كتاب البحرين الثقافية
«
سينما مطرّزة بالبراءة »
إضافة سينمائية جديدة للمكتبة العربية
منذ 2004، كان عباس كيارستمي حاضراً عبر صفحات
ملحق «رؤى»، من خلال أهم الترجمات التي كان يقدمها الروائي والسنارست أمين
صالح، أذكر منها « عشرة... أن تحب المرأة نفسها أكثر» وتبعتها ترجمات كانت توضع
بعناية فائقة، وكأنها كانت تقرأ مفاصل التجربة لدى كيارستمي، قراءة تشريحية
ناقدة، بلغة البحث في التفاصيل للوصول برغبة الطامع في المعرفة.
معرفة الفلسفة والرؤية السينمائية التي كان يقف
عليها الايراني في وضع أفلامه، التي كانت تتميز بالبساطة ولا أجد أفضل من
التأكيد على ذلك، إلا بشهادة أستلها من كتاب «سينما مطرّزة بالبراءة» الصادر
مؤخراً عن وزارة الثقافة-عبر مشروع كتاب البحرين الثقافية، لعملاق السينما
اليابانية كما يصفه مترجم ومعد الكتاب أمين صالح، فقد أشاد أكيرا كوروساوا،
بأفلام كيارستمي لبساطتها وعمقها وروعتها، واعتبره واحداً من كبار المخرجين في
السينما العالمية المعاصرة. قال عنه: «عندما رحل ساتياجيت راي شعرت بكآبة
وإحباط تام. لكن بعد مشاهدتي لأفلام كيارستمي، اقتنعت بأن الله قد اختار الشخص
المناسب ليحل محل ساتياجيت راي».
عباس كيارستمي (المخرج، كاتب السيناريو، المونتير)
كما يتحدث الكتاب،كان إسماً معروفاً وبارزاً في الأوساط السينمائية العالمية،
حتى قبل أن يحرز فيلمه «طعم الكرز» (1979) الجائزة الكبرى – مناصفةً – في
مهرجان كان. أفلامه لقيت الترحيب والاحتفاء في المهرجانات الدولية نظراً
لقيمتها الفنية وعمق مضامينها وجدّة أشكالها.
فقد اعتبره الكاتب والمخرج الأمريكي كوينتن
ترانتينو، من المخرجين العمالقة في العالم. من جانب آخر قال عنه جان كلود
كارييه، كاتب السيناريو الفرنسي الشهير: «سينما كيارستمي مطرّزة بالبراءة. إنها
مباشرة وبسيطة، وهي لا ترفع أي شعار، فلا مجال فيها للاستطرادات ولا لرفّات
الجفن. الفيلم يعطي الانطباع بأنه يخلق نفسه تلقائياً دون أي أسلوب مقرّر
سلفاً».
أما الممثل الفرنسي ميشيل بيكولي، تحدث عنه فقال:
«حين أشاهد فيلماً لعباس كيارستمي، ليس القرن الأول للسينما هو الذي أرغب في
الاحتفاء به، بل بكيارستمي الذي يعرف الاحتفاء بالقرن الثاني للسينما. كيارستمي
ينجز الأفلام بفضل مخترعي السينما، لكن هؤلاء المخترعين أنفسهم سيكونون معجبين
باختراعهم عندما يشاهدون حكايةً يرويها كيارستمي».
كتاب وضعه الروائي أمين صالح، في 348 صفحة، كان
مقسما بين صيغ التقديم والتعريف و قراءة في التجربة عبر مقاربة أفلام كيارستمي،
وانتخاب ابرز الحوارات التي اجراها مع الصحافة و المقالات التي كتبت حول
أفلامه.
* * *
ولد عباس كيارستمي في طهران، العام 1940، ضمن
عائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. والده مصمم ديكور منازل.
كان عباس مفتوناً بالفن منذ صغره، وقد درس الفن في
الجامعة. وهو يشير إلى فيلم فلليني «الحياة الحلوة» الذي أثّر عليه كثيراً
وحثّه على فهم رؤية المخرج وأعطاه فكرة دقيقة عن الوظيفة الحقيقية للسينما.
بعد الجامعة تخصص في تصميم وتصوير مقدمات الأفلام
والعناوين، ثم عمل في المجال الإعلاني، إضافة إلى تصميم كتب الأطفال.
في العام 1969 طُلب منه المساهمة في إنشاء قسم
للسينما في معهد التنمية الثقافية للأطفال والشباب. وقد أنتج هذا القسم العديد
من أفلام كيارستمي وآخرين.. وهي أفلام قصيرة ووثائقية.
* * *
من أفلام كيارستمي القصيرة والوثائقية والدرامية
الطويلة:الخبز والزقاق (1970) أول أفلامه القصيرة. عن صبي يعود إلى البيت
حاملاً الخبز. وفي الزقاق المؤدي إلى بيته، يعترض طريقه كلب. الكاميرا ترصد
انفعالات وتصرفات الصبي في موقف كهذا.
وقت الراحة (1972) /التجربة (1973) /المسافر
(1973) أول أفلامه الطويلة. عن صبي يفضّل أن يقضي أوقاته في طرقات القرية يلعب
كرة القدم مع رفاقه على أن يبقى في البيت ليحلّ واجباته المدرسية. حين يعلم بأن
الفريق القومي سوف يلعب في طهران فإنه يقرّر الذهاب إلى هناك. ولكي يحقق هذه
الرغبة فإنه يضطر إلى سرقة والديه، والاحتيال على زملائه في المدرسة، والتلاعب
بأشياء الفريق/ أنا أيضاً أستطيع (1975) /حلان لمشكلة واحدة (1975) وثائقي
مدّته 54 دقيقة. / ألوان (1976) /بذلة الزفاف (1976) /كيف تستفيد من وقت
الفراغ: رسم (1977) /التقرير (1977) فيلمه الطويل الثاني. /تحية إلى المدرسين
(1977) /الحل (1978) /حالة أولى، حالة ثانية (1979) /النظام أو الفوضى (1981)
/الكورس (1982) /المواطن (1983) /وجع الأسنان (1983) /تلاميذ الابتدائية (1985)
وثائقي مدته 85 دقيقة. تدور أحداث الفيلم في مدرسة ابتدائية، عن التحقيقات التي
تجريها إدارة المدرسة مع الطلبة المشاغبين. استجواب، اعتراف، إعلان التوبة. هذه
الطقوس تتكرّر المرّة تلو الأخرى. / أين منزل صديقي؟ (1987) فيلمه الطويل
الثالث الذي لفت إليه الأنظار وحقّق له شهرة عالمية عندما عرض في مهرجان
لوكارنو. وهو الجزء الأول من ثلاثية سوف تشمل: وتستمر الحياة، تحت أشجار
الزيتون.
أحداث هذا الفيلم تدور في قرية بشمال إيران. صبي
(أحمد) يكتشف أنه أخذ بالخطأ دفتر زميله في الصف. ولأن المدرّس هدّد الزميل
بالطرد من المدرسة في الغد إن لم يكتب واجباته المدرسية، فإن أحمد يقرّر إعادة
الدفتر على الرغم من تحذيرات أمه. هو يذهب إلى القرية المجاورة باحثاً عن مسكن
زميله لكن لا يجد عند الكبار، الذين يسألهم، غير التجاهل واللامبالاة والنصائح
العقيمة.. وبـحثـه هذا يصبح رحلة اكتشاف.
فيلم الواجب المدرسي (Homework
1989) وثائقي مدته 86 دقيقة. يقول
كيارستمي بأن هذا ليس فيلماً بل تحقيقاً سينمائياً استلهمه من المعضلات
التعليمية التي واجهها أحد أبنائه والتي كان يسمعها كل ليلة. الفيلم يتألف من
مقابلات مع التلاميذ، صوّرها في المدرسة، وفيها يتحدث هؤلاء عن الكم الهائل من
الواجبات المدرسية المرهقة، وعن الإغواء الذي تمارسه أفلام الرسوم المتحركة،
وعن العقاب.
الفيلم يوجّه نقداً صريحاً للنظام التعليمي في
إيران، هذا النظام الذي يميل إلى العقاب أكثر من تغذية مخيلة الطفل. |