أزمات المبدعين مع الجهات الدينية توالى في دول
المنطقة بعد الربيع العربي
مجدي الشاذلي من القاهرة
يبدو أن مشكلات المبدعين وصراعاتهم من أجل حرية الإبداع، لن تتوقف عند
حدود زمانية أو مكانية، وسواء حدثت المناوشات مع الجهات الرقابية الرسمية
أو مع التيارات الدينية التي صعدت للساحة السياسية بقوة عقب ثورات الربيع
العربي، فإنها أصبحت متواترة بصورة واضحة في مصر وعدد آخر من دول المنطقة
التي ينشط فيها التيار الديني ليلعب دورا مؤثرا في الساحة الثقافية والفنية
منذ سنوات.
في مصر التي مازالت الأوساط الثقافية فيها تتحدث عن منع تصوير مشهد في
فيلم "فرش وغطا" للمخرج أحمد عبد الله بأحد مساجد القاهرة، وطرد أسرة مسلسل
"ذات" للمخرجة كاملة أبو ذكري من جامعة عين شمس، فوجىء الجميع بأزمة جديدة
تقع في جامعة القاهرة، إذ قام طلاب يمثلون توجهات إسلامية بمنع عرض الفيلم
الإيراني "انفصال نادر وسيمين" لمخرجه أصغر فرهادي، الحائز على جائزة أفضل
فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار الشهر الماضي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة
في مهرجان أبوظبي السينمائي بدعوى أن الفيلم يدعو إلى "نشر الفكر الشيعي".
وفي أعقاب ذلك، أصدرت جبهة الإبداع المصرية بيانا أمس الثلاثاء تندد
فيه بمنع عرض الفيلم الإيراني، واتهمت الجماعات المتطرفة فكريا بمحاولة نشر
فكرهم المظلم، ووصفت ما جرى بأنه "مأساة"، وطالبت إدارة الجامعة بعدم
محاباة المتشددين، ومحاربة ذلك الفكر والتصدي له بدلا من الخضوع لأصحابه.
و المفارقة الغريبة، أن السلطات الإيرانية منعت أمس أيضا احتفالية
لمركز مخرجي السينما والمجلس الأعلى لمنتجي السينما الإيرانية، كانا يعتزما
إقامتها على شرف المخرج أصغر فرهادي، الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن
فيلمه "انفصال نادر وسيمين"، وذلك بدعوى عدم الحصول على تصريح من السلطات
في إيران، باعتبار أن أي مناسبة عامة يجب أن تحصل على تصريح قبل إقامتها.
وأبدى المسؤولون في مركز مخرجي السينما الإيرانية والمجلس الأعلى
لمنتجي السينما الإيرانية على هذا القرار وقالوا: "كنا نعتزم الاحتفاء
بالمخرج أصغر ونقول له شكرا لما حققه من إنجاز بحصوله على الأوسكار الشهر
الماضي، لكن مجتمعنا لم يمنحنا الفرصة، ونحن نأسف بشدة لذلك".
ومن جهة أخرى، عقد مجلس إدارة جمعية مؤلفي الدراما العربية ممثلا
لجمعيتها العمومية التي تضم عموم كتاب الدراما المصرية والعربية، للنظر
فيما تواجهه الحركة الفنية والثقافية من أخطار تهدد حرية الفكر والإبداع.
وقد وصفت الجمعية الهجمة الشرسة التي تقودها بعض الجهات المتشددة في
مصر حاليا ضد أعمال فنية قام بها كتاب وفنانون بعينهم مثل وحيد حامد ولينين
الرملي وعادل إمام ومحمد فاضل وشريف عرفة وغيرهم بما يمس حرية الفكر
والتعبير والإبداع إنما يمثل ردة وعودة إلى عصور القهر والتخلف والظلام.
ورغم كونه جهة حكومية تابعة لوزارة الثقافة المصرية، شارك المركز
القومي للسينما برئاسة المخرج مجدي أحمد علي، في التنديد بمحاولات تقييد
الإبداع، وأصدر المركز بيانا أمس يؤكد فيه رفضه واستياءه من منع وزير
الأوقاف تصوير بعض مشاهد فيلم "فرش وغطا" داخل مسجد السيدة نفيسة، دون وجود
سند قانونى، كما أعرب المجلس عن انزعاجه من تزايد العداء الضمني والصريح من
المؤسسات الحكومية والخاصة لحرية الإبداع وممارسة الحق في التعبير، وحمل
المؤسسات مسئولية تفاقم هذه الروح المعادية للفن والثقافة بتخاذلها عن
اتخاذ خطوات حاسمة للتصدي لهذه الظواهر ومعالجتها.
وفي المملكة العربية السعودية، شهد جناح دار "الغاوون"، في معرض
الرياض الدولي للكتاب، الذي تتواصل فعالياته حاليا، نقاشا بين أعضاء في
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية، ومسئولي الدار، حول
اسم الدار. حيث أبدى أعضاء الهيئة اعتراضهم على تسمية الدار التي تشارك في
المعرض لأول مرة بجناح مستقل، بهذا الاسم، ووجهوا عددا من الملاحظات للمشرف
على الجناح.
وقبل أيام، أطلق مركز شرطة في الرياض، سراح المخرج السعودي عبد الخالق
الغانم، الذي أوقفه موظفو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء
تصوير مشاهد من مسلسل "من الآخر"، بحجة إلصاق شعار الهيئة على إحدى سيارات
المسلسل الخاصة بتصوير مشهد لموظف في "الهيئة" يقوم بمناصحة فتاة.
وقال الغانم حلقة المسلسل التي أثارت الأزمة تعتبر من الحلقات
الجميلة، وتحمل عنوان "صحيح البخاري"، وهي تحكي قصة فتاة أميركية تدخل
الإسلام بعد قراءتها لكتاب "صحيح البخاري"، إلا أنها تفاجأ بالتصرفات
والممارسات غير الجيدة، التي تشوّه صورة الدين الإسلامي.
14/03/2012