ملفات خاصة

 
 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان - تُوجِّهها حسابات معقَّدة ورغبات

الأفلام العربية في «كان»... فرصة فوز لم يتحقق

كانمحمد رُضا

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

تعتمد السينمات العربية، أكثر من أي وقت مضى، على عرض إنتاجاتها في المهرجانات الدولية.

في السنوات الـ20 الأخيرة، ازداد عدد المعروض منها في «كان»، و«ڤينيسيا»، و«برلين»، و«كارلوڤي ڤاري»، و«لندن»، و«تورنتو»، و«لوكارنو»، والقائمة طويلة.

السبب الواضح هو الرَّغبة في تبوُّؤِ نجاحٍ جوهريٍّ يستفيد منه الفيلم ومَن فيه، وما يُمثِّله في دعم المسيرة، وتأسيس المكانة، والشهرة الفردية للعاملين فيه. وكذلك في إبراز دور الدولة التي وُلد فيها مشروع المخرج، حتى لو كان التمويل آتياً من الخارج، كما بات الحال غالباً.

هي عملية يمتزج فيها الطُّموح الفردي بالمؤسساتي، والفني بالتجاري.

أفلام «نورة» لتوفيق الزايدي، و«وجدة» لهيفاء المنصور، و«ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلا، وأُخرى سواها، سارت على هذا الخط الرَّفيع محققة رواجاً جماهيرياً في الغرب، ونقدياً في كل مكان آخر.

سبب خفي

الأفلام العربية منذ السبعينات وما بعدها، حظيت أيضاً بحضورٍ متعدّد، وكثيرٌ منها شقَّ طريقه إلى مهرجان «كان» وغيره من المهرجانات الدولية.

لكن السبب الخفي وراء هذا التوجّه، في الماضي والحاضر، يعود إلى ضيق رقعة الإنتاج العربي في الأسواق العربية.

فقد باتت تكلفة إنتاج الفيلم اليوم أعلى بكثير ممّا كانت عليه في السابق؛ إذ تقترب ميزانية الفيلم الصغير أحياناً من مليون دولار، بينما يتجاوز الفيلم الكبير هذا الرقم بسهولة.

السوق العربية لا تضمن استعادة تكلفة الفيلم الصغير (لأن أحداً لا يراه)، ولا الفيلم الكبير (كون الإنتاجات التجارية محدودة في أسواقها باستثناء المصرية).

مع هذا الوضع، لا يتَّجه الإنتاج العربي ليطلب المعونة المالية من الدول الأوروبية فقط، بل يعتمد عليها بوصفها فرصة للوصول إلى المهرجانات لا يمكن تفويتها.

مضامين عربية

استقبل مهرجان «كان» العام الحالي، أفلاماً عربية متنوِّعة المصادر. مجازياً، تُسمّى الأفلام المُمولة من الغرب أفلاماً عربية، لكن الواقع هو أن ما هو عربي مُحدَّد بالإخراج واللغة والموضوع، وهذا ليس كافياً ما دام التمويل الرئيس ليس عربياً.

يجد المخرج العربي نفسه بحاجة إلى مظلَّة دولية ليُنجز فيلمه، ويعرضه عالمياً في المهرجانات أولاً، ومن ثَمَّ في الأسواق، إذا ما أُتيح له ذلك، وهو سيتوجَّه لأي بلد أجنبي يؤمِّن له هذا الهدف.

ما شاهدناه هنا من أفلام لا يؤكد ما سبق قوله فقط، بل ينتمي أيضاً إلى طروحات متعدِّدة جميعها مهمَّة، لكن الناتج يتفاوت فنياً. كان طبيعياً أن تتوجَّه بعض هذه الطروحات صوب السياسة.

فيلم «كعكة الرئيس» لحسن هادي، الذي قُدّم باسم العراق والولايات المتحدة (حيث التمويل الفعلي)، يطرح حكاية تقع أحداثها في «عراق صدّام حسين».

نرى صوره وتماثيله، وهو حاضر في طول الحكاية وعرضها، التي تدور حول فتاة صغيرة يُطلب منها تحضير كعكة بمناسبة عيد ميلاد الرئيس، وذلك في الوقت الذي يعيش فيه الناس فوضى تلك الفترة.

أما الفيلم السويدي - الدنماركي - الفنلندي - الفرنسي «نسور الجمهورية» لطارق صالح، ففيه عنصر تسوية حسابات عالقة مع النظام العراقي السابق. الفارق أن فيلم صالح ينتقد الحكم الحالي والسلطات، عوض انتظار رحيلها.

«نسور الجمهورية» نظرة خارجية من مكان آمن لحالٍ لا تطاله الرقابة المصرية (على عكس «كعكة الرئيس» المُرحَّب به داخل العراق).

في الفيلم المصري (فعلياً) «عائشة لا تستطيع الطيران بعيداً» لمراد مصطفى، الذي يتمحور حول مدبرة منزل سودانية، يبدأ الفيلم بها وهي في القاع، وينتهي بها وهي أسفله.

النقد هنا يبقى على أرضٍ اجتماعية بحتة لا دخل لها بالمؤسسات الرسمية.

هناك فيلم آخر عنوانه «سماء بلا أرض» (Promis le ciel) للمخرجة التونسية أريج السحيري (سبق لها أن أخرجت «تحت أشجار التين» قبل 3 أعوام).

تقول البطاقة إن الفيلم تونسي - قطري - فرنسي، لكن مع غياب التفاصيل لا نستطيع سوى التخمين بأن غالبية التمويل الأساسي لهذه الدراما الأنثوية تم مقابل تأمين «كنال بلوس» (Canal+) الفرنسية غالبية الميزانية.

«سماء بلا أرض» فيلم رقيق الحاشية من بدايته إلى نهايته. حواره الغالب فرنسي، كون بطلاته من كوت ديڤوار يعشن ويعملن في تونس.

اختيار موضوعات تسمح للفيلم الحديثَ بالفرنسية أمرٌ آخر منتشر في أفلام مغاربية.

خفي

لا يحتلّ الفن في هذه النماذج حضوراً بارزاً؛ فالاختلاف يكمن في أسلوب المعالجة. ففيلم طارق صالح «نسور الجمهورية» يتّبع معالجة سردية تنتمي إلى «النوع» (Genre)، في حين يتَّخذ «كعكة الرئيس» لحسن هادي، وكذلك فيلم «سماء بلا أرض»، منحى سردياً حكائياً. أما «عائشة لا تستطيع الطيران بعيداً» لمراد مصطفى، فهو محاولة لخلق فيلم فني، لكن النية شيء والتنفيذ شيء آخر.

لا يجب أن يغيب عن البال أن هذا المهرجان هو المناسبة الـ50 لفوز فيلم «مفكرة سنوات الجمر» للمخرج الجزائري محمد الأخضر حمينة بالسعفة الذهبية (سيُعرض بنسخة مُرمَّمة بعد ظهر اليوم، الجمعة).

هذا فيلم كان يمكن أن يُدرَّس ويُستفاد منه لناحية عناصر الحكاية، وكيفية تنفيذ المضمون، كما من جهة أسلوب عمله، لكن غالبية العاملين في الوسط اليوم لا يكترثون للرجوع بضع خطوات إلى الأمس.

 

####

 

شاشة الناقد: بطلات تحت سطح الحياة

كانمحمد رُضا

المصيطبة - المكان المرتفع ★★★★ إخراج: روان ناصيف

لبنان | تسجيلي |ألوان (20 د).

عروض 2025: جوائز السينما العربية

فيلم قصير يستحق الإعجاب، تسرد فيه المخرجة بصوتها ذكرياتها عن منطقة «المصيطبة» في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث ترعرعت قبل الحرب الأهلية وخلالها، بمناسبة عودتها إليها بعد 20 عاماً من الغربة. يبدأ التعليق بالتعريف بذلك الحي الذي يقع في منتصف المنطقة الغربية من بيروت، والذي كانت تقطنه غالبية مسيحية قبل الحرب. التعليق بالعامية ينسجم مع البوح الشخصي للمخرجة، التي تتحدث عن ذكرياتها طفلة ومن ثمّ شابة، وعن عائلتها وأقاربها الذين عاشوا في ذلك الحي أيضاً. لاحقاً، بعد نحو 10 دقائق، تنتقل إلى المرحلة الحالية؛ حين تعود إلى البيت حيث نشأت، فتجد نفسها غريبة، كما لو أن المنطقة جديدة عليها. في الواقع، هي بيروت التي تختلف اليوم عما كانت عليه سابقاً.

لا تهتم المخرجة بتحليل الوضع أو المُسبِّبات، بل تظل ملتصقة بتجربتها الشخصية، تعرضها بكل ما تحمل من خصوصية وبساطة وألفة. وهذا كله، وعلى أهميته، يُشكل جزءاً من قيمة الفيلم. مما يرتقي به وبمضمونه هو ما نراه على الشاشة. لا توجد لقطات للحي أو المدينة أو للمخرجة والأشخاص الذين تُذكر أسماؤهم، بل تمرُّ أمامنا مشاهد لمبانٍ من بعيد، (بينها العمارة التي تسكنها المخرجة). وهذا الأسلوب يتناسب مع رغبة الفيلم في عدم الخروج عن نطاق اهتمام مخرجته، أو توسيع نطاق ما ترويه. أحياناً، تلجأ إلى تركيب لقطتين، إحداهما فوق الأخرى...

نسور الجمهورية★★ طارق صالح

السويد + | دراما سياسية | ألوان (129 د)

عروض 2025: مهرجان «كان»

يُذكِّر فيلم طارق صالح الجديد «نسور الجمهورية» بفيلم المصري مجدي أحمد علي «مولانا» (2017) وفيلم المجري إسطفان شابو «مفيستو» (1981)، من حيث إن الأفلام الثلاثة تتعرَّض لما يحدث لأبطالها عندما تحوم السُّلطة حول نجاحهم لكي تستخدمهم لصالحها. لكنها 3 أفلام تختلف في الأسلوب والمعالجة الفنية، كما في الإيقاع، عن بعضها بعضاً. فيلم طارق صالح يميل إلى التشويق السياسي، متناولاً حكاية ممثل مشهور اسمه جورج فهمي (فارس فارس)، الذي تفرض عليه السلطات التعاون معها ليكون ناطقاً باسم النظام. هذا بعد جمعِ معلومات عن علاقاته العاطفية (من بينها علاقة مع زوجة ضابط كبير)، ومن ثَمَّ خطف ابنه ليُجبر على الامتثال.

سابقاً، كانت الأفلام المصرية ذات الموضوعات السياسية تميل غالباً إلى الإيحاء، أما «نسور الجمهورية» فيُريد المواجهة صريحة، مُقدماً الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي في مشاهد حيَّة وممثلة (بعمرو واكد) بوصفه رأس السلطة التي يوجِّه الفيلم نقده إليها. الفساد في فيلم طارق صالح مستشرٍ في كل زاوية، من الرقابة وصناعة الأفلام (حيث يبدأ الفيلم) إلى استغلال السلطات الفنانين وابتزازهم ليصبحوا أدوات دعاية.

خيارات المخرج في فيلميه السابقين «حادث النيل هيلتون» (2017)، و«صبي من الجنّة» (2020)، كما في هذا الفيلم، عدائية. لديه خيارات في النقد ينتقي منها أكثرها مباشرة، منفذة على قدر من المهارة، لكنه يتعثَّر في ربط الحكايات الصغيرة في سياق عمل متماسك.

ORWELL★★★

راوول بك

الولايات المتحدة | تسجيلي/ وثائقي | ألوان/ أبيض أسود (119 د)

عروض 2025: مهرجان «كان»

سيبقى المؤلف البريطاني جورج أورويل معروفاً بروايته «1984» على الرغم من أنه كتب غيرها. كانت آخر أعماله ونشرها سنة 1949، متناولاً فيها انتشار الحكم الفاشي في بلاده، ورمزياً في أكثر من مكان آخر. اقتبست السينما روايته هذه أكثر من مرة، بالإضافة إلى مسلسل تلفزيوني (2013). اثنان من تلك الأفلام هما الأفضل حتى اليوم، هما نسخة مايكل أندرسون (1957) ونسخة مايكل رادفورد (1984).

بعض ما جعل الرواية خالدة حتى اليوم هو تنبؤها بما تحقَّق، ليس بالضرورة في عام 1984 تحديداً، بل في الأعوام التي تلت، حيث هُمّش العامل الإنساني في بناء المجتمع، ووُجِّه كلياً نحو العنصر العلمي، مع سيطرة الحكومات الغربية الكبرى على زمام الأمور في كل المجالات، حتى في المجال الأكثر حساسية في نص الكاتب، وهو حرية الفكر.

أورويل كان معادياً للإمبريالية، وهذا واضح في أعماله، كما يتجلى بوضوح في هذا الفيلم. النقطة السلبية الأبرز في العمل تكمن في غوص المخرج بتحليل كل ما يملكه (أو ما يستحق التحليل فعلاً) دون أن ينسجم ذلك مع المواد المستخدمة. ونتيجة ذلك، فيلم يكتفي باستعراض كاتب ونص مهمين من دون تقديم طرحٍ سياسي موازٍ من قبل المخرج.

ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز

 

الشرق الأوسط في

22.05.2025

 
 
 
 
 

كان 2025 | يواكيم و ريناتي يعودان بـ«القيمة العاطفية»  

للمنافسة على «السعفة الذهبية»

كان ـ «سينماتوغراف»

يعود يواكيم ترير إلى المنافسة على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الـ 78، بعد أربع سنوات من تعريف العالم ببراعة ريناتي رينسف، الحائزة على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "أسوأ إنسان في العالم".

الممثلة، التي حققت شهرة عالمية منذ ذلك الحين، تلتقي مجددًا بالمخرج النرويجي في فيلم شخصي للغاية: "القيمة العاطفية، Sentimental Value ".

في الفيلم يمرّ وقت طويل منذ أن رأى غوستاف بناته. عندما عاد إلى حياتهن، عرض على ابنته الكبرى، نورا، دورًا في فيلمه التالي: دور والدة الفتيات. رفضته. في النهاية، اختار نجمة هوليوودية شابة تُدعى راشيل كيمبف. يُعيد هذا الاختيار ذكريات مؤلمة إلى الواجهة، ذكريات لا يمكن للأب وابنته تجاهلها.

لطالما تميّزت أفلام يواكيم ترير بهذا التمحيص للسلوك البشري والتفاعلات الشخصية منذ فيلمه الروائي الأول "ريبرايز" (2006)، الذي يُصوّر شابين شغوفين مدفوعين بطموحهما ليصبحا كاتبين.

وبعد قرابة 20 عامًا، يُقدّم لنا ترير فيلم (القيمة العاطفية)، وهو فيلم يُصوّر رجلًا لا يُضاهي نجاحه كمخرج إلا فشله كأب.

ودون الدخول في سياق السيرة الذاتية، يجعل ترير، وهو أب لطفلين مثل غوستاف، بطله يتبنى نهج المخرج نفسه في السبر والاستقصاء والاستكشاف. وقد تحدّث عن شغفه بفكرة عودة عائلة إلى سابق عهدها وحلّ خلافاتها، قائلاً:

"لدينا علاقة مستحيلة بين ابنة وأب، تُشبه قصة حب حزينة. لكنهما متشابهان جدًا. في بيت الإبداع، يُمكنهما الالتقاء."

في هذا الفيلم، الذي يصوّر عائلةً تلتقي في دوامةٍ من المشاعر الجياشة، يتعاون يواكيم ترير لأول مرة مع النجم الرائع ستيلان سكارسجارد. وتؤدي دور الشقيقتين ريناتي راينسف، وهي متعاونةٌ وفيةٌ لترير منذ أن أدّت جملةً واحدةً في ظهورها القصير في فيلم "أوسلو، 31 أغسطس" (نظرةٌ ما، 2011) - وإنغا إبسدوتر ليلياس، وهي ممثلةٌ نرويجيةٌ تبلغ من العمر 36 عامًا. وتُكمل إيل فانينغ طاقمَ الممثلين المتميزين بدور راشيل كيمبف.

يُمثّل فيلم "القيمة العاطفية" الظهور الثالث للممثلة في مسابقة، بعد فيلمي "شيطان النيون" (2016) لنيكولاس ويندينج ريفن و"المُغرر به" (2017) لصوفيا كوبولا.

فهل يمكن أن يكون هذا هو عام السعفة الذهبية ليواكيم ترير؟.

 

####

 

مراجعة فيلم | «تاريخ الصوت» لـ أوليفر هيرمانوس:

دراما يميزها رحلة جمع الأغاني الشعبية القديمة

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

بالنسبة لليونيل وورثينج (بول ميسكال)، لطالما كانت الموسيقى أكثر من مجرد صوت. فقد وُلد وهو قادر على رؤيتها والإحساس بها أيضًا. وبفضل موهبته الكبيرة في أوائل القرن العشرين، حصل على منحة دراسية من مزرعته في كنتاكي للالتحاق بمعهد نيو إنجلاند للموسيقى في بوسطن.

لم يكن يتوقع أن يسمع أغاني شبابه الشعبية هناك، ولكن في إحدى الليالي، سمع رجلاً يغني لحنًا مألوفًا، فعرّف بنفسه. ذلك الرجل هو ديفيد وايت (جوش أوكونور)، الذي يمتلك شغفًا بجمع الأغاني التي غرسها عمه البريطاني في رحلاته الريفية عندما كان ديفيد صغيرًا.

بعد تبادل أغنية بأخرى، أصبح ديفيد وليونيل صديقين حميمين، ثم تطورت علاقتهما.

بعد أن فرقتهما الحرب، انقطع التواصل بينهما، لكن ديفيد عاد في النهاية، طالبًا من ليونيل الانضمام إليه في رحلة لجمع الأغاني. لكن بالنظر إلى كل ما يعيقهم - العادات الاجتماعية، وتجربة ديفيد في الحرب العالمية الأولى، ونشأة ليونيل الفقيرة - إلى متى سيتمكنون من مواصلة تأليف موسيقى رائعة معًا؟

فيلم "تاريخ الصوت، The History of Sound" لأوليفر هيرمانوس، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الـ 78، والمقتبس من قصة قصيرة لبن شاتوك، هو بالضبط نوع الدراما الرومانسية المثلية التاريخية التي يتوقعها المرء من فوكس فيتشرز، الاستوديو الذي قدم فيلم "جبل بروكباك" للمخرج أنغ لي.

يبدو مزيج المشاعر البسيطة والمباشرة للأغاني الشعبية التقليدية مع أسلوب بريطاني أصيل من ضبط النفس العاطفي بين الأشخاص، ناجحًا نظريًا، لكنه في الفيلم لا ينجح تمامًا، ويعود ذلك أساسًا إلى مدى ترقب الجمهور لقصة شاتوك. يُلبي الفيلم جميع التوقعات التي اعتاد عليها الجمهور من هذا النوع، وهذا لا يعني بالضرورة أنه لن ينجح مع شريحة واسعة من المشاهدين، ولكنه يعني أن على الفيلم بذل جهد أكبر لإيصال تلك الإيقاعات العاطفية إلى الجمهور.

للأسف، يُصرّ فيلم "هيرمانوس" على السيناريو المُحدّد بدقة، مُبالغًا في اتّباعه، مُتّبعًا ما هو مُتوقّع بدلًا من محاولة تجديد بنية السيناريو التقليدية.

الفيلم يبدو جميلًا، بأزياءٍ رائعة وتصميم إنتاجٍ صوّره المصور السينمائي ألكسندر دينان، ببريقٍ ذهبيّ يُميّزه فورًا كفيلمٍ فاخر، ولكن يغمر النغمة العامة هدوءٌ كئيبٌ يتناسب بشكلٍ رائعٍ مع الأغاني الشعبية القديمة التي تُشكّل الجزء الأكبر من الموسيقى المُصاحبة للفيلم.

في النصف الأول، عندما يستكشف ليونيل وديفيد مشاعر بعضهما البعض وينطلقان في رحلةٍ لجمع الأغاني، يُضفي الفيلم هالةً آسرةً لا مثيل لها، نافذةً على العديد من الثقافات الفرعية الأمريكية التي لم تُستكشف بشكلٍ كافٍ في الأفلام. الأغاني رائعة، يُغنّيها مُغنّون موهوبون بشغفٍ حزين، وتُجسّد الموسيقى التصويرية للفيلم نفس المشاعر الجياشة من خلال أوتارٍ رومانسية.

يُحلّق الفيلم عالياً كلما ركّز على الموسيقى، ولكن بالنظر إلى المونولوج الافتتاحي الذي يروي كيف يُمكن ليونيل رؤية الصوت والشعور به، يُثير الإحباط أن هيرمانوس لا يُخاطر أبداً، كما تفعل الشخصيات في وجودها مع بعضها البعض، ليُظهر لنا ما يراه ليونيل.

ويختار الفيلم باستمرار إخبار الجمهور متى يُمكنه إظهاره، وهو ما يُمثّل فشلاً في الجرأة في اقتباس الفيلم إلى الشاشة.

يُظهر هيرمانوس تناغماً رائعاً في الأداء، مُستخدماً مقاييس اللقطات وحركة الكاميرا لتسليط الضوء على الحالة العاطفية للشخصيات.

الكيمياء بين ميسكال وأوكونور متحفظة لكنها قوية، وإذا كان سحر أوكونور البسيط يدفع السرد إلى الأمام، فإنّ غموض ميسكال الداخلي المُعقّد يُشكّل ركيزة الفيلم، مُرسّخاً الرومانسية في رابط ملموس بين شخصين مُعقّدين.

للأسف، يُبالغ ميسكال في شدته عندما يكون الفيلم بأمسّ الحاجة إليه، فيُصبح مُقيّدًا في الفصل الأخير لدرجة أنه يفقد كل بوادر الحياة.

وبينما بذل الفيلم جهدًا كبيرًا خلال نصفه الأول ليُحقق ذروة عاطفية، إلا أنه لم يستطع تحقيق ذلك لأن كل تطور في الحبكة يُمكن رؤيته من بعيد، ولا توجد أي مشاعر من الشخصيات على الشاشة.

أفضل الممثلين أداءً في النصف الثاني من الفيلم هم أولئك الذين يظهرون لأول مرة حينها - كريس كوبر مؤثر بدور ليونيل الأكبر سنًا في الحلقة الختامية المُمتدة.

إيما كانينغ وهادلي روبنسون تُذهلان بدور صديقة ليونيل وزوجة ديفيد، على التوالي، وتقدم الممثلتان حوارهما الممل في التوقيت المثالي، حيث تمكنتا بشكل مفاجئ من الوصول إلى أكثر اللحظات العاطفية في الفيلم من خلال تدميرهما المدروس جيدًا.

عندما يحين وقت ربط أحداث الفيلم في لحظاته الأخيرة، يبذل هيرمانوس قصارى جهده لربط الرومانسية والموسيقى بشكل مُرضٍ، ويكاد يُحقق ذلك.

عموماً إحساس الفيلم بالمكان، حين يجمع ليونيل وديفيد الأغاني في ريف أمريكا، مؤثرٌ للغاية ويبعث على البهجة، لكن كل ما يليه يبدو متوقعًا للغاية، لدرجة أنه يكسر سحر النصف الأول منه.

ويمكن القول أن فيلم "تاريخ الصوت" لا يزال يستحق المشاهدة، لكن مجمله أقل بكثير من مجموع أجزائه.

 

####

 

مراجعة فيلم | «نينو» في قسم «أسبوع النقاد»

يتجاوز حبكته الكئيبة ويقدم عملاً مميزًا

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

عُرض هذا الفيلم الدرامي الفرنسي الآسر لأول مرة في قسم أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين، وهو أول فيلم روائي طويل للكاتبة والمخرجة بولين لوكيس.

قد يوحي ملخص الفيلم بأنه فيلمٌ مليءٌ بالكآبة والتشاؤم، لكنه عمل دافئٌ بشكلٍ مفاجئ، مؤثرٌ ومضحكٌ بشكلٍ لطيف.

تدور أحداث فيلم (نينو، ،Nino) في باريس المعاصرة، ويؤدي فيه الممثل الكندي ثيودور بيليرين دور نينو، البالغ من العمر 28 عامًا، والذي يتلقى تشخيصًا غير متوقع بسرطان الحلق بعد ذهابه إلى المستشفى بسبب ما ظنه التهابًا مستمرًا في الحلق وإرهاقًا.

ولأنه لا يملك وقتًا ليضيعه، يُقال لنينو إنه سيضطر إلى بدء علاج كيميائي وإشعاعي مكثف خلال ثلاثة أيام، وأن هناك احتمالًا أن يُسبب له العلاج العقم، لذلك عليه تجميد حيواناته المنوية خلال عطلة نهاية الأسبوع إذا أراد إنجاب أطفال.

بعد تلك البداية المذهلة، تتفاقم مشاكل نينو بطريقة ما عندما يُغلق عليه باب شقته في عطلة نهاية الأسبوع بسبب وفاة بوابه.

قد يكون الوقت يمر، والمخاطر كبيرة بلا شك، لكن هذا ليس فيلم إثارة عن سباق ضد الزمن. بدلاً من ذلك، يتجول نينو في أنحاء باريس، ويلتقي بأصدقائه (الذين يُفاجئونه بحفلة، نظرًا لسوء التوقيت، حيث يصادف عيد ميلاده التاسع والعشرين أيضًا)، في حضور والدته (جين باليبار)، وصديقته السابقة، وزميلته السابقة في المدرسة (سالومي ديويلز)، لكنه يُكافح لإخبارهم بحقيقة وضعه.

يبدو نص لوكيس شخصيًا للغاية منذ البداية، وفي الواقع، يكشف بيان المخرجة أن القصة وُلدت من فقدان لوكيس لصديق حقيقي بسبب السرطان في سن مبكرة. وبناءً على ذلك، فإن حساسيتها الصادقة واضحة طوال الفيلم بينما يتنقل نينو في العالم من حوله في ضوء وضعه.

يُهيئ المشهد الافتتاحي أجواء الفيلم بشكل رائع، حيث يستقبل نينو تشخيصه بتلقائية، مع انطباع لدى الطبيب بأنه قد أُبلغ به مسبقًا، بسبب خطأ إداري. المشهد صادم ومحزن في آن واحد، لكن لوكيس وبيليرين نجحا بطريقة ما في إيجاد حس فكاهة فيه أيضًا - فالحرج الشديد في هذا التسلسل بديع.

تصل كوميديا الحرج إلى مستوى مماثل عندما يزور نينو والدته، عازمًا على إخبارها بالخبر، فتقول: "هل أنت بصدد التحول؟" فيكتفي بإخبارها بأنه مكتئب، لكن الكتابة والأداء لا يتركان للمشاهد مجالًا للشك في مدى رغبته في إخبارها الحقيقة - وهي مجرد واحدة من عدة تفاصيل مؤثرة ومفجعة في الفيلم.

يُشكل كفاح نينو المستمر لنقل خبره المزلزل إلى أقرب الناس إليه وأحبائه القلب النابض للفيلم، الذي يُصبح احتفالًا بالحب والصداقة واللطف.

قد يكون تشخيصه مميتًا، لكن الفيلم يبعث على الأمل أيضًا، لا سيما في لقاء نينو اللطيف، وتفاعلاته اللاحقة مع شخصية زوي، زميلته السابقة في المدرسة، وابنها الصغير، التي جسدتها ديويلز.

بيليرين رائع في دوره المحوري. يظهر في كل مشهد تقريبًا، ويحمل الفيلم بسلاسة بفضل حضوره الدائم على الشاشة، والذي قد يكون حزينًا بعض الشيء ولكنه لا يُحبط أبدًا.

في أماكن أخرى، هناك أداء قوي من باليبار بدور والدة نينو، بينما ديويلز ساحرة ومحبوبة بدور زوي، مما يُولّد تناغمًا مؤثرًا مع بيليرين.

وبالمثل، تُقدّم كاميل رذرفورد أداءً حيويًا وجذابًا في دور صديقة نينو المُقرّبة - ويُعدّ المشهد الذي يُساعدها فيه في حقنة التلقيح الاصطناعي في الحمام مشهدًا بارزًا آخر ومثالًا رائعًا على تصوير الفيلم المُتكامل للصداقة.

علاوةً على ذلك، يُقدّم ويليام ليبجيل أداءً رائعًا في دور صديق نينو المُقرّب، وهناك ظهورٌ مفاجئ ومُرحّب به للغاية للنجم الفرنسي ماثيو أمالريك في دور غريب يُقدّم الحكمة، يلتقيه نينو في حمام تركي (مشهدٌ رائع).

من الشائع في مراجعات الأفلام أن تُصبح المدينة التي تدور فيها أحداث الفيلم بمثابة شخصية، لكن هذا يبدو حقيقيًا في الفيلم.

على وجه الخصوص، تُشعرك لوكيس وكأنك ترى جانبًا من باريس لا تراه عادةً، خاصةً في الأفلام.

لا توجد لقطات ساحرة لبرج إيفل أو نوتردام، بل لقطات متكررة للمدينة قيد الإنشاء، بكل ما يترتب عليها من فوضى، وكأنها تؤكد على أن الحياة مستمرة في تغير دائم.

باختصار، هذا عمل درامي آسر عاطفيًا، وأداء تمثيلي رائع، يتجاوز حبكته الكئيبة ظاهريًا ليقدم شيئًا مميزًا.

كما يُبرز هذا العمل الكاتبة والمخرجة بولين لوكيس كموهبة واعدة تستحق المتابعة، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما ستقدمه لاحقًا.

 

####

 

مراجعة فيلم | «صراط» لـ أوليفر لاكس:

البقاء على جسرٍ بين الجنة والنار

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

يبدأ فيلم (صراط، Sirât) للمخرج الإسباني الفرنسي أوليفر لاكس، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الـ 78، بمكبرات صوت ضخمة تُجهّز لحفلة صاخبة صحراوية في المغرب.

تُشكّل هذه الحفلات الموسيقية الضخمة بوتقة مثالية للانصهار بين الناس، حيث يستمتعون بأروع أوقات حياتهم، ويمرّ آخرون بأسوءها. يتعاطون أنواعًا مختلفة من المخدرات، ويستمتعون بالهدوء. أغنياء وفقراء، شباب وكبار. وهناك دائمًا من لا ينتمون إلى هذا المكان، ومنهم لويس (سيرجي لوبيز) وابنه إستيبان (برونو نونيز). هما هناك في محاولة للعثور على ابنته المفقودة منذ خمسة أشهر.

لم يرَها أحد، لكن مجموعة من رواد الحفلات تُخبرهم عن حفل صاخب آخر قريبًا قد تكون فيه، وعندما يتم إخلاء المنطقة، يقرر لويس أن يتبعهم إليها.

كتجربة حسية، يُعد فيلم "صراط" تجربة مذهلة. موسيقى راي عالية الصوت بما يكفي لتشعر بصدى الصوت في عظامك وهو يرتدّ عن المنحدرات الصخرية المحيطة بموقع الحفل.

ومع تحول العمل إلى فيلم طريق، يأسرك لاكس في منظور الشخصيات بإحكام لدرجة أنه قادر على سحب البساط من تحتك بنجاح، ليس مرة واحدة، ولا مرتين، بل ثلاث مرات، بمفاجآت حقيقية تجعلك تجلس منتصبًا في مقعدك من رعب وصدمة شديدين.

لكن مشكلة هذه المفاجآت هي أن كل واحدة منها تُغيّر مسار الفيلم تمامًا، وليس بطرق مثيرة للاهتمام. بينما تُضفي هذه الأحداث لحظاتٍ حماسيةً وعاطفيةً مثيرةً، وتُتيح مساحةً لتطوراتٍ سرديةٍ وشخصيةٍ آسرة، يُبقي لاكس الأحداثَ كما هي في الغالب، مُثيراً احتماليةَ حدوث شيءٍ مثيرٍ للاهتمام قبل الانتقال إلى المشهد التالي. يُشير النص الافتتاحي للفيلم إلى الصراط كجسرٍ بين الجنة والنار، وتنتهي رحلة لويس ورفاقه بالبقاء على هذا الجسر، يدورون في دوائر، دون أن يُحرزوا أي تقدم.

هذه هي النقطة تحديداً، بالطبع. بعد الخروج من طريق الإخلاء من الحفلة الصاخبة، يُغلق الشخصيات الأخبار دائماً كلما ظهرت على الراديو، مُفضلين التركيز على أهدافهم الشخصية بدلاً من المخاطر الأكبر في العالم من حولهم. إنهم عالقون في نوعٍ من النسيان من صنع أيديهم، يبحثون بلا نهاية عن شيءٍ لن يجدوه أبداً.

للأسف، لا يتمتع رواد الحفلة الصاخبة بشهرة لويس، رغم الوقت الذي يقضيه معهم. يتمتع الممثلون، وجميعهم غير محترفين، بكاريزماٍ كبيرة، ومشاهدتهم آسرة. ومع ذلك، بالكاد يتعرف الحمهور عليهم، مما يجعل التواصل معهم صعبًا مثلما يكون التواصل مع لويس وإستيبان.

لا نعرف ما الذي يبحثون عنه سوى الحفلة الراقصة التالية، ولا يُناقش سبب شغفهم بثقافة الحفلات الراقصة أصلًا. يعاملهم لاكس كقطع شطرنج أكثر من كونهم شخصيات، فيحركهم في أوضاع مختلفة ليجعل القصة تسير حيث يريد دون أن يكترث لسبب قيامهم بذلك.

يُعد فيلم "صرااط" تجربة رائعة، حتى مع تلك الأخطاء. الموسيقى الإلكترونية، المستخدمة بطرق آسرة باستمرار مع تقدم الفيلم، تجذبك أكثر فأكثر إلى قلب الحدث، ويستخدم المصور السينمائي ماورو هيرسي المناظر الصحراوية وأشعة الشمس لخلق صور آسرة لا تُمحى، تجعل الصحراء اللامتناهية تبدو وكأنها جحيمها الخاص المنعزل عن بقية العالم.

إنها تجربة سينمائية أقرب ما تكون إلى "ماد ماكس: طريق الغضب"، إلا أنها تدور في مكان أقرب إلى العالم الحقيقي. جميع العاملين في "صراط" يبذلون قصارى جهدهم، لكن عملهم الرائع يخدم قصة غير مكتملة عن شخصيات لا تربطنا بها صلة قوية في الغالب.

في أي حفل موسيقي جيد، تأتي لحظة يستسلم فيها جسدك تمامًا للموسيقى، ويصبح من غير الواضح ما إذا كنت ترقص على أنغامها أم أنها ترقص معك.

في أفضل حالاته، يجسد "صراط" هذا الشعور على عكس أي فيلم آخر، ولكن من الصعب أن تستسلم له عندما يفتقر الفيلم إلى هذا القدر من العاطفة.

ومع ذلك، يبذل سيرجي لوبيز قصارى جهده لشخصيته لويس المعذبة، وفيما يتعلق بتجارب الشاشة الكبيرة (مع أعلى نظام صوت يمكنك العثور عليه)، لا يوجد شيء آخر يضاهي "صراط".

 

####

 

مراجعة فيلم | «القيمة العاطفية» لـ يواكيم ترير

تُبدع فيها ريناتي رينسف أمام ستيلان سكارسجارد

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

لأجيال، عاشت عائلة بيرج في منزل بتصميم مميز في قلب أوسلو، النرويج، وشُيّد هذا المنزل بعيب، شقّ في أساسه يتسلل عبر الجدران.

شهد المنزل أحداثًا كثيرة، لدرجة أنه في بداية فيلم "القيمة العاطفية" ليواكيم ترير، يبدأ بسرد بعض الأحداث التي جرت بين جدرانه وحدائقه. كانت هناك فرحة وأخرى ألم. حتى أن هناك مأساةً لم تُحكى، طاردت العائلة دون قصد لعقود.

ومثل ذلك الشق في الأساس، يبدو أنه لا يمكن إصلاحه. ولذلك، ليس من المستغرب أنه بعد وفاة والدتهما، لم تُبدِ الأختان نورا (ريناتي رينسف) وأغنيس (إنغا إبسدوتر ليلياس) أي مقاومة عندما وقعت إدارة المنزل في يد والدهما، غوستاف (ستيلان سكارسجارد)، الذي كان غريبًا بعض الشيء.

عُرض فيلم "القيمة العاطفية، Sentimental Value’" لأول مرة عالميًا ليلة أمس ضمن "المسابقة الرسمية" لمهرجان كان السينمائي الـ 78، ويبدأ مع نورا، التي تعمل ممثلة، وتبالغ كثيراً عندما تُخفت عنها الأضواء.

يُظهر فيلم ترير رعب نورا المُبالغ فيه من المسرح في المشاهد الأولى من الفيلم، حيث تضطر فرقتها المسرحية إلى بذل جهود استثنائية (ومُضحكة للغاية) لإحضارها إلى المسرح في ليلة الافتتاح.

إنها شخصية غير تقليدية وعنيدة. تُشبه والدها إلى حد ما. تعيش نورا حياةً عازبةً بلا هوادة، ولا ترغب في إنجاب الأطفال، على النقيض تمامًا من حياة شقيقتها الصغرى أغنيس، التي لديها بالفعل ابن يبلغ من العمر تسع سنوات وحياة أسرية أكثر استقرارًا، كما تبدو أغنيس أكثر تفهمًا لاختيار والدها مغادرة النرويج بعد طلاق والديها. وبالتالي لم يكن جزءًا من حياتهما في طفولتهما، لكنها تفهمت.

نورا، لا يزال استياءها يتفاقم، وهو شعور مألوف لدى الكثيرين ممن يمرون بعلاقات صعبة مع أحد والديهم (أو كليهما).

يعود غوستاف إلى أوسلو لحضور حفل تأبين زوجته السابقة، لكن هذا ليس السبب الوحيد لوجوده في المدينة.

لديه عرض لنورا. غوستاف، مخرج سينمائي شهير، ويستعد لتصوير أول فيلم له منذ 15 عامًا، وقد كتب الدور الرئيسي لابنته الكبرى.

عند طرحه للمشروع، برز افتقار غوستاف للوعي الذاتي، حيث لم يجد طريقة للإشادة بخيارات نورا المهنية وتعمد إهانتها (كيف لها أن تضيع وقتها مع هذا المسلسل التلفزيوني). في حالة من الارتباك، رفضت نورا الدور دون أن تقرأ النص.

عندما قُدِّم تكريم لغوستاف في مهرجان دوفيل السينمائي الأمريكي، اكتشف أن لديه معجبة كبيرة وهي نجمة هوليوود رايتشل كيمب (إيل فانينغ، التي ربما لم تكن في مكانها المناسب).

قد لا يكون قادرًا على التواصل مع أبنائه، لكن غوستاف يعرف كيف يسحر المواهب على الشاشة. مع نهاية الليلة، كيمب، التي تعتبر أحد أفلام غوستاف من أفلامها المفضلة، تتوق للعمل معه، حتى لو كان "فريقها" أقل حماسًا.

مع وجود منتجه المخضرم بجانبه، والتزام كيمب بالتمثيل، يحصل غوستاف على تمويل من نتفليكس (يتضمن تمويل ترير مشهدًا لالتقاط الصور غير ضروري، ربما يكون الخطأ الوحيد في الفيلم)، ويبدأ البروفات في منزل العائلة.

مع مرور الأيام، يزداد قلق الممثلة من عدم رغبة غوستاف في مناقشة والدته، التي تلعب وفاتها دورًا محوريًا في السيناريو. سرعان ما تدرك أنه على الرغم من بذلها قصارى جهدها، يجب أن تؤدي ابنة غوستاف دورها.

مع أداءٍ رائعٍ آخر لسكارسجارد (الذي يمرّ بربيعٍ رائع) وأداءٍ من المُقدّر لليلاس، يرتفع فيلم "القيمة العاطفية" بفضل تعاونٍ رائعٍ آخر بين ترير ورينسف. فازت الأخيرة بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان عن فيلم "أسوأ شخص في العالم"، ويبدو أنهما يُبرزان أفضل ما في بعضهما البعض إبداعيًا.

غالبًا ما تُقدّم رينسف اختياراتٍ دقيقةً في أداء دور نورا، وكان هذا الفيلم ليكون مختلفًا تمامًا بدونها.

كما هو الحال في معظم أعماله السابقة، يُبدع ترير في تصوير اللحظات الإنسانية الدقيقة.

وهناك بالتأكيد شيءٌ من الحزن في رؤية نورا من خلال علاقةٍ قصيرةٍ وسعيدةٍ وعاطفيةٍ مع زميلها في فيلم "أسوأ شخص في العالم"، أندرس دانييلسن لي، بالنظر إلى مصيره في ذلك الانتصار.

لقد تعلّم ترير كيف يُثير المشاعر، لكن روعة فيلمه "القيمة العاطفية" تتجلى بوضوح في النهاية، حين يبدأ غوستاف أخيرًا في الإنتاج. لحظةٌ يُزيل فيها ترير الصدمة في استعارةٍ رائعةٍ ومُفعمةٍ بالأمل لمستقبل هذه العائلة.

 

####

 

مراجعة فيلم | «صوت السقوط» لـ ماشا شيلينسكي:

لوحة ساحرة عن قرن من حياة المرأة

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

قدمت المخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي فيلمًا روائيًا طويلاً ومتطلبًا، بين الواقعية الشعرية والسرد الطيفي، يحمله سرد مجزأ.

من خلال فيلم "صوت السقوط" الذي عُرض في افتتاح المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين، تفرض المخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي أسلوباً سينمائياً حسياً وجذرياً.

يتتبع فيلمها الروائي الطويل الثاني، على مدى أكثر من قرن، المسارات المتشابكة لأربع فتيات صغيرات يعشن في أوقات مختلفة في نفس المزرعة المعزولة في شمال ألمانيا.

عمل كثيف، تأملي تقريبًا، يستكشف ذاكرة الأماكن وأصداء الأنثى عبر الزمن.

يبدأ الفيلم في السنوات الأولى من القرن العشرين، مع ألما، الطفلة النشيطة التي تكتشف عالماً يتميز بالإيمان والعنف والموت المبكر.

وتستمر القصة مع إيريكا وأنجيليكا ثم لينكا، حيث تعيش كل واحدة منهن في هذه المزرعة في عصر مختلف - من الخمسينيات إلى اليوم.

وبدون أي ترتيب زمني، تتنقل القصة بحرية بين هذه الحيوات، وتنسج شبكة من التناغمات البصرية والصوتية والعاطفية.

تتغير الأوقات، وتتطور الإعدادات، ولكن تظل بعض الزخارف قائمة: ثقل الصمت، وعنف النظام الأبوي، وعزلة المرأة، والافتتان بالموت.

يبدو أن المنزل، الذي يتمتع بطابع خاص، يحمل ندوب الأجيال التي مرت به. ومن خلالها، كما من خلال أجساد ونظرات البطلات الشابات، يعود الماضي إلى الظهور.

يعتبر"صوت السقوط، Sound of Falling" مربكًا بقدر ما هو آسر. اختارت شيلينسكي سردًا مجزأً، مدعومًا بتعليقات صوتية متعددة، وحذف مفاجئ، ومقاطع تشبه الحلم تقريبًا.

الصورة، التي تم العمل عليها بشكل مكثف، تستحضر الرسم - درجات اللون الأحمر للطوب، والأزرق الخافت للنوافذ - في حين أن الأصوات، التي غالبًا ما تكون مكبرة أو متنافرة، تغلف المتفرج في جو مزعج.

تتوالى المشاهد مثل الذكريات أو الرؤى: السباحة في النهر، وجبة صامتة، محاولة انتحار تحت حصادة معلقة قبل اكتمالها. كل شيء مقترح بدلاً من أن يتم عرضه، في لفتة سينمائية تفترض غرابتها بالكامل.

لا تقدم ماشا شيلينسكي لوحة جدارية تاريخية بسيطة، بل استكشافًا حساسًا للأنوثة والطفولة والذاكرة. إن بطلاتها، سواء لعبت دورهن هانا هيكت، أو لينا أورزيندوسكي، أو ليني جيزيلر، تجسد نفس الاضطراب الوجودي: اضطراب كونها امرأة، في أي عصر، في عالم بالكاد ينظر إليها.

بفضل جرأته الشكلية وكثافته الموضوعية وترسيخه في مكان غارق في الذكريات، كان فيلم "صوت السقوط" افتتاحية بارزة في مسابقة كان.

في حين أن بعض المشاهدين قد يجدون الأداء جافًا أو مغلقًا للغاية، فإن آخرين سوف يرحبون بعمل جريء وفريد من نوعه، مدفوعًا بإنتاج بارع.

من خلال هذا الفيلم، تؤكد ماشا شيلينسكي موهبة نادرة، تم اكتشافها في عام 2017 في برلين مع فيلم "فتاة زرقاء داكنة".

وفي "صوت السقوط" صنعت فيلمًا طموحًا، يسكنه أشباح الماضي وآلام الحاضر، والذي من الممكن أن يترك بصمته على قائمة جوائز السعفة الذهبية.

 

####

 

كان 2025 | من سيفوز بجائزة «السعفة الذهبية» للنسخة الـ 78؟

كان ـ «سينماتوغراف»

تُعدّ أفلام "حادث بسيط" للمخرج جعفر بناهي، و"صوت السقوط" للمخرجة ماشا شيلينسكي، و"الموجة الجديدة" للمخرج ريتشارد لينكلاتر، و"المخطط الفينيقي" للمخرج ويس أندرسون، من أبرز الأفلام المرشحة لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين.

ومن بين الأفلام الأخرى البارزة في المسابقة الرسمية: "صراط" للمخرج أوليفر لاكس، و"ألفا" للمخرجة جوليا دوكورناو، و"مت يا حبيبي" للمخرجة لين رامزي، و"إدينغتون" للمخرج آري أستر.

هذه الأفلام تم ترشيحها حتى الآن ـ (لايزال هناك 4 أعمال ستعرض اليوم وغداً في المسابقة الرسمية) ـ كمنافسين أقوياء محتملين على جائزة السعفة الذهبية، نظرًا لسمعة مخرجيها، وقبول النقاد، وجودتها الإجمالية، وفقًا لمواقع ومصادر سينمائية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

22.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004