-1-
أذهب دائما لقراءة وتأمل تجربة الكاتب المبدع أمين صالح،
بمعزل عن تجربة الشاعر قاسم حداد، لأن في ذلك إنقاصا لتجربة كل مبدع منهما، رغم
الالتباس الذي روج له الصديقان، والذي للأسف أخذ منحى آخر عند المتلقين لتجربة
كل من أمين صالح وقاسم حداد. وخلق من هذا الارتباط القوي انعكاسات لا تصب في
قيمة كل تجربة إبداعية عند كل من أمين صالح وقاسم حداد، ذلك إن الإبداع مشروع شخصي
قائم بذاته، حتى مع المشاريع التي يحاول المبدع فيها تأسيس تجارب مشتركة، مثلما
يحدث بين الفن التشكيلي والشعر. أو ضمن مشاريع إبداعية تكشف تقارب وجهات النظر
نحو الأدب والإبداع بشكل عام، مثلما فعل الصديقان في بيانهما المشترك، أو في
مشروع كتاب »الجواشن«. ورغم ما تحققه هذه المشاريع الثنائية المنبثقة من وعي ثنائي في حقل إبداعي واحد ينهض أساساً على اللغة وفضاء
الإبداع،
إلا إنه ينبغي النظر إليها ضمن سياقها الخاص بها، دون تعميمها على تجربة كل
مبدع لأن في ذلك ظلم فادح على القيمة الإبداعية الشخصية عند كل كاتب، مهما كانت
تقارباتهما الفكرية والإبداعية، ومهما ترك كل مبدع من أثر في
إبداع الآخر.
-2-
منذ مجموعته القصصية الأولى
»هنا الوردة هنا نرقص« التي صدرت في العام ٣٧٩١ كان أمين صالح يؤسس زمنه السردي
والفني الخاص به على قاعدة ثابتة ولكنها غير ساكنة، وغير خاضعة لشروط ثابتة،
تتطور مع كل تجربة لتقدم للمنتج العربي إبداع من نوع خاص جداً، مخلص لمشروعه،
وذاهب نحو مناطق جديدة على مستوى الشكل واللغة والبناء، مما خلق أرباكا ظاهرا لدى النقاد والقراء والناشرين في
حيرة عند تصنيف بعض مؤلفات هذا المبدع،
والتي تشكل بحد ذاتها حيلة جميلة من حيل أمين صالح الذي لا يكف عن إدهاشنا دائماً.
منذ وردته الأولى،
مرورا بمجموعته »الفراشات« و »الصيد الملكي« و »الطرائد« و»ندماء المرفأ..
ندماء الريح« و »العناصر« ومؤلفاته الأخرى،
كان أمين صالح شاعرا مخلصا للغته أكثر من التجارب الشعرية التي
طلعت علينا في المشهد الإبداعي البحريني، بل إنه كان قادرا على تطوير مشاريعه
على عدة مستويات، من خلال البناء العام لمشروعه السردي/
الشعري، على مستوى اللغة والصورة الشعرية والسريالية، القادرة على سبر مكامن
النفس البشرية، حتى وهو يذهب بمشاريعه الأولى في
مرحلة مبكرة معبرا عن أخلاص متميز للسّريالية، دون كل الكتّاب في البحرين، وهو
في ذهابه ذلك يستوحي منها - ليس لكونها مذهباً أدبياً - بل لأن أمين صالح وجد
فيها أهم ما يبحث عنه حول قيمة اللاوعي
وتفجير اللغة والصورة لما
يخدم نصه السردي، حتى باتت قصصه القصيرة أكثر شعرية من قصائد الشعراء، ولهذا
السبب أرى في المنتج الإبداعي عند أمين صالح طاقة كبيرة أعطت ثمارها بتأثيره
على المشهد الإبداعي عند الشعراء وكتاب القصة. وهو الجانب الذي يستحق الدرس
لإيفاء هذا المبدع حقه، خاصة في تطور التجربة الشعرية في البحرين، التي قام بها
من خلال اشتغاله على السرد القصصي
والنثري والشعر والترجمة، وبلاغة الصورة المكتوبة والمرئية والفنتازية
والغرائبية، والذي أعتقد أن اخلاصه المبكر لتجربته على حساب التحزب والعمل
السياسي
الذي وقع فيه أغلبية المبدعين، كان سببا جوهريا في أن تشكل تجربته تطوراً سبق
به الشعراء، مثلما سبق به كتّاب القصة القصيرة والسرد.
-3-
إن شمولية الكاتب المبدع أمين صالح لم تؤسس فقط أشكالا إبداعية
جديدة على مستوى الشكل واللغة،
بل أنه يمكننا أن نتحدث عن قاموس لغوي
تأسس مع تجربة أمين صالح، هذا القاموس الذي من السهل أن نرى تأثيراته اللغوية
الواضحة على المشهد الإبداعي
والشعري خاصة، ولكن للأسف لم يلتفت نقاد الشعر إلى دور هذا
الاسم،
فقط لأنه لم يقدم نفسه كشاعر، مع أن تجربته تنطوي على شعرية غير متوفرة عند
العديد من يمارس كتابة الشعر.
-4-
أمين صالح، قنديل الحركة الإبداعية التي
لم تأخذ حقها حتى الآن من الدرس والفحص. قنديل قادر على إبهارنا دائما، بكل ما
هو جديد، وغامض، وشهي، وسلسل ومثير للدهشة.
كتب - فريد
رمضان
الأيام البحرينية في 22
ديسمبر 2007