولى المصرية وسوف أقضى
دائما حياتى بين مصر والولايات المتحدة.
■
هل فكرتِ فى العيش بمصر بعد الثورة؟
-
موقفى تجاه هذا الأمر لم يتغير سواء قبل أو بعد الثورة المصرية،
عائلتى تعيش بين القاهرة والإسكندرية، لذلك مصر هى وطنى، الذى عشت
وتربيت فيه منذ أن كنت فى السادسة حتى بلغت السابعة عشرة من العمر،
وبعدها انتقلت للدراسة الجامعية فى أمريكا، وفى تلك الفترة كنت
أعود إلى مصر فى كل صيف وكل إجازة، لكنى الآن أتنقل بين الدول بسبب
عملى، والعيش فى أمريكا يتيح لى مساحة التنقل لممارسة عملى كمخرجة،
فأنا أحب عملى وأحب السفر حول العالم لتوثيق القصص المختلفة للناس،
لكنى فى النهاية أعود إلى بلدى مهما طال أو قَصُر بُعدى عنها.
■
على أى أساس اخترتِ الشخصيات الثلاث فى فيلم «الميدان»؟ هل كان
هدفك التنوع فقط أم لإقناع المشاهد بأنها ثورة شارك فيها جميع
أطياف الشعب المصرى؟
-
بدأنا صنع الفيلم باختيار 8 شخصيات مختلفة (4 نساء و4 رجال) ممن
قابلناهم وشعرنا بجمال شخصياتهم، ورغبنا فى تقديمهم للعالم أجمع،
فعادة أنا أتتبع الشخصيات التى أُعجَب بها وأقع فى حبها لسبب ما،
وإلا فما الفائدة من صنع فيلم عن هذه الشخصيات؟!
فى النهاية وجدنا أنه يجب أن نركز على ثلاثة أشخاص منهم فقط، حتى
لا تطول مدة الفيلم كما طالت وامتدت الثورة المصرية، ولذلك اضطررنا
إلى اتخاذ خيارات صعبة بعدم اختيار باقى الشخصيات، لأننا أردنا
جديا إظهار دور الميدان فى الثورة وعلاقته مع هذه الشخصيات،
فاخترنا ثلاثة فقط من ضمن هذه الشخصيات الثمانى لأنهم كانوا أكثرهم
ارتباطا ووجودا فى الميدان خلال الثورة التى دارت حول حياة أكثر من
80 مليون مصرى، لذلك لم نذكر عند صنعنا للفيلم أننا غطينا آراء
وأفكار وشخصيات هذا الكم الهائل من الناس، بل أعطينا فقط لمحة
للمشاهد عن تجربة هذه الشخصيات الثلاث خلال وجودهم فى ميدان
التحرير الذى كان له سحر خاص استطاع أن يجذب مختلف الشخصيات من
جميع مناحى الحياة، لذلك كان من السهل إيجاد توليفة من الشخصيات
التى يشعر المشاهد أنه قريب منها أو تشبهه، ومن خلال الشخصيات
الثمانى التى بدأنا معهم، ظهر «أحمد وخالد ومجدى» كشخصيات محورية
فى العمل، حيث كانت قصصهم متشابكة ومرتبطة بعضها مع بعض، وشكلت
شخصية للفيلم يمكن للمشاهد تقبلها وفهمها بسهولة، وفى نفس الوقت لا
تجرف المشاهد لأحداث أخرى بعيدة عما يحدث فى الميدان، بالإضافة إلى
أننى وقعت فى حب شخصياتهم وشعرت أنهم سيصلون للمشاهدين بسهولة،
ورغم اختلافهم الواضح بعضهم عن بعض فإن ما جمع بينهم هو أنهم كانوا
أصحاب مبادئ وكان همهم الأول هو مصر وحياة ومستقبل جميع المصريين،
فقد جذبنا خالد بحماسه النارى وبلاغته فى الحديث، كما جذبتنا عقلية
«مجدى» المتفتحة وأسئلته المباشرة، بينما كانت شخصية «أحمد» شفافة
وواضحة ولها جاذبية خاصة.
■
هل تعتقدين أن فيلم «الميدان» صالح للتعبير عن الثورة المصرية فى
25 يناير؟
- «الميدان»
ليس بذرة لفيلم عن الثورة المصرية، فلا أحد يستطيع زعم هذا، وهو
أيضا ليس عملا صحفيا أو تقريريا، فليس لأحد أن يزعم أنه يقص
الرواية الكاملة للثورة المصرية، إنما هو مجرد فيلم وثائقى عن
شخصيات محددة وعن رحلتهم كمواطنين مصريين فى ميدان التحرير،
وارتباط بعضهم ببعض على الرغم من اختلافهم، واتفاقهم أيضا على عدم
التنازل عن مبادئهم، لذلك فالفيلم فى النهاية يتحدث عن ظهور العظمة
والنصر من داخل الفوضى، فقد كان من واجبى كمخرجة أن أكون واضحة
وصادقة نحو هذه الشخصيات الثلاث لأخذ المشاهد فى رحلة عميقة داخل
قصصهم، لذلك أعتبر الفيلم ليس عن الثورة المصرية كلها، بل عن رحلة
عدد قليل من المصريين خلال هذه الثورة.
■
هل مرَّ تصوير الفيلم بسلام أم تعرضتِ وفريق عملكِ لمضايقات أمنية؟
-
أريد أن أؤكد أن هذا الفيلم وُلد من داخل ميدان التحرير، وشارك فى
صنعه أكثر من 40 مصريا، وكان تعاونهم رائعا، حيث تقابلنا وعملنا
معا كعائلة واحدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة لصنع هذا الفيلم..
خلال السنتين والنصف الأولى من صنع الفيلم مر كل شىء بسلام إذا
أخذنا فى الاعتبار الظروف التى كنا نصور فيها مشاهد هذا الفيلم،
لكن بالطبع خلال التصوير تعرض كل شخص من طاقم العمل إما للغازات
المسيلة للدموع وإما قبضت عليه السلطات أو حتى تعرض لإطلاق النار،
لكن بطبيعة الحال كان هذا الوقت بالنسبة إلى الجميع صعبًا على جميع
الأصعدة كما كان الحال مع باقى المصريين خلال هذه الفترة المضطربة.
■
هل تعتقدين أن خوض الفيلم تجربة الترشح للأوسكار يعد أحد انتصارات
الثورة المصرية؟
-
جميع مَن صوّتوا لترشيح الفيلم أعتقد أنهم وقعوا فى حب شخصية
«أحمد» وأحلامه عن الحريات والعدالة الاجتماعية التى يشترك فى
طلبها جميع البشر فى كل أنحاء العالم، وكذلك أحلام الثورة التى
مسَّت قلوب وعقول العالم أجمع، وأنا أعتقد أن ترشيح الفيلم لجائزة
الأوسكار يدل على ذلك، وإنه انتصار جديد بين عديد من الانتصارات
الأخرى التى سبقت أو جاءت بعد الثورة، وأنا أعتقد أن الثورة لا
تزال مستمرة ليس فقط من خلال الناس، ولكن أيضا من خلال قصصهم،
ويعتبر هذا الترشيح أكبر دليل على قوة وفاعلية مثل هذه القصص.
■
هل تعتقدين أن «٣٠ يونيو» ثورة أم أنها إحدى موجات «٢٥ يناير» أم
أنها انقلاب كما يردد البعض خصوصا فى الغرب؟
-
فى 25 يناير نزل الناس إلى الشوارع طلبا لحقوقهم ولتغيير مستقبلهم
وأيضا لإظهار مدى قوة هذا الشعب، وفى «30 يونيو» كان هناك عرض آخر
لقوة هذا الشعب، لكن هذه المرة نزل الناس للتعبير عن رغبتهم فى
إجراء انتخابات مبكرة، وفى الفيلم ذكر «أحمد وخالد» أن الناس نزلوا
إلى الشوارع مجددا لأنهم شعروا أن الرئيس السابق مرسى يستخدم أدوات
الديمقراطية لخلق نظام ديكتاتورى جديد، وأنا أعتقد أن هذا التساؤل
يصرف النظر عن حقيقة أهم بكثير لمسها فيلم «الميدان»، وهى أن القوة
للشعب لقدرته على تغيير مستقبل مصر، ولأن أحد أبعاد الفيلم يؤكد أن
القوة فى يد الشعب، وأنه يجب علينا باستمرار أن نذكِّر أنفسنا بتلك
الفكرة، كما يجب علينا دائما أن نستمر فى توصيلها لمن يقبع فى
السلطة، كما قال خالد عبد الله فى الفيلم: «الثورة ستستمر موجاتها
فى الظهور، وستبقى مستمرة حتى نعيش فى دولة مصر التى تحترم حقوق
الإنسان والكرامة لجميع المصريين». |