إن
الثقافة الجماهيرية هي المسئولة عن تشكيل الصورة الواضحة للمرأة
الهندية الجديدة .. هذه المرأة التي أصبحت المثل الجديد لملايين النساء
اللائي يتوافدن على دور السينما في عموم الهند. فالمرأة التي تغطي
وجهها بالبرقع أو الحجاب وهي في صالة العرض، هي بالتأكيد ترى نفسها في
صورة المرأة التي تظهر على الشاشة: المرأة التي تريد أن تكون مثلها..
المرأة التي يمكن أن تكون مثلها.
المرأة
على الشاشة هي المرآة العاكسة لصورة المرأة في الشارع، والمعجبون بها
في الواقع هم الأشخاص الذين خلقوها.
فالمخرج الجاد، الفنان، هو أول من فهم اتجاهات المجتمع. وعندما خفتت
حدة الاحتجاجات والانتقاد ضد أفلامه، قام المخرج التجاري بالدخول في
اللعبة. وأعطى الفكرة الثورية صفة الجماهيرية وذلك بإدخاله هذه الفكرة
في القالب السينمائي المألوف.
وعلى
هذا فقد بدا المخرج الملتزم مثل المبدع الذي لا يجني ثمار إبداعه،
ناسياً أن يستفيد من امتيازاته، بينما انتفع المخرج التجاري من كافة
إمكاناتها المادية.
خضعت
صورة المرأة للتحوّل من عقد إلى عقد تقريباً. فقبل الاستقلال، حينما
كانت دماء الثورة تجري ساخنة في عروق المرأة مثلما في عروق الرجل،
وحينما تولت المرأة أدواراً فعالة متساوية في الحياة العامة، في أفلام
مثل: "العالم لن يصدقني"
Duniya Na Mane
و " الحرية "
Mukti
و "الرئيس" بشرت بتمزيق الحجاب كعمل وطني.
لكن
بعد الاستقلال أُعيدت المرأة إلى بيتها للإشراف على القدور والأطفال.
ولم يسمح لها أن تدير شؤون البلاد، وعوضاً عن ذلك كان عليها إدارة شؤون
بيتها. ومن أجل تجميل هذه المسألة أعطت أفلام المخرج "محبوب "
Mehboob
نموذجاً قوياً للمرأة، خاصة في فيلمي " المرأة "
Aurat
، والفيلم البارز "
أم الهنـد " Mother India
.
نرجس،
الممثلة الشابة، والمشهورة جداً في ذلك الوقت، أصبحت أم الهند. وظهرت
في هذا الفيلم كامرأة حديدية، تناضل من أجل تربية ابنيها، بعد انتحار
زوجها، وتكبح ثورة ابنها الأصغر العنيد (سونيل دات) وتحمي المجتمع منه.
وأصبحت
صورة نرجس وهي تجر المحراث بدلاً من الثيران رمزاً لجيل كامل من النساء
الهنديات.
وعلى
هذا فان الصورة المحترمة للمرأة كانت دوماً هي صورة الأم: الأخت، زوجة
الأخ الأكبر، أو الابنة.. كلها صور مماثلة للأم .. كلهن مهيئات لتمثيل
دور المرأة القوية والصامتة.
ناندا
و ناز كانتا سابقاً مناسبتين لتمثيل دور الأخت، هذا الدور الذي أنيط
فيما بعد إلى بادميني كولابور. في حين كانت مينا كوماري الشخصية
المناسبة لتمثيل دور زوجة الأخ الأكبر، وهو دور تقليدي استمر طويلاً
ومثلته الكثيرات بما فيهن راكي، كما في فيلمها " الأم "
Amma
، وهيما
ماليني في فيلمها " الحجاب المتسخ "
Ek Chadar Maili Si
.
التأكيد على إظهار التناقض بين المرأة الطيبة (الأم وحليفاتها)، وبين
المرأة الشريرة (كل الأخريات) كان من أجل كبح جماح الحركات الاستقلالية
وللتأكد من عدم تعكير صفو العائلة الموحدة.
الفترة
الرومانتيكية كانت أيضاً مكرسة للأم، مع ان الأضواء كانت مسلطة على
المحبوب بالطبع. ولكن كانت الرومانسية تلطف بالانتظار المنفعل
للمحبوبين من أجل اكتمالهما بالزواج.
وكانت
هناك نفحة من المأساوية في هذه الرومانسية كما لو كانت العاطفة مصدراً
من مصادر الألم.
أخذت
الـمـوجة الرومانتيكيــة ذروتها مع فيلم "المغولي الأعظم"
Mughal-E-Azam
بظهور واحدة من أكثر الممثلات المحبوبات اللائي فتنّ الجماهير وهي:
مادوبالا.
بدأت
صورة المرأة بالتلف سريعاً حتى تحوّلت، في الستينيات، إلى امرأة
محبوبة، ذكية، بإمكانها أن تضايق، وتدغدغ، تعبس، وتتجهم، بينما يسعى
البطل لترويضها من أجل أن تستقر في بيته كزوجة له.
كانت
هذه هي الفترة التي أفرزت ممثلات مثل شرميلا طاغور، سايرا بانو، هيما
ماليني و ممتاز .. كلهن جميلات ذوات غمازات، ينتفضن ويكشرن ويغنين
أغنيات مختلفة تعبر عن أجيالهن كأغنية: : أتمني زواجاً سعيداً "
(1)
.
على
أية حال كان البطل هو الرابح الأكبر دائماً، بينما كانت البطلة لا تحصل
إلا على الفتات.
مع
أفول نجم العاشقين العظيمين راجيش كنا ودرمندرا، شهدت السبعينيات ظهور
" الرجل البطل " اميتاب باتشان. كان هذا وقت العنف والكراهية. فهذا
الرجل الذي لم يكن يتفضل بالمطاردة لأنه كان مطارداً، والذي لم يكن
يتملق لأنه كان مظلوماً. كانت بطلته، سواء أكانت بروين بابي في فيلم
"الجدار"
Deewar
، أو أمريتا سنغ في
فيلم " الثورة "
Inquilab
..
كلهن يذعنّ أمام إذلاله المتغطرس. ولأن هذا " الرجل البطل " لا يمكن
تجاهله، وبوسعه أن يحصل على أية امرأة يريدها، فليس من المستغرب أن
يحتقر المرأة، أو في أحسن الأحوال، أن يشعر نحوها بعاطفة سببية. فعشقه
محفوظ لامرأة واحدة فقط، تلك التي تستطيع أن تحوّله إلى كائن هلامي:
أمه.
"الرجل
البطل" لا يلتمس إلا مباركة أمه، ومن أجل التودد إليها فهو يكذب، يسرق،
ويقتل.
دون أن
نخوض في سبر التفسير الأوديبي، فأن من الواضح جداً بأن هذا التعلق
بالأم مختلف تماماً عن عبادة الأم في مرحلة ما بعد الاستقلال. فالعبادة
القديمة المجسدة في نرجس خلقت المرأة الصبورة والشجاعة. إلا أن العبادة
الجديدة المجسدة في نيروبا روي تظهر لنا فقط امرأة عانت كثيراً ولكن
نضالها محدود جداً. فهي، تحتاج إلى ابنها وحمايته بقدر ما هو يحتاج إلى
مباركتها. فهي، على هذا الحال، ليست بشجاعة ولا ببطلة. إنها تكسب،
ببساطة، موقعاً متقدماً فقط لأنها قامت بفعل الإنجاب.
قبل أن
يُستهلك هذا الدور، نجح اميتاب باتشان في دخول البرلمان، وبدأ يقلل من
ظهوره في السينما. أما الأفلام القليلة التي مثلها فكان عليه أن يحوّر
في سيناريوهاتها كي يتمكن من تبرير العنف الذي فيها.. لقد صار يبحث عن
الأعذار.
وهذا
الارتخاء خلق فراغاً كبيراً. ولكن لأن امتياب حَكم لمدة طويلة،
بصلاحيات مطلقة، فليس هناك من يشاركه عرشه الآن.
الصف
الثاني في السينما الهندية: ميثون جاكرابورتي، جيتندرا، أنيل كابور،
جاكي شروف، سوني ديول، ريشي كابور وغوفيندا هم أبطال مخنثون وليس
بوسعهم أن يأملوا في طبع أي تأثير على أي جيل.
هذا هو
الشرخ الذي طرأ على السينما الهندية، وهذا هو الوقت الذي خطت فيه
المرأة الجديدة خطواتها الثابتة. فلسنوات عديدة زرع المخرج الملتزمون
بذور الثورة. ماني كول في أفلام مثل: " المعيل "
Uski
Roti AshadhKa
Ek Din و
Duvidha
. وكومار
شاهاني في فيلمه "انعكاس المرآة "
Maya Darpan
الذي اكتشف فيه عالم المرأة الصامتة.
هذه
البذور أزهرت شجرة رعتّها إخلاص مخرجي السينما الملتزمة أمثال شيام
بنيغال .. ففيلمه " البذرة "
Ankur
كان بداية ظهور
الممثلة شبانا عزمي، وفيلمه " النحس "
Nishant
كان
بداية ظهور سميتا باتيل. وهاتين المرأتين، بدعم من المخرجين الملتزمين،
بدأتا بموجات تحوّلت إلى هزات عنيفة في شباك التذاكر.
استطاعت شبانا وسميتا بتمردهما أن يحظيا باحترام الطبقة الوسطى.
فالمرأة التي تُمثلناها لم تكن على النمط الغربي تماماً، وعليه فلم
تكونا فاسدتين أو مريبتين في نظر الجمهور. وثورتهما الكلاسيكية كانت
مبنية على المرأة التي لا تريد أن تثور ولكن تُدفع إلى ذلك من أجل
مواصلة الحياة.
وعادة،
بعد فعل التمرد الأول، تواصل المرأة التوقف عند أنماط السلوك
الاجتماعي، وتعيش بالشكل الذي يتطلبه هذا المجتمع.
إن فعل
الثورة عندها ليس سوى انحراف ضروري .
وحالما
حظيت المرأة الجديدة بالاحترام، التفت إليها المخرجون التجاريون
واختاروها لتكون جزءاً من قوالبهم الجاهزة. وكانت هذه فترة مثمرة حيث
قدمت السينما الملتزمة والسينما التجارية أفلاماً مهمة مثل: "المعنى "
Arth
، "الحياة "
Janam
، " أي عدل هذا ؟ "
Yeh Kaisa Insaaf
، " أريد
العدل Mujhe
Insaaf Chahiye
، Shradhanjali
، " الجفن
الرطب " Bheegi
Palkein ، "
الصباح " Subah
، "النصر"
Vijeta
، " أمرو جان "
Umro Jaan
،
Manthan
، " من الأرض
" Bhumik
، و " الحادثة "
Haadsa
، وغيرها من عشرات الأفلام .
ناصرت
السينما الهندية الملتزمة حرية المرأة إلى أبعد مدى، ودرست أشكال
القيود المفروضة عليها بكثير من الاهتمام، في حين ان ما أعطته السينما
التجارية لهذه الحركة لم يكن إلا من أجل السعي وراء الجمهور. ودافعت
الأفلام عن إصلاحات ثلاثة هي: تحديد الحرية الجنسية، الحرية
الاقتصادية، والحق في أن تكون ذاتاً.
موضوعات الحرية الجنسية ظهرت مبكراً مع موضوعات زنا المرأة، كما في
فيلم " البذرة "، وتواصلت مع فيلم " مرة ثانية"
Ek Baar
Phir ،
وتواصلت مع فيلم " لحظة واحدة "
Ek Pal
إلى فيلم " الدهليز "
Dahleez
.
ان
التخلي عن مناقبية المجتمع البرجوازي الهندي، وحتى العلاقة العاطفية مع
أكثر من رجل، سواء الآن أو قبلاً، كان يندرج تحت التعريف الواسع للزنا.
ولأنه
لا يمكن الإقرار بزنا المرأة فالمطلوب هو تفهم المسألة، وأحياناً
تبرئتها من الإثم. وعندما لا يمكن قبول هذه البراءة كما في فيلم "ماذا
سيقول الناس "
Log Kya Kahenge
، فان آثار "الخيانة " ستكون مفجعة.
حاجة
المرأة للاستقلالية الاقتصادية، وحصولها على امتيازاتها، تبدو في أحسن
الأحوال، في سلسلة أفلام حول موت البائنة، آو شرور البائنة مثل:
"العروسة الرخيصة والعريس الغالي"
Sasti Dulhan Mehnga
Dulha "راما
هذه أرضك " Rama
Tera Desh
، والفيلم المخيف
Agnidaah.
أما
المثل الجديد للمرأة فهو يتجسد في الممثلة شرميلا طاغور في فيلم
"نيودلهي تايمز " الذي يحكي قصة زوجة تعمل محامية ولها دخل مستقل
وملتزمة بالدفاع عن حقوق النساء المظلومات. أو تتجسد في برسيس كامباتا،
المهندسة المعمارية في فيلم
Shingora
التي تنتزع عقداً مهماً من منافسها المهندس المعماري
(الرجل) وتحصل على فرصتها في نيل السعادة الزوجية.
"الصباح"
Subah
، " المعنى "
Arth
، و " لماذا الآن "
Aakhir
Kyon ، هي أفلام تؤكد على رحلة
اكتشاف المرأة لذاتها. وفيلم " الصباح " هو أكثر هذه الأفلام أهمية،
حيث رحلة المرأة، في هذا الفيلم، ليست ناجمة عن ظروفها المحبطة، إنما
هي استجابة لرغبة داخلية ملحة.
وهناك
فيلم
Swati
الذي رأينا فيه ميناكشي سيشادري في دور "المرأة البطلة
" التي ترفع قبضتها في وجه العالم.
قد
يكون رقاص الساعة يهتز بعنف شديد.
أوراق سينمائية (نادي البحرين
للسينما) في 1 يونيو 1987
هوامش:
(1)
الأغنية من فيلم " الطريقان "
Do Raaste
إخراج
راج خوسلا وتؤديها في الفيلم الممثلة ممتاز.(م)
(2)
عناوين الأفلام غير المترجمة مكتوبة باللغة السنكسريتية القديمة والتي لم
يسهل ترجمتها . (م)
(3)
المصدر :
Khaleej Times - December 29, 1986
|