يؤسس مخرج فيلم «الحالة الغريبة لبنجامين بوتن» المخرج ديفيد
فيتشر من الهاجس الزمني وعياً تصويريا بالأشياء والأحداث، فالزمن هو نقطة
الانطلاق
الدائرية التي تعود إلى الوراء لتستلهم الجمال في الحدث، وهو
بذلك يعطي لنفسه أفقاً
سردياً واسعاً، حين يعود الزمن للوراء لالتقاط الذكريات، والوجوه،
والتحولات.
الفيلم المرشح لعدد كبير من جوائز الأوسكار التي ستعلن في الثاني
والعشرين من
فبراير الجاري من بينها أفضل إخراج، وممثل، وتصوير، وسيناريو، اختلفت فيه
الآراء
وتعددت، بين مرحب ورافض لترشيح الفيلم لهذه الجوائز مقارنة مع الأفلام
الأخرى مثل:
فارس الظلام، أو المليونير المتشرد، ربما لطول عرضه: ساعتان وسبع وأربعون
دقيقة،
وآلية تكرار مشاهده أحياناً، أو لحكايته التي تعتمد استثمار آلية الزمن
واقعياً
وسينمائياً.
الفكرة الجوهرية للفيلم تتمثل في كيفية استعادة الإنسان للماضي
الجميل، وقد نبعت
الفكرة كما يصور الفيلم، من هذا الرجل الأعمى (جيت) الذي اعتبر من أشهر
مصممي
الساعات في الولايات المتحدة الأمريكية بدايات القرن العشرين الميلادي
والذي ذهب
ابنه ليشارك في إحدى الحروب، فيودّعه ابنه راكباً قطار الجنود،
وبعد أشهر يعود
الابن قتيلاً، ليقوم الأب بدفنه في مشهد مؤثر.
رجل الساعة اخترع في حفل كبير ساعة فاجأ بها الحضور ومنهم تيد روزفلت،
وهي تعود
للوراء، مبرراً ذلك بأنه يستعيد زمن ابنه وزمن ما قبل الحرب قبل أن يقتل
الجند في
الحروب، وبهذا يمكن أن يتحقق السلام.
فكرة العودة بالزمن للوراء استلهمت في شخصية بنجامين بوتين: «براد
بيت» الذي ولد
كمسن يبلغ من العمر الثمانين عاماً، شكلاً، لكنه في سن طفولية في الوقت
ذاته، وفيما
يتقدم الزمن بالناس للأمام، يعود زمنه للخلف، فيصبح في السبعين شكلاً، لكن
بعقلية
طفل، وهكذا حتى يصير شاباً.
يبدأ المشهد الرئيسي في الفيلم، والذي يصبح مشهداً راوياً، ب «ديزي»
العجوز وهي
في المستشفى تسرد لابنتها قصتها العجيبة مع بنجامين بوتين وكيف أعجبت به
وهي طفلة،
وهو يشبه الرجل المسن، وتعلقها به حين كان يصغر تدريجياً فيما هي تكبر
ليتساويا في
العمر، ثم تكبر هي فيما يصير هو أكثر شباباً.
وعبر مشاهد الحكي المتتالية من قبل الأم «ديزي» التي تلعب دورها شابة
فمسنة
الممثلة كيت بلانشيت, نعرف أن بنجامين بوتن، عاش أولاً برعاية سيدة سمراء
تعمل في
دار للمسنين، حيث عاش بوتن في رؤية فيلمية لها دلالتها مع المسنين، بعد أن
تخلص منه
أبوه وألقاه على الدرج المؤدي لدار المسنين، وتنهض السيدة السمراء وزوجها
على
رعايته حتى يستوي شاباً، ليعمل على إحدى المراكب الصغيرة في
الشحن، بعد أن تشفى
ساقاه من الشلل بفعل العناية الإلهية.
يتعرف على الطفلة «ديزي» وتنشأ بينهما صداقة طفولية، ثم عاطفية بعد أن
تكبر،
وتعمل راقصة باليه، ويتحول بوتن في لقطات متتابعة إلى مرحلة الشباب،
وتتواصل
لقاءاته ب «ديزي» ثم يفترقان، ليتعرف على «إليزابيث» وتنشأ بينهما علاقة
وجدانية،
ومن مشهد لآخر يعود بوتن للخلف زمنياً، حتى يصل إلى مرحلة
الطفولة فيما تصبح «ديزي»
التي يلتقيها تارة أخرى عجوزاً، وفي المشاهد الأخيرة للفيلم، نجد «ديزي»
وقد وضعته
على ركبتيها وهو بعد في المهد، وينظر إليها نظرة أخيرة، ثم يموت.
إن فعل الزمن هنا هو الفعل المهيمن على بنية الفيلم، ويخاطب مخرج
الفيلم المشاهد
بهذا الفعل، ومن هنا فإننا نراه يختتم الفيلم لا بهذا المشهد الموتي، ولكن
بتقديم
سلسلة من المشاهد السريعة على كون أن الإنسان يختار مهنته وحياته، فقد يصبح
فناناً
أو طاهياً، أو عاملاً، أو مديراً، أو راقص باليه، ومن هنا يحقق مشاهده
تبعاً للزمن
الذي يحيا فيه. حفل الفيلم الطويل الذي عرض في ساعتين و47
دقيقة، بمشاهد كلاسيكية
رتيبة، فالأحداث تقع طوال ثمانين عاماً في القرن العشرين، من الحربين
العالميتين
الأولى والثانية حتى نهايات القرن، لكن الفيلم يركز على حالة بنجامين بوتن
الغريبة
الزمنية، التي استدعيت من قبل في الروايات وفي السينما العالمية سواء
بالتقدم
للأمام كما في الأفلام التي استدعت فكرة «آلة الزمن»
المستقبلية أو بالعودة للخلف
والماضي ثم الانتقال للحاضر، أو حتى بالانتقال الزمكاني كما تجسد مثلاً في
فيلم
الشاطئ THE BEACH
أو فيلم فورست غامب على سبيل المثال.لا تتجلى الحالة الغريبة
لبنجامين بوتن في أنه تجسد من رواية إلى فيلم سينمائي، ولكن في
براعة المخرج في
تحويل هذه الرواية إلى عمل سينمائي كلاسيكي، بمعنى أن معظم عناصر الفيلم
اتجهت إلى
هذه الوجهة: الملابس والأزياء في الفيلم بسمتها التقليدي مطالع القرن
العشرين،
نظرات الوجوه وتعبيراتها، المشاهد الكلية: الشوارع، الميناء،
قطار الجند، مشاهد
الباليه الراقصة، العزف على البيانو، وبراعة تصوير تلك المشاهد مع سيناريو
متقدم
تعبيرياً التقط من الرواية الأصلية لمؤلفها: سكوت فيتسجيرالد
F. Scott Fitzgerald
أعمق ما فيها خاصة في مشاهد ولادة بنجامين وموته، بل وفي
اختيار وجه «ديزي» المعبر
جداً عن حالاتها الوجدانية المتناقضة ما بين حب بنجامين، وبين نزواتها
الفردية، كل
ذلك رشح الفيلم لعدد كبير من جوائز الأوسكار.
ربما - بوعي كامن في ثقافتنا عن طبيعة الصناعة السينمائية الغربية
المتقدمة - لا
نقبل الفيلم كونه تم تأديته بشكل كلاسيكي رتيب في هذا الصخب الذي يعيشه
العالم
اليوم: حكي العجوز، ومشاهد زمنية رتيبة، لا قطع فيها، ولا مزج، لكن الثقافة
الغربية
المغامرة قد تغامر في اختياراتها النوعية، كما حدث من قبل مع فيلم: «تايتانيك»
الذي
فاز بجوائز متنوعة، وهو فيلم رومانسي تاريخي، أو مع أفلام تاريخية مثل:
«القلب
الشجاع»
Brave Heart
أو «المصارع» أو حتى «يوم الاستقلال»
Independence Day
وهي
أفلام تنوع فيها هوليوود من طرق تلقيها للأفلام ومن موضاتها السينمائية
التي تفرضها
على جمهور المشاهدين.
الرياض السعودية في
12/03/2009
فيلموغرافيا
جيمس فرانكو
عبدالمحسن الضبعان
يعشق لعب أدوار الشخصيات التي لها ماض وحياة مريعة، هكذا يقول
الممثل جيمس فرانكو، الذي قدم في عام 2008 أداءات مميزة رغم أنها لم تكن من
ضمن
الأدوار الغريبة التي يفضلها، أولاً كان دوره في الفيلم
الدرامي (ميلك- Milk)
أمام
شون بن، وتحت إدارة المخرج غوس فان سانت، والثاني كان دوره المميز والمجنون
في
الفيلم الكوميدي الغريب
(Pineapple Express)،
هذا الدور الذي أشاد به النقاد
كثيراً، واستحق عنه ترشيح في الغولدن غلوب عن فئة أفضل ممثل بدور كوميدي،
وهذا الذي
أثار استغراب الكثير من الجمهور، الذين عرفوا جيمس فرانكو بنطاق واسع بعد
دوره في
سلسلة أفلام (الرجل العنكبوت
– Spider man)، الذي كان دوراً عادياً ونمطياً اعتدنا
عليه في مثل هكذا أفلام!
ولد جيمس فرانكو في كاليفورنيا عام 1978، وكانت بداياته تلفزيونية منذ
أواخر
التسعينات عبر أدوار صغيرة في مسلسلات شعبية مثل
(Pacific Blue)
و(Profiler)
و(The X Files)
ثم شارك ببطولة المسلسل التلفزيوني الشبابي الناجح
(Freaks and Geeks )
عام 2000، وفي السنة التالية قدم أول أدواره الجادة والتي عززت
من حضوره كممثل من
خلال تقمصه لشخصية الممثل الأسطوري جيمس دين في الفيلم الذي يحمل نفس
العنوان (جيمس
دين – James Dean)
عام 2001 وخطف عنه جائزة في الغولدن غلوب عن فئة أفضل ممثل في
فيلم تلفزيوني، وكانت هذه محطة النجاح الأولى التي دفعت به إلى
سماء النجومية، وهذا
ما فتح الباب أمامه ليشارك في ثمانية أفلام في عام 2002.
كان أهم هذه المشاركات في الفيلم الجماهيري
(Spider Man)
في جزئه الأول، الذي
لعب فيه دور ابن الشخصية الشريرة (وليام دافو) التي تقف أمام الرجل
العنكبوت (توبي
مغواير) ثم يستمر وجوده في الجزء الثاني، حتى يصبح هو الشخصية التي تمثل
الشر في
الجزء الثالث من السلسلة في عام 2007.
ووقف جيمس فرانكو أمام ممثلين كبار في عدة أفلام، أمام روبرت دي نيرو
في (City by the Sea)
وأمام بيلي بوب ثورنتون في (Mother Ghost)، ومثل في أول أفلام الممثل
نيكولاس كيج كمخرج، والذي يحمل عنوان (Sonny)
في عام 2002، وشارك أيضاً مع المخرج
الكبير روبرت التمان في فيلم (The company)
عام 2003، ووقف أمام الممثل تومي لي
جونز في فيلم (In the Valley of Elah)
عام 2007.
ويمتلك جيمس فرانكو مواهب أخرى غير التمثيل، كالإخراج وكتابة
السيناريو، حيث
أخرج وكتب في عام 2005 فيلم (The Ape)
الكوميدي، الذي وصف بأحد أسوأ أفلام العام،
ولكن رغم ذلك، فقد مهدت له هذه التجربة بأن يقدم فيلماً مستقلاً ، وكان
عرضه الأول
في مهرجان تريبيكا في نيويورك (الذي يرعاه الممثل روبرت دي نيرو)، وقد أشاد
النقاد
بهذا الفيلم، وبأداء فرانكو فيه.
الرياض السعودية في
12/03/2009 |