من بين
خمسة أفلام مصرية بدأ عرضها الأسبوع الماضي،كان هناك اهتمام خاص من عشاق
السينما ونقادها بفيلم ميكانو أول فيلم سينمائي من بطولة تيم حسن الذي حقق
نجاحاً باهرا من خلال أدائه لشخصية الملك فاروق في المسلسل الذي عرض في
رمضان 007، ولم يكن «فاروق» هو أول ما يقدمه «تيم حسن» من أعمال مميزة فقد
سبق له التألق في مسلسلات ربيع قرطبة، نزار قباني،ملوك الطوائف،الانتظار
وعلي طول الأيام ولكن للأسف فإن تلك الأعمال المدهشة لم تعرض علي
التليفزيون المصري وهو الأمر الذي أجل انتشار اسم تيم حسن أكثر من خمس
سنوات! ويبدو أن اقتحام «تيم حسن» عالم السينما كان أمرا حتميا،حيث تتوافر
له كل الأسباب التي تحفز منتجي السينما علي اقتناصه فهو يكاد يكون الوحيد
من بين نجوم الدراما السورية الذين عرفناهم مؤخرا الذي يصلح أن يكون وجها
سينمائيا، وهو مادفع الشركة العربية إسعاد يونس للاتفاق معه علي بطولة
ثلاثة أفلام يقدمها تباعا وكان أولها فيلم ميكانو الذي أخرجه محمود كامل في
أولي تجاربه مع الأفلام الروائية الطويلة ! اللعبة والفيلمميكانو لعبة
ذهنية تعتمد علي تركيب قطع صغيرة من البلاستيك المضغوط بأحجام وأشكال
مختلفة لتكون أشكالا هندسية وتقوم تلك اللعبه علي تنمية الإمكانيات
الإبداعية لدي الأطفال لقياس قدرتهم علي التخيل والابتكار ! ولكن سيناريو
الفيلم الذي كتبه وائل حمدي لم يعط أي دلالة تبرر اختياره لهذا الاسم
عنوانا للفيلم ؟ الذي تدور أحداثه حول شخصية خالد أو «تيم حسن» الذي يعاني
من توابع جراحة في المخ أجريت له وهو في سن المراهقة وأدت الي إصابته بحالة
من فقدان متكرر للذاكرة، بحيث إن ذاكرته أصبحت علي حد وصف طبيبه مثل شريط
التسجيل الذي يفرغ محتوياته كلما امتلأ، ويعيد تسجيل الأحداث الجديدة ثم
يفرغها وهكذا، وهو الأمر الذي جعل خالد يبدو مثل طفل صغير قليل التجربة في
حاجة دائمة لرعاية شقيقه الأكبر وليد أو خالد الصاوي ! ومع ذلك فإن تلك
الحالة الخاصة لم تمنع تميز خالد وتفوقه في دراسة الهندسة وبالتالي في
العمل في مجال تصميم المشاريع الهندسية، ولكن نظرا لحالته الذهنية الخاصة
فإن شقيقه الأكبر كان حريصا علي أن يظل خالد بعيدا عن التعامل مع الآخرين
حتي لا تنكشف نقاط ضعفه !ومع ذلك فإن هذا الحصار الأمني الخاص ينتهك من قبل
أميرة أو نور مديرة العلاقات العامة بالشركة التي يعمل بها كل من وليد
وخالد،من الوهلة الأولي تدرك أميرة أنها أمام شخص مختلف، وتسعي جاهدة
لاقتحام حياته، ويستجيب خالد لمشاعرها وخاصة أنه بدأ يشعر معها بالأمان
الذي يتحول بالتدريج إلي حب، ويتدخل وليد خالد الصاوي في محاولة مستميتة
لوقف تطور تلك العلاقة التي يعرف أنها قد تنتهي بمأساة وخاصة وهو يدرك أن
خالد قد يستيقظ يوماً وقد سقط من ذاكرته أحداث الأيام السابقة، وتصبح أميرة
بالنسبه له وكأنها وجه لم يلتق به من قبل !وهو فعلا ما يحدث بعد أن اعتقدت
أميرة أنها نجحت أخيرا في امتلاك قلب خالد !حكايات فرعيةتلك الحالة
الإنسانية الخاصة كانت جديرة بتقديم فيلم رومانسي شديد العذوبة، لولا أن
كاتب السيناريو وائل حمدي استغرق في تقديم حكايات فرعية غير مجدية، عن
محاولات سمجة من الزوج السابق لأميرة لاستعادتها وإعادتها إلي عصمته، وحتي
يكون لصديقة البطلة دور غير الاستماع الي شكواها،فقد اضطر السيناريست
لتقديم حكاية سخيفه عن اكتشاف «رشا مهدي» لخيانة خطيبها ! ومن المآسي
المتكررة التي نصادفها كثيرا في الأفلام المصرية الحديثة،عدم الاهتمام
بالأدوار الثانوية، واختيار أسوأ العناصر لتقديمها، وإذا صادف أن شاهدت
فيلم ميكانو تبقي تحاول أن تجد مبرراً واحداًَ لأن تتمسك «رشا مهدي» بواحد
مثل الممثل البشع الذي لعب دور خطيبها !هذا بالإضافة للأداء المفتعل لخالد
محمود في دور الزوج السابق لأميرة أو نور أما سميرة عبد العزيز فلم تفرق
بين أدائها لدور أم لفتاة تعمل في مجال العلاقات العامة وأدائها لدور أم
رضا شريف منير في مسلسل «قلب ميت» ! وظهرت في مشاهدها القليلة دون أن تفكر
في تصفيف شعرها وكأنها قامت لتوها من النوم ؟ هذه النوعية من الأفلام تحتاج
إلي مخرج يتوفر له الرؤية الإبداعية والقدرة علي إيجاد مرادف بصري
للسيناريو، ولكن للأسف فإن محمود كامل لم يكن هو المخرج المناسب لتقديم هذا
الفيلم الذي كان ينقصه تكثيف المشاعر الرومانسية وخاصة في وجود ممثل له هذه
الكاريزما والحضور التلقائي مثل تيم حسن ! وكيف يمكن تقديم مشاهد تجسد حالة
الحب الملتهب بين خالد وأميرة بدون أحضان أو قبلات أو تلامس الأيدي وهذا
أضعف الإيمان، وكان لابد للمخرج الشاب أن يشاهد أفلام الابيض والأسود
ليتعلم كيف عبر المخرج «صلاح أبو سيف» عن علاقة الحب التي جمعت بين «عبد
الحليم حافظ» و«لبني عبد العزيز» في الوسادة الخالية من خلال مشهد تلامس
الايدي الشهير، وارتعاشة الشفاة ونظرات العينين، أو ما قدمه عاطف سالم في
فيلم يوم من عمري،أو مشاهد الحب بين فاتن حمامة و«عمر الشريف» كما قدمها عز
الدين ذو الفقار في فيلم «نهر الحب»!ومع ذلك كان الأداء المميز لكل من
«خالد الصاوي» و«تيم حسن» تعويضا عن فقر الخيال لدي المخرج، الذي خنق
الأحداث داخل غرف مغلقة !ولم يجب سيناريو الفيلم علي سؤال بالغ الأهمية
أعتقد أنه لابد أن يمر ببال كل من يشاهد فيلم ميكانو، إذا كان خالد، يفقد
ذاكرته بين الحين والآخر ويسقط كل أحداث الماضي بما تحمله من أشخاص ووجوه
فلماذا ظل يتذكر شقيقه خالد الصاوي! ولكن يبدو أن السيناريست وائل حمدي لم
يحاول أن يجهد نفسه في البحث عن تبرير أو إجابة مقنعة لهذا السؤال.
جريدة القاهرة
03/02/2009 |