فيلم «الشجرة النائمة» الذي يعرض خلال أيام عيد الأضحى
قطعة من الفؤاد في رحلة العذاب والحلم
بعد انقطاعٍ دام عقداً من الزمن، يعيد المخرج البحريني محمد راشد بو علي،
الأفلام الروائية الطويلة إلى فضاء الساحة السينمائية البحرينية، وذلك
بفيلمه الجديد «الشجرة النائمة»، تأليف فريد رمضان، الذي عرض مسبقاً في
مسابقة «ليالٍ عربية» في مهرجان دبي السينمائي، وسيعرض خلال أيام عيد
الأضحى بصالات السينما البحرينية.
تدور أحداث الفيلم حول الطفلة التي أدت دورها «حوراء شريف»، إذ تعاني هذه
الطفلة من شللٍ دماغي يفرض على والديها: جاسم ونورة، ملازمتها في حياتها،
والعناية بها، مما يؤدي بالتالي بنأي والدها «جاسم» عن حياته العائلية،
والغرق في عزلته وتوتره. ويبدأ الفيلم بمشهد موسيقي وبصري صوفي، إذ يعزف
«جاسم» على مزمار القربة وإلى جانبه ابنه وابنته وأصدقائه وزوجته، ويحتشد
المشهد بثراء بصري وموسيقي كبير، حيث تتداخل إيقاعات الطبول التي تعزف
عليها مجموعة من الرجال مع المزمار ونظرات الموجودين، الذين يكملون المشهد
فتقفز التساؤلات حول من هم وما يجمعهم في هذه الصورة المشهدية الغنية.
علي القميش وفي عدد سابق من ملحق «رؤى» كتب أن الفيلم «يضع في مسار
معالجاته تلك التقابلات الحادة، التي تضع البشر أمام خيارين لا ثالث لهما،
لتكون مفردة الموت في قبالة الحياة، اليقظة قبالة النوم، مفردات تتضمن في
سياقتها جملة من الاستعارات والمدلولات التي يفرضها قاموس قسوة هذا الكون،
لترتكز جملة الفيلم على حكاية تلك الطفلة التي تعاني شلل دماغي، يضع
الأبوين في دائرة الانتظار الطويل، يحدقان في السماء بانتظار حدوث المعجزة
في أن تخترق تلك الطفلة حالة الحصار التي ضربها المرض، تكبر لكن دون حراك،
مستعيرين حكاية تلك الشجرة التي صاغت وجودها في قلب الصحراء رغم استحالة
البقاء».
وينقل القميش ما دار بينه وبين كاتب السيناريو، الروائي فريد رمضان، إذ
يقول الأخير «لم يكف المثقفون والمهتمون بالسينما في البحرين منذ العام
1989 عن التفكير والشروع في إنتاج وإخراج أفلام بحرينية، بل أن التجارب
المبكرة على ذلك العام كانت تهجس بمشاريع سينمائية روائية طويلة، بما فيها
تجارب «خليفة شاهين» والتي تركزت على الأفلام التسجيلية، وتجارب «داراب
علي» و«علي عباس» و«مجيد شمس»، ولعل أهمها تجربة فيلم «الأحدب» كفيلم روائي
طويل باشر بإخراجه وإنتاجه في العام 1976 «إبراهيم جناحي»، إلا أن ظروف
وفاة شقيقه «عبدالعزيز جناحي» والذي كان أحد أبطال الفيلم سببا رئيسيا
للتوقف عن المشروع!».
وأضاف فريد «ان العام 1989 يشكل نقطة تحول جوهرية بعرض أول مشروع روائي
طويل متكامل للمخرج بسام الذوادي، مع تعاضد كل من أمين صالح وعلي الشرقاوي،
هذا التاريخ الذي شكل ظهور فيلم «الحاجز» إلى النور كأول فيلم بحريني روائي
طويل. وكان لابد لنا أن نمر بعد ذلك بمحطة فيلم «زائر» 2004 قبل إخراج فيلم
«حكاية بحرينية» في العام 2006م رغم أن الثاني كتب قبل الأول!».
من جانبه، لفت الكاتب «زياد عبد الله» أن المخرج في أولى تجاربه الروائية
الطويلة، عبر فيلم «الشجرة النائمة» لا يكتفي بالحياة، ولا نقيضها الموت،
بل يذهب إلى ما بينهما أيضاً، وما يقدّمه فيلمه يتأسس على المشتهى، أي ما
يتطلع إليه الإنسان إلا أنه لا يحدث، ما يستدعي في فيلمه بنية يكون فيها
الزمن على مستويات متعددة: حاضر وماضي، مضافاً إليهما زمن أسطوري، وآخر
يكسر الحواجز بين الحياة والموت، بحيث يكون البرزخ بينهما مساحة للمشتهى
والمفتقد، والمضي بالقدر المصاغ إلى وجهة مغايرة، للأماني أن تتجسد فيها.
فهذا الفيلم مشغول تماماً بآليات سرده، وهنا تكمن أهميته، القادمة من
السؤال السينمائي المؤرق أبداً ألا وهو الزمن في الفيلم، وكيف لسرد الحكاية
أن يمضي في زمن الفيلم الافتراضي؟
قد تبدو حكاية الفيلم كامنة هنا، ولعل المضي معها سيضعنا من البداية مع
العقدة الدرامية الأساسية، أي أن تعاسة جاسم قادمة من كون ابنته تعاني من
هذا الشلل، لكنه يكون وفق ترتيب الفصول موصوفاً بـ «الميت» (الفيلم مقسّم
لخمسة فصول)، وهكذا سيكون جاسم ميتاً بالمعنى المجازي للكلمة أي أن الزمن
متوقف عنده تماماً، وحين يأتي الفصل الثاني بعنوان «الحي» نتعرف عليه حين
كان حياً بالعودة بالزمن، ومع الفصل المعنون «يخرج الحي من الميت» تستيقظ
الشجرة النائمة التي ليست إلا «شجرة الحياة»، وهنا يكون المشتهى قادماً من
الأسطوري، ومن أثر الشجرة، التي تكون كفيلة بشفاء أمينة وإعادة الحياة لما
هو ميت.
ويؤكد زياد عبد الله أن هذا الفيلم لن يكون مروره مروراً عابراً في الحركة
السينمائية الخليجية، ولعله مغاير تماماً بتوصيفه بأهم تجربة خليجية روائية
طويلة، تستدعي المكان والزمان وفق المعطى الثقافي العربي والخليجي، وآليات
السرد العربية في سياق صوفي لا يكون «الفلاش باك» عودة بالزمن بل كسراً
لحواجز الزمن أو ما يخرج الحي من الميت، والمكان الافتراضي برزخاً، والشجرة
إيماناً بالمعجزة بالمعنى الجمالي للكلمة، بوصف المعجزة على اتصال بالتطلع
إلى الأمل وإن لم تقع.
من جهته، قارن الكاتب محمد فاضل بين فيلم «الشجرة النائمة» لمحمد بو علي،
وفيلم «قدرات غير عادية» لداوود عبد السيد، و«بيردمان» لاليخاندرو
غونزاليز، مؤكداً أن جميعها تشترك في «كسر قالب السرد التقليدي بأشكال
مختلفة من تقنيات تتداخل الأزمنة أو استرجاعها».
وبيّن فاضل بأن هذا الفيلم قد «رسم مشاهده بعناية كعادته، وبدت جمل الحوار
المقتضبة بين أبطال فيلمه تعكس توتراً مكتوماً يدور حول الأمل واليأس في
شفاه طفلة مصابة بشلل دماغي. وعلى هذا النحو سار الفيلم في جزأين بدا الأول
بطيئاً أخذ يتسارع بسلاسة يتميز بها بو علي في أفلامه نحو النصف الثاني من
الفيلم الذي عمد فيه المخرج والسيناريست فريد رمضان إلى كسر طابع السرد عبر
استعادة الزمن واستبداله وتداخل الأماني (المتخيلة) بالواقع تعبيراً عن
التأرجح بين الأمل واليأس من شفاء الصغيرة ليقودنا بالنهاية إلى الشجرة
الأعجوبة، التي نمت منذ ما يزيد على 400 عام على ربوة في صحراء البحرين،
والمعروفة بـ (شجرة الحياة)، ويقدمها مجازاً للأمل والتمسك بالحياة».
من الجميل أن أعود إلى حيث بدأت
محمد بوعلي
بعد تخرجي من الثانوية في العام 2001 كانت أول وظائفي في شركة البحرين
للسينما وفي هذا الموقع بالذات السيف 1، سنتان قضيتهما أشاهد السينما
والشغف الخاص بها وأبيع الفشار أيضا، في الوقت الذي كنت أحلم يوما بأن أصنع
فيلما.
بدأ معي حلم صناعة السينما منذ الصغر، وبدأت عملية البحث عن الطريق. للأسف
لم أجد حولي من يساعدني لمعرفة هذا الطريق، لذلك كان هذا المكان، وبيع
التذاكر والفشار هو الأقرب لي. هنا وجدت فرصة كبيرة لمشاهدة أكبر عدد ممكن
من الأفلام بالاضافة الى فرصة لمحاولة معرفة وجهة نظر الجمهور تجاه
السينما.
بدأت بالكتابة عن السينما وقادتني الصدفة للقاء الكاتب فريد رمضان، الذي
وجدت عنده ولعا وحبا للسينما ويدا ممدودة لكل من يطلب مساعدته، قادني إلى
عبدالله السعداوي الذي فتح لي هو الآخر أبواب علاقات وصداقات ساهمت في دعمي
لصناعة تجربة فيلم قصير في العام 2005.
استمراري في صناعة الأفلام القصيرة خلال العشر سنوات الأخيرة كان من باب
الحب والهواية حتى وجدت مع فريد رمضان في العام 2008 فكرة جمعتنا نفسيا
وفكريا وبدأت معه طريق تحقيق فيلم روائي طويل، باسم «اعزف نغم» قادنا إلى
عنوان آخر هو «شجرة الحياة» وانتهى بنا في «الشجرة النائمة».
ما يقارب السبع سنوات نعمل معا على تفاصيل وتطوير فكرة مشروع هذا الفيلم
الروائي البحريني الهوية والفكر، حاولنا أن نعمل على صناعة فيلم مختلف يعبر
عنا، ويعكس جزءا بسيطا من التنوع الثقافي والاجتماعي للمجتمع البحريني.
ويعكس أسئلتنا الخاصة تجاه الواقع والحياة.
السينما صناعة في العالم ولكننا في البحرين للاسف نفتقد القاعدة التي تؤسس
لها من كل الجوانب، سيطرة السينما الأمريكية والهندية وتاريخهما وعلاقة
الجمهور بهما لا يمكن أن ينافس، كما ان سطوة التلفزيون وهيمنته على المنطقة
ابعدنا وأبعد المشاهد عن أهمية الخطاب السينمائي في تنمية الثقافة المحلية.
لذلك كان طريق صناعة فيلم محلي الهوية والثقافة ومحاولة إعادة عجلة صناعة
الفيلم الروائي الطويل بالبحرين بشكل مختلف ليقدم للجمهور حول العالم لمحة
وجزء من الهوية صعبا، ولايزال كذلك. كان بريق الامل الأول لتحقيق هذا
الفيلم ترشيحه لجائزة
IWC Filmmaker Award
بمهرجان دبي السينمائي الدولي في العام 2012 لأفضل مشروع فيلم روائي طويل
خليجي، وبعد عودتنا من دبي كان موقف هيئة شؤون الاعلام داعما رئيسيا لتحقيق
هذا الفيلم، تبعه اهتمام ودعم كبير من قبل بنك البحرين للتنمية الذي أدرك
أيضا أهمية تنمية صناعة السينما في البحرين.
حاولنا ان نجذب كل محب للسينما للعمل معنا، جمعنا طاقات بحرينية موهوبة
وقمنا باستقطاب أصحاب الخبرة العرب ليكونوا داعمين لتوجيه وتدريب واعطاء
الشباب البحريني من خبرته وهذا ما نؤمن بأنه البذرة الأولى لتأسيس صناع
سينما المستقبل. هذا الفيلم لم يكن ليتحقق لو لا المجهود الجماعي، فالعمل
السينمائي لا ينسب لشخص واحد بل هو نتيجة عمل ما يقارب 220 شخصا ساهموا في
عمليات ما قبل التصوير واثناء التصوير وما بعد التصوير ولايزال هناك العديد
ممن يعملون في ما بعد العرض، بدأ العمل قبل 8 سنوات ولايزال مستمرا.
فريد رمضان وسهى مطر بدأنا معا منذ الأيام الاولى للمشروع على الورق وإلى
اليوم نعمل. شكرا لكما من القلب. الشجرة النائمة قد يعجب البعض وقد لا يعجب
البعض الآخر. لا يمكننك أن تقدم شيئا يعجب الجميع، ولكنني أثق بأنه علينا
أن نقدم أعمالا تلامسنا أو تمثلنا، وما دفعني لصناعته بغض النظر عن ما قد
ينظر إليه، أنه كان مشروعاً نابعاً من القلب، وإحساسه يأتي من قصة تمس
حياتي الشخصية ومن حالة مشابهة عاشها فريد. الألم، الأمل، الحلم، الواقع،
العجز والمعجزة مشاعر وافكار كل منا تلامسه بشكل أو بآخر، وهذا الفيلم يقدم
كيف لامستني هذه القصة التي سردتها لي أختي أمينة ذات حلم طفولي بعيد.
لايزال هناك أمل لصناعة سينما في البحرين، هناك تجارب سينمائية شكلت
البدايات وفتحت الطريق، ونحن نسعى اليوم لأن نكملها ونواصل الدرب. إن كانت
أبجديات اللغة بدأت بالحروف والكلمات والجمل، فإننا اليوم نحاول أن نكمل
الجملة التي بدأ بها الرواد، على أمل أن يكون مستقبل السينما في البحرين
مكتمل اللغة. |