ملفات خاصة

 
 
 

«اليتيم»: جديد لاسلو نيمِش المخلص لأسلوبه وسردياته

محمد هاشم عبد السلام

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

كانت الانطلاقة الأولى للمخرج المجري الموهوب "لاسلو نيمِش" (وفقًا للنطق المجري الصحيح للاسم) في مهرجان «كانّ السينمائي الدولي» عام ٢٠١٥ من خلال رائعته «ابن شاؤول» (Son of Saul)، حيث انتزع "الجائزة الكبرى" وسط ذهول الجميع، ومنذ هذا التتويج العالمي الكبير واصل مسيرته في حصد الجوائز، ليظفر بعدها بجائزة "أوسكار أفضل فيلم أجنبي"، ويصبح بذلك المخرج المجري الثاني في التاريخ الحائز على هذه الجائزة. بعد المخرج المخضرم "استفان سابو" (مواليد عام ١٩٣٨) عن رائعته «مفيستو» (١٩٨١ - Mephisto).
كانت الانطلاقة الثانية للاسلو نيمِش الثانية في «مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي» عام ٢٠١٨ من خلال فيلمه «غروب» (Sunset) الذي كان ينافس على "الأسد الذهبي". ورغم ما تميز به الفيلم من قوة فنية وجماليات بصرية رائعة وما طرحه من فكر عميق، فإنه لم يحقق الصدى أو النجاح نفسه الذي بلغه في عمله الأول، فنالَ عنه فقط جائزة "الاتحاد الدولي للنقاد". ومع ذلك ظل الفيلم حاملًا لبصمةِ المخرج البصرية والأسلوبية اللافتة جدًا
.

اليوم، وبعد غياب طويل استمر لسبع سنوات، يعود لاسلو نيمِش بفيلمه الثالث «يتيم» (Orphan) ، ليخوض مجددا غمار المنافسة على "الأسد الذهبي" في الدورة الـ٨٢ لـ «مهرجان البندقيَّة السينمائي»، التي انطلّقت فعالياتها في ٢٧ أغسطس وتستمر حتى ٦ سبتمبر ٢٠٢٥. وعلى غرار الفيلمين السابقين للمخرج، فإن نيمش يقدم من خلال هذا الفيلم دراما تاريخية معاصرة، عن سيناريو كتبه المخرج بالاشتراك مع رفيقته المعتادة في الكتابة، الفرنسية كلارا روييه.

نجح لاسلو بفيلمه البديع والصادم «ابن شاؤول» في أن ينزع عن المحرقة دعائيتها، وينقذها من فخ المبالغة الزائدة، ناهيك عن تضخيم الفظائع وتهويلها، بغية تحقيق أكبر قدر من التعاطف، واستنزاف المشاعر، وإيلام العواطف، وتضخيم عقدة الشعور بالذنب. لقد شكل اختيار نيمِش للموضوع، وطريقة التناول والطرح والمعالجة، إضافة إلى العناية الكبيرة بالسيناريو، وأسلوب التصوير، وشريط الصوت، واختيار العدسات، والكاميرا المحمولة، والمونتاج، علامةً فارقةً أكدت لنا أننا أمام مخرج صاحب موهبة فريدة، تشذ عن المعتاد، وتتحدى السائد. مخرج يدفع الجمهور بقوة إلى معايشة الأحداث والتساؤل العميق بشأنها، وإمعان التفكير، بدل الاكتفاء بالاستهلاك أو التسلية.

فكريًا، تتسم سينما لاسلو نيمِش بالجدية الشديدة، والبعد الفلسفي الواضح، والنهج التجريبي الجلي، واستعراض التاريخ ومُساءلته في محاولة لاستشراف المستقبل. مع تركيز خاص على موضوعات جدية مثل الهوية، والذاكرة، والمعاناة الإنسانية، وشقاء الطفولة. إلى جانب رصده لتبعات الحرب والنازية والشيوعية والاحتلال وأثرها على الشخصيات الباحثة بشقاء بالغ عن الحقيقة الغائبة والغامضة والمُلتبسة. هذه السمات تكتسب في فيلم «اليتيم» نبرةً ذات طابع شخصي بعض الشيء. إذ يُعيد المخرج تناول كل ما سبق من منظور ذاتي، محاولًا رصد تأثير ذلك عليه شخصيًا منذ طفولته، وعلى هويته باعتباره من الأقلية اليهودية المجرية في عصر كان فيه اليهود محل شك واضطهاد وكراهية ونبذ.

فنيًا، لا يحيدُ المخرج كثيرًا عن أسلوبه الفني المعتاد، إذ يظل وفيًا لبنية السيناريو القائمة بالأساس على الغموض وعدم اليقين والتشويش والارتباك. فيبقى أسلوبه راسخًا في كل أعماله، بداية من «ابن شاؤول» مرورًا بـ «غروب»، وصولًا إلى «اليتيم» حيث نلمح فيه تجليًا بالغ الوضوح لبصمةِ المخرج. وإن كانت حدة التجريب والتجريد والغموض في «اليتيم» أقل وطأة من فيلميه السابقين. غير أن الثيمة الرئيسية لا تزال بارزة فنحن لا نزال في حضرة التاريخ المعاصر وأمام الموضوعات ذاتها واللايقين نفسه، إذ تحضر رحلة البحث عن الحقيقة، واستكشاف الجذور والهوية، وتجسيد التمزق والتفتت والتشتت الأسري. وإن كنا هذه المرة في صحبة صبي تضطره الظروف والأحداث للنضوج قبل الأوان.

في «غروب»، نجدنا إزاء التاريخ المجري المعاصر، حيث تدور في (بودابشت) عام ١٩١٣، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. نتابع فيها رحلة امرأة شابة تبحث عن جذورها وسط مجتمع يغلي تحت السطح. في محاولة أخرى للتركيز على الفرد ضمن سياق الأحداث الكبرى. دون الاهتمام بتقديم نظرة بانورامية شاملة. فقط يركز المخرج الكاميرا على شخصية واحدة، ويدعنا نكتشف الفظائع أو التحولات الكبرى من خلال ما تسمعه أو تشاهده بشكل جزئي. وذلك بتقنية إخراجية، مُسخرّة لخدمة سرد مُلغز، يثير تساؤلات أكثر مما يعطي أجوبة. كما في فيلمه السابق «ابن شاؤول».

في «اليتيم»، يلاحظ وبقوة تخلى المخرج عن اللقطات الطويلة، والتصوير البؤري، وتهميش الحواف أو ما يجري في جوانب الكادر. كذلك، البُعد قليلًا عن توظيف الأصوات المتداخلة أو المُبهمة الآتية من خارج الكادر. أيضًا، ثمة استخدام وافر للمونتاج، وحركة الكاميرا العلوية والنصفية. وتجنب الكاميرا المحمولة الراصدة للشخصية طوال الوقت.

بصريًا، وبمهارة لافتة، وبفضل المصور السينمائي ماتياس إرديلي المتعاون منذ فترة طويلة مع لاسلو نيمِس ينجح المخرج تصوير فيلم فريد بصريًا. ينقل بصدق طبيعة المجر في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي. ليس فقط من خلال الشوارع والبنيات القديمة أو المهدمة أو تصميم الملابس، والصورة ذات الملمس الحُبيبي الخشن، بل أيضًا سيادة اللون البني بدرجاته، المتراوحة بين البني القاتم والبني الأحمر، وإن كانت الغلبة للون البُني المائل للصفرة. اختيار كان له أبلغ الأثر في التلقي الجمالي للفيلم، المصور على خام ٣٥ ملم وصياغة العالم الضبابي للأحداث، والشعور الدائم بالحصار والاختناق، مثل الشخصيات. زاد من هذا عودة المخرج لاستخدام الكادر الضيق كما في «ابن شاؤول».

تدور أحداث الفيلم الدرامي، القاتمة والمؤثرة بعض الشيء، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأربع سنوات. ثم تنتقل سريعًا لترصد الفترة في أعقاب الثورة المجرية وانتفاضة الطلاب ضد الشيوعية عام ١٩٥٦ التي سحقها السوفيت بقسوة. الأحداث مستوحاة بتصرف من التاريخ العائلي للمخرج وطفولته في بودابشت، لكنها في الوقت نفسه ذات بُعد إنساني عام. حيث يتابع الفيلم قصة الصبي أوندور (بويتوريان بوروباش)، البالغ من العمر 12 عامًا، الذي تنقلب حياته الهشّة رأسًا على عقب، عندما تسترده والدته اليهودية كلارا (أندريا فاشكوفيتش) من دار الأيتام التي وضعته فيها، عندما كان رضيعا بسبب الحرب واضطرارها للهرب والاختباء تجنبًا للاعتقال. تدريجيًا، تنهشه الشكوك حول ما أخبرته به والدته سلفًا عن أن والده البطل توفي أو فُقد في الحرب.

تتصاعد الأحداث بظهور رجل غامض، يتسم بالشراسة والعنف والفظاظة، اسمه بيرند (جريجوري جاديبوا) يدّعي أنه والده الحقيقي أو البيولوجي، ويصر على هذا بكل السُبل. غموض الأمر، وبحث أوندور المضني عن الحقيقة غير المؤكدة، يخرجه عن طوره، ويدفعه إلى العصبية والعنف والتمرد والقسوة والتهور. لا سيما، وأن أوندور عرف أن بيرند كان متزوجًا في السابق من امرأة أخرى، وتساوره الشكوك في أنه قتل ابنه. في حين تصر والدته على أنها مدينة بحياتها لهذا الرجل الذي أنقذها وخبأها عنده أثناء فترة هروبها. وبينما يحاول بيرند، بشتى السبل التقرب من أوندور، والعيش معًا كعائلة، لا يقوى أندور على استيعاب الأمر بالمرة. ولا يتقبل واقعه الجديد، بين فاشية وقمع في الخارج، وعنف وقسوة في المنزل. وتبقى مواصلة البحث عن الحقيقة والاستمرار في المقاومة والتمرد هي كل ما يملكه.

كعادته، يترك لاسلو نيمِش الأسئلة الجوهرية الفارقة مفتوحة على كل الاحتمالات والتخمينات، ليزداد الغموض والإثارة والإمعان في التفكير. الأمر الذي يُذكرنا بفيلم «ابن شاؤول»، وعجزنا عن التيقن من أن جثة الصبي هي فعلًا لابن البطل شاؤول أو لا. كذلك، استحالة الجزم بأن شاندور في «غروب» هو فعلا شقيق البطلة إيريس أو لا. وعليه، حتى نهاية الفيلم، يصعُب علينا الجزم، مثلنا مثل أوندور، إن كان بيرند هو والده الحقيقي فعلا، وإن كانت تصرفات الصبي محض نزق ومراهقة وتمرد وطيش، أو هناك ما يدعمها حقًا. ومن ثم، يظل مصير هذه العائلة الغامضة مُعلّقًا، ومتروكًا ومفتوحًا على كافة الاحتمالات. يُعبّر المخرج عن هذا بجلاء في المشهد الختامي الذي نرى فيه الثلاثة معلقين معًا في الهواء في العجلة الدوارة بمدينة الملاهي.

إجمالًا، ومقارنةً بالفيلمين السابقين، يمكن القول إن «اليتيم» ليس الأقوى أو الأجمل فنيًا أو الأكثر متعة وإبهارًا. أما من حيث الأداء، فليس ثمة شك في أن المخرج يتمتع بموهبة لافتة فعلًا في اختيار الممثلين وإدارتهم بمهارة. وإن كان أداء الصبي كان بحاجة لبعض السيطرة والتحكم للابتعاد عن المبالغة الزائدة في بعض المشاهد. في حين يعتبر السيناريو هو الأضعف بين أفلامه الثلاثة، نظرًا لعدم ضبط تصاعد وتكثيف الأحداث، التي كانت بطيئة في البداية بعض الشيء، ثم تسارعت وباتت مشوقة في المنتصف، حتى هدأت وأصبحت شبه متوقعة في ختام الفيلم. أما من حيث بنية المشاهد والتكوينات البصرية والاشتغال الفني وسلاسة المتابعة، فيعتبر «اليتيم» هو الأسهل في المشاهدة والتلقي والتفاعل من بين أفلام المخرج، رغم بعض الإطالة التي امتدت بزمن الفيلم إلى ١٣٢ دقيقة.

بدعم من مبادرة سينماء، نُشرت هذه المقالة أيضًا في منصة ميم السينمائية.

 

موقع "سينماء" السعودي في

31.08.2025

 
 
 
 
 

حلم "فرانكشتاين" المكسيكي يخيب في مهرجان البندقية

فجوة واسعة بين الصورة التي تخيلها غييرمو دل تورو والنتيجة التي تجسدت على الشاشة

هوفيك حبشيان 

ملخص

"انتكاسة فنية"... لا وصف أدق يمكن أن يطلق على فيلم "فرانكنشتاين" للمكسيكي غييرمو دل تورو، الذي عرض أمس في مسابقة مهرجان البندقية السينمائي (27 أغسطس (آب) - 6 سبتمبر/ أيلول).

 المخرج المكسيكي الذي سبق أن نال "الأسد الذهبي" عن فيلمه "شكل المياه"، يعود هذه المرة بعمل لا يليق بمكانته الفنية الرفيعة. فيلم من إنتاج منصة "نتفليكس"، وقد أثار مجرد ظهور شعارها على الشاشة بعض الهيصات بين الحضور.

مشروع ضخم بلغت موازنته 120 مليون دولار، لكنه هل كان له السيطرة النهائية على المونتاج؟ علماً أن مشكلات الفيلم تتجاوز هذه العقبة الفنية وحدها. كان هذا المشروع حلماً ظل دل تورو يحمله فترة طويلة، إلا أن الفجوة بدت شاسعة بين الصورة التي رسمها في مخيلته والنتيجة النهائية التي تجسدت على الشاشة، التي تركت معظمنا في حال من الدهشة السلبية، خصوصاً أن مسيرة دل تورو السينمائية حتى اليوم خالية من أي تعثر فني كبير، مما يجعل هذه التجربة استثناءً مؤلماً. وصف الناقد بيتر دوبروج في مجلة "فرايتي" الفيلم بأنه "مشروع حلم دل تورو الذي طال انتظاره، لكنه وصل متخماً وغير متماسك، لا يرقى إلى التوقعات التي وضعها أنصاره".

يقدم لنا دل تورو قراءة جديدة ومغايرة لرواية ماري شيلي التي تعد واحدة من أبرز النصوص المؤسسة لأدب الرعب التأملي والخيال العلمي الأخلاقي عبر التاريخ. في قلب هذه الحكاية يكمن فيكتور فرانكنشتاين (يؤدي دوره أوسكار أيزك)، العالم الطموح الذي يدفعه جنون الابتكار إلى تجاوز حدود الممكن، متسلحاً برغبة في فك أسرار الحياة والموت. لكن ما يبدأ كتجربة علمية سرعان ما يتحول إلى مأساة أخلاقية، حين يمنح فرانكنشتاين الحياة لمخلوق مشوه (يجسده جاكوب إلوردي)، لا ذنب له سوى أنه خرج من رحم التجربة بعيداً من الصورة الإنسانية المتعارف عليها. بدلاً من أن يتحمل مسؤولية اختراعه ويعتني به، يتخلى عنه، فاتحاً بذلك الباب على مصراعيه لسلسلة من الكوارث.

لكن ما الذي دفع دل تورو إلى إعادة إحياء هذا الأصل الأدبي الذي سبق أن شق طريقه إلى السينما منذ بداياتها، وكان له اقتباسات متعددة عبر العقود؟ يروي قائلاً: "هذا الفيلم يمثل خاتمة رحلة شخصية بدأت قبل سبعة أعوام، حين شاهدت للمرة الأولى أفلام فرانكنشتاين من إخراج جيمس ويل. في تلك اللحظة الحاسمة، شعرت بوميض وعي داخلي: أصبح الرعب القوطي لدي كدين جديد أتبعه، وبوريس كارلوف تحول إلى مسيحي الروحي. التحفة الأدبية لماري شيلي تحمل بين طياتها تساؤلات تآكل روحي، أسئلة وجودية ناعمة في حساسيتها، برية في عمقها، لا مهرب منها. هي تساؤلات يجرؤ العقل الشاب على طرحها، وتلك التي يعتقد الكبار والمؤسسات أنهم يملكون الإجابة عنها، لكن بالنسبة إليَّ، فقط الوحوش تمتلك تلك الإجابات، فهي جوهر اللغز ذاته. من هنا، ينبثق فرانكنشتاين في رؤيته كرسالة مقدسة، مدفوعة بالإجلال والحب. هذه قصة أب معطاء وابن ضائع، كحوار بين أيوب ولازاروس". 

رغب دل تورو في نزع الرهبة البدائية من قصة فرانكنشتاين، محولاً إياها إلى دراما عائلية تركز على العلاقات الإنسانية، لكن هذه المحاولة لم تفلت من الملل القاتل. فبغض النظر عن نيات المخرج الفكرية أو احترامه العميق للنص الأصلي، لا يقدم الفيلم أكثر من صراعات سطحية بين الخير والشر.

دل تورو، المعروف بروحه التجديدية، وبراعته في خلق عوالم المخلوقات التي طبعت أفلامه الأبرز، يخيب هنا آمال جمهوره، إذ نجد أنفسنا أمام تجربة بصرية جافة، تمتد ساعتين ونصف الساعة، بلا أي إثارة تذكر. عمل ينطوي على إيقاع رتيب وشخصيات باهتة، وأحداث متسلسلة تفتقر إلى التضاريس الدرامية، إنما تغرق في حوارات مباشرة، ترميز مبالغ فيه، ووعظ لا يخدم النص.

جمالياً، يفشل الفيلم في تخطي مصاف "الكيتش"، فتبدو الصورة وكأنها مشغولة بالذكاء الاصطناعي، بعيداً من لمسات دل تورو التي كثيراً ما أبهرتنا. نفقد اهتمامنا سريعاً وتتحول تجربة المشاهدة إلى مجرد انتظار للختام.

هذه سينما عفا عليها الزمن، تستخدم لغة بصرية قديمة، ولا يعني هذا أننا نحجم عن الكلاسيكية، فهي بطبيعتها تتجاوز الزمان، لكن ما أمامنا هنا أقرب إلى أكاديمية فاقدة للخيال. حتى موسيقى ألكسندر ديسبلا، الذي أسعدنا بألحانه في "فندق بودابست الكبير"، تأتي باهتة.

جرت العادة أن تسقط الأفكار والتأويلات الرمزية على أفلام كهذه، بخاصة حين تحمل طابعاً أسطورياً، لكن دل تورو خلال المؤتمر الصحافي للفيلم، أكد أنه لم يقصد من فيلمه أن يكون مجرد استعارة. قال "نحن نعيش في زمن يسوده الإرهاب والترهيب بلا شك، ولا توجد مهمة أكثر إلحاحاً من أن نحافظ على إنسانيتنا في ظل عالم يدفعنا نحو تصور ثنائي قطبي لتلك الإنسانية". وشرح أن الفيلم يحاول تقديم شخصيات غير كاملة، مؤكداً حقنا في أن نظل هكذا. وختم ممازحاً: "لست أخاف من الذكاء الاصطناعي، بل من الغباء الطبيعي".

 

الـ The Independent  في

31.08.2025

 
 
 
 
 

الآلاف يتظاهرون تضامناً مع غزة في «فينيسيا السينمائي الـ 82»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

بدأ آلاف الأشخاص تظاهرة على هامش مهرجان فينيسيا السينمائي، اليوم السبت، تضامناً مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة يشنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

رفع المتظاهرون لافتات تدعو إلى مقاطعة الاحتلال ووضع حد للإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على سكان غزة، مع حمل عدد كبير من الأعلام الفلسطينية، فيما دعت إلى التظاهرة منظمات يسارية في منطقة فينيسيا الإيطالية،

ووفقًا للمنظمين، جمعت رسالة، صاغتها مجموعة تُدعى "فينيسيا من أجل فلسطين"، أكثر من 2000 توقيع من محترفي السينما، بمن فيهم المخرجان غييرمو ديل تورو وتود فيلد.

وقال فابيوماسيمو لوزي، المؤسس المشارك والمدير في "فينيسيا من أجل فلسطين": "كان الهدف من الرسالة هو جعل غزة وفلسطين محور النقاش العام في فينيسيا، وهذا ما حدث بالفعل".

نتيجة ضغوط المؤيدين لحرية سكان غزة والرافضين لحرب الإبادة عليهم، جرى إجبار الممثلة الإسرائيلية غال غادوت على عدم الظهور في المهرجان، حيث تشارك بفيلم «في يد دانتي».

تصاعدت الضغوط على الممثلة الصهيونية وزميلها في الفيلم جيرارد بتلر بسبب دعمهما المعلن لجرائم الاحتلال في غزة، إذ طالبت مجموعة «فنانون من أجل فلسطين» المنظمين بسحب الدعوات منهما ومن أي فنان آخر يدعم عمليات الإبادة الجماعية ضد سكان القطاع المحاصر.

فيما أظهر المنتج المغربي نبيل عيوش وزوجته المخرجة مريم التوزاني دعمهما لفلسطين على السجادة الحمراء لفيلم "لا خيار آخر".

 

####

 

وزير الشباب والثقافة يدعو صانعي الأفلام العالميين إلى المغرب كوجهة تصوير في «فينيسيا السينمائي»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

دعا وزير الشباب والثقافة والاتصال المغربي، محمد مهدي بنسعيد، منتجي الأفلام والممثلين العالميين إلى اكتشاف المغرب كوجهة تصوير رائدة، وذلك خلال كلمته في فعالية "جسر الإنتاج" في فينيسيا يوم أول من أمس الجمعة.

استعرض الوزير التنوع الجغرافي للبلاد، وثرائها الثقافي، وبنيتها التحتية المتطورة التي تجعلها منصة عالمية لصناعة السينما.

وأشار بنسعيد، في كلمته خلال مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، إلى الروابط الثقافية والفنية الوطيدة بين المغرب وإيطاليا، مشيدًا بتقاليد البلدين العريقة في مجال السينما.

خلال زيارته، عقد الوزير اجتماعات مع مدير المهرجان، ألبرتو باربيرا، ورئيس جسر الإنتاج، باسكال ديوت، لعرض الإصلاحات الأخيرة في قطاع السينما في المغرب، والحوافز الداعمة للصناعات الثقافية والسينمائية.

أولى مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الثانية والثمانين، التي تقام في الفترة من 27 أغسطس إلى 6 سبتمبر، اهتمامًا خاصًا للمغرب إلى جانب تشيلي والمملكة المتحدة خلال فعاليات سوق جسر الإنتاج.

 

####

 

جيم جارموش يعبر عن إحباطه في «فينيسيا السينمائي» لعلاقات شركة توزيع أفلامه «موبي» بالجيش الإسرائيلي

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

تناول المخرج جيم جارموش، الذي ستُصدر شركة "موبي" فيلمه الجديد "أب، أم، أخت، أخ"، العلاقات المثيرة للجدل بين الشركة والجيش الإسرائيلي خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد اليوم الأحد في مهرجان فينيسيا السينمائي.

وأكد جارموش قائلاً: "لقد تحدثتُ مع موبي بشأن هذا الأمر"، قبل أن يوضح أن لديه "علاقةً جيدةً للغاية مع جيسون روبيل، كبير مسؤولي المحتوى في موبي، الذي اتصل به فورًا عندما أعرب عن مخاوفه"، وأضاف قائلاً : "بدأت علاقتي مع "موبي" قبل ذلك بكثير، وكان العمل معهم رائعًا في هذا الفيلم. بالطبع، شعرتُ بخيبة أملٍ وقلقٍ كبيرٍ بسبب هذه العلاقة".

تواجه شركة توزيع الأفلام الفنية، التي حققت نجاحًا باهرًا في فيلم "ذا سابستانس" العام الماضي، انتقادات لاذعة لحصولها على استثمار بقيمة 100 مليون دولار من سيكويا كابيتال في وقت سابق من هذا العام.

يُقال إن الشركة مستثمر رئيسي في شركة "كيلا" الإسرائيلية الناشئة في مجال تكنولوجيا الدفاع، والتي أسسها أربعة ضباط سابقين في وحدات الاستخبارات الإسرائيلية ردًا على هجمات 7 أكتوبر .

وقد وقّع عدد من صانعي الأفلام المرتبطين بشركة "موبي" رسالة تنتقد الشركة وسط تزايد الانتقادات، وقد ردّ الرئيس التنفيذي للشركة في وقت سابق من هذا الشهر.

أُثير هذا الموضوع خلال المؤتمر الصحفي اليوم، والذي أشاد به صحفي من "سكرين إنترناشونال"، والذي أشار إلى أن جارموش كان من بين الموقعين على رسالة "فنانين من أجل وقف إطلاق النار في غزة"، مما زاد من أهمية هذا السؤال. وانضم إلى المخرج في الندوة نجومه، ومنهم كيت بلانشيت، وشارلوت رامبلينج، وفيكي كريبس، ولوكا سابات، ومايم بياليك، وإنديا مور، التي كانت ناشطة بارزة في دعم فلسطين. كما أدلت برأيها بإسهاب.

وأشار جارموش، قائلاً: "لستُ المتحدث الرسمي لموبي. مع ذلك، نعم، كنتُ قلقًا. لديّ أيضًا اتفاقية توزيع مع موبي في مناطق مُحددة، والتي أبرمتُها أيضًا قبل معرفتي بهذا الاستثمار، ولكن على الصعيد الشخصي، عليّ أن أقول إنني مخرج أفلام مُستقل، وقد حصلتُ على أموال من مصادر مُختلفة لأتمكن من إنتاج أفلامي. وأعتبرُ جميع أموال الشركات تقريبًا أموالًا قذرة".

مع ذلك، أوضح جارموش أنه لا ينبغي للفنانين المُستقلين مثله أن يكونوا مُضطرين للدفاع عن مثل هذه العلاقة. "يمكننا تجنّب ذلك وعدم إنتاج أفلام على الإطلاق، لكن الأفلام هي ما أختاره. لذا، نعم، أنا قلق، وليس نحن، بل موبي هي من يجب مخاطبتها.. ليس موبي فحسب، بل شركات أخرى أيضًا".

يُمثّل "أب، أم، أخت، أخ" أول رحلة لجارموش إلى مهرجان فينيسيا منذ فيلم "قهوة وسجائر" عام 2003.

يُروى فيلم "أب، أم، أخت، أخ" في الوقت الحاضر على شكل لوحة ثلاثية، وهو مختارات تتناول العلاقات بين الأبناء البالغين وآبائهم.

يُعرض الفيلم، لأول مرة عالمياً ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82 مساء اليوم الأحد.

 

####

 

جود لو : لم أشعر بالقلق من تجسيد «بوتين» في فيلم «ساحر الكرملين»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

يُعرض لأول مرة عالمياً في فينيسيا السينمائي الـ 82 هذا المساء لأوليفر أساياس، دراما "ساحر الكرملين"،(خارج المسابقة)، والتي تدور أحداثها حول خبير علاقات عامة روسي ماكر يُمهّد الطريق أمام فلاديمير بوتين للوصول إلى السلطة في التسعينيات.

يؤدي بول دانو دور فاديم بارانوف، الفنان الطليعي السابق ومنتج برامج تلفزيون الواقع، الذي يصبح المستشار غير الرسمي لعميل المخابرات السوفيتية السابق بوتين مع صعوده السياسي.

وينضم إلى دانو جود لو في دور بوتين؛ أليسيا فيكاندر بدور كسينيا، زوجة بارانوف الجميلة، التي تتأرجح بين الرغبة في الحرية البوهيمية والثروة والنفوذ، وويل كين بدور بوريس بيريزوفسكي، رجل الأعمال الثري الراحل، الحليف السابق للزعيم الروسي الذي أصبح ناقدًا منفيًا. يشارك في طاقم التمثيل أيضًا جيفري رايت وتوم ستوريدج.

سُئل جود لو عما إذا كان يشعر بأي خوف من عواقب أدائه شخصية بوتين: "لم أخشَ العواقب. شعرت بالثقة في يد أوليفييه والسيناريو، وأن هذه قصة ستُروى بذكاء ودقة وتأنٍّ. لم نكن نبحث عن الجدل لمجرد الجدل. والأهم من ذلك، أعتقد أنه كان من المهم بالنسبة لي أن أتذكر أنها شخصية ضمن قصة أوسع نطاقًا. لم نكن نحاول تعريف أي شيء عن أي شخص."

وأضاف أن أحد التحديات كان تجسيد شخصية رجل لا يعرف عنها الكثير، لأن بوتين لا يميل إلى كشف الكثير عن شخصيته: "الجانب الصعب بالنسبة لي هو أن الوجه العام الذي نراه لا يكشف إلا القليل جدًا.

هناك مصطلح يُطلق عليه: "الرجل بلا وجه". إنه قناع. لذلك شعرتُ بصراع داخلي كممثل، لأن أوليفييه، كما هو مفهوم، أراد مني أن أجسد هذا أو ذاك في مشهد ذي عاطفة معينة، وشعرتُ بصراع داخلي لمحاولة إظهار القليل جدًا."

خيمت حرب روسيا ضد أوكرانيا على المؤتمر الصحفي.

سُئل عمّا إذا كانت روسيا تحكم العالم اليوم. قال أوليفييه أساياس: "الجواب هو لا، لكنني أفهم السؤال. يتناول الفيلم إلى حد كبير كيفية اختراع السياسة الحديثة، سياسة القرن الحادي والعشرين، وجزءًا من ذلك الشر الذي نشأ مع صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة في روسيا. لذلك صنعنا فيلمًا عن ما آلت إليه السياسة والوضع المخيف والخطير الذي نشعر جميعًا أننا فيه، وتناولنا حالةً تتعلق تحديدًا بفلاديمير بوتين، لكنني أعتقد أنها تنطبق على العديد من القادة الاستبداديين. أعتقد أنها تتعلق بشكل عام بتحول السياسة خلال حياتنا."

وأضاف: "أعتقد أن السياسة قد تغيرت بشكل كبير، وخاصةً بالنسبة لأبناء جيلي. ما يحدث الآن ليس مرعبًا فحسب، بل إنه أكثر رعبًا لأننا لم نجد الإجابة الحقيقية. لم أرَ رد فعلٍ على ذلك."

سُئل بول دانو عمّا إذا كان يرى أيّ خير في شخصيته: "لا أعتقد أنّه عليك البحث عن الجانب الإيجابي، لكن أعتقد أنّه عليك أن تكون مستعدًا لاكتشاف وجهة نظر الشخصية. وأعتقد أنّ وصف شخصية مثل بارانوف بالسيء يُعدّ تبسيطًا مُفرطًا، وهو أمرٌ يضرّ أكثر مما ينفع. قد يكون النظر إلى الأمور بنظرة رمادية أمرًا مُخيفًا، لكنّه أفضل من تركنا نغوص أكثر في عالم الأسود والأبيض."

بصفته أمريكيًا، قال جيفري رايت إن الفيلم جعله يفكر في مكانة أمريكا في التاريخ ومخاطر الاستبداد المعاصر: "ما أُقدّره حقًا في الإطار هو وجود تاريخ روسي محدد. هناك تاريخ أمريكي محدد يتناقض مع ذلك. كانت لدينا دوافع نحو الفاشية، ودوافع نحو الاستبداد وجميع أنواع الخطايا. ولكن ما كان لدينا أيضًا، منذ البداية، حتى في الإطار الزمني للخطايا الأصلية لأمريكا، حتى في خضم تلك الغرابة، كانت لدينا فكرة أنه يمكننا أن نكون أفضل، هذه الفكرة التي يمكننا أن نطمح إليها نحو نوع من الكمال الطوباوي. إذا ضاع هذا، كما هو الحال الآن، فإننا سنصبح ما نراه في هذا الفيلم."

تم اقتباس الفيلم من قِبل أساياس والكاتب الحائز على جوائز إيمانويل كارير من رواية جوليانو دا إمبولي التي تحمل نفس الاسم والصادرة عام 2022، والمستوحاة من مسيرة مستشار بوتين الحقيقي طويل الأمد ورجل العلاقات العامة فلاديسلاف سوركوف.

 

####

 

مراجعة فيلم | «ساحر الكرملين» لـ أوليفييه أساياس

السيناريو النجم الحقيقي لهذا العمل المثير

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

يتناول ”ساحر الكرملين“، الفيلم السياسي الملحمي الجديد للمخرج أوليفييه أساياس، الصعود السريع للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يبدو أنه دائم الحضور، وما تلاه من سيطرته المحكمة على السلطة.

لكن من يتوقعون دراسة متعمقة لشخصية بوتين قد يفاجأون عندما يكتشفون أن الممثل الذي يجسده على الشاشة، جود لو، لا يظهر طوال الساعة الأولى من الفيلم الطويل.

بدلاً من ذلك، يركز الفيلم على فاديم بارانوف (بول دانو)، وهو شخصية ثابتة في السياسة الروسية نمت من فنان تحت الأرض في مشهد ما بعد الاتحاد السوفيتي في التسعينيات ليصبح الذراع الأيمن غير المتوقع لأولئك الذين في قمة السلطة السياسية، ويُطلق عليه لقب ”راسبوتين الجديد“ أو ”ساحر الكرملين“.

ولكن الأكثر إثارة للدهشة من صعود بارانوف السريع على السلم السياسي الروسي هو حقيقة أن بارانوف لا وجود له في الواقع، إنه من ابتكار الكاتب جوليانو دا إمبولي، الذي كتب الرواية التي استند إليها هذا الفيلم.

يبدأ الفيلم بنص يوضح أنه عمل فني أصلي، وأن الشخصيات نفسها خيالية.

هذا لا يعني أن الفيلم يخلق واقعًا بديلًا كاملًا من شخصيات غير حقيقية.

إلى جانب بوتين الذي هو للأسف حقيقي جدًا، تضم قائمة الشخصيات أيضًا أشخاصًا مثل الأوليغارش الروسي الراحل ومانح الحزب السياسي بوريس بيريزوفسكي (الذي يلعب دوره ويل كين).

ومع ذلك، فإن هذه القصة هي بمثابة سخرية من هيكل السلطة الروسي الوحشي وغير المتوقع. وعلى الرغم من أنها قصة مثيرة بطبيعتها لمحبي السياسة، فإن الآخرين الأقل اهتمامًا بالآليات الداخلية للهيئات في روسيا سيجدونها على الأرجح مشاهدة مرهقة.

تدور أحداث القصة في شكل محادثة بين بارانوف وكاتب أمريكي (جيفري رايت) يعيش في روسيا لإجراء أبحاث لكتابه الأخير من نوع الأدب الواقعي.

في أحد الأيام، بعد لقاء عارض على وسائل التواصل الاجتماعي، بفضل اهتمامات مشتركة، يُدعى الكاتب إلى مجمع بارانوف المنعزل، حيث يعيش في منفى بعيدًا عن قاعات الحكومة التي كانت بمثابة وطنه الثاني (كما تم منعه من دخول أوروبا والولايات المتحدة).

يتقاربان بسبب شغفهما المتطابق بشكل مدهش، فيروي بارانوف قصة حياته للكاتب.

بعد أن نشأ كطفل نادر يتمتع بامتيازات في الأيام الأخيرة للاتحاد السوفيتي، ينغمس بارانوف في المشهد الفني الطليعي المزدهر الذي ازدهر بحماس بعد انهيار النظام الشيوعي.

هناك، يلتقي بكسينيا (أليسيا فيكاندر)، وهي فنانة ساخرة، وسرعان ما يقعان في الحب. بعد أن صادق رجل الأعمال الثري والماكر ديمتري سيدوروف (توم ستوريدج)، يرتقي بارانوف إلى درجة يصبح فيها منتجًا تلفزيونيًا.

بفضل علاقاته الجديدة، يصبح زميلًا لمالك المحطة، بوريس بيريزوفسكي. يعمل هو وبارانوف معًا للعثور على رجل يمكن تنصيبه رئيسًا للوزراء ليكون زعيمًا خلف الكواليس بدلاً من الرئيس بوريس يلتسين الذي كان في الأساس بلا حياة.

يقع اختيارهما على بوتين، الذي كان حينها مديرًا لجهاز الأمن الفيدرالي (FSB)، والذي سرعان ما أصبح رئيسًا بالنيابة بعد استقالة يلتسين.

وبوجود بارانوف إلى جانبه، يرتقي بوتين من كونه دمية سياسية إلى أحد أقوى القادة وأكثرهم رعباً على الساحة العالمية، والذي يطلق عليه الشخصيات الأخرى لقب ”القيصر“.

إنها قصة مثيرة للاهتمام، بلا شك. ومع ذلك، فإن الفيلم يكون أكثر إثارة للاهتمام قبل ظهور بوتين نفسه.

حتى تلك اللحظة، تكون القصة رائعة وتدور أحداثها في عالم مثير ناشئ يتمتع بحرية جديدة.

تزخر القصة بالإمكانيات، وتتشكل ولاءات جديدة، وتتطور الأحداث بسرعة كبيرة جدًا. تم بناء السيناريو ببراعة في هذا الفصل الأول، مع سرد دانو من حين لآخر وشخصيات مثقفة شهدت جانبي الانتقال من الاتحاد السوفيتي إلى روسيا، وتشرح طبيعة السلطة والطرق التي يمكن أن يتغير بها المجتمع ويتكيف من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة.

لا يضيع هذا المنظور الفكري بمجرد انتقاله من قصة عن الناس إلى قصة عن عملاء الحكومة، ولكن الفلسفة السياسية تصبح مكررة للغاية ومتعبة في بعض الأحيان.

كما قد يكون مألوفًا لأي شخص قرأ قصة تدور أحداثها في روسيا، يضم الفيلم العديد من الشخصيات، يظهر الكثير منها لفترات قصيرة، دون أن تكون ضرورتها أو غرضها في القصة الأكبر واضحة تمامًا دائمًا.

لو كانت هذه قصة حقيقية بالكامل، لكان لهذه الإضافات والالتفافات الطويلة معنى أكبر، ولكن نظرًا لأنها قصة مختلقة (أو على الأقل جزئيًا)، فإنها تبدو غامضة ومطولة بشكل محير إلى حد ما.

على الرغم من أن الفيلم قد يكون طويلاً للغاية، إلا أن أسياس يحافظ على سير الأحداث بحيوية رائعة، مدعومًا بمونتاج سريع ينقل المشاهدين بفعالية من مكان إلى آخر.

كما أن السيناريو يتميز بدرجة مفيدة من الوضوح. على الرغم من تعدد الشخصيات – بعضها يختفي ثم يظهر مرة أخرى في وقت متأخر من الفيلم، وبعضها الآخر يتشارك في الأسماء – إلا أن قصة السيناريو الواسعة النطاق سهلة المتابعة دائمًا، ومع ذلك فهي مكتوبة بطريقة ذكية تجعل المشاهدين يشعرون بلا شك بأنهم أصبحوا أكثر علماً بكافة التفاصيل بعد مشاهدة الفيلم.

بمجرد تقديم شخصيته، يظهر بول دانو في كل مشهد تقريبًا من الفيلم، مسيطرًا على القصة وبالتالي على عالم السياسة الروسية الذي يصوره الفيلم.

لكن هذا لا يعني أنه يقدم أداءً كبيرًا ومبهرجًا. فهذه الشخصية لا تحتفظ بالسلطة بفضل صوتها العالي أو حضورها الجسدي المهيب.

إنه شخص لطيف وهادئ، وأدائه أقرب إلى دوره في فيلم ”The Fabelmans“ منه إلى دوره في فيلم ”There Will Be Blood“. إنه اختيار مفاجئ ينجح في المقام الأول، على الرغم من أن من حوله يطغون عليه أحيانًا.

وفي دور يظهر فيه أمام الكاميرا لوقت أقل مما قد يتوقعه المرء، يبدو جود لو مهددًا بشكل فعال في دور بوتين، حيث يبعث الرعب في أي غرفة يدخلها بعبوسه المخيف. لكنه، مثل دانو، لا يميل إلى تصوير كاريكاتوري للسلطة الراسخة.

كما يحاول الفيلم تصوير جود لو على أنه بوتين الحقيقي من خلال شعره ومكياجه، ولكن حتى ذلك يتم بدرجة معقولة من الدقة.

وعلى الرغم من وجود بعض الأجزاء المكررة، إلا أن السيناريو هو النجم الحقيقي في فيلم ”ساحر الكرملين“.

إنه مليء بالملاحظات الذكية والنكات الساخرة الجافة، ومن الممتع مشاهدته، ففيلم أسياس هو بمثابة عطر جذاب لمحبي المؤامرات السياسية.

 

####

 

مراجعة فيلم | «الأب والأم والأخت والأخ» لجيم جارموش

يضرب على وتر الأكاذيب العائلية

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

ليس من المستغرب أن نلاحظ مدى تشابه حياة الناس، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه أو تفاصيل حياتهم.

ومع ذلك، يستكشف فيلم جيم جارموش الجديد، ”الأب والأم والأخت والأخ“، مفهوم التجارب المشتركة والعالمية من خلال مجموعة محددة من الظروف.

وكما يوحي العنوان، تتعمق كل قصة من القصص الثلاث خلال هذا الفيلم في العلاقات بين الآباء وأبنائهم البالغين.

وبفضل التفاصيل والحوار المشترك الذكي (يمكن حتى وصفه بـ”اللطيف“)، تمكن جارموش من لفت الانتباه إلى مدى تشابهنا جميعًا.

إنه فيلم صغير جميل عن الأكاذيب (غير المؤذية في الغالب) التي يقولها أفراد الأسرة لبعضهم البعض، سواء من أجل الحفاظ على الذات أو من أجل رفاهية بعضهم البعض.

القسم الأول – ”الأب“ – يتعلق بأخوين ثريين (آدم درايفر ومايم بياليك) يذهبان لزيارة والدهما المنفصل عنهما (توم ويتس)، الذي يعيش في عزلة في مكان، كما تصفه شخصية بياليك، إيميلي، بـ”لا مكان“.

والجدير بالذكر أن والدهما كان يطلب من ابنه جيف مرارًا وتكرارًا المساعدة المالية لإصلاح أجزاء من منزله المتهدم.

كان اللقاء متوترًا ومحرجًا – واحدة من تلك المواقف التي لا يجمع بين هؤلاء الأشخاص سوى جيناتهم.

الفصل الثاني، ”الأم“، يركز أيضًا على أحد الوالدين واثنين من أطفالهما. هنا، تلعب شارلوت رامبلينغ دور الأم (على حد تعبير ستان تويتر)، وتأتي بناتها، تيموثيا (كيت بلانشيت) وليلث (فيكي كريبس)، لتناول شاي ما بعد الظهر.

من الواضح أن الأم ناجحة في حياتها ككاتبة، لكن الشقيقتين مختلفتان تمامًا.

تيموثيا تشبه أمها، متحفظة ومهذبة في سلوكها ومظهرها، بينما ليليث أكثر جرأة، حيث اختارت معطفًا ورديًا يتناسب مع لون شعرها.

الأخت الأخ“ هو الجزء الأخير من الثلاثية، ومع تغيير هيكلي في الإيقاع، لا يوجد أي من الوالدين.

بيلي (لوكا سابات) وسكاي (إنديا مور) توأمان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا (غالبًا ما يتحدثان عن إدراكهما المشترك، المعروف باسم ”عامل التوأم“) وهما في طريقهما إلى شقة والديهما الفارغة الآن في باريس بعد وفاتهما المفاجئة في حادث طائرة.

إلى جانب أوجه التشابه الواضحة في الموضوعات وتكرار أحداث الحبكة، يزين جارموش السيناريو بلحظات خفية مرجعية أو متكررة في الفصول الثلاثة.

توحد العبارات المشتركة (مثل ” كل شيء على ما يرام" بأشكال مختلفة)، والأشياء المشتركة (مثل وجود مشروب ساخن، وساعة فاخرة، ووسيلة نقل غير موثوقة، من بين أشياء أخرى) داخل القصص الثلاثة بطريقة تؤكد على عالميتها.

وهذا يجعل المشاهدة ممتعة، حيث يمنح الجمهور نفس الشعور الذي ينتابهم عند العثور على مفاجأة مشابهه في الحياة، ولكن بهدف أكبر.

سيناريو جارموش يضرب بالضبط على الوتر الصحيح للتأكيد على رسالته اللطيفة – ولكن غير المفرطة في الحلاوة.

إنه فيلم صبور، وعلى الرغم من أنه يعتمد كليًا على الحوار لدعم السرد بدلاً من اللمحات البصرية، إلا أن جارموش يسمح بوتيرة متعمدة تتميز بالكثير من فترات التوقف في المحادثة ولحظات من الصمت المناسب (وغالبًا ما يكون مضحكًا).

تأثير غياب الوالدين في ”الأخت الأخ“ خفي ولكنه هائل.

في الفصلين الأولين، يعبر جميع الأطفال عن قدر من الاستياء أو الانزعاج أو القلق تجاه والديهم، على الرغم من أنهم يتغلبون بوضوح على ترددهم من أجل قضاء بعض الوقت معهم (مهما كان قصيرًا).

ويظهر في هذين الفصلين أحد الوالدين يكذب على أطفاله بشأن وضعه، أو العكس.

هذه أكاذيب تهدف إلى الحفاظ على الذات – فهم لا يريدون تحطيم الصورة الزائفة التي لدى الطرف الآخر عنهم.

وبذكاء، يكتشف الأطفال في جزء ”الأخت الأخ“ أن والديهم الراحلين الغريبين الأطوار كانا معتادين على اختلاق قصص من نسج خيالهما، ولكن دون أي نية خبيثة.

في الواقع، كان ذلك غالبًا من أجل تحسين حياة أطفالهم، بطريقة غريبة ما، ولا يعني ذلك أن جارموش يشجع على الكذب.

ومع ذلك، فإن فيلمه يبحث بصدق في الطرق التي يسعى بها أفراد الأسرة إلى ضمان أن يعيش أحباؤهم أفضل حياة ممكنة، بأي وسيلة ضرورية.

لا تسمح البنية المختصرة والنبرة المتواضعة لقصصهم الخاصة بالعديد من اللحظات التمثيلية البارزة، ولكن كل أداء على حدة يعمل بشكل مثالي ضمن حدود الفيلم.

توم ويتس ممتع بشكل خاص في دور مصمم خصيصًا للموسيقي غير التقليدي. شعره الأشعث ومظهره غير المهذب يذكراننا ببروس ديرن في فيلم ”نبراسكا“ لألكسندر باين، واللحظة التي يردد فيها أسماء الأدوية - العلمية والعامية - التي يقول إنه لا يتناولها بشكل واضح هي لحظة مضحكة للغاية.

تستغل إنديا مور أيضًا حضورها المذهل على الشاشة ووقارها المميز لتضفي طاقة يمكن التعاطف معها على شخصية سكاي. التناغم بينها وبين شقيقها على الشاشة مثير للإعجاب بشكل خاص.

الأب والأم والأخت والأخ“ هي سلسلة سينمائية من الاختلافات حول موضوع واحد، تثبت أنها نظرة لطيفة ومرحة في الوقت نفسه إلى كيفية تفاعلنا مع الأشخاص الذين لا خيار لنا سوى معرفتهم، ونأمل أن نحبهم.

غالبًا ما تكون التفاعلات العائلية في الأفلام إما صاخبة أو مفرطة في العاطفية، وهنا، يصنع جارموش قصة متواضعة للجمهور الذي تقع علاقاته العائلية في مكان ما بين هذين النقيضين، مما يجعلها أكثر قابلية للتعاطف.

 

موقع "سينماتوغراف" في

31.08.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004