أصبح أداء شون بين أمراً مسلما به، وتوقع شيء جديد منه في كل دور
يقدمه من بدهيات ترقبه، مع نزوعه الدائم لإدهاشنا، وعلى شيء
يجعل من وصفه روبرت دي
نيرو بـ«الفتى المملوءة جيوبه بالألعاب النارية» وصفاً صالحاً له هو، إذ إن
تلك
الألعاب النارية سرعان ما تخرج وتلون الشاشة بحضوره الاستثنائي، وملامحه
المتحفزة.
غير الطبيعي هو ما حمله فيلمه Milk (ميلك)
وإصرار بين على مفاجأة
الجميع بأنه قادر على أن يكون غير طبيعي، اذ يجسد في هذا الفيلم دور شاذ،
من خلال
سرد لحياة هارفي ميلك وما حققه في مجال حقوق الشواذ في أميركا، وحصوله على
أوسكار
أفضل ممثل في دور رئيس للمرة الثانية بعد أن فعلها عام 2003 عن
دوره في reviR citsyM.
فيلم «ميلك» الذي أخرجه فان غاس فان سانت يتحرك في مسارين لا ثالث
لهما، الأول حياة هارفي ميلك الشخصية وتصالحه مع وضعه، وحياته
في خضم علاقاته
ونقلها إلى مستويات علانية كانت محرمة وممنوعة في أميركا السبعينات،
وانتقاله من «هيبي» إلى ناشط سياسي في مسعى منه لتحقيق
مكاسب سياسية واجتماعية للمثليين في
أميركا، متخذاً من متجر في سان فرانسيسكو منطلقاً له لبناء ما يشبه التجمع
أو الحزب
لتحقيق تلك الغايات المتمثلة بالمساواة بين جماعته والأناس الطبيعيين تحت
مبدأ
المواطنة الذي يكفل الحرية للجميع، بعيداً عن أنواع التمييز
الجنسية والعرقية
وغيرهما. ولنتابع طيلة الفيلم الاخفاقات المتكررة في البداية، واصطدام ما
يسعى ميلك
إلى تحقيقه بالكنيسة والمجتمع الاميركي وقيمه، ومفهوم العائلة الذي سيكون
على تصادم
تام مع شرعنة العلاقات المثلية ومنحها الحرية في كل مجالات الحياة، وغير
ذلك من
صراعات يعمل الفيلم على تسليط الضوء عليها باعتبارها توثيقاً
لها أيضا، ولنشهد تحول
تلك الاخفاقات إلى سلسلة من النجاحات شملت نواحي اجتماعية عدة، وتحديداً مع
حصول
ميلك على مناصب سياسية ساعدته في أن يكون فاعلاً في الحياة
الأميركية.
المسار الثاني، كما ستلاحظون، مندمج تماماً بالأول بمعنى أن حركة
المثليين الأميركية، إن صحت العبارة، لا تنفصل في النهاية عن
حياة ميلك نفسه،
الحياة التي نذرها في خدمة ذلك، ونجح في قطف ثمارها، ما يجعل منح أعضاء
الأكاديمية
الأميركية للأفلام، شون بين الأوسكار نتيجة متوقعة دائماً لأي فيلم يقترب
من هذه
المساحة الأثيرة لديهم، لا بل إن شون بين نفسه كان متوقعاً
ذلك، وهو يصرح مخاطباً
أولئك الأعضاء بأنهم «يحبون هكذا أدوار».
لا تتعدى أهمية الفيلم أداء بين
الذي سيكون مفاجأة هذا العام، كونه قادرا على تلبس شخصية كهذه، هذا على
الصعيد
الفني، وما عدا ذلك فله أن يكون على علاقة مع ما يشكل مساحة او حركة تغيير
ربما في
المجتمعات الغربية، وفي أميركا تحديداً، ولعل الفيلم يشير بقوة
إلى توسع مساحة
التعبير عن الشواذ وغير ذلك، ما سيلاقي رفضاً كبيرا في مجتمعات محافظة
ومتمسكة
بالأخلاق والدين، والتي ستصطدم جميعاً بذلك، مادامت تلك المجتمعات على صدام
تام مع
مبدأ الحرية الشخصية وفق المفهوم الغربي عموما، والاميركي
خصوصا، ولتكون المثلية
آخرة الصيحات التي يجب التصدي لها، ومنعها من اتخاذها شكلاً طبيعيا تتساوى
فيه مع
العلاقات السوية والطبيعية.
في «ميلك» مؤشر صارخ على مدى فداحة ما يمكن
تقديمه في هذا الخصوص، فالفيلم لا يكتفي بمسيرة هارفي ميلك الحقوقـية، بل
يحـتوي
عـلى كـل تلـك المـشاهد المـنفرة التـي تحتـفي بالشـذوذ، مع الحـرص على
تقديمها
بوصفها أمرا طبيعياً.
الإمارات اليوم في
09/03/2009 |