لاتزال الحروب هي الموضوع الأكثر رواجا في صناعة السينما سواء عند المدافعين عن
ضرورة الحرب في الأفلام مثل المخرج كلينت إيستوود في فيلمه (رسائل من
إيوجيما2006)، أو عند المؤمنين بضرورة الحل السلمي من خلال عرضهم لمساوئ الحرب
مثل فيلم المخرج رومان بولانسكي (لاعب البيانو 2002 ).
ودائما كان للحروب تأثير مباشر على صناعة السينما منذ بداياتها، سواء بتطوير
أساليبها كما فعلت ليني رفينشتايل عندما دعمها الحكم النازي من خلال تمويلها
لإخراج أفلام يظهر فيها هتلر بأنه مخلص البشرية من الشرور والتي جربت في تلك
الأفلام وجهات نظر جديدة للمونتاج وغيرت شكل الفيلم الوثائقئ من بعدها وساهمت
في تطور السينما أيضا. أو أن يكون تأثير الحرب سببا في انتشار موجات من الأفلام
كالسينما التعبيرية الألمانية والواقعية الجديدة في إيطاليا.
التعبيرية الألمانية.. هروب من الواقع
كانت التعبيرية الألمانية إحدى أهم الموجات في تاريخ السينما العالمية والتي
حدثت مابين الفترة 1918 إلى 1930، وكانت الأفلام في تلك المرحلة تحاول الهروب
من واقع ألمانيا المرير بعد الحرب العالمية الأولى وانتشار البطالة والتضخم
المفرط والتنافس السياسي المسلح كما يذكر إيان روبرتس في كتابه عن السينما
التعبيرية. وكانت طبيعة الأفلام سيريالية ومظلمة وكئيبة، وتلبي الإحتياج الفني
للهروب من شكل الواقع. كما ساهمت التعبيرية الألمانية في تغيير السينما عامة
باستحداث أساليب استخدام الكاميرا مثلا. وأثرت أيضا في أفلام سينمائية كثيرة
كموجة الفيلم الأسود الأمريكي الذي اقتبس التكوين الكابوسي المظلم للفيلم
الألماني في تلك الفترة. ومن أهم مخرجي التعبيرية الألمانية كان فريتز لانج
مخرج أحد أهم الأفلام العالمية (ميتروبوليس) والمخرج مورناو صاحب (الضحكة
الأخيرة)
الواقعية الجديدة... محاولة لتجاوز العجز
بعد الحرب العالمية الثانية، تدمرت الكثير من الأستوديوهات في إيطاليا، ما دفع
روبيرتو روسيلليني والعديد من المخرجين الآخرين إلى التخلي عن التكاليف الباهظة
لإنتاج الفيلم والتخلي عن التصوير في الأستوديوهات واستبداله بالتصوير في مواقع
حقيقية كما تخلوا أيضا عن الممثلين المحترفين والكثير من تقنيات السينما. وفي
محاولتهم لتجاوز العجز الإنتاجي في تلك الفترة، ورغبة منهم في نقل أصدق صورة
لأثر الحرب المدمر، تم إنتاج الأفلام تلك في الفترة مابين 1943 إلى 1952، وحققت
نجاحا جماهيريا في العالم كله كما أثرت أيضا على الموجة الفرنسية الجديدة، ومن
أهم مخرجيها روبيرتو روسيليني (روما - مدينة مفتوحة) وفيتوريو دي سيكا (سارق
الدراجة)
حققت أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة أو التعبيرية الألمانية، كلاهما،
انتشارا عالميا ونجاحا جماهيريا أيضا بالرغم من أن الدولتين كانتا من دول
المحور التي حاولت دول الحلفاء القضاء عليهما نهائيا أو حتى تحجيم تواجدهما في
الوسط العالمي الثقافي، ولكن السينما كالإبداع، لايقيدها أحد.
وكما كانت الحرب مؤثرة بشكل مباشر على صناعة السينما وقت حدوثها، كانت أيضا
مؤثرة في شعبية الأفلام التي تكون الحرب موضوعها الرئيسي، خاصة بعد التطور
التقني الهائل الذي حدث في صناعة السينما وبخاصة في تنفيذ مشاهد الحروب، والذي
شجع الكثير من شركات الإنتاج لتمويل الأفلام بمبالغ باهظة يقينا منها بالمردود
المادي الجيد الذي ستحققه تلك الأفلام.
وكانت للسينما الأمريكية النصيب الأكبر في إيرادات الأفلام العالمية التي كان
موضوعها الحرب، وإليكم مجموعة من أشهر الأفلام العالمية التي حققت نجاحا
جماهيريا في دور العرض.
1- لاعب البيانو
إخراج: رومان بولانسكي
إنتاج: 2002
يحكي الفيلم قصة نجاة لاعب بيانو يهودي من القتل أثناء غزو الألمان لبلدته في
بولندا، وقد نال الفيلم السعفة الذهبية من مهرجان "كان"، ونال أيضا ثلاث جوائز
أوسكار لأحسن مخرج وأحسن ممثل وأحسن سيناريو، كما حقق الفيلم نجاحا جماهيريا
كبيرا إذ وصلت إيراداته حول العالم لحوالي 120 مليون دولار في حين كانت تكلفة
إنتاجه حوالي 35 مليون دولار.
2- القارب
إخراج: وولفجانج بيترسون
إنتاج: 1981
هو فيلم مقتبس عن رواية للكاتب لوثر جونتر وتدور أحداثه أثناء الحرب العالمية
الثانية وتحكي عن صراع طاقم غواصة في الحفاظ على سلامتهم أثناء معاركهم
الحربية، وقد حقق الفيلم نجاحا عالميا كبيرا بالرغم من أنه فيلم ألماني ولغته
ألمانية فقد تخطت إيراداته أربعة وثمانين مليون دولار في حين كانت تكلفة إنتاجه
حوالي 14 مليون دولار، ويعتبره بعض مؤرخي السينما أكثر الأفلام في تاريخ
السينما الألمانية من حيث تكلفة الإنتاج حتى تاريخ عرضه.
3- قائمة شندلر
إخراج: ستيفين سبيلبيرج
إنتاج:1993
هو أكثر أفلام المخرج ستيفين سبيلبيرج حصولا على جوائز أوسكار حيث نال الفيلم
سبع جوائز أوسكار منها جائزة أحسن فيلم وأحسن مخرج، وتم اختياره في المراكز
العشرة الأولى ضمن قائمة المعهد السينمائي الأمريكي لأفضل مائة فيلم في تاريخ
السينما العالمية.
يحكي الفيلم قصة أوسكار شندلر رجل الأعمال الألماني الذي يحاول إنقاذ مجموعات
من اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. وقد حقق الفيلم نجاحا جماهريا كبير إذ
وصلت إيراداته إلى ثلاثمائة وعشرين مليون دولار في حين كانت تكلفة إنتاجه حوالي
اثنين وعشرين مليون فقط.
4- إنقاذ الجندي رايان
إخراج:ستيفين سبيلبيرج
إنتاج:1998
تقع أحداث الفيلم في أثناء الحرب العالمية الثانية، ويحكي عن كتيبة صغيرة تحاول
العثور على أحد الجنود في مواقع المعركة كي يعيدوه إلى وطنه لأنه الوحيد الذي
تبقى على قيد الحياة بعد وفاة اخوته الثلاثة في الحرب، وهو واحد من أكثر
الأفلام الحربية إيرادا في تاريخ السينما. فقد وصلت إيراداته إلى حوالي خمسمائة
مليون دولار وكانت تكلفة إنتاجه قد تجاوزت السبعين مليون دولار. |