شيخ الحبوب والشيخ الحسيني
انقلابة (سويتش) غير متوقعة يتحول فيها الفيلم الى آكشن؛ ويظهر
شيخ الحبوب «بن هام» (الممثل جميل علي)؛ يستحضر "أبومعجب"
بالقوة، ويحاسبه على التأخير في سداد ديونه المترتبة عليه جراء
مسحوباته من الحبوب.
قبل ذلك تكون الكاميرا انتقلت الى سهرة في نادي ليلي يديره
خواجة (المخرج المصري خيري بشارة في ظهور شرفي)، وهو كما يبدو
عميل وشريك بن هام. بن هام شخصية إجرامية أداها الممثل جميل
علي باقتدار.
ثم تقود أقدار الليلة الى الثري فهد حسيني (الممثل أحمد
عبدالمنان). عرض على كولا زواج المسفار وتغيير اسمها الى صولا؛
وأن يصنع لها أمجاداً لا تحلم بها.. منطق آخر للفساد الذي
تجلبه حياة الليل.
نجم وهلوسة مع صياد ومكوجي
تلعب الهلاوس بأبي معجب؛ فيتخيل صياد يلقاه على قارعة الطريق؛
فيصطحبه معه في باص الفرقة.. يدور حوار رائع بين الصياد
(الممثل خالد صبان) وبين أبومعجب. حوار هذياني، لكنه محمل
بالحكمة والكلام الذي لا يشبه الكلام.
ـ ـ ((يا بومعجب المصلحة نصفين/لا ربح الله من خانك
وا دانة أحطك في قلبي واقفلوا قفلين))
سيدة تمتلك بيت على البحر «شادية» (الممثلة لنا قمصاني)
ووصيفتها (الممثلة فيّ فؤاد).. حالة أخرى من العوالم الهامشية
الثرية بالمال والانفلات، حيث الحياة بلا هدف والترفيه هو
الأساس.
ولا تنتهي الشخصيات والمفارقات والعوالم المتاخمة لعالم نجم
وكولا وسيلفر وطرطر في الفيلم حتى تتم آخر سهرة.
مكوجي في حارة؛ يثرثر معه نجم بما يخبئه وجدانه ونظرته لحياته
وعمله.. كلام موزون.. كلام على قدر الكلام، ولكن ما هو هذا
الكلام؟
ثلاثية الليل والطرب والمخدرات
فيلم خارج السياقات المعتادة في السينما السعودية المستقلة
الحديثة، وسيظل خارجه، وان تشابه السياق الموضوعي العام مع
موضوع فيلم "حد الطار" لعبدالعزيز الشلاحي2021م؛ إلى حد ما.
عادةً الأفلام التي تتناول عوالم المغنيات أو الراقصات
والطقاقات تكون مثيرة، لأنها عوالم التمرد على العرف الأخلاقي
الاجتماعي؛ عوالم لها قوانينها، غالباً ما ينخرط فيها أشخاص
متحررون يكون الكسب المادي هو شاغلهم، وبالتالي لا يتوانون في
عمل أي شيء تحتمه حياة الليل، وتكون المخدرات الوقود المغذي
لهذا التمرد.
من هنا يطلق محمود صباغ عبر فيلمه "آخر سهرة في طريق ر" همسة
تحذيرية من أثر المخدرات، فهو وكما يطرح الفيلم يتعاطى "سيلفر"
و"أبومعجب" كل ما يقع في أيديهم من حبوب ومخدرات وحتى ما يسمى
"الشبّو" والنتيجة ضياع روحي وجسدي وعقلي وموت مفاجئ.. وكأن
القدر حمل هذه الرسالة ليموت الممثل سامي حنفي في أرض الواقع؛
فيهدي المخرج الفيلم الى روحه.
ليالٍ متداخلة
براعة المخرج محمد صباغ تكمن في نسجه لخيوط هذا العالم، بهذا
الأسلوب الفريد، وحرفته تجلت في صناعة فيلم ليس يسيراً في
تحقيق عناصره الاساسية، كما أراد لها. تلاعب في وقت الليل وزمن
سرد الفيلم ليبدو ليلة واحدة ممتدة طويلة، وفي نفس الوقت جعلنا
نفهم أنها ليالي متداخلة في أزمنة عاشتها الفرقة. لغة إيحاء
ذكية تنساب عبر الحوارات، وهي أحيناً ليست حوارات؛ إنما
مونولوجات داخلية مسموعة في شكل بوح هذياني وأحياناً كلام مجرد
كلام من عمق شخوص البيئة، وعندما يكون ديالوج نستكشف خفايا تلك
الشريحة من هذه الطبقة الاجتماعية الهامشية.
صباغ قاد ممثليه (الابطال والمساندين والكمبارس) الى الوصول
لدرجة الأداء التقمصي الاستبطاني الكامل، كما كان يفعل إيليا
كازان ولي ستراسبرج مع ممثليهم في استديو الممثل، ولا أبالغ.
إيحاءات لغة الأجساد والعيون والمحمول الدرامي تنبلج هنا
وهناك؛ في كثير من المشاهد؛ بل في العديد من اللقطات العابرة؛
لترمي ايحاءً معيناً وينتقل الروي السينمائي إلى آخر وغيره..
هي حرفية كتابة السيناريو المتعمق؛ ليجعل الإيحاء في بعض مشاهد
الفيلم ولقطاته أبلغ من المباشرة التبليغية، ولأن قوى الايحاء
أشد وقعاً وتأثيراً على المتلقي، بل انها تجعل منه مشاهداً
متفاعلاً مع الاحداث والمنطوق اللفظي حتى لو كان كلمة هامسة،
أو لقطة بان سريعة أو زوم خاطف.
نستسلم للسرد بسبب الإيقاع الحيوي، المونتاج المدروس عبر تحرير
لا يترك للمشاهد لحظات تسرقه من الاندماج مع ما يدور على
الشاشة أمامه.
السهرة الأخيرة
مخيم يمتلكه "المعزِّب ـ الشيخ مفرّج الكبير" في مكان نائي على
طريق (ر)؛ سافرت الفرقة إليه بالطائرة. هناك تكتمل خيوط
المأساة. تلتقي كولا بالفنان "عبود" وينقلب الحال على نجم،
بعدما أوحت له كولا بأنها رضخت لحبه ولانت له.. هذا ايحاء لا
يفضحه السيناريو بمباشرة ساذجة.
ـ ـ ((غيّار باين في كلامك في ابتساماتك لي في ضحكتك بصرار
يا خِلّي علامك؟
المحبة وفا واسرارها اسرار.. يا خلي علامك؟))
مشهد أخير: شمس الفجر بزغت و"نجم" المهموم الخاسر هائماً نحو
الشمس في صحراء شاسعة.. ويا خلي علامك؟
ينزل التتر الختامي للفيلم بينما موسيقى ندى الشاذلي تناجي
حواسك بتعبيرية خلاقة؛ قبل أن تغادر صالة العرض. |