بين يدي كتاب ضخم الحجم يحمل عنوان “التقرير العربي الأول للتنمية
الثقافية” والذي صدر في طبعته الثانية خلال العام الجاري عن مؤسسة الفكر
العربي بمشاركة كل من “المؤسسة العربية للعلوم و التكنولوجيا” و”مركز
الخليج للأبحاث”.
ما يعنينا هنا من هذا الكتاب الضخم، الذي يفترض أنه كتاب مرجعي علمي، هو
التقرير الخاص بالتنمية السينمائية في العالم العربي والذي يحتل 38 صفحة من
الكتاب. يشير عنوان التقرير إلى أنه “دراسة تحليلية”، ويبدأ التقرير بمقدمة
سريعة تؤكد على أن ثمار الحاضر ليست إلا بذور رميت في السابق ولذلك من
المهم إلقاء نظرة على هذه البذور لكي يكون الحكم على حاضر السينما العربية
“قائما على السبب والنتيجة”. لتحقيق هذا الهدف يعود مؤلف التقرير إلى
بدايات السينما في دول المشرق والمغرب العربيين. هنا نسجل الملاحظة
التالية: توجد العديد من المصادر المنشورة التي تتوفر فيها المعلومات حول
تاريخ السينما العربية، ويبدو أن مؤلف التقرير لم يستفد منها كما يجب، لذا
تضمن التوثيق لبدايات السينما بعض النواقص، التي يصل أحدها إلى درجة الخطأ
الفادح، وكنموذج، نذكر تحديداً ما يتعلق بالتأريخ للسينما الأردنية، حيث
يذكر التقرير أن السينما الأردنية قدمت فيلماً واحداً في عام 1971 اسمه
“حكاية شرقية” أخرجه نجدت أنزور ولم تعد الكرة إلا في عام 2007”. وهذه
مغالطة كبرى لأن فيلم “حكاية شرقية” أنتج في عام ،1992 كما انه ليس الأول،
بل سبقه مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة (إضافة إلى الأفلام الروائية
والتسجيلية القصيرة) كان أولها الفيلم الروائي الطويل “صراع في جرش”
(1957).
وكنموذج آخر نشير إلى ما جاء في التقرير حول السينما اللبنانية من مغالطات
يتمثل أبرزها في المعلومات غير الدقيقة حول طبيعة أفلام المخرج اللبناني
المخضرم جورج نصر الذي يشير التقرير إلى أن أفلامه لم تستطع أن تخرج عن
الطبيعة الميلودرامية للأفلام المصرية.
وهنا نحيل القارئ إلى كتاب “تاريخ السينما في العالم” الذي أصدره المؤرخ
الفرنسي جورج سادول قبل أكثر من نصف قرن وجاء فيه حول تجربة جورج نصر: “إلا
أن أول فيلم لبناني قيّم كان عام 1957 “إلى أين؟” أخرجه جورج نصر ويشبه في
تقنياته أسلوب الواقعية الجديدة، مع احتواء الفيلم على قصة لبنانية صميمة”.
يحتل التقرير الخاص بالسينما المصرية مقدمة “الدراسة”. وسنكتفي هنا
بالتعليق على ما ورد في الدراسة عن السينما المصرية من معلومات واستنتاجات
لتبيان الخلل في هذا التقرير الشامل للسينما في كل أو بعض الاقطار العربية
(ناهيك عن أفلام المخرجين العرب المقيمين في الغرب ومن أهمهم المخرج
الموريتاني محمد عبيد ميدهوندو).
أولاً: يركز التقرير على الأفلام الروائية الطويلة ويتجاهل تاريخ الأفلام
التسجيلية وتاريخ الأفلام الروائية القصيرة.
ثانياً: على الرغم من أن التقرير يشير إلى بعض الأفلام التي أنتجت في
السنوات الأخيرة إلا انه يفتقر إلى معلومات حول أهم التجارب الروائية
الطويلة التي أنتجت، ومنها الأفلام التي صنعت بتقنيات التصوير الرقمي
وتنتمي إلى تيار السينما المستقلة والتي تؤسس لنمط جديد من الإنتاج
السينمائي لا في مصر فحسب بل حتى في سائر الأقطار العربية.
ثالثاً: يتجاهل التقرير جانباً مهماً من تجربة السينما المصرية المعاصرة
يرتبط بالإنتاج المشترك، خاصة مع فرنسا.
نتيجة هذا، والكثير غيره، فإن الدراسة التحليلية التي وعد بها التقرير في
بدايته لم تتحقق، كما أن بعض ما جاء فيها من استنتاجات يفتقر إلى الدقة أو
المصداقية. وكمثال، جاء في نهاية التقرير عن السينما المصرية أن مسيرتها
أثرت على الأفلام الأولى في باقي الأقطار العربية: “بحيث اصطبغت الأفلام
العربية الأولى بالطابع نفسه المميز للفيلم المصري ببنائه الميلودرامي
التقليدي وقيامه غير المبرر - في الأغلب الأعم- على الأغاني والاستعراضات”.
يفتقر هذا الاستنتاج إلى الدقة، كما انه يتناقض كليا واقع بدايات السينما
في بعض الدول العربية خاصة العراق والكويت، فالأفلام العراقية الروائية
الطويلة الأولى (“سعيد أفندي”، و”الحارس” و”الضامئون”)، كانت أفلاماً
واقعية تعالج قضايا حياتية لا تمت بصلة لأفلام الميلودراما المصرية خاصة في
شقها الاستعراضي، والأمر نفسه ينطبق على الفيلم الكويتي الروائي الطويل
الأول المتميز “بس يا بحر” للمخرج الرائد خالد الصديق.
جاء في الخاتمة أكثر الاستنتاجات غرابة: “من خلال هذه النظرة العامة لواقع
السينما العربية خلال عام 2007 تتضح لنا حالة التخبط الكبيرة التي تعيشها
هذه السينما، فليس هناك خط جامع(!) لهذه السينمات المختلفة التي تنطلق كل
واحدة (!) منها على هواها(!)، سواء في الأسلوب السينمائي(!) أو الفكري بشكل
عام(!). أخيرا، نذكر أن ثمة ملاحظات أخرى لا متسع لها هنا.
الخليج الإماراتية في
09/05/2009 |