بدأت
السينما الفلسطينية خطواتها الأولى في عمان في العام 1970 ومن ثم انتقلت
إلى بيروت، هي كانت سينما تسجيلية، ونشأت في خضم حركة الكفاح المسلح
الفلسطيني وضمن ظروف صعبة وعاصرت أحداثا خطيرة.
السينمائيون الذين ابتدأت تلك السينما بهم كانوا ممتلئين بالحماسة الثورية
ومؤمنين بدور السينما في خدمة الثورة. صنع أولئك السينمائيون أفلامهم ضمن
ظروف صعبة سياسياً وأمنياً وفقيرة مالياً وضعيفة تقنياً. الأفلام التي
أنجزوها كانت مصنوعة بتقنيات السينما التي تحتاج إلى بنى تحتية معقدة
ومتنوعة غير موجودة، وإلى خبرات فنية تقنية لم تكن متوفرة في ذلك الحين
للفنيين العاملين في الأفلام، مع ذلك كثيراً ما وجهت الاتهامات لتلك
الأفلام بأنها متخلفة فنياً، وبأنها أفلام إخبارية دعائية. لا يخلو بعض هذه
الاتهامات من الصحة في حين أن هذه الاتهامات، بعموميتها وتعميمها المجحف
الذي تجلى في النظر إلى كل تلك الأفلام ككل واحد وهو ما نم عن جهل وعدم
متابعة وعدم معرفة بجميع الأفلام التي أنتجت في حينه والتي تميز بعضها
وتنوع في مادته وموضوعه وأهميته المعرفية والمعلوماتية وقيمته الفنية
وأسلوبه.
في
المقابل، عرضت العديد من تلك الأفلام في حينه في المهرجانات والمحافل
الدولية وأسهمت، بالتالي، في الترويج لعدالة القضية الفلسطينية وفضح آليات
العدوان “الإسرائيلي”، وساعد على ذلك انضمام الكثير من السينمائيين
اليساريين من أنحاء مختلفة من العالم إلى جهود صنع أفلام تسجيلية عن
فلسطين. ولم تكن المباشرة والنبرة الخطابية التي سادت بعض تلك الأفلام
لتشكلا عائقاً أمام تقبل الجمهور، خاصة العالمي، لها، كما لم يكن الضعف
التقني ليشكل سبباً للوقوف ضدها. وبالنسبة لغالبية المشاهدين، ما كان مهما
في هذه الأفلام تحديدا أنها كانت تعالج القضية الفلسطينية في جوهرها
وتقدمها كجزء من حركة تحرر وطني ضد محتل غاصب، بالاضافة إلى أنها كانت
سينما تسجيلية سياسية بامتياز، وما كان لها إلا أن تكون كذلك، فقدرها كان
أن تعبّر عن واقع هو في نهاية المطاف واقع سياسي.
السينما
الفلسطينية المعاصرة، التسجيلية والروائية، القصيرة والطويلة، هي الآن أكثر
تطورا من النواحي الفنية والتقنية، وهذا أمر إيجابي للغاية ويدعو للتفاؤل.
تصنع الأفلام الفلسطينية في زمننا الحاضر بظروف أفضل من ناحية الواقع
الحياتي والوضع الاجتماعي، وبإمدادات أفضل من ناحية الإمكانيات المالية
وأسهل من ناحية الوسائل التقنية، فغالبية الأفلام، إن لم تكن كلها، تصنع
بوساطة التقنيات الرقمية التي لا تحتاج إلى البنية التحتية المعقدة، ولا
تحتاج إلى العدد الكبير من الكوادر البشرية الفنية والتقنية كما في السابق.
من جهة
ثانية، لم تعد الأفلام تقتصر على النوع التسجيلي بل تطورت نحو النوع
الروائي، سواء كان قصيرا أو طويلا، والنوع الروائي، بطبيعة الحال، أكثر
جذباً لجماهير المتفرجين ويلاقي اهتماماً أكثر من قبل المهرجانات
السينمائية. ومن المعروف أن بعض هذه الأفلام الروائية الطويلة حصل على
جوائز سينمائية دولية مهمة، مثل فيلم “الجنة الآن” لهاني أبو أسعد، وقبله
فيلم “عناية إلهية” لإيليا سليمان.
ولكن،
وعلى الرغم، من الاهتمام الدولي بالأفلام الفلسطينية الروائية الطويلة
الحديثة، إلا أنه من الضروري ملاحظة أن هذا الاهتمام يظل، في نهاية المطاف،
اهتماما احتفالي الطابع، ولا يشبه ولا يقارن بذلك الاهتمام الذي لاقته
الافلام التسجيلية الفلسطينية في السابق، وينعكس لا عبر جوائز ومظاهر
احتفالية وصدى إعلامي، بل كان ينعكس بشكل خاص من خلال مواقف سياسية متضامنة
مع القضية الفلسطينية، ما أدى بدوره إلى إنتاج أفلام سينمائية تسجيلية
متضامنة مع القضية الفلسطينية من قبل سينمائيين أجانب، ونتج عن ذلك أن
تعبير السينما الفلسطينية، في ذلك الحين، لم يعد يقتصر على الأفلام التي
كان يصنعها السينمائيون الفلسطينيون فحسب، بل صار يشمل الأفلام التي يصنعها
السينمائيون الأجانب المتضامنون مع القضية الفلسطينية.
ويروي
الفيلم الفلسطيني الروائي الطويل “تذكرة إلى القدس” تفاصيل معاناة عارض
أفلام فلسطيني يجول في القرى والمدن الفلسطينية المحتلة حاملا آلة عرض
سينمائية من مقاس 16ملم ومجموعة أفلام تسجيلية، متحملا كل انواع المعاناة
في سبيل عرض الأفلام على المواطنين الفلسطينيين. وفي أكثر من موقع في هذا
الفيلم الذي أخرجه الفلسطيني رشيد مشهرواي توجه زوجة عارض الأفلام الشابة،
وهي تجادل الزوج، نقداً لطبيعة الأفلام التي يعرضها زوجها الذي ينتمي إلى
جيل أقدم، وتنتقد تحديداً، الأفلام الفلسطينية التي ما تفتأ تعرض المشاهد
ذاتها التي يراها الناس في الواقع خلال حياتهم اليومية فلا يعودون، حسب
رأيها، مهتمين بمشاهدتها، لكن الزوج لا يلقي بالاً لانتقاداتها، ويظل يتابع
مهمته التي كرس حياته من أجلها ويظل أيضاً يعرض الأفلام التي يعرف أنها
ستؤثر على الرغم من كل شيء.
الخليج الإماراتية
31/01/2009 |