الذين
أهدروا دم الفنان الكبير عادل إمام بعيدون عن الإسلام، لا يعرفون طبيعة
الدين الحنيف، الذي يحض علي الحوار والمجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة لا
بإهدار الدماء.. الخلاف في الرأي في الإسلام لا يستوجب سوي مزيد من
المجادلة بالحسني.. أما الدماء فقد حرم الله سبحانه وتعالي سفكها إلا
بالحق. والحق في هذه النقطة واضح. النفس بالنفس ولم يقل الدين الرأي
بالنفس. لأن في اختلاف الآراء فرصة للتشاور والتحاور، ومزيد من النقاش
لتحقيق الصالح العام للمسلمين.. بل إن من يخرج عن الدين ويكفر بالله يستتاب
حتي يعود عن كفره.. وشدد المشرع علي أن إهدار الدماء بغير حق خروج عن
الدين، الذي حرص علي حماية النفس وحض علي حقن الدماء وحمايتها.. أما الموقف
الغريب والمشين الذي اتخذه البعض من الفنان الكبير فقد جاء عن عدم وعي وجهل
بالدين أولا. وعدم فهم تصريحات عادل إمام ثانيا وعدم استيعاب لهذه
التصريحات ثالثا.. واللعب بعواطف الجماهير المشحونة بالمجازر التي ارتكبها
الجيش الإسرائيلي ضد أهلنا في غزة رابعا. الهجوم الذي تعرض له عادل إمام
ليس بسبب عدم فهم تصريحاته حول غزة أو عدم استيعاب هؤلاء لفنان في حجم
وموهبة وتاريخ هذا الفنان الكبير ولكنه جزء لا يتجزأ من الحرب علي مصر التي
لا يمكن أن ينال أحد منها مهما حاولوا لأن مصر كبيرة باسمها وتاريخها
وشعبها وقيادتها.. ولأن الفنان الكبير واحد من رموز هذا البلد الكبير فإن
الأقزام الذين لا يمكن أن يطالوا فنه ولا موهبته ولا مكانته لدي الجماهير
العربية ظنوا أنهم بهجومهم عليه يمكن أن يطالوه.. إن مواقف عادل إمام
الوطنية جزء لا يتجزأ من تاريخه الفني الإنساني.. وهو الفنان المصري بل
والعربي الوحيد ولا أبالغ إذا قلت وفي العالم أيضا الذي استمرت نجوميته لما
يقرب من نصف قرن تربع خلالها متفرداً علي قمة الهرم الفني في مصر والوطن
العربي. وهو الفنان الوحيد الذي كرمه رؤساء وملوك الدول العربية علي مختلف
توجهاتهم.. كما كرمته المهرجانات الفنية في السينما والمسرح.. وهو الفنان
العربي الوحيد الذي التفت حوله الجماهير من الخليج إلي المحيط مؤمنة بفنه
وموهبته ووطنيته.. عادل إمام ومواقفه الفنية المتعددة وبطولاته السينمائية
التي انحاز خلالها للمواطن البسيط ومشكلاته التي عالجها بأسلوب كوميدي ساخر
ومن خلالها ناقش مشكلات البطالة والإسكان والأمراض الاجتماعية كالتسول
والإرهاب والفساد والاستبداد ومواقفه مع المواطن البسيط المطحون.. عادل
إمام الفنان البسيط ابن الطبقة المتوسطة لم يخرج عن طبقته ولم يتنكر يوما
لماضيه. ولم ينس أصدقاء الدراسة في الحلمية ولا النشأة البسيطة ولا والده
الموظف الريفي هو جزء من نسيج هذا الشعب العظيم. الذي عاش المعاناة وناضل
وقدم الكثير من الشهداء في سبيل قضية الشعب الفلسطيني الشقيق.. لقد عبر
عادل إمام عن رأيه بصدق وإخلاص وحرية وهو رأي الكثير من المتعاطفين مع
الشعب الفلسطيني الأعزل الذي دفع الثمن الحقيقي للحرب علي غزة من دماء
أبنائه ومن اقتصاده الذي تهدم..قيم الخير والحقعادل إمام الذي عاصر حروب
مصر من أجل فلسطين صبيا وشابا ورجلا ورأي كيف عاني الشعب المصري من ويلات
الحروب.. عادل إمام يعرف عدونا جيدا. ويعرف أنه لا ترهبه المظاهرات ولا
يلتفت للشعارات ولا يحركه الرأي العام.. لم يطلب من الشعب الفلسطيني أن
يثور علي قيادته التي ورطته في هذه الحرب غير المتكافئة.. كل ما فعله عادل
إمام أن نصح القيادات الفلسطينية أن تلتف حول شعبها لم يهاجم أحدا ولم
يدافع عن أحد سوي قيم الخير والحق والجمال والحرية.. لقد خاطر عادل إمام
بحياته عشرات المرات، كان موضوعا خلالها علي قائمة الاغتيالات من الجماعات
الإرهابية المسماه خطأ بالإسلامية. لأنه جند موهبته وفنه فداء لمصر التي
عرفها وعشقها فحول الفن من مجرد أداة للتسلية والإمتاع إلي سلاح ضد الإرهاب
والعنصرية من هنا كان انزعاج حماس وحلفائها الشديد وحولوا رصاص نضالهم
الميكرفوني من صدور الصهاينة إلي صدر فنان كاد يدفع حياته ثمنا لمواقفه
ومبادئه.ما قاله عادل إمام أزعج حماس وزبانيتها أكثر مما أزعجهم العدوان
الإسرائيلي.. لأن العدوان يدفع ثمنه أهالي غزة العزل الضعفاء.. أما ما قاله
عادل إمام فهو إيقاظ لهؤلاء الذين يدفعون ثمن مغامرات القادة والمناضلين في
الميكروفونات وعلي شاشات الفضائيات وفي البارات وأحضان النساء.والحقيقة أن
فنان شعبي محبوب مثل عادل إمام لو أراد أن يوجع هؤلاء لفعل ليس من خلال
تصريحات صحفية ولكن من خلال فنه. من خلال المسرح. من خلال الكوميديا، فهي
توجع وتؤلم أكثر مما توجع القنابل وطلقات الرصاص والصواريخ.. لو عبر عادل
إمام عن رأيه بعمل فني لأوجع كل هؤلاء ولسخر منهم الشارع العربي. تكفي
مسرحية واحدة لقلب الرأي العام ضدهم في مصر وخارجها بأسلوب ساخر بسيط سلس
يجرح دون أن يسيل الدماء.. ولكن ماذا فعل عادل إمام..؟ لقد عبر عن رأيه
كمواطن مصري عربي مؤمن بقضية فلسطين. وبحق شعبها في الحياة الحرة
الكريمة..رأي عاقلورأي عادل إمام هو رأي كل إنسان عاقل ملتزم بقضايا وطنه
وأمته والكثير من الفلسطينيين يؤمنون بهذا الرأي، أما تجار القضية
والمتربحين منها فلهم رأي آخر فهم مستعدون للتضحية حتي آخر قطرة من دم آخر
مواطن غزاوي من أجل أن يعيشوا هم وأن يثروا وأن تنتفخ جيوبهم وحساباتهم في
البنوك، وأن يحصلوا علي شرعية الحكم في غزة بدماء الشهداء العزل.فالحرب لم
تكن متكافئة.. والخسائر فادحة.. وفي النهاية توقع حماس - مرغمة بكل أسف..
علي هدنة مع إسرائيل. نفس الهدنة التي رفضتها.. ولم تشكل حماس لجنة لمراجعة
ما حدث. ولا معرفة المتسبب. ولم يقال أحد من المسئولين عنها. بل انطلقت
الخطب في الميكروفونات تزف إلينا النصر الكبير.. واستمع العالم العربي
لأهازيج النصر تحيي الصمود العظيم. فلم يقل أحد لماذا نوقع هدنة اليوم.
رفضناها بالأمس. لم يحكم أحد صوت العقل ومنطق الأشياء. ولم يحاسب أحد علي
آلاف الشهداء والجرحي تري أين ذهب أولئك الأشاوس الذين هاجموا الزعيم
الحقيقي للفن العربي..لقد عبر عادل إمام ليس عن نفسه فقط ولكنه نطق باسم
الملايين من العقلاء العرب بما فيهم الشعب الفلسطيني المظلوم المستباحة
أرضه ومقدراته. والآن بدأت معركة تقسيم الغنائم بين حماس وفتح من يقوم
بالإعمار ومن يحصد ثمن أرواح الشهداء.. إن عادل إمام لا يعيش في برج عاجي
ولم يبتعد عن جماهيره التي التصق بها وعبر عنها من خلال أعماله.. كما اقترب
من قضايا اللاجئين من خلال عمله كسفير للنوايا الحسنة لقد رفض عادل إمام أن
ينافق الجماهير المتحمسة والعواطف المتدفقة المنفعلة وقال قولة صدق وحق في
وجه تجار الحروب والأزمات. كما قالها بالأمس في وجه الفكر الظلامي واليوم
عاد ليؤكد أن الفوضي والغوغائية والشعارات الجوفاء لا تسمن ولا تغني من
جوع.إن ما قدمه عادل إمام للمواطن العربي وقضاياه تقف دول وأحزاب وميليشيات
كثيرة عاجزة عنه.. والآن وبعد أن ذهبت السكرة هل أفادت الشتائم والسباب
وإهدار الدماء وهل نجح أولئك في النيل من الزعيم الفنان العقلاني في زمن
سيطرة العواطف الانفعالية والغوغاء.. بالتأكيد لا لم يستفد الشعب العربي في
فلسطين المحتلة من كل هذا.. ولم تنل التفاهات والسخافات من مكانة فنان صنع
نجوميته بموهبته وفنه ومواقفه الوطنية.
جريدة القاهرة
03/02/2009 |