للحب أن يتخذ مساره أينما حل وكيفما أتى، إنه مسكون بالبعيد الذي لا
يمكن تبين ملامحه إلا عندما يسكن الإنسان، لا علاقة له بالعمر،
ولا يعرف إلا ذاك
الجموح الذي يأتي محمّلاً بلحظات منفلتة من مرور الزمن الرتيب. وعليه، يمكن
للمراهقة أن تمتزج بالكهولة، ويمتد العمر وهو يلتقط الذكريات التي تتناثر
مع التقدم
به.
من هنا، ينطلق فيلم The Reader (القارئ)
لستيفن دلدري، من تلك اللحظات
التي تتشكل في علاقة حب بين شاب في الخامسة عشرة من
عمره وامرأة على مشارف مشارف
الأربعين، إن اللحظة المنفلتة من القواعد والمحرمات، واختلاط
الأمومة بالطفولة،
وتجاور كل ما للأنوثة بالذكورة ووفق ما تمليه حساسية خاصة جداً.
يبدأ فيلم
دلدري (صاحب «ساعات» و«بيلي إليوت») بفلاش باك مع رالف فينس الذي جسد شخصية
مايكل
في الكبر، وليعود إلى ما كان عليه في مراهقته، حيث يجسد شخصيته
مايكل كروس، والذي
سيغرق في قصة حب تنشب بمصادفة عجيبة، تقوده إلى الانغماس في حب هانا (كيت
وينسلت)،
وتحول علاقته مع هذه المرأة الغامضة إلى كل حياته، كل ما يتوق إلى أن
يعيشه،من دون
أن ينشغل بأي شيء آخر من اهتمامات من حوله إلا القراءة، والتي تتحول إلى
فعل يسبق
الحب بين مايكل وهانا، فعلى مايكل في كـل مرة يـزور فيها هانا
أن يقرأ علـيها
روايـة، وعلـيها تتحول حياة مايكل إلى الحب والقراءة، إلا أن تختفي فجأة من
حياته،
آخذة معها كل غموضها الذي سرعان ما يهاجم حياته مجدداً وقد صار طالباً في
كلية
الحقوق.
انعطافة الفيلم ستأتي من كون الأحداث التي نشهدها قادمة من ألمانيا
ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومعاودة ظهور هانا في حياة
مايكل سيكون من باب «الهولوكوست»
الواسـع القادر على تمرير كل الأفلام، فمع متابعة مايكل برفقة زملائه
في كلية الحـقوق ملابسـات محـاكمة لمسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في «أوشفيتس»،
تظهر هانا مجددا قادمة من ماضيها القريب وقد كانت من عناصر المخابرات
الألمانية «إس
إس».
لن أواصل سرد إلى أين ستمضي الأحداث في فيلم «القارئ» مادام لم يعرض
بعد في دور العرض المحلية، لكن يجب تأكيد أن الحب الذي نبدأ به
سينحرف إلى قضية
أخرى، وتجعل الأخلاقيات على المحك وفق استجابتها للمجـزرة النازية، وأن
عنوان
الفيلم «القارئ» سيكون النقـطة المفصـلية في الفـيلم، فما كان يقرأه مايكل
على هانا
سيكون الفعل الذي يعود إلى التواصل معها من خلاله، حيث يبدأ
بإرسال أشرطة يسجل
عليها الروايات، والتي تتعلم من خلالها القراءة، كونها ـ كما سنكـتشف أو
كـما تشير
معالم كثيرة ـ أمية، وأن حكم المؤبد الذي يصدر بحقها سيكون ليس إلا من
إصـرارها على
ألا تعترف بأميتها، وقبولها الاتهامات الموجهة إليها مقابل عدم
افتضاح عدم قدرتها
على القراءة والكتابة.
ختاماً، يمتلك «القارئ» إمكانية أن يكون فيلماً
بديعاً، لا بل إن ثلثه الأول يحمل احتفالية خاصة بالحواس في جوار القراءة،
بوصفها
فعلاً مكملاً للحواس، ولعلهما صالحان بامتياز لبناء ما يقدم فيلماً خاصاً
جداً،
ولعل الانعطاف الدرامي المتمثل في ماضي هانا، سيكون على قدر
كبير من التركيب، القص
واللصق، ومن ثم تطويع كل شيء في خدمته، وإغراق الفيلم في مقولات إنسانية
وأخرى
تاريخية، لها أن تنبش الماضي الألماني وعقدة الذنب اتجاه اليهود.
رأي وإن
كان على شيء من القفز في الهواء، أليست بنية العلاقة بين هانا ومايكل صالحة
لأن
تمتد على زمن الفيلم، ونبش أعماق الشخصية والتباس المشاعر، ومن
ثم الوقوع على
المصائر كما على الواقع أن يقودنا، لكن ودائماً تذكرنا أفلام مثل «القارئ»
بأن هذا
الهم لا مكان له في السينما الحالية، إذن على الأفلام أن تفاجئنا دائماً،
وتنعطف
وتتلوى ثم تمضي إلى نهاية هوليوودية نمطية.
ومن الجدير ذكره أن مسيرة كيت
وينسلت السينمائية، وأدوارها الاستثنائية تستدعي الفرح بنيلها أوسكار أفضل
ممثلة في
دور رئيس عن دورها في هذا الفيلم، ولعله من أدوارها المميّزة الصفة اللصيقة
بها،
لكنها أيضا ليست أحسن أدوارها.
الإمارات اليوم في
10/03/2009 |