السينما، وثلاثية التجربة، المشاهدة، والعمل؟
إبراهيم عمر
ما الذي يجعل شخصاً يمتلك شغفاً كبيراً بالسينما، أن يدرسها دراسةً
أكاديميةً لمدة أربع سنوات، أو ثلاث، أو سنة، بدلاً من أن يسلك
طريقاً آخر، وهو "شراء كاميرا ديجتال، وتصوير ما يودّ تصويره"
طالما أنّ الفيلم يُبنى في غرفة المونتاج، تلك الجملة التي تختذل
كلّ شيء على شاشة المونتاج، وتجعل من هذا الفنّ يبدو ضيئلاً
للغاية.
في رأييّ، الفيلم يُبنى ذهنياً في قلب المخرج قبل أيّ خطوة
فيزيائية، هذا الشعور الداخلي الذي يجعلك تتحرك تجاه موضوع ما،
بدلاً عن الأخر، هذا التحرّك الذي لا يمكن تجاهله بالسهولة التي
تجعلك تقول "إنّ غرفة المونتاج هي المكان الوحيد القادر على خروج
الفيلم إلى النور".
أن تترك كلّ شيءٍ خلفك، لدراسة هذا النوع الأصيل من الفن؟ هو
الجواب الذي وجدته بعد سنين من البحث عن ماهية السينما، أنا أختلف
كثيراً عن وجهه النظر التي تقول "إنّ السينما التي تمارسها
أكاديمياً، تجعلك خائفاً من صنع شيءٍ، لأنّ تجربتك الدراسية مرّت
على الكثير من التجارب السينمائية، والمعارف؟ "هذا النوع من الرؤية
للسينما، هي نظرة مخيفة تماماً، وقاصرة، لأنّ شخصاُ درس علم الجمال
لا يمكن أن ينزلق خائفاً من مواجهة، وترميم قبح الواقع الذي نعيشه،
لأنّه في الأساس السينما بدأت كحلم عندما تجرأ "الأخوين لوميير" من
التقاط تلك اللقطة "خروج العمال من مصنع لا سيوتا" لالتقاطها من
الواقع، وجعلها ثابتة كوثيقة تؤكد على أنّ الفنون، وخاصة السينما،
تؤكد لعبة الزمن، مرور الزمن عليها، وثباته في آنٍ واحد، وهو الفن
الوحيد في كلّ الفنون الذي يجسّد مكاناً، وزماناً.
في هذه المجلة الإلكترونية "شورت/كراسات الفيلم القصير"، المتواضعة
جداً، في أحلامها، وطموحاتها، نحاول في عددها التاسع، أن نفتح
ملفاً مهماً لدراسة السينما، في مدرسة الجيزويت بالقاهرة، وهي
واحدةٌ من المؤسّسات التعليمة في مصر، والوطن العربي التي تساهم في
نشر التعليم، والثقافة السينمائية الأصيلة، تطرّقنا في هذه النافذة
عن أهمية الدراسة السينمائية، والمعرفة بصورة كبيرة على نموذج
التدريس في مدرسة الجيزويت بالقاهرة، وعن كيفية التمرحل الدراسي
للسينما، وكالعادة، منذ بدايات "شورت/كراسات الفيلم القصير"،
تخيّرنا بأن يكون الشخص صاحب التجربة هو محور الحديث، وكما فعلنا
في الأعداد السابقة، وسوف نفعله في اللاحقة، أن نجعل من كلّ
التجارب تُحكى من قبل الأشخاص الذي خاضوا تجاربهم، لأنّ شهاداتهم
تُعتبر وثيقة زمنية مهمة.
في مدرسة الجيزويت بالقاهرة، اطلعنا على الكثير من المواد، لكننا
فضلنا أن يتحدث الطلاب عن تجاربهم، كما يحكي لنا مؤسّسو المدرسة
كيف كانت البدايات، وأين تتموقع المدرسة اليوم في ظلّ الظروف
الحالية.
من أكثر الأشياء التي أثارت فضولي أثناء الشروع في تجهيز ملف تدريس
السينما في مدرسة جيزويت القاهرة في عددنا التاسع، هو روح الانتماء
الذي لاحظته من جميع المشاركين في هذا العدد، هذه الروح وحدها
كافية لتغيّر كلّ شيء إلى الأفضل، وحدها السينما قادرة على تغييّر
المفاهيم، وترميم الواقع المحيط، بالمحبة، والوفاء التي رأيتها من
جميع المشاركين في العدد التاسع.
باسم "شورت/كراسات الفيلم القصير"، نشكر كلّ من ساهم بكلمة، كتابة
مقالة، نصحية شفوية، حوار، وكتابة تجربتة الذاتية في هذا العدد،
ولكلّ من أعطى من وقته لخروج هذا العدد إلى النور، نور شاشة
الكمبيوتر، ورُبما نور النهار عندما سوف تُطبع المجلة ورقياً.
ستواصل "شورت/كراسات الفيلم القصير" النهج الذي بدأنا فيه، وسنظل
دائماً مع نشر الثقافة السينمائية في هذا الوطن العربي الكبير الذي
لا يهتم كثيراً بثقافة الفيلم القصير. |