شهدت
السنوات منذ بداية الأربعينات وحتي منتصف السبعينات ازدهار إنتاج الأفلام
الدينية والتاريخية في السينما المصرية فقدمت العديد من الأفلام التي
تراوحت مستوياتها التقنية والفنية ومنها هجرة الرسول والشيماء وفجر الإسلام
وبلال مؤذن الرسول وصلاح الدين الأيوبي ورابعة العدوية ورغم أن هذه الأفلام
شارك في إنتاجا القطاع الخاص إلا أن مشاركة الدولة في الإنتاج كان لها عظيم
الأثر في تقديم هذه النوعية من الأفلام التي اختفت تدريجيا في مصر منذ
بداية السبعينات من القرن الماضي وحتي الآن.. وإن كان المخرج والمنتج
السوري العالمي الراحل مصطفي العقاد وقد قدم بدعم من ليبيا فيلم الرسالة في
نسختين الأولي باللغة الإنجليزية وقام ببطولتها أنتوني كوين والثانية
باللغة العربية وشارك فيها العشرات من النجوم العرب وقام ببطولتها الفنان
الكبير عبدالله غيث مع السورية مني واصف ومنذ قدم هذا الفيلم في منتصف
السبعينات، توقف إنتاج هذه النوعية من الأفلام بسبب خروج الدولة من دائرة
الإنتاج السينمائي، وابتعاد منتج القطاع الخاص عن تقديمها خوفا من الخسارة
المادية وعدم إقبال الجمهور علي مشاهدتها في زمن اللمبي وبوحة وكتكوت
وغيرها..والآن وقد ازدهر الإنتاج التليفزيوني وبدأ يشارك في تقديم أفلام
سينمائية من أجل العرض علي القنوات المختلفة والمتعددة سواء فضائية أو
أرضية، لماذا لا تقوم هذه القنوات بهذا الدور خاصة وأنها تنتج أفلاما لا
تهدف إلي تحقيق الربح بقدر ما يشغلها ملء الشاشة بأفلام حديثة.. ولماذا لا
يبادر التليفزيون المصري بإنتاج مثل هذه الأفلام..وأين القنوات الدينية
التي انتشرت في السنوات الأخيرة من دعم إنتاج هذه الأفلام التي يمكن أن
تحقق أرباحا كبيرة سواء من تسويقها فضائيا للعرض التليفزيوني أو حتي في دور
العرض السينمائي إذا قدمت بصورة ترتبط بالواقع. لأن شباب هذه الأيام في
حاجة إلي القدوة ونماذج البطولة والتضحية التي يمكن أن تقدمها مثل هذه
النوعية من السينما التي تحث علي التمسك بالقيم والأخلاقيات...كما يمكن
استخدامها في الدفاع عن الإسلام ضد الهجمات الغربية التي تزايدت بعد أحداث
الحادي عشر من سبتمبر 001 التي حولت حياة المسلمين إلي سلسلة لا نهاية لها
من الأهوال والأزمات وتقف أمام هجمات الإعلام الغربي علي الإسلام والعرب
وتحويلهم إلي إرهابيين بصورة مختلفة لمسناها جميعا بعد نشر الصورة المسيئة
للإسلام وللرسول محمد ومحاولات إشاعة الفتن بين طوائف المجتمع العربي من
مسلمين ومسيحيين أو بين الشيعة والسنة وغيرهم.وهنا نقدم دعوة للتليفزيون
المصري والتليفزيونات العربية لإنتاج قصص من قلب الواقع تعمل علي تصحيح
الكثير من الأوضاع بعد أن ابتعد المنتجون عن هذه النوعية من الأفلام واللعب
في المضمون بالكثير من الأفلام التي لا تقدم جديدا ولا تحمل مضمونا يقدم
نموذجا إيجابيا وقدوة حسنة للمشاهد.الفنانة ماجدة كانت أقوي المتحمسين
لإنتاج هذه النوعية من الأفلام وقدمت أفلاما ناجحة حينما تحدثت إليها
اعترضت علي الملل الذي أصاب المشاهدين من تكرار عرض هذه الأفلام قائلة: هذه
النوعية من الأفلام لابد من عرضها فمثلا في رأس السنة الهجرية لابد أن يعرض
فيلم «هجرة الرسول» ولو أنتجنا فيلما آخر عن الهجرة ماذا سنقدم فيه غير ما
قدم فالدين واحد والأحداث واحدة ولا يمكن تغييرها فلا أتفق مع من يقولون إن
الناس ملت هذه الأفلام وتضايقت منها وإنما يجب أن نزيد من هذه الأفلام
ليعرض بجانب الأفلام القديمة.. لابد أن تشاهد طوال حياتنا حتي تراها كل
الأجيال.. وحينما أنتجت فيلم «هجرة الرسول» أخذت علي عاتقي أعباء إنتاج
فيلم كهذا مهما كلفني حتي يبقي حيا في وجدان الشعوب.. أما عن القصص الدينية
العصرية فهذا اقتراح جيد فالإسلام يحارب في كل مكان اليوم والرئيس الأمريكي
السابق جورج بوش بعد أن قضي علي الشيوعية لم يكن له عدو سوي الإسلام..
وهجوم وسائل الإعلام العالمية علي الإسلام موجود زاعمين أن كل عربي يدافع
عن مبادئه ويتمسك بدينه وإسلامه إرهابي.والقضايا الإسلامية المعاصرة كثيرة
وإنتاج أفلام عنها مهمة المؤسسات والجمعيات الكبري ورجال الأعمال والقيادات
العربية خاصة وأن الأفلام الدينية لا تدر أرباحا كبيرة في الوقت الذي تتكلف
فيه الكثير من الأموال.. ولي الشرف أن قمت بإنتاج أربعة أفلام من إجمالي 11
فيلما أنتجته مصر والعالم العربي.أجور النجومالفنان حسن يوسف أيد الاقتراح
قائلا: المسلسل الديني العصري تكلفته الإنتاجية ستكون أقل بكثير من مسلسلات
أخري تعرض في شهر رمضان ينفق عليها الملايين ولا تعود بنفع علي الأمة
العربية.. إذا وضعنا في الاعتبار أجور الفنانين التي ستقل كثيرا لتقديم
أعمال هادفة وأغلب النجوم سيرحبون بالمشاركة في هذه الأفلام أو المسلسلات..
لذا فالفائدة تكون أعم وأشمل.الفنان محمود ياسين أكد علي أهمية وجود لغة
للحوار مع الآخر وضرب أمثلة من أعمال قدمت للتليفزيون أو السينما منها ابن
سينا وابن رشد والحسن بن الهيثم قائلا هؤلاء يمثلون رموز الإسلام من
العلماء الذين انقذوا الغرب من عصور الظلام إلي عصور النهضة تتحاور معهم من
خلال كل الوسائل وأهمها الفن ومن الجيد تقديم أعمال فنية تتوافق مع متطلبات
العصر وليس أفلاما عن عبادة الأصنام التي قدمتها سابقا علي مسرح المدرسة في
المرحلة الثانوية.ولكن هناك أئمة المسلمين العظام أحمد بن حنبل العالم
الإسلامي الجليل والإمام أو حنيفة النعمان المفكر العظيم والإمام الشافعي
هؤلاء أئمة جادت بهم الثقافة العربية الإسلامية فلابد أن يقدموا في أعمال
فنية.. ومن الجيد أن تكون أعمالنا الفنية من واقع حياتنا مع التذكير بين
الحين والآخر بالعباقرة الذين أدهشوا العالم.. وعدم إقبال الجمهور علي
مشاهدة الأعمال التاريخية تسببت في متاعب كثيرة لهم لعدم رغبتهم في الإثقال
علي أذهانهم إلا أني ألح علي ضرورة تقديمها.. والحفاظ علي اللغة العربية
الفصحي أمر جيد مهما كان صعبا لأنها وعاء القرآن الكريم وإذا لم تقدم
الأعمال باللغة العربية الفصحي فبماذا نقدمها هل باللغة العامية الركيكة..
هل المطلوب أن نأكل لغتنا الجميلة العذبة ونتحدث العامية فالتيسير لا يكون
علي حساب اللغة.. والأفلام الدينية التاريخية لا تتحدث اللغة الفصحي وإنما
تتحدث بلغة العصر الجاهلي الشديد الصعوبة وهي لغة بدوية بداخلها بعض كلمات
الفصحي.هذا عن الفنانين الذين كانت لهم تجارب سابقة في أعمال دينية أو
تاريخية للسينما أو التليفزيون بالتمثيل أو الإنتاج.. ماذا عن الكتاب هل
يتفقون مع نفس الرأي أم لهم آراء مختلفة.سألنا الكاتب الكبير أسامة أنور
عكاشة فاعترض علي ما يسمي قصصا دينية عصرية وقال أنا ضد تقسيم المسألة إلي
فيلم مسيحي وآخر مسلم وأؤيد أن يكون تفسير العمل الديني هو الذي يتناول
المثل العليا طبقا للحديث الشريف «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».فإذا
تناولت قيم الخير والتسامح من خلال تعاملات الناس فأنا أؤكد علي القيم
الدينية دون الاستعانة بشيخ «معمم»..وفي السينما الغربية لا نجد أفلاما
مسيحية عصرية وإنما هناك أفلام الرداء، كوفاديس، بن هور.. وهي أفلام تتناول
بعثة السيد المسيح ولا يقدمون أفلاما تدعو إلي الكاثوليكية مثلا وإنما
يقدمون مبادئ المسيحية من خلال الموضوعات العامة.. وعمرو بن العاص
والشعراوي ليست مسلسلات دينية وإنما تاريخية حيث تقدم السير الذاتية لهما..
وعلي نفس النهج قاسم أمين.. أما الأفلام الدينية فهي التي تتناول البعثة أو
هجرة الرسول مثل فيلم صلاح الدين الأيوبي والرسالة وهي أفلام تاريخية دينية
يحتاج إنتاجها لمؤسسات كبيرة وليست لمنتج يفضل إنتاج أفلام هنيدي وسعد
وكريم.. فليس هناك المنتجون الذين يؤمنون بدور الفن مثل رمسيس نجيب أو آسيا
التي أفلست بعد صلاح الدين والتاريخ مليء بالدراما الغنية سواء من العصر
المملوكي أو العثماني أو حتي الفرعوني والدراما الدينية الحالية لا تجذب
الجمهور لمشاهدتها لأنها مانشيتات وقراءات وقال الإمام فهي منقولة عن كتب
وقالها شيخ معمم علي كرسي في جامع فكيف لهذه الدراما أن تشد الناس ولكن
عبدالسلام أمين لأنه يكتب الدراما التاريخية بشكل جيد استطاع أن يشد الناس
إلي مسلسل هارون الرشيد وعمر بن عبدالعزيز.. الدراما هي الأساس لا أن أقرأ
من كتاب.. ولدينا مثال آخر فيلم «وإسلاماه» الذي يجتذب الجمهور لمشاهدته
مهما عرض لأنه حدوته ودراما جيدة.. فليس هناك دراما عصرية يشاهدها الناس
ودراما تاريخية ينصرف عنها الناس وإنما هناك دراما جيدة.أما الكاتب أحمد
بهجت فأكد علي أن الفن الديني الجيد هو مسئولية الفنانين والكتاب ولكن
كثيرا منهم ينظرون إلي الدين نظرة إلي الماضي البعيد فنجد كل القصص مأخوذة
من الماضي وليست من الحاضر وترتبط دائما بعمة البطل التي تزن نصف طن حتي
أنه ينام بها.. يؤخذ علي هذه الأفلام التاريخية سوء الإخراج وسوء الكتابة
وفي النهاية لا تضيف شيئا للناس.ومسلسل ديني جيد مثل عمر بن عبدالعزيز أعجب
الناس وحصل علي نسبة مشاهدة عالية ولكن لو كانت قصصا دينية عصرية فهو
أفضل... نتمني من الكتاب أن ينقلوا دراماهم من الماضي إلي الحاضر.
جريدة القاهرة
03/02/2009 |