هذا الكتاب لا يعني كثيراًَ بالدراسات النظرية ـ من وجهة نظر نقدية ـ حول
فن التمثيل السينمائي، والتي هي قليلة جداً قياساً إلى تلك الدراسات
والبحوث والنظريات التي تتمحور حول فن التمثيل المسرحي، بل يحاول ـ الكتاب
ـ سبر هذا الفن وكشف مختلف جوانبه واتجاهاته وأساليبه وعلاقاته بالعناصر
الفنية الأخرى، ذلك من خلال التركيز على آراء وشهادات السينمائيين أنفسهم
من ممثلين ومخرجين وفنيين، لاعتقادنا بأن هؤلاء أقدر من غيرهم على كشف
خاصيات وخفايا فنهم، حيث أن هذه الآراء والشهادات نابعة من تجاربهم
الخاصة.. المهنة والحياتية.
هذا الأمر استدعى بالضرورة الإطلاع على عدد كبير من المقابلات الصحفية مع
الممثلين، والمنشورة في المجلات السينمائية، الأمريكية والإنجليزية
تحديداً، إضافة إلى بعض الكتب المتصلة بالتمثيل السينمائي. وكان طموحنا هو
الإحاطة بكل، أو على الأقل، بأغلب ما يتصل بالتمثيل.. ففي هذا الكتاب نحاول
رصد المفاهيم المتعلقة بالتمثيل وبواعثه وعناصره ومصادره وتقنياته
وتأثيراته وتحولاته، إضافة إلى علاقته بالكاميرا والإخراج والسيناريو
والمونتاج وبقية العناصر الفنية الأخرى، وكذلك المظاهر المتعددة التي تتصل
بالتمثيل.
ونود الإشارة هنا إلى ندرة الدراسات والبحوث بشأن التمثيل السينمائي،
فالمصادر ـ الأجنبية والعربية ـ قليلة جداً وهي في أغلبها تتعرض للسيرة
الذاتية للممثلين مع استعراض سريع لأعمالهم دون التعرض لمفاهيمهم وآرائهم
حول طبيعة المهنة وما يتصل بها من علاقات وإشكاليات. وحتى الأحاديث الصحفية
نلاحظ بأن أغلبها تهتم بأشياء هامشية تتعلق بالحياة الشخصية أو بالشائعات
وغير ذلك، والقليل جداً من هذه الأحاديث تضيء مظاهر جوهرية في التمثيل.
عبر هذا الرصد لمختلف مظاهر وقضايا التمثيل، نسعى إلى تقديم صورة واسعة
وواضحة لهذا الفن، من داخله، وليس من خلال تصورات وتقييمات وأحكام مفروضة
من الخارج. لهذا فقد آثرنا عرض الصورة بموضوعية تامة دون اتخاذ موقف نقدي،
ودون الانحياز إلى موقف ما أو وجهة نظر معينة، سواء اتفقنا أم اختلفنا مع
الآراء المطروحة، فلكل وجهة نظر مبرراتها ومنطقها وحتى فلسفتها. وفي
التمثيل، بالذات في جانبه التطبيقي، النتيجة النهائية هي المهمة، فما نراه
مجسداً على الشاشة من أداء هو ما يثيرنا ويحرك مشاعرنا ويدفعنا إلى التفاعل
أياً كان منهجه أو رأيه أو موقفه.
أيضاً سوف يلاحظ القارئ بأن ثمة وجهات نظر عديدة متناقضة ومتضاربة في مختلف
الشؤون المتصلة بالتمثيل من مفاهيم وممارسات، وذلك لسبب بسيط: أن هناك
أساليب ومناهج وطرائق ورؤى متنوعة حسب تنوع وتعدد التجارب الشخصية لكل
ممثل، والتي هي تجارب متباينة ومتعارضة بطبيعة الحال، لأنها تنطلق أساساً
من خلفية وموقف ورؤية فردية خاصة على الصعيدين العملي والنظري. بالتالي،
نحن هنا لسنا في مجال المفاضلة أو الانحياز لرأي ضد آخر.
مادة هذا الكتاب تتألف من مقتطفات منتقاة من مقابلات وشهادات ومقالات
ودراسات في مجال التمثيل السينمائي حيث الممثل، أو السينمائي، يتحدث أو
يؤول أو يشرح وجهة نظره الخاصة في أحد أوجه أو مظاهر التمثيل.
إن فن التمثيل السينمائي حقل بكر ـ معرفياً ـ ولم يتعرض للارتياد والسير في
وسطنا الفني، أو الثقافي، على الرغم من ثرائه وأهميته، نحن جميعاً نشاهد
الأفلام، وربما يتابع الكثيرون منا أخبار النجوم أو قراءة المقالات النقدية
حول الأفلام، لكن القلة تعي كل القضايا والإشكالات والمظاهر المتصلة
بالتمثيل، ولعل هذا ما دفعني لإصدار هذا الكتاب الذي أعتقد بأن الآراء
المطروحة فيه هي مفيدة وتعمق وعي المتعاملين مع مجال التمثيل بوجه خاص،
والمهتمين بهذا المجال بوجه عام.
وآمل أن يثير هذا الكتاب شهية الكثيرين لمعرفة المزيد عن التمثيل
السينمائي.