النجوم يبحثون عن ضمانات دينية وسياسية في ظل صعود
الإسلاميين
"فتاوى"
التكفير وإهدار الدم "شبح" يلاحق الفن والإبداع
القاهرة -عاطف عبد اللطيف:
·
الصبان: الاستقواء والمغالاة يحيلاننا إلى النموذج الإيراني
·
عبدالعزيز: التأثر طبيعي في ظل تنامي تيارات وانهيار أخرى
·
الشافعي: الصراع يترجمه »تعنت« الرقابة مع الأعمال الدرامية
·
محمد علي: التمثيل حلال بعيداً عن التقبيل ومشاهد الفراش
·
عثمان: البعض يفتي من دون أسانيد أو مرجعيات صحيحية
اصبحت الفتاوى التكفيرية - التي صدرت
بحق بعض الفنانين والمبدعين قبل وبعد صعود الاسلاميين ووصولهم لدوائر
السلطة والقرار - من الملفات الشائكة في مصر في ظل مخاوف أهل الفن من تحريم
تلك التيارات للعمل الفني, وعودة موجة التكفير للفنانين والمبدعين من جديد,
ما يهدد بانهيار صناعة السينما والدراما التي تميزت بها مصر عقودا طويلة,
خاصة انه ظهر بالفعل أصوات في التيار السلفي اعتبرت أن الفن حرام ورجس من
عمل الشيطان واتهمت بعض رواده بالكفر, القضية تتناولها "السياسة" في
التحقيق التالي:
كشفت الناقدة السينمائية علا الشافعي
عن أنه قبل نهاية القرن العشرين كانت هناك حالة من الجدل والنقاش حول تكفير
شخصيات فنية مثل عادل امام, والمخرجة ايناس الدغيدي, والفنانة يسرا, بعد
دعاوى الشيخ يوسف البدري بتكفيرهم, ووجود دعوات متزامنة من عدد من الشخصيات
باقامة حد الحرابة عليهم, وعلى غيرهم ممن لهم علاقة بالفن كالمؤلف وحيد
حامد, وهؤلاء يعدون من أبرز أهل الفن الذين صدرت بحقهم دعاوى تكفيرية,
واهدار دم في السنوات الأخيرة.
ورأت "الشافعي" أن المرحلة الحالية
تشهد انقسامًا في الآراء بين متفائل ومتشائم بشأن ملامح الصراع الفني
الديني , في ظل اعتلاء الاسلاميين هرم السياسة المصرية, ما يفرض مصيرًا
مجهولاً على مستقبل الفن, خاصة أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب, وتبقى
شخصية الرئيس والفريق الذي سيقود مصر, هم من يحددون وجهتها ويحكمون آراءها
فيما يتعلق بالعمل الفني وحدوده, وهذا مصير لا يعلمه الا الله, الا أن هناك
غموضا يكتنف المرحلة المقبلة ومؤشرات مربكة, مثل منع تصوير فيلم "فرش وغطى"
في مسجد السيدة نفيسة, ومنع عرض فيلم "انفصال" الايراني في جامعة القاهرة,
وهو الحائز جائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي, ومنع تصوير مسلسل "بنات عين
شمس" وهي من الأمور الغريبة التي تتعلق بالمنع والتحريم الفني, ما يشير الى
أن الاطار المتعلق بالصراع الفني الديني يسير في اتجاه محفوف بالخوف على
مستقبل الفن, وهو ما ينعكس على أداء جهاز الرقابة "المتعنت" تجاه الأعمال
الفنية.
ممارسات قمعية
وفي السياق ذاته, أشارت الناقدة
ماجدة موريس الى أهمية الفن في المجتمع وأعربت عن أملها في أن تعود الحياة
الفنية لطبيعتها, بعد توقف تصوير العديد من الأعمال الفنية خوفًا من عدم
الاستقرار الذي يؤثر على سوق الانتاج الفني, شأن العديد من القطاعات
المصرية التي تتخوف من مواجهة ممارسات قمعية من قبل السلفيين أو جماعة
الاخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب "الحرية والعدالة" مستقبليًا.
واعتبرت أن هناك العديد من الأصوات المعتدلة في التيارات الاسلامية التي
تتعامل بمزيد من الحكمة والحنكة فيما يتعلق برفض تكفير الفنانين, وترى في
العمل الابداعي رسالة سامية لا يجب منعها أو الحجر عليها.
وأكدت موريس أن هناك من تم تكفيرهم
في العهود الماضية كما حدث مع الموسيقار محمد عبد الوهاب على يد الشيخ صلاح
أبو اسماعيل, والشيخ عبد الحميد كشك على سبيل المثال, وهو أمر لم يدم, وتمت
تبرئته من الالحاد في احدى أغنياته بفتوى من رئيس لجنة الفتوى بالأزهر
الشريف في ثمانينات القرن المنصرم, كما أن التكفير يثير موجات من اللغط
المجتمعي وهو ما لا تحتمله مصر حاليًا; كتكفير عادل امام, أو يسرا, واهدار
دم المخرجة ايناس الدغيدي; لأعمالها السينمائية الجريئة في الآونة الأخيرة.
وأبدت موريس في الوقت نفسه تخوفًا من
صعود الاخوان والسلفيين, مؤكدة أن أكبر خطأ قد يمارسه الاسلاميون هو اتخاذ
اجراءات المنع والحظر للأعمال الفنية في الوقت الذي نعيش فيه عصر السموات
المفتوحة, والفضائيات المتعددة, التي تنقل للجميع ما يرغبون في مشاهدته. ما
يجعلنا نتمنى أن يبقى وجود الفن حرًا في ظل سيطرة الاسلاميين على البرلمان
, وعليهم أن يكسبوا ثقة الجماهير لا أن يناصبوهم العداء باجراءات قمعية
بالمنع أو التحريم . وأوصت موريس بالبعد عن الابتذال في مضمون
الأعمال الفنية, ووصفت مثل هذه الأعمال بالرخيصة, التي سادت الفن لفترة
وغلب عليها الفكر التجاري, الأمر الذي لا يتناسب مع المرحلة القادمة التي
سيعتلي فيها الاسلاميون دوائر السلطة في مصر, وحتى لا تكون نافذة يقفز منها
بعض أصحاب الأصوات المتشددة والمتطرفة والمحسوبة على التيارات الاسلامية
بفتاوى التحريم والمنع والحذر. أما الدكتورة منى الصبان -الأستاذ
بالمعهد العالي للسينما- فاكدت أن الفن يقوم برسالة سامية وهادفة في
المجتمع; حيث يمارس دورًا توعويًا لا غنى عنه, ولكنها أبدت تشاؤمًا كبيرًا
من صعود التيار الاسلامي وأثر هذا الصعود على الحركة الفنية, حيث تعتقد أنه
في ظل حكمه قد لا يستطيع الفن أن يقوم برسالته, ويؤدي واجبه, وأن حالات
التكفير والمصادرة والمنع سترجع أقوى ما كانت عليه في الماضي; وذلك لاختلاط
المعايير واستقواء الكثيرين بعلو الصوت, والمغالاة فيما يتعلق بحريات الرأي
والتعبير; من أجل الوصول الى المزيد من السلطة بتحريك الوازع الديني لدى
الجماهير.
وصاية
وطالبت "د. منى" بعدم فرض رقابة
مطلقة من قبل الاسلاميين على الأعمال السينمائية والدرامية, حتى لا نكبل
حرية الابداع, أو نحول دون نقل صورة حقيقية لما يدور في المجتمع من أحداث,
كما عليهم أن يبتعدوا عن لعب دور الرقيب أو الوصي على الفن بمجالاته
المختلفة, ويتركوا الحكم للشعب في مشاهدة ما يريد لأن هذا الأمر من صميم
الحرية. لذا ومن الضروري أن تبقى مصر دولة مدنية لا يعلو فيها صوت بمنع أو
حظر الا فيما يعود بالصالح العام على المجتمع, مشددة على أن أي نشاط لمنع
فني من قبل الاسلاميين هو قتل مع سبق الاصرار والترصد للتقدم وقد يحولنا
الى ايران أخرى وهو ما لا نرجوه لمصر.
تحرك سريع
من جانبه يقول المخرج عمر عبد
العزيز:الفن المصري كان سباقا دائمًا في نقل صورة واقعية لكل المتغيرات
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, ولكنه أصبح على المحك, وعليه أن يمارس
دوره في توعية المواطنين خاصة في ظل الأحداث التي تشهدها البلاد ولأنه يمر
بمرحلة صعبة تشهد صناعة تاريخ جديد وصعود تيارات وانهيار أخرى, فمن الطبيعي
أن يتأثر; ولكن الفنان لا يمكن أن يضع رأسه في الرمال في الوقت الذي أصبح
فيه مطالبًا بأن يكون أكثر صدقًا مع الجماهير.
ويرفض عبد العزيز في الوقت نفسه بعض
الأصوات المتشددة التي تهاجم الفن وتحرمه وتكفر رواده وصناعه; منددًا
بفتاوى الشيخ يوسف البدري ومن على شاكلته من الدعاة الذين تصدوا للرسالة
الفنية بالتكفير أو اهدار الدم, كما أنه من الضروري أن يكون هناك تحرك سريع
من قبل الفنانين والمثقفين وأهل السياسة لعلاج الآثار السلبية التي لحقت
بالحياة الفنية جراء توقف بعض الأعمال.
وعن آراء أهل السياسة المتخصصين فيما
يتعلق بملامح الصراع الفني الديني وموجات التكفير والملاحقة, يؤكد المهندس
علي عبد الفتاح -القيادي البارز بحزب "الحرية والعدالة " الذراع السياسية
لجماعة الاخوان المسلمين- أن الحزب ليس على طاولته اجراء تغييرات جبرية على
المضمار الفني في الوقت الحالي أو مستقبلاً, مؤكدًا أن هناك العديد من
المحاذير التي تضعها الحرية والعدالة نصب عينيها دومًا ولن تتخطاها أو
تتدخل فيها ومنها شؤون الفن وأنه آن الأوان بعد النجاح الكبير الذي حققه
الحزب في الانتخابات للتنصل من كل المخاوف الفنية التي أثيرت في الماضي من
المنع أو التعديل, ولكنه تطرق في الوقت نفسه الى ضرورة الاقلاع في المرحلة
المقبلة عن عدد من التناولات السينمائية التي تترصد الاسلاميين وتتعمد
تشويه صورتهم, أو تزييف معدنهم الحقيقي والذي ارتضاه المصريون وعبرت عنه
نتائج الانتخابات البرلمانية في مراحلها المتتالية. وفي المقابل يقول
الشيخ محمد علي -أحد كبار القيادات السلفية: "اعتقد أن المرحلة المقبلة لن
تشهد تغييرات جبرية من قبل الاسلاميين على الصعيد الفني, مؤكدًا أن الفن
بألوانه المختلفة حتى الغناء حسنه حسن وقبيحه قبيح, متطرقًا الى فتوى أحد
كبار علماء المملكة العربية السعودية "ابن عثيمين", والذي ما أن انتهى من
حضور أحد العروض لمسلسل سعودي حضره معه الشيخ محمد علي, بجواز التمثيل
الهادف البعيد عن المشاهد الخارجة عن جوهر الدين الاسلامي من التقبيل
والعناق ومشاهد الفراش التي تخدش الحياء والرقص, وكذلك الملابس التي تثير
بناتنا وأولادنا في عمر الزهور, والتي تكون سببًا في حدوث جرائم وانفلاتات
نجني ثمارها السيئة فيما بعد. ويستنكر الشيخ علي ما اسماه المجون الذي ساد
أعمالاً تعرض الى وقتنا هذا, مناشدًا بتغييرها من قبل القائمين على الفن
أنفسهم بتقديم المضامين الهادفة البعيدة عن الابتذال والعري, ومؤكدًا على
دور الدين في محاربة كل ما يتعارض مع الأخلاق والمثل والنهج المحمدي.
ويشير د. محمد رأفت عثمان -أستاذ
الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الاسلامية- الى أن موجات
التكفير الفني من الصعب أن تعود مرة أخرى; فهي فتاوى لأشخاص غير مسؤولين,
امتهنوا الفتوى من دون أسانيد صحيحة ودون مرجعيات علمية لهم. خاصة أن كلمة
التكفير ثقيلة عند الله, ولا يحق لمسلم أن يكفر أحدا من دون علم أو سند
لأنها مردودة عليه ان لم تكن فيه, فلا ينبغي لمسلم أن يكفر مسلمًا على
الاطلاق وأن القلوب لله مطلع عليها, ويرى ما فيها بينما نحن نحكم بالظاهر
والله يتولى السرائر.