تجري الاستعدادات على قدم وساق لإطلاق الدورة الحادية عشرة
لمهرجان أفلام السعودية، تلك المساحة النابضة بالحياة التي تحتفي بالفيلم
السعودي وتحتضن صُنّاعه،في مشهد ثقافي يتجدد بتجدد مهرجان أفلام
السعوديةعامًا بعد عام.
تأتي دورة المهرجان هذا العام وسط نمو ملحوظ في صناعة
الأفلام المحلية، وتعدد منصات العرض والإنتاج، فيما يواصل المهرجان ترسيخ
مكانته منصةً مركزيةً لصوت السينما السعودية، ومختبرًا حيًا لتجاربها
الجديدة.
ومع اقتراب لحظة الافتتاح، تحدثت فاصلة مع
مدير المهرجان ومؤسسه أحمد الملا، ليلقي الضوء على مسيرة المهرجان وتحولاته
في ظل تسارع عجلة تطور السينما السعودية، والتحديات التي بات يواجهها مع
فقده لمكانته القديمة مهرجانًا محليًا وحيدًا وساعة عرض وتفاعل فريدة
للسينما السعودية.
في حواره مع فاصلة، أكد مؤسس مهرجان أفلام السعودية أن
المهرجان لا يزال وفيًا لأولوياته: دعم صُنّاع الفيلم السعودي، والارتقاء
بجودة الإنتاج، وخلق فضاء للحوار والتعاون يستجيب لتحولات المشهد السينمائي
محليًا وعالميًا.
·
مع قرب انطلاق الدورة الجديدة للمهرجان، كيف تقيِّم موضع
المهرجان حاليًا بعد ما يزيد على عِقد من الإطلاق؟
لا شك أن المشهد تغير كثيرًا منذ أطلقنا دورتنا الأولى عام
2008. عندما أتذكر البدايات، أرى بوضوح كيف تغير المشهد الثقافي والفني في
المملكة بشكل عام خلال أقل من 20 عامًا. أتذكر المحاولات والاجتهادات التي
احتضنتها الدورات الأولى وأشعر بالامتنان لما وصلت إليه السينما السعودية
والمشهد الإبداعي السعودي الآن، ولكل مجتهد وفنان ساهم في تعبيد هذا الطريق.
·
وما الذي بات يحكم تصميم كل دورة جديدة في المهرجان في ظل
التطورات المتسارعة التي تحيطه من مهرجانات وفعاليات سينمائية أخرى ؟
ما يحكم تصميم كل دوره هو الهدف الذي لم نحد عنه إلى
اللحظة؛ أن تجسد كل دورة من دورات المهرجان المستجدات والتحديات التي تواجه
الصناعة وتحتفي بكل خطوة تقدم وتوفر فرصة للعين الناقدة الساعة لمزيد من
التطوير والجودة للإنتاج السينمائي في المملكة.
والأهم بالنسبة لنا هو أن تستجيب كل دورة للمستجدات، وأن
تعزز النجاحات السابقة، وترسخ المزايا. والأهم من ذلك، أن تعالج أي تحديات
أو مشكلات حقيقية تواجه صناعة الأفلام. غالبًا ما يقال إن مهرجان أفلام
السعودية نما وكبر، ولكنني أرى أن المشهد السينمائي السعودي هو الذي نمى،
وينمو معه المهرجان جزءًا منه. فنمو المهرجان مرتبط بشكل وثيق بتطور صناعة
الأفلام السعودية وجودة إنتاجها.
·
الآن نجري الحوار في سينماتيك الخبر .. ماذا استفدتم من
المقر ؟
سينماتيك الخُبر يمثل نموذجًا عالميًا كانت تفتقده المملكة،
وأتى افتتاحه ليسد فجوة مهمة في الثقافة السينمائية في السعودية. فكيان
“السينماتيك” موجود في عديد من دول العالم. فلا غنى لأي دولة ذات تراث
سينمائي أو تطمح لأن تكون مركزًا لصناعة السينما عن أن يكون لديها هذا
المركز الثقافي السينمائي المفتوح طوال العام، بما يضم من مكتبة متخصصة
ومركز معلومات.
عندما افتتحنا السينماتيك العام الماضي، استلهمنا فكرته من
سينماتيك باريس وكوبنهاجن ولوس أنجلوس وغيرها،ونسعى لجعله مقرًا دائمًا
لصناع الأفلام والمهتمين، لهذا كان من المنطقي أن يكون هو حاضنة المهرجان
هذا العام، فما بين السينماتيك والمهرجان هو احتضان متبادل.
ومن المتوقع أن ينمو دور السينماتيك ويصبح رافدًا قويًا من
روافد الثقافة والفن في السعودية لما يضمه من مكتبة ثرية، ومنفذًا لتوفير
المعدات التقنية، وشاشة عرض تعرض أفلامًا على مدار العام، بالإضافة إلى
معهد سين بقيادة المخرج مجتبى سعيد للتمثيل وحاضنة للأعمال لدعم المؤسسات
الصغيرة في مجال الإنتاج السينمائي. كما يوفر السينماتيك مساحات للتدريب
والقراءة والعرض، ويستضيف فعاليات متنوعة مثل مهرجان استوديو الفيديو آرت.
·
هل لمهرجان أفلام السعودية جمهور ؟ البعض يرى وجود المهرجان
في إثراء صعوبة في وصول الجمهور يعمم صورة نخبوية للمهرجان تستبعد جمهور
محبي السينما من غير المتخصصين؟
أرجو
ألا يحدث هذا طبعا. وجود المهرجان إثراء له ما يبرره، فالمسألة تتعلق
ببرمجة الأفلام واختياراتها، مع سعي المهرجان الدائم لرفع جودة برنامجه
واختياراته.
وأعتقد أن هناك فرصة جيدة لحضور الجمهور غير المتخصص، ونحن
نشهد إقبالًا كبيرًا على العديد من الأفلام والعروض؛ لدرجة أننا أحيانًا
نعجز عن استيعاب هذا الإقبال.
والجميل في اختيار ساحات إثراء أن حضور المركز لا يقتصر على
من توجه لهم الدعوة من ضيوف، فهو مفتوح للجميع طوال أيام المهرجان.
كما أننا نفكر أن تتوسع العروض إلى ساحات أخرى في الدورات
القادمة لتوسيع نطاق الوصول إلى الجمهور. هذه الفكرة الآن قيد الدراسة.
·
بالنظر إلى تنامي المهرجانات السينمائية في المنطقة، بما
فيها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، كيف يحافظ مهرجان أفلام
السعودية على مكانته وأهميته لصناع الأفلام السعوديين ويكون هدفا ً للمخرج
السعودي ؟
هذا
تحد حقيقي بات يواجه المهرجان، لكنه تحد أرحب به وأسعد له. عندما انطلق
مهرجان أفلام السعودية لم تكن هناك منصات سينمائية أخرى في المملكة. لكن
الآن مع تعدد هذه المنصات، نجد في تعددها فرصة للتطوير بعد أن رُفع عن كاهل
المهرجان عبء الأهداف المتعددة. إذ صار للمهرجان الآن أن يركز على هدفه
الأساسي: تقديم أفضل وأجود الأفلام السعودية، والارتقاء بمستوى الإنتاج
والعروض، وتوفير مساحة للتلاقي المستمر بين صناع الأفلام السعوديين، خاصة
وأن المملكة مترامية الأطراف، فتلعب البرامج الثقافية والفنية المصاحبة
للمهرجان دورًا حيويًا في خلق فرص التعاون وتبادل الأفكار بين صناع الأفلام.
·
نسمع عن تحديات عديدة يواجهها المهرجان في هذه الدورة ماهي
أبرز التحديات التي يواجهها المهرجان في دورته الحالية؟
كل دورة تأتي بتحدياتها الخاصة. في الدورات الأولى، كانت
التحديات تتعلق بالوضع الثقافي العام وقلة الاهتمام بالسينما. الآن، بعد
تأسيس وزارة الثقافة وهيئة الأفلام، تذللت الكثير من الصعوبات السابقة.
التحديات الحالية تتعلق بشكل أكبر باللوجستيات (الإمكانيات المتوفرة)، خاصة
مع اتساع حجم المهرجان وبرامجه التي تشمل مشاركات خليجية ودولية.
·
مع تحول المهرجان لاستضافة مشاركات خليجية ودولية، البعض
يرى في ذلك توسع على حساب صانع الفيلم السعودي ؟
صانع
الفيلم السعودي سيظل دائمًا هو الشخص الأهم
VIP
في مهرجان أفلام السعودية، ولن يتغير هذا أبدًا.
حتى مع إضافة بعض البرامج للأفلام الخليجية والدولية، حرصنا
على ألا تتجاوز ما بين 10 إلى 15 بالمئة من إجمالي البرامج، والغرض من
وجودها خدمة صانع السينما السعودي سواء بإتاحة فرص مشاهدة الأفلام أو فتح
قنوات تواصل بينه وبينه اقرانه من صناع السينما الخليجية والعالمية لبناء
جسور التعاون والتطوير بينهم.
ونركز في البرامج بشكل خاص على الأفلام التي تتناسب مع محور
الدورة، وبرنامج “أضواء على سينما دولة عالمية” الذي استضاف السينما
الهندية في العام الماضي والسينما اليابانية هذا العام، نسعى من خلاله إلى
تعريف صناع الأفلام السعوديين والجمهور بأنواع مختلفة من السينما الفنية
والمستقلة بعيداً عن هوليود.
·
يرى بعض النقاد والسينمائيين أن هناك تواضعاً كبيرا ً في
مستوى الأفلام المقبولة في المهرجان. ما هو تعليقكم على ذلك؟
الملاحظات واردة، ونحن نتطور باستمرار بفضل هذه الملاحظات.
في البدايات، كان اختياري للأفلام شخصيًا نظرًا لقلة
الإنتاج وضعف مستواه. الآن، لدينا لجان قبول متنوعة تضم متخصصين. في هذه
الدورة، تقدم أكثر من 350 فيلمًا، وبالطبع، العدد المطلوب للعرض يختلف عن
العدد المقدم. لجنة المشاهدة تقوم بعملية التصفيات بناءً على معايير فنية.
ما يهمنا هو النمو المستمر في مستوى الاختيار الفني وجودة الأفلام مع مرور
الوقت. لا يمكن مقارنة معايير اليوم بمعايير اعتمدناها قبل أربع دورات.
الصناعة نفسها في حالة نمو وتطور، وهذا ينعكس على مستوى الأفلام المشاركة.
·
ما دام المهرجان يُعنى بتطوير الصناعة في السعودية فلم
أوقفتم قسم أفلام الطلبة الذي كان يعتبر نافذة للتجارب الجديدة؟
لم يتوقف القسم بشكل كامل، وإنما اتخذت فكرته اشكالاً أخرى؛
مثلاً لدينا الآن جائزة الفيلم الأول ضمن مسابقة الأفلام القصيرة، وهي
جائزة عبد الله المحيسن للفيلم الأول. هذه الجائزة متاحة للطلاب وغيرهم ممن
يقدمون أفلامهم الأولى.
الهدف منذ ذلك هو التركيز على جودة الفيلم بغض النظر عن
خلفية صانعه. بالإضافة إلى ذلك، مع وجود أقسام لتدريس السينما في الجامعات،
أعتقد أن هناك فرصة لإنشاء مهرجانات خاصة بأفلام الطلاب على مستوى الجامعات
السعودية، وهذا ما نأمل أن تتبناه جمعية السينما مستقبلًا.
·
هناك قلق من صناع الأفلام القصيرة بخصوص الجوائز والتكريمات
خاصة مع العدد المتزايد من الجوائز للأفلام الطويلة ، مقارنة بالأفلام
القصيرة .. وعن عدد الجوائز الكثيرة عموما ً ؟
هذا
العام بدأنا في مراجعة الجوائز، ولدينا حاليًا تسع جوائز فقط ـ سابقاً أكثر
من عشر جوائز ـ موزعة بين الأفلام القصيرة والطويلة (أربعة قصيرة وخمسة
طويلة على ما أظن).
نحن نؤمن بأن تقليل عدد الجوائز يزيد من قيمة الجائزة
نفسها، ونطمح إلى أن يكون دخول الفيلم القصير في المسابقة هو بحد ذاته
تقديرًا. العديد من المهرجانات العالمية تعتبر اختيار الفيلم للمسابقة
إنجازًا بحد ذاته، بغض النظر عن الفوز. دخول المهرجان وعرض الفيلم يعتبر
قيمة جيدة للفيلم أيضًا.
·
نود أن نسأل عن سوق الإنتاج المصاحب للمهرجان والذي بدأ من
سنوات . ما هي نسبة المشاريع التي انطلقت من السوق وتم إنجازها؟
بدأ سوق الإنتاج بشكل تجريبي في الدورة السادسة،وتطور في
الدورات اللاحقة.
وحرصنا منذ إنشائه على ألا يكون التعثر في المشاريع ناتجًا
عن الجهة المانحة. نشترط على الشركات الداعمة تقديم دعم حقيقي للمشاريع. في
البدايات، واجهت بعض المشاريع تعثرات، فأنشأنا لجنة لمتابعة هذه المشاريع
بعد نهاية الدورة لمعرفة أسباب التعثر ومحاولة حلها.
وبشكل عام، حققنا نسبة إنجاز جيدة للمشاريع المدعومة من
السوق والمهرجان، تصل إلى حوالي 65%، ولكن الإنجاز غالبًا ما يستغرق سنة أو
سنتين.
·
نذهب لمنصبك كنائب رئيس لجمعية السينما ما هي أبرز المشاريع
التي تعمل عليها جمعية السينما حاليًا إلى جانب مهرجان أفلام السعودية؟
مهرجان أفلام السعودية هو أحد أهم مهام جمعية السينما، ولكن
لدينا مشاريع أخرى مستمرة على مدار العام. أبرزها “الموسوعة السعودية
للسينما”، التي نوليها أهمية كبيرة لإيماننا بأهمية الجانب المعرفي
والثقافي لصانع الأفلام.
الموسوعة تضم الآن أكثر من 75 كتابًا، ونشارك بها في معارض
الكتب، ويتم توزيعها دوليًا. ونعمل حاليًا على إصدار ثماني مؤلفات جديدة
لكتاب سعوديين وخليجيين قبل الدورة القادمة، ونهدف إلى الوصول إلى 40
عنوانًا خلال العام.
·
لأول مرة منذ انطلاقه يُفتتح مهرجان أفلام السعودية بفيلم
طويل، وهو فيلم “سوار”. ما هي دلالة هذه الخطوة؟
فيلم “سوار” يستحق أن يكون فيلم الافتتاح لعدة أسباب؛فقد
لبى الفيلم معظم متطلبات فيلم الافتتاح، فهو قريب من ثيمة الدورة، وهو عرض
أول عالمي ومدته مناسبة. وهو فيلم سعودي مهم بجودة فنية عالية. نتمنى له
مسيرة موفقة في المهرجانات الأخرى. أعتقد أن هذه الدورة واللحظة مناسبة
لافتتاح المهرجان بفيلم طويل.
·
تحدثت الأستاذة هناء العمير رئيسة جمعية السينما عن
الانتقادات الموجهة للمهرجان والمتعلقة بمحدودية دعوات الحضور، فكيف
تتعاملون مع هذا التحدي وتوقعات صناع الأفلام؟
نتمنى لو نستطيع دعوة جميع صناع الأفلام والمهتمين، ولكن
المسألة تتعلق بالإمكانيات المتاحة. نؤكد دائمًا أن المهرجان مستمر سنويًا،
وليس بالضرورة دعوة نفس الأشخاص في كل دورة.
المهرجان يسمح عادةً بدعوة شخص أو شخصين من كل فيلم مشارك،
مثل المخرج والمنتج أو البطل. وصاحب حقوق الفيلم هو من يرشح المدعوين.
نحاول قدر الإمكان تسهيل حضور الآخرين من خلال توفير فرص للتسجيل وتقديم
تسهيلات في الفنادق بالتعاون مع جهات مختلفة. ربما لا تساعدنا الإمكانيات؛
ولكن المهرجان يفتح أبوابه للجميع.
·
كلمة أخيرة قبل بدء المهرجان يوم غد؟
أولًا، نحتفل في هذه الدورة بالقامة الفنية إبراهيم
الحساوي، وهو شخصية المهرجان المكرمة، وسيكون هناك كتاب وفيلم عن تجربته.
نتمنى أن نحتفل بالسينما السعودية وصناعها في كل أيام المهرجان.
وأقول لصناع السينما السعودية: حضوركم هو مكسبنا الحقيقي.
وسيشهد سينماتيك الخُبر افتتاح معهد سين يوم 18 أبريل، وسيستمر حتى 20
أبريل. وجمعية السينما ستكون حاضرة بنشاطاتها طوال أيام المهرجان وخلال
العام. فأرجو أن يكون صناع الأفلام السعودية هم من يدشنون هذا الانطلاقات
السينمائية التي صنعها جهدهم. |