أم محبة
إذن، الأم؛ الزوجة "منال" لم تشأ أن تنغص صفو الحياة على
ابنتها. صبرت وجاهدت لمساعدة زوجها في أن يتلقى العلاج،
وتشاجرت معه كثيراً لتجعله يوافق على سفر بسمة. هنا سنقف
لنتأمل تمسك الأب وحبه لابنته للدرجة التي تجعله يرفض سفرها
وتركه وهي التي أدخلت البسمة على حياته.
سنتأمل نقاش محموم (حوار رئيسي
Main dialogue)
دار بين بسمة ووالدتها. تقول بسمة لأمها:" الانسان كل حياته
يدور على شريك يفرح ويتبهدل معاه، وانتي لقيتي شريكك. مو أساس
البهدلة اللي قاعدة تتكلمي عنها وماهي عاجبتك، هو دا الدوا
اللي انتي ماسكاه في يدك وتفكري طول الوقت انه حيحل كل مشاكلك
ويرجعلك أيامك حقت زمان. صح؟ متى تقتنعي إنه دا الدواء ما يقدر
ينقذ أحد؟ بالذات اللي نحبهم، نحن اللي بننقذ الناس يا ماما".
يتجلى من هذا الحوار فداحة أننا قد نخطئ في تشخيص أوجاعنا ومن
ثم معرفة علاجاتها التي قد تكون بأيدينا لكننا من فرط الضغط
الوقع علينا لا ندركها.
في مشهد عابر آخر، يقدم د. عدلي الشاي لبسمة بكأسين مميزين.
عندما شاهدتهما بسمة بادرته قائلة: "ماما تركت معاك هدول؟ كانت
تعشقهم". رد عليها قائلاً: انكسروا عليّا اثنين زي ما كسرت قلب
أمك".. هنا ندرك أن د. عدلي يعرف ويعترف بما فعله بأم بسمة.
هذا الاعتراف مهم في فهم شخصية د. علي وفي إدراك بأنه لا زال
يحبها.
ثنايا الفيلم محملة بمعزوفات موسيقية تأثيرية تعبيرية آسرة
صاغتها الكمبوزر "سعاد بشناق" بكثير من الحساسية الفنية
الملائمة للسياق الدرامي الذي نشاهده.
وبأغنيات حالمة معبرة عن ملائكية بسمة على وجه الخصوص:
((♫ ذكرني إيش السبب
♬
وسيبني في حالي. تعبت من تقل الندم. سيبني في حالي ♪))
حب مخبأ يتحقق
مجريات الفيلم تكشف عن قصة حميمة بين بسمة و"مالك" (الممثل
محمد فوزي). طريقة ظهور "مالك" في الفيلم؛ ومن ثم وقوفنا على
عمق العلاقة بينهما صاغته المخرجة بتوليف انسيابي مليء
بالأحاسيس الدافئة. لكن بسمة لا تريد أن تبني علاقة حب مع مالك
فهي تراه صديقاً وأخاً منذ الطفولة ــ لا يتضح من هو مالك هذا
وما حقيقة علاقته بالعائلة. إنه خطأ رسم وتوصيف الشخصيات ــ
وعندما تأكدت من مصداقية حبه لها اقتنع عقلها وسلّمت مشاعرها
بأنه الشخص الذي تثق فيه وتكمل معه الطريق.
غير أننا لن ندرك معنى، أن تكون هي ستة ويكون هو ثمانية
(؟؟؟). استخدام بعض المصطلحات المتعارف عليها عند مؤلف الفيلم
وطاقمه ليس بالضرورة أن يدركه المشاهد؛ ومن ثم يكون بمثابة
نقطة غامضة أمامه؛ وهذا يفقد الحبكة جزءاً من التعاطف معها.
ماستر سين يكشف خلفيات
يبدو أن حالة هياج انتابت د. عدلي.. في غياب بسمة عن البيت..
قذف بملابسها من النافذة وأحدث فوضى بالبيت وحطم الأشياء من
حوله، وعندما عادت بسمة باغتها قائلاً: "الشجرة اللي قاعدة
تراقبنا هو دا اللي يبغى يفضحني وأنا في أسوأ حالاتي.. عمك
هادا فيروس معدي".. حوار مشحون بين بسمة وأبيها، تتجلى فيه
مقدرة الاثنان الأدائية، لا سيما فاطمة البنوي التي أدت ذلك
المشهد بتقمص واحساس عالي. يبوح د. عدلي عن معاناته بسبب
غيابها عنه لمدة سنتين. كان يعاني فيها من فرط حنانه ومحبته
لابنته. نعم هو بعدها عنه وشوقه إليها.
هي مشاعر الأب المحب لبسمة حياته، معاناته لم يدركها أحد ممن
حوله، ولم تستوعب زوجته تمسكه ببقاء ابنته بقربه. يلوم بشدة
قسوة الأم التي تركت ابنتها تتغرب بعيداً عن أهلها لمدة سنتين.
نعم سنتين أضنت مشاعر الأب وأرهقت روحه وجعلته شخصاً لا يحتمل؛
فنبذوه وأقصوه في بيته وحيداً. يفسرها بأنها مؤامرة حاكها عادل
ومنال. شوقه لابنته جعله مريضاً نفسياً، لكنه وحده دون غيره
يعلم أنه ليس مريضاً وأنه ضحية لعدم تقدير وجوده ومشاعره،
ولذلك امتنع عن تناول الأدوية. أخذ يبكي بحرقة. كانت لحظات
تطهير. وكان يعبر عن حقيقة.
نظرة جانبية
فيلم "بسمة" ليس للفرجة السطحية، ولا للمتفرج الذي لا يتعمق في
التفكير ليصل الى شفرات ثنايا القصة والعلاقات، بل أن هفواته
ونقائصه جزء من متعته في التلقي.
هو فيلم يستقصي شيئاً من مكابدات الأهل والعائلة عندما تتغرب
بناتهم للتعليم في الخارج. إشكاليات إنسانية بدأت مع برنامج
الابتعاث الذي أقرته الحكومة؛ بفضل توجيه الراحل المغفور له
الملك عبدالله بن عبد العزيز يرحمه الله، وأحدث الكثير في
تنمية البلاد.
هو فيلم يلتفت الى هذه النواحي التي لم يلتفت إليها أحد من
قبل، ولذلك كان إنتاجاً مقدراً لفاطمة البنوي والمنتج الواعي
"محمد حفظي" والمنتجة المتمكنة ولاء باحفظ الله..
هو فيلم ناضج في أفكاره لكنه مربك في اكتمال تنفيذه الفني،
افترض أن المتفرج سيستوعب حبكته البسيطة، لكنه عقدها بسبب عدم
دراسة السيناريو بتمعن مكثف.
تظهر في الفيلم شخصيات لا يستوعب المشاهد دورها وما مكانتها
الدرامية في السردية، تخفت الحوارات في عدة مشاهد، إذ استلزمت
مراجعتها قبل تنفيذها وتصويرها.
كثير من الكلمات والجمل تنطق في الفيلم لم تكن واضحة؛ إما بسبب
سرعة نطقها أو بسبب سوء نطقها وغموض مخارج الحروف عند بعض
الممثلين، لكن مع هذا فإن أداء البنوي والساسي والتركي وحكيم
وسندي كان من التجويد ما يحيل الى خلق تعاطف قوي مع الشخصيات
التي أدوها.
فيلم رومانتيك كوميدي يركز على بسمة؛ فهي الشخصية الفاعلة وهي
محركة الأحداث وبؤرة إلتفاف جميع شخوص الفيلم حولها؛ ولأن
عنوانه باسمها: بسمة، فهو مبني عنها ليحكي قصتها؛ وهو لها في
بناءه الأدبي والدرامي.
تمثيل واثق ومتقن للمثلة مي حكيم. بليغ للممثل عبدالله التركي.
منسجم لطراد سندي ومحمد فوزي وسوزان أبوالخير. الأكمل لفاطمة
البنوي، واللافت لياسر الساسي.
فيلم لطيف وجميل لا يرهق مشاهده بقدر ما يحرك تفكيره في حياته.
إيحاءات رمزية جديرة بالتأمل
ــ خرجت بسمة مع خالد وشهد وهم يرقصون تحول كل من حولهم الى
دجاجات وخرفان (!!!).
ــ عندما تتأزم بسمة نفسياً تلتهب الحساسية في جسدها.. "فيه
ناس عندهم حساسية من الفول السوداني.. أنا عندي حساسية من
العائلة".
ــ بسمة تبرعت بشعرها المقصوص لمرضى السرطان بمركز جدائل الحب.
ــ لقطات جمالية لشاليهات البحر القديمة.
ــ لا تلوموني.. كنت ترافولتا. عملوني جيم كاري. هم اختاروا
وأنا لازم أجاري!
ــ ذات لحظة شعرت بسمة بأن أبيها قد تماثل للشفاء.. مزقت أوراق
الصحف والجرائد التي تغطي زجاج واجهة البيت وأخذت ترقص احتفالا
بهذا الشفاء.
وجهة نظر عادل
"أبوكي محبوس في أفكار مو بيده انه يغيرها. أمك كانت حتطلب
الطلاق؛ بس فكرت فيكي، استنتك لين ما اتخرجتي وشجعتك على
المجال اللي تحبيه طول عمرك، لين شافتك ناجحة ومبسوطة.. لكن
أبوكي ما قدر يكون معانا في لحظة من دي اللحظات.. لأنه مرضه
منعه.." هكذا وضّح العم "عادل" الحقائق الغائبة عن بسمة، بأداء
بليغ من عبدالله التركي. لعلها تغفر وتفهم ما صنعته والدتها
لها.
ــ "كنت أحسّب أن الهندسة البيئية راح تساعدني على تغيير
العالم من حولي؛ لكنها ساعدتني على تغيير نفسي في الحقيقة".
((♪ لو محبوس في الماضي كنت حكون في داك الزمن
ما حنام.. ما حنام حبنيلك عالم في المنام ♪
♬الدنيا
حلوة زي الاحلام)) |