سينماء.. لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي

ماذا تعني Save the cat في كتابة السيناريو؟

بقلم: رجا العتيبي*

 
 

تخيل أن لاعبي كرة القدم اهتموا فقط، بمهاراتهم، وملابسهم، وأشكالهم، وقدموا «باصات» كروية جميلة، ون تو، ومراوغات مثيرة، وظهر لاعبُكَ المفضل يستعرض شكله وقوامه الممشوق، وسجل هدفًا إعجازيًّا في مرمى الخصم أذهل الجماهير، وألهب حماس المعلِّق، ولكن ماذا لو لم يسجل أهدافًا في المباريات اللاحقة؟ بالتأكيد ستعيد النظر في نجمك المفضل، ولن تُعيره اهتمامًا، سينخفض إعجابُكَ به، هذه الصورة بالوصف السابق، لا تثير الجماهير للحضور مرة أخرى للملعب، ولا حضور مباراة فريقهم المفضل، ولا التفاعل مع نجمهم المحبوب، لقناعتهم بأن جماليات كرة القدم وحدها، لا تكفي، والنتائج الإيجابية إذا توقفت، تدعو للإحباط لدى أنصار الفريق، والنجم الكُروي من دون إلهاب مشاعر الجمهور، بأهداف مستمرة، لا يُشجِّع على شراء تذكرة المباراة اللاحقة، إذا ما توقفت الأهداف.

كذلك الحال مع بطل الفيلم، لا يهم شكله، ولا موهبته، ولا قدراته التمثيلية العالية، وإعجابك به لا يُقدِّم ولا يؤخِّر في جودة الفيلم، والاستهبال الذي يقوم به، أو اللباس الأنيق الذي يرتديه، أو «الذبذبات» التي يطلقها بين وقت وآخر، أو الموضات الشبابية شباب وشابات، كل ذلك لا يحفز على تهافت الناس على الفيلم في دور السينما بحيث يغطي تكلفته، لأنَّ السر وراء حب الناس للأبطال، سواء كانوا أبطالًا لكرة القدم، أو أبطالًا للأفلام، أو حتى أبطالًا للسياسة هو العمل الإنساني، والحسنات التي يفعلها البطل إزاء المستحقين لها، حتى لو مرة أو مرتين، فهذه المرة كفيلة بأن يصبح البطل إنسانًا، يُشبهنا.

انتبه إلى ذلك السيناريست الأمريكي Blake Snyder وأثبت هذا السر في كتابه «Save the cat»، بل جعله عنوانًا للكتاب، وألمح أنه يخبر المؤلفين بأسلوب كتابة دقيق، لم يخبرهم بها أحدٌ قبله، أسلوب يصنع الفرق حسب تعبيره، فإنقاذ القط، هو السر الذي يجعل الجماهير تُحبُّ البطل، وتتعاطف معه، وتذهب لدور السينما من أجله، فلا يخدم السيناريو بحسب Snyder إلا بطل يعمل عملًا إنسانيًّا يتعاطف معه الجمهور، انطلاقًا من أن الناس تحب من يحسن إليها.

 ليكون الأمر أكثر وضوحًا، تخيل قطًّا عالقًا في شباك في عمارة في الدور العشرين، ورجال الدفاع المدني يحاولون إنقاذه، هنا نحن أمام فعل مثير، ورحيم، ومحفز للمتابعة، أما إذا أنقذ رجل الدفاع المدني القطة، فسيملك قلوب الناس، وسيصبح بطلًا، يصفقون له كثيرًا، وسيحظى باحترام الجميع، وأهم شيء سيتابعونه لو أن له برنامجًا إعلاميًّا أو برامج جماهيرية.

كثير من أبطال الأفلام وبطلاته ــــمحليًّاـــ وبخلاف ما قال Snyder يسعون إلى إبراز الموهبة، والجمال، والكوميديا، والضحك، والتوافق مع الموضات، ولا يهم حتى لو خرجوا عن النص، أو فرض «كركتراته» المعروفة على كل النصوص التي يترشحون لبطولتها، أو حتى لو ابتُكر نمط شخصية ليس مكتوبًا في النص، لا يهم كل ذلك، لأن المهم أن يكونوا في صورة معينة يتسولون بها إعجاب الجمهور، والطمع في حبهم، بينما يتوقعون أنهم يفعلون الشيء الصحيح، ولا يعلمون أن ذلك لا يكفي، ذلك أن الاتصال الوجداني مع الجمهور له طرائق أخرى، أهمها المَشاهِد الدرامية التي تضع البطل في مواقف إنسانية يتعاطف معها الجمهور، لهذا ركز عليها Snyder وأتى بالأمثلة، والبراهين، ليقول إن إنقاذ القط، باعتباره عملًا رحيمًا، وإنسانيًّا، هو كل ما يجب على البطل فعله في مشهد أو مشهدين في الفيلم، وعبر دقائق معدودة لا تكلف سوى أربعة دولارات، حتى يحبه الجمهور، وإذا أحبه، اشترى أغلى تذاكر السينما من أجله.

يشرح Snyder فكرته من خلال من خلال المقارنة بين فيلمين، الأول «Lara croft 2 » بطولة أنجلينا جولي، والثاني «sea of love » بطولة آل بتشينو، يقول عن الفيلم الأول: «... لقد أنفقوا ثروة على هذا الفيلم، وما زال الجميع مندهشًا مما حدث، ولا يعلم أحدٌ سبب فشل الفيلم في جذب الجماهير إليه». ويقول في موضع آخر: «... ظن منتجو الفيلم أن باستطاعتهم جعلك تحب بطلة الفيلم (أنجلينا جولي) بمجرد أنها «Cool»، وتركب سيارة فارهة». ويعلق Snyder على ذلك متعجبًا، قائلًا: «هذه فكرة شخص ما عن صناعة بطل مميز»!

فيما يتحدث Snyder عن الفيلم الثاني «Sea of love» قائلًا: «... نرى آل بتشينو بدور شرطي، في المشهد الأول نجده متخفيًا بكمين لبعض المجرمين... وعند وصولهم يفاجَؤون بآل بتشينو ورفاقه لإلقاء القبض عليهم». ولا يعني Snyder هذا المشهد تحديدًا، إنما يعني المشهد الثاني الذي فعل فيه أل بتشينو سلوكًا لطيفًا، بعدما خرج من المكان الذي قبض فيه على العصابة، يقول: «... يلحظ آل بتشينو مجيء مجرم آخر بوقت متأخر عن الآخرين الذين قبض عليهم، ومعه ابنه الصغير، وبمجرد رؤيته للصغير مع والده، يُبرز آل بتشينو بطاقته الرسمية، ويتركهما يغادران، رأفةً بالصغير، ولكنه أشعر المجرم أنه سيراه لاحقًا». أي سيقبض عليه.

هذا المشهد القصير الذي لم يتجاوز دقائق معدودة، هو الذي يعنيه Snyder ليؤكد العمل الإنساني الذي قام به آل بتشينو كان كفيلًا بأن يوطد التواصل الوجداني بين الجمهور وآل بتشينو، ويكسب محبتهم، وسيتبعونه إلى أي مكان يأخذهم إليه، وسيسعدون بانتصاره في الفيلم.

هل يعي الأبطال والنجوم في مجال كرة القدم، والطرب، والأفلام، مثل هذه القوانين التي يصفها Snyder بالقوانين الفيزيائية «مجازًا» التي تتحكم في العلاقة بين البطل وأنصاره، اسأل نفسك: لماذا يحب الناس ماجد عبدالله، وطلال مداح -رحمه الله- في حياتنا الواقعية، في الأفلام الأمر هو ذلك، جمهور السينما يحبون أبطالًا شاهدوهم بقيم إنسانية، كتبها سيناريست محترف، ومخرج واعٍ، أليست الدراما محاكاة للواقع؟ في الواقع الناس يحبون من يحسن إليهم.

سينماتك في ـ  15 نوفمبر 2023

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004