بعد مرور
أكثر من عشر سنوات علي انتاج اول فيلم مستقل لا يمكننا ان نقول عن هذه
التجارب عشوائية , ولا هي ناتج لعدم خبرة صناعها ففي خلال هذه الاعوام
العشرة كان من الممكن ان تحدث هذه الصناعة طفرة في عالم صناعة السينما
الحرة , ولكن ما نراه في بعض الاعمال من تدن للغة الصورة او الحوار او حتي
بعض الافكار السطحية جداً , يجعل هذا الفن بين مطرقة وسندان , مطرقة
الاستخفاف باستخدام الة التصويرالتي اصبح يمتلكها الفقير قبل الغني و بشكل
عشوائي دون دراسة بأولي مراحل تكوين الصورة السينمائية , وسندان جنون
الشباب نحو الشهرة من خلال انتاج افلاما حرة .هذا التخبط في وضع مفهوم صحيح
ومتكامل لهذه الظاهرة يمثل احدي المشكلات التي تقف عائقاً في وجه بعض
المخرجين.كما علقت المخرجة أمل رمسيس علي ان مفهوم السينما المستقلة الذي
نشأ في الغرب يعتمد بشكل اساسي علي العمل الجماعي لكن ما نلمسه الآن هنا في
مصر في بعض الاعمال بل الكثير منها هو محاولة المخرج التفرد بكل مراحل
صناعة الفيلم من تصوير وسيناريو ومونتاج الخ , عوضاً عن استغلال بعض
الأفراد لهذا التيار بصورة نفعية في شكل منح مالية تحصل عليها من جهات
عالمية تقوم بترويج افكار ما وتوضع السينما المستقلة الحقيقية في مأزق
لأنها في النهاية تلتصق بها دون وعي او ادراك انها لا تنتمي الي السينما
الحرة المستقلة لان ما يدعمها من جهات انتاجية يضع حدودا وقواعد واحيانا
شروطا لهذا الانتاج فيفقده اهم ميزاته وهي الحرية في الصناعة.واضافت امل
رمسيس ان المشكلة الثانية التي يعاني منها صانع الفيلم الحر هي مشكلة
التوزيع في دور العرض التي لا تعطي اي اهتمام للافلام القصيرة التي لا
تنتمي إلي اي مؤسسات انتاجية وخصوصا اذا كانت أفلاماً تسجيلية ويضطر اصحاب
هذه الافلام الي الترويج بأنفسهم عن انتاجهم والذي في معظم الاحوال لا يلقي
صدي واسعا إلا في محيط المهتمين فقط بهذا النوع الفني , فبالتالي عملية
استرجاع رأس المال لمواصلة الانتاج من جديد تفشل وتضيع بها المحاولات
الجديدة لإعادة تصوير اي افكار جديدة .نيفين التوني مخرجة فيلم «يوم عادي
جداً» تضع ايضاً مشكلة العمل الفردي في انتاج الفيلم وتصويره ومونتاجه
واخراجه علي عاتق المخرج من اهم المشكلات التي تهين كما ذكرت عمل المخرج ,
فمع محدودية ميزانية الانتاج يتحمل المخرج كافة النتائج النهائية الذي يكون
عليها الفيلم خاصة ما اسمته نيفين بمأزق جودة الصورة التي تتفاوت جودتها
حسب نوع الكاميرا المستخدمة في التصوير , ايضاً هذا العائق يقلل من فرصة
مشاركة هذه الأفلام في المهرجانات الدولية للسينما القصيرة والتي تضع
معايير محددة في شروط قبول الاعمال المشاركة في المسابقات ومن اهمها جودة
الصورة التي تصلح للعرض السينمائي وبالتالي تؤثر كفاءة الكاميرات المستخدمة
في التصوير علي جودة الفيلم بشكل عام , لذلك احلم ان تهتم الشركات
السينمائية سواء الخاصة او التابعة لجهاز السينما اكثر بدعم الافلام
القصيرة الديجيتال دعماً مادياً وإعلامياً يخلو من اي سيطرة علي المخرج حتي
لا يفقد الفيلم المستقل هويته , ولكن يبقي هذا مجرد حلم أرجو ان يتحقق في
الواقع .وتضيف نهي المعداوي مخرجة فيلم حكايات عادية ان الجهات الداعمة
للسينما المستقلة تكاد تكون معدومة هنا في مصر بالاضافة الي عدم اهتمام
القنوات العربية بترويج مثل هذا النوع من الافلام كما يقبلون علي دفع
الملايين من اجل الحصول علي الافلام التجارية حتي القناة المصرية الوحيدة
التي بدأت تبث مثل هذا النوع من الأفلام استغلت حاجة المخرجين لعرض افلامهم
علي اوسع نطاق وبدأت بعرض اعمالهم مجاناً دون ان تدفع اي مقابل لمنتجيها ,
ما يعرف بالسينما المستقلة يخضع لمحاربة كبيرة من قبل بعض الجهات التي لا
تريد اي خصم يعوق حركة السينما التجارية , حتي وزارة الثقافة التي منحت بعض
المخرجين فرصة لإنتاج مثل هذا النوع لم نر الي الآن فيلماً واحداً قدمه اي
مخرج ممن فازوا بهذه المنحة , اما المشكلة الكبري والتي اري انها ستكون
العائق الاكبر لمستقبل صناعة الفيلم المستقل هي القوانين التي لابد ان تكسر
ويعاد صياغتها بمفهوم جديد يناسب المتغيرات التي توجد الآن حولنا , فعلي
سبيل المثال قوانين نقابة المهن السينمائية والتي لا يمكن ان يعرض اي فيلم
سينمائي بشكل تجاري الا بعد ان يحصل مخرج الفيلم علي تصريح بالاخراج منها ,
إن لم يكن عضواً بها من البداية أو تغرمه النقابة غرامة تصل الي المائة الف
جنيه , وبالطبع هذا المبلغ لا يتمكن اي مخرج من هؤلاء الشباب الذي ينتج
افلامه القصيرة علي حسابه الخاص والذي لا ينتظر منها اي عائد مادي من دفع
هذا الشرط للنقابة , لذلك يجب علي المسئولين بدلا من محاربة ابداع جيل جديد
يقول كلمته عبر وسيط الصورة , يجب عليهم ان يحدثوا القوانين بما يتناسب
وطبيعة الوضع الجديد الذي سيفرض نفسه وبقوة في السنوات القادمة , حتي ان
وقف في وجهه الطوفان .إذن هل يعتبر البعض ان صعود تيار الافلام الحرة
والمستقلة في مصر إنذارا خطيرا للأفلام التجارية ذات الميزانيات الخيالية
بعد عدة سنوات , بعد أن اثبتت نجاحاً لا بأس به في السنوات القليلة
الماضية.
جريدة القاهرة
03/02/2009 |