يعد فيلم رقص في الظلام واحدة من السيمفونيات البصرية، التي عزفت بأنامل
الساحر الدنماركي ( لارس فون تيرير). حيث حاز هذا الفيلم على جائزة السعفة
الذهبية لمهرجان كان/ 2000 يقدم هذا الفيلم ثيمة ضياع الحلم الانساني على
الأرض الأمريكية، حلم الهجرة إلى الفردوس المفقود.. وجاء فضاء الثيمة
الإنسانية واحتداماتها بمثابة بوتقة لسيمفونية سمعية - بصرية امتزجت فيها
الميلودراما بالتشكيل البصري مؤطرا بالموسيقى والغناء والرقص، كما قدم
تراتب التصاعد الإيقاعي للصراع تحت يافطة الوصايا العشر لجماعة الدوغما
والتي يشكل( لارس فون ) عرابها والأكثر شهرة وإبداعا على المستوى
العالمي..
الثيمة الفيلمية
تدور إحداث الفيلم في واشنطن وفي حقبة ستينات القرن العشرين.. تلعب المطربة
الأيسلندية بيورك (الحائزة على جائزة أفضل ممثلة في فيلمها الأول هذا)
شخصية سلمى - الدور الرئيسي - وهي المهاجرة التشيكية إلى الحلم الأمريكي،
حلم الخلاص الفردوسي ، حيث تعمل في مصنع الأدوات المنزلية . يقف إلى جانبها
إنسانيا وزميلتها في العمل كاتي الفرنسية المهاجرة( كاترين دينوف) ..
وتعتبر مرحلة الستينات هي مرحلة التحولات الاقتصادية الأمريكية الكبرى، حيث
تتشكل بمثابة الحلم السرمدي للمهاجرين الحالمين بحياة أفضل.. كما تمثل سلمى
نموذج المهاجر القادم من العالم الشيوعي قبل انهياره المدوي، بينما تمثل(
كاتي ) نموذج العالم الرأسمالي القديم أو أوربا العجوز - كما يسميها
الأمريكان - . وبذلك يتشكل على الأرض الأمريكية فعل التلاحق الحضاري وبناء
عالم جديد.. لكن الفيلم يقدم شخصية ( سلمى) المصابة بمرض وراثي يؤدي إلى
فقدان البصر التدريجي ، هي الحالمة بالمال لانقاذ ابنها الوحيد والمصاب
بذات مرضها الوراثي والتي أنجبته تحت حاجتها الإنسانية للاحساس بالأمومة
حسب تعبيرها في الفيلم.. وفي الجانب الآخر يقف الشرطي الأمريكي بيل ( ديفيد
مورس) وزوجته.. اللذان يقومان برعاية ابنها إثناء نوبة عملها .. وتحت ضغط
نزوات زوجة الشرطي ونزعتها الاستهلاكية يقوم الزوج( الشرطي) بسرقة مدخرات (
سلمى ) النقدية بما وفرته من عملها المضني .. يقتل الشرطي من قبل سلمى
أثناء محاولتها استرداد مالها، لكن شهادة زوجة الشرطي القتيل المزيفة - تحت
القسم - تقود سلمى إلى حبل المشنقة ولتنقذ عيني ابنها بمساعدة صديقتها (
كاتي) وصديقها ( جيف) .. ثمة خط درامي لمشاعر الحب بين ( سلمى) وصديقها (
جيف) ( بيتر ستورمار) والتي تكبتها( سلمى) من اجل التفرغ لانقاد ابنها
المريض.. أما خط المسار الموسيقي فهو يكشف عن موهبة ( سلمى) الغنائية، حيث
تقوم بالتدريب لتقديم مسرحية غنائية راقصة بعنوان ( صوت الموسيقى ) وهكذا
يمزج المخرج الخطوط والمسارات والعناصر ليقدم افقا كليا ويصنع فضاء فيلمه
بالتعدد والتنوع كاشفا عن الطاقة الخلاقة لصنع خطابه الفيلمي ودهشته ..
ومثلما بدء الفيلم من نقطة سوداء ينتهي بذات النقطة للإيحاء الدلالي بعتمة
الحلم بالعدالة الانسانية ..
خصائص الفيلم ووصايا الدوغما
يقدم المخرج فيلمه ناسجا تعدد خطوط الصراع الدرامي وتنوع الفضاءات السمعية
والبصرية . فعلى مستوى الموسيقى يقدم كيفية توظيف المناخات وعناصر البيئة
والواقع في الموسيقى ، حيث استخدم أصوات المكان وأدواته مثل آلات المصنع
وصوت القطار ومفاتيح الزنزانات واحتكاك أقلام الرسامين في المحكمة.. الخ
ضمن مسارات اللحن والايقاع الموسيقي والصوري كما هو الحال في تصميم الرقصات
وسينوغرافيا المشهد الراقص.. وهكذا يندمج وينصهر الفضاء المكاني ليشكل
عنصرا من عناصر الأغنية والرقصة ،كما توظف عناصره بصريا وهذا مايتجسد في
المصنع والمحكمة محققا المستوى ألحلمي الذي يكسر تقليدية المكان الواقعي
المعاش.. إن ماصنعه( لارس فون) من إدهاش فيلمي كلي يعتمد على تعدد عناصر
خلق الدهشة وصولا إلى ذروة (لبيدو) المتعة الجمالية السمعية - البصرية..
وتبقى الخاصية الرئيسية في هذا الفيلم متجسدة من خلال تطبيقات وصايا
الدوغما، والتي أهمها استخدام الكاميرا المحمولة وتجنب القطع المونتاجي
وقوانينه الكلاسيكية ، معتمدا على دوران الكاميرا وحركاتها وانتقالاتها بين
الأماكن والشخصيات بالاضافة إلى الاعتماد على إضاءة المكان دون استخدام
أجهزة الاضاءة السينمائية التقليدية( البروجكترات) .. إن انبثاق الأفق
التنظيري لهذه الجماعة السينمائية وتطبيقاتها الإخراجية هي مزيج من تجارب
واستخلاصات (ما قبلية) كمعطيات السينما السرية والسينما المباشرة والواقعية
الايطالية( مثل المخرجين فليني وانطونيوني) والواقعية الفرنسية الجديدة (
مثل المخرجين جودار وتروفو) مع تصعيد تراتبي جمالي وفكري (مابعدي) خلق
خصوصية إبداعية لهذه الجماعة..
ولابد من التنويه بان اختيارالرقم عشرة لوصايا هذه الجماعة يمتلك تماثلا
وخيطا مرجعيا يناظر ويرتبط دلاليا بوصايا السيد المسيح العشر، وبما يمنح
هذه الوصايا لدى الجماعة قدسية وفضاء كهنوتيا غير مرئي لهم..
عنوان الفيلم/ راقص في الظلام
سيناريو واخراج/ لارس فون تيرير
تمثيل/ المطربة الايسلندية بيورك، كاترين دينوف، ديفيد مورس
نصميم الرقصات/فينيست باترسون
تصوير/ روبي موللر
أدب وفن في
09/05/2009 |