ملفات خاصة

 
 
 

شون بايكر أول سينمائي ينال شخصيا 4 جوائز أوسكار

عالم المهمشين في "أنورا" تقابله خيبة الحلم الأميركي في "الوحشي"

هوفيك حبشيان 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 97)

   
 
 
 
 
 
 

ملخص

أضاء مسرح دولبي في هوليوود أنواره مجدداً، أمس الأحد، لحفل توزيع جوائز الـ"أوسكار"، الذي تقيمه أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها للمرة السابعة والتسعين. وخلال الحفل برزت مفاجآت وخيبات في الوقت نفسه.

انتهى الحفل بفوز "أنورا" للمخرج الأميركي شون بايكر كأفضل فيلم لعام 2024، حاصداً خمس جوائز من أصل ثمانية ترشيحات. أربع من هذه الجوائز كانت من نصيب شون بايكر (54 سنة) بنفسه، حيث أعطي جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج، ليصبح أول سينمائي في تاريخ الـ"أوسكار" يحصل على هذه الجوائز الأربع الكبرى لفيلم واحد، وذلك باعتباره تولّى بنفسه مهام الإنتاج والإخراج والكتابة والتوليف. إنها أمسية "أوسكارية" تكرس فيها على أرفع منبر سينمائي في أميركا، بعد مرور أكثر من ربع قرن على انطلاقته. أما الجائزة الخامسة التي نالها الفيلم، فحصلت عليها ميكي ماديسون كأفضل ممثلة عن دورها فيه، مما شكل إحدى مفاجآت حفل تخلله العديد من الأشياء غير المتوقعة.

يقدم بايكر في فيلمه هذا الذي كان سبق أن فاز بـ"السعفة الذهبية" في مهرجان كانّ 2024، عملاً من نوع التراجيكوميديا حاملاً إيانا كعادته إلى عالم المهمشين والمتروكين لمصيرهم في أميركا. النص هزلي الطابع ينطوي على الكثير من المفارقات والأحداث المتلاحقة بحيث لا يهدأ لنا بال، مما يسمح لكل شخص أن يتلقى الفيلم وفقاً لوعيه السياسي ومرجعياته الثقافية. الفيلم يسلي المشاهدين الذين يفضلون الحبكة الواضحة، بينما يوفر في الوقت ذاته مساحة للتأمل العميق لأولئك الذين يسعون إلى الذهاب أبعد من الظاهر.

أنورا (ميكي ماديسون)، شابة في العشرين تنحدر من أصول مهاجرة. تعمل في نادٍ ليلي كراقصة متعرية، ولا تمانع في تقديم خدمات إضافية لبعض الزبائن مقابل المال. تمارس مهنتها بما يتوافق مع قناعاتها، بعيداً من الأحكام المجتمعية المألوفة. تتغير حياتها عندما تلتقي بإيفان، الشاب الروسي الذي ينتمي إلى عائلة أوليغارشية غنية (يؤدي دوره مارك أيدلستاين). إيفان في مثل سنها ولكنه غير ناضج، فهو يقضي معظم وقته في تبذير أموال والده. بعد فترة قصيرة من تعارفهما، يقدم إيفان عرضاً لأنورا بالزواج، فتوافق على الفور، إذ ترى في هذا العرض فرصة لتحسين وضعها الاجتماعي.

لكن عندما يكتشف والدا إيفان زواجه، يتحول مجرى الفيلم إلى مسار آخر. يأتي الوالدان مع قوتهما ونفوذهما، ويستعينان بثلاثة رجال قساة لفرض إرادتهما بهدف "تنظيف هذه الفوضى" وإلغاء عقد الزواج، في محاولة للعودة إلى الوضع الطبيعي، على نحو يضمن حماية طبقتهما الاجتماعية وامتيازاتهما. في عالمهما، مهما تكن تصرفات الشاب خاطئة، تبقى الفتاة هي المسؤولة الأولى، لأنها لا تنتمي إلى البيئة عينها.

قوة السلطة

يعكس شون بايكر في فيلمه شعوراً عميقاً بالعجز لدى شخصياته أمام قوة السلطة التي تقف في طريق أي تطلعات أو آمال للمستقبل. ولكن، على عكس الأفلام التي تركّز على تصوير الفقر بشكل مبتذل، يقدم هذا الصراع على نحو أقل وضوحاً وأكثر إحساساً بالمقاومة الصامتة، ليظهر التفاوت بين طبقة الأثرياء القادرين على فرض إرادتهم وحمايتهم لمكانتهم الاجتماعية، وبين الضعفاء الذين لا يمتلكون سوى أنفسهم، وأحياناً حتى هذا القليل يصبح بعيد المنال.

الفيلم الاستثنائي للمخرج الأميركي برادي كوربيت، "الوحشي"، (عُرض في مهرجان البندقية ونال جائزة الإخراج)، لم يحصد سوى ثلاث جوائز، صانعاً خيبة أمل عشاق هذا العمل الطموح. يتناول الفيلم السيرة المتخيلة لمعماري مجري (أدريان برودي) يهاجر إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ليخوض تجربة الحلم الأميركي، بما فيه من صعود وانهيار. أدريان برودي فاز عن دوره فيه بجائزة أفضل ممثل، محققاً فوزه "الأوسكاري" الثاني. أُسندت إلى الفيلم أيضاً جائزة أفضل موسيقى تصويرية من تأليف دانيال بلومبيرغ، وأخرى لأفضل تصوير سينمائي ذهبت إلى لول كرولي.

منذ اللحظة الأولى، يأسر "الوحشي" انتباه المشاهد ويثير العديد من التساؤلات. القصة تأخذنا عبر رحلة تمتد لأكثر من نصف قرن وثلاث ساعات ونصف الساعة من سينما ملحمية مبهرة، محورها شخصية تحاول الهروب من ماضيها المظلم نحو مستقبل غامض، عابرةً من فظائع النازية إلى آمال الرأسمالية.

خلافاً لما كان متوقعاً، استُبعد "إميليا بيريز" للمخرج الفرنسي جاك أوديار، على رغم ترشحه لـ13 جائزة، مما يثير الأسئلة حول تأثير الجدال الذي أحيط به في الأسابيع الأخيرة، فانتهى الأمر بحصوله على جائزة واحدة فقط، تمثّلت في "أفضل ممثلة في دور ثانوي" فازت بها زويه سالدانا، بينما فاز كيران كولكين بجائزة أفضل ممثل في دور ثانوي عن أدائه في فيلم "ألم حقيقي".

يتناول الفيلم قصة تاجر مخدرات مكسيكي (كارلا صوفيا غاسكون) يخضع لعملية جراحية لتغيير جنسه، مما أثار ردود فعل غاضبة من المكسيكيين، وجعل المواقف تتشابك وتعزز الجدال حول الرسالة التي يحاول الفيلم إيصالها. تجاوز جاك أوديار الحدود التقليدية للسينما عبر تجربة بصرية وسمعية مبتكرة، تمتزج فيها الموسيقى بالمأساة لتروي قصة شخصية في عالم الجريمة المكسيكي. هناك حلم قديم يراود العابر جنسياً منذ طفولته: رغبة عميقة في التحول إلى امرأة. من خلال هذا الصراع الداخلي، قدم نظرة معقدة عن الهوية والجنس داخل سياق العنف والفساد الذي يعصف بعالم الجريمة المنظمة.

فيلم "المجمع السري" للمخرج الألماني إدفارد برغر، الذي كان مرشحاً لثماني جوائز "أوسكار"، انتهى بحصوله على جائزة واحدة فقط، وهي "أفضل سيناريو مقتبس". يتناول العمل انتخاب بابا جديد بعد وفاة الأخير، في إطار من الرسائل السياسية التي تهيمن على الأحداث. وكانت جائزة "أفضل فيلم دولي" من نصيب "لا أزال هنا" للمخرج البرازيلي والتر ساليس، الذي يتطرق إلى مأساة اختفاء المعارضين خلال فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل.

على رغم ما يتردد عن "صهيونية" هوليوود، فإن العرب كان لهم نصيب من رد الاعتبار. "لا أرض أخرى" تُوِّج بجائزة أفضل فيلم وثائقي، وهو عمل يروي قصة معاناة أهل قرية مسافر في فلسطين، حيث قام المخرج الفلسطيني باسل عدرا، مع زميله الإسرائيلي يوفال أبراهام، بتوثيق الأحداث التي شهدتها قريته تحت وطأة الاحتلال. هذا الفيلم، الذي فاز في وقت سابق بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين 2024، أثار ضجة واسعة بسبب الطرح الصريح لما تعرض له أهل المنطقة. من جهة أخرى، كان فيلم "فلو" للمخرج الليتواني غينتس زيلبالوديس هو الفائز بجائزة أفضل فيلم تحريك، علماً انه كان عُرض في مسابقة "نظرة ما" داخل مهرجان كانّ الماضي ولم يكن له أي حظ.

على مستوى الأفلام القصيرة، نال "لستُ آلة" للمخرجة الهولندية فيكتوريا فارمردام جائزة أفضل روائي قصير، بينما نال "الفتاة الوحيدة في الأوركسترا" للمخرجة الأميركية مولي أوبراين جائزة أفضل وثائقي قصير. أما جائزة أفضل تحريك قصير فذهبت إلى "في ظل شجرة السرو" للمخرج الإيراني حسين مليمي. الجوائز التقنية وُزِّعت بين ثلاثة أفلام: "ويكد" (أفضل أزياء وأفضل ديكور) و"دون: الجزء الثاني" (أفضل صوت وأفضل مؤثرات بصرية) و"المادة" (أفضل ماكياج وأفضل تصفيف شعر).

 

الـ The Independent  في

03.03.2025

 
 
 
 
 

«إميليا بيريز»…

خلطة أوديار التي كادت تختطف كل الجوائز

عمار ملص

ينتمي فيلم «إميليا بيريز» للمخرج الفرنسي جاك أوديار لقائمة تمتد من الأنواع السينمائية، ففي فيلمه الذي أحاط به الكثير من الجدل، يشتغل أوديار على الميلودراما والكوميديا ودراما العصابات وأفلام الإثارة وأفلام الجريمة، وبهذا يلخص فيلمه الأحدث مسيرته كلها، مقدمًا خلطة تجمع ذلك كله، مضافًا إليها الموسيقى.  وفي ليلة الأوسكار 2025، وعلى الرغم من ترشيحه لجوائز عديدة خرج الفيلم بجائزتين اثنتين هما أفضل ممثلة مساعدة لزوي سالدانا وأفضل أغنية، وإلى جانب الجائزتين فقد الفيلم في خضم معاركه الإعلامية الكثير من الدعم الذي أهله للترشح لكافة فئات الأوسكار تقريبًا.

يعرض «إميليا بيريز» قصة مانيتا، زعيم عصابة المخدرات «الكارتل» المكسيكي الدموي القاسي، الذي يدير إمبراطوريته بقبضة من حديد، لكنه يخفي سرًا دفينًا: رغبته في أن يعيش كإمرأة

يقرر مانيتا بعد سنوات من إدارة منظمته الإجرامية أن يهرب من حياته السابقة ويتحول إلى إميليا بيريز. يلجأ المجرم إلى ريتا، المحامية الطموحة التي تعمل في قضايا غسيل الأموال، طالبًا مساعدتها في تحقيق هذا التحول وإخفاء هويته القديمة. تنجح ريتا في تدبير الأمر، ويتمكن مانيتا من الاختفاء تمامًا عن الأنظار ليبدأ حياته الجديدة كإمرأة. وتظهر إميليا مجددًا بعد أربع سنوات، لكنها تجد نفسها ممزقة بين هويتها الجديدة والأشباح التي تطاردها من ماضيها. فتتواصل مع ريتا مجددًا، طالبة مساعدتها في إعادة زوجتها السابقة وأولادها إلى المكسيك

كثيرة هي المواضيع التي يتطرق إليها هذا الفيلم، من الفساد السياسي والجريمة وعنف الكارتلات في المكسيك، إلى العبور الجنسي. ينطلق أوديار في أعماق حروب العصابات في المكسيك أو هذا ما يبدو لنا بداية قبل أن يفاجئ جمهوره بتطويرفيلمه إلى قصة عن العابرين جنسيًا، مبتعدًا عن اللغة السينمائية المألوفة، فتعمل الموسيقى في العديد من المشاهد على تعزيز الأثر العاطفي للفيلم، وتخلق رابطًا شعوريًا مع الشخصيات وتضفي تماسكًا على السرد. يجعلنا أوديار نعيد التفكير في هذا النوع من الأفلام، حيث يدمج الأغاني مباشرة في الحبكة ضمن إيقاعات حيوية جذابة مصحوبة بتصميم رقصات ديناميكية وعصرية تدفع الحبكة دائمًا إلى الأمام وتدعم المزاج العام وتعطي لمحة عن كيان الشخصيات الداخلي.

يمزج المخرج بين العناصر الفنية للعرض الموسيقي والواقع القاتم لحرب المخدرات ببراعة هائلة. والغ

ريب أن هذه العناصر المتناقضة لا تتعارض مع بعضها البعض لأن المخرج يخلق منها شيئًا متجانسًا بمجرد أن تعتاد على مزجه لهذه الأساليب

تعكس الأغاني وتصميم الرقصات جوانب من ثقافة إيميليا وهويتها الشخصية، مما يخلق جوًا حيويًا وفريدًا يثري السرد. تعزز الطبيعة الاحتفالية لهذه التسلسلات من رسالة الفيلم حول التعبير عن الذات والفردية، وتصور تحول إميليا على أنه انتصار شخصي وفعل تحدٍ للمعايير المجتمعية.

على سبيل المثال، تخوض المحامية ريتا عندما تبحث عن عيادة مناسبة لمانيتا من أجل إجراء الجراحة المطلوبة نقاشًا مع الدكتور واسرمان حول التعقيدات الأخلاقية لهذا القرار، لينتقل المشهد بسلاسة إلى استعراض غنائي. تضيف هذه الفواصل الموسيقية زخمًا عاطفيًا للفيلم، مما يمنحه بعدًا شعريًا مكثفًا. وفي الوقت ذاته، ينجح أوديار في تحقيق توازن دقيق بين الدراما والنقد الاجتماعي، مستخدمًا مشاهد الرقص كأداة بصرية للتنديد بالفساد والظلم.

يعكس أوديار من خلال المزج بين دراما الجريمة والاستعراض الموسيقي، الصراع الداخلي لإميليا، حيث يصبح كل مشهد غنائي نافذة إلى عقلها المضطرب وماضيها المعقد. وكما تتنقل إميليا بين القوة والضعف، يتأرجح الفيلم بين التوتر والخفة، مما يمنحه طابعًا فريدًا يجمع بين العنف واللحظات الغنائية التعبيرية. لا تأتي هذه الفواصل الموسيقية كعنصر تزييني، بل كوسيلة تكشف عن أبعاد الشخصية وتحولاتها العاطفية

يتنقل السرد في «إميليا بيريز» بسلاسة بين دراما العصابات والفكاهة السوداء في مشاهد عدة، مضيفًا عمقًا عاطفيًا لشخصياته. تقدم كارلا صوفيا غاسكون أداءً متميزًا في دور إميليا وكذلك في دور زعيم كارتل المخدرات. وجاسكون بالمناسبة هي ممثلة عابرة جنسيًا ترشحت لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة، وكانت الجائزة شبه مضمونة لها إلا أن أثارت تعليقات قديمة كتبتها في حسابها على تويتر (إكس) الغضب تجاه آرائها المتعصبة ضد المسلمين.

جسدت غاسكون شخصية معقدة تحمل ثقل ماضيها بقدر ما تحلم بمستقبل مختلف، وهو ما يشكل جوهر الحبكة التي تدور حول الصراع بين الفكاك من الماضي واحتضان الذات الجديدة. ورغم أن الفيلم يضع امرأة عابرة جنسيًا في قلب أحداثه، إلا أن إميليا بيريز لا ينشغل بمناقشة قضايا الجندر بشكل مباشر أو الترويج لأفكار تتصل بسياسات الهوية. فأوديار، قبل كل شيء، مهتم بفن السرد السينمائي أكثر من انشغاله بتقديم رسائل سياسية.

قصة إميليا بيريز تتجاوز حدود شخصيتها، فهي قصة خلاص تتردد أصداؤها عالميًا—خلاص لا يقتصر على الهروب من قوى خارجية، بل يمتد إلى معركة داخلية مع الذات. تحول إميليا لا يُختزل في بُعده الجسدي، بل يمثل استعادة رمزية للحرية والهوية، وتمردًا على القيود التي فرضها عليها ماضيها العنيف والمعايير المجتمعية الصارمة.

على مستوى أعمق، يدعو الفيلم جمهوره إلى التأمل في أسئلة وجودية تتجاوز حدود القصة: كيف يمكننا التوفيق بين ماضينا ومستقبلنا؟ كيف نحتضن التجدد بينما لا تزال أشباح ما كنّا عليه تطاردنا؟ من خلال رحلتها، تتحول إميليا إلى أكثر من مجرد شخصية؛ إنها استعارة لأولئك الذين يسعون لإعادة تعريف أنفسهم في عالم يفضل التصنيف السريع والإدانة القاسية.

لا يكتفي أوديار في تقديم إميليا بيريز بسرد قصة فحسب، بل يطرح أسئلة حول الهوية والتحول والقبول المجتمعي. ما الذي يتطلبه الابتعاد عن حياة غارقة في العنف والسلطة؟ ماذا يعني أن تختار نفسك على توقعات الآخرين؟ 

يحاكي التحول في إيميليا، رحلات العديد من أبطال أوديار السابقين، مثل مالك في فيلم «نبي»، الذي عكس صعوده في التسلسل الهرمي للسجن عملية إعادة تجديد شخصيته، وشخصيات فيلم «ذيبان»، الذين تبنوا هويات جديدة كلاجئين ليتركوا وراءهم صدمة الحرب. وبالمثل، فإن رحلة إيميليا مليئة بموضوعات التجديد والخلاص والجاذبية التي لا مفر منها لماضي المرء.

نادرًا ما يكون أبطال أوديار أبطالًا أو أشرارًا بسطاء؛ فهم أفراد معقدون للغاية، يعيشون حالة من الغموض الأخلاقي. إميليا ليست استثناءً. وبصفتها زعيمة كارتل سابقة، فهي تحمل ثقل خياراتها السابقة، ومع ذلك يتم تصوير تحولها على أنه فعل تحرر وتحقيق للذات. تخلق هذه الازدواجية توترًا مقنعًا، وتدعو الجمهور إلى التعاطف مع شخصية تجسد القوة والضعف في آن واحد. لا يتحدى تحول إيميليا هويتها الخاصة فحسب، بل يتحدى أيضًا هياكل السلطة المجتمعية، مرددًا ديناميكيات السلطة المعقدة التي استكشفها أوديار في فيلم «نبي» و«الصدأ والعظام».

رغم الابتكار والجرأة التي يتمتع بها فيلم «إميليا بيريز»، إلا أنه لا يخلو من بعض نقاط الضعف. يصبح السرد مع وصول الفيلم إلى فصله الثالث، أكثر تقليدية مقارنة ببدايته المتمردة، حيث تتقلص الجرأة البصرية والموسيقية لصالح مشاهد درامية أكثر نمطية، تعطي الأولوية للحلول العاطفية على حساب تعقيد الصراعات. كذلك، تتراجع الإيقاعات الموسيقية التي كانت جزءًا أساسيًا من السرد، لتحل محلها عناصر الإثارة والميلودراما المعتادة، مما يخفف من الأثر العاطفي للفيلم. بالإضافة إلى ذلك، يبدو تعدد الموضوعات أحيانًا عبئًا على الحبكة، إذ تُترك بعض الخيوط السردية دون معالجة كاملة. ومع ذلك، تظل التجربة السينمائية استثنائية بفضل القوة الإبداعية التي تهيمن على النصف الأول من الفيلم، والتي تترك انطباعًا قويًا لدى المشاهد رغم التنازلات السردية في النهاية.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

04.03.2025

 
 
 
 
 

فيلم «الوحشي» وسردية الهولوكوست:

من التمكين إلى محو الضحية الأخرى

رامي أبو شهاب

طريق مختصر للأوسكار

إذا كنت تطمح أن يحظى فيلمك باهتمام، وتغطية إعلامية واسعة، ويُرشّح لجائزة أوسكار، فثمّة طريق مختصر لا يتعلق بالقيمة أو الجودة أو الأصالة، بمقدار ما يتعلق بموضوعه، ونعني المحرقة أو الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، وما يتعلق بها من حبكات، وقصص، ومُتخيَّل لن تنضب مادته على المدى القريب نظراً للحاجتين الأيديولوجية والوظيفية.

في هذا السياق يندرج فيلم «الوحشي»(The Brutalist) أحدث أعمال المخرج برادي كوربيت، ومن بطولة أدريان برودي في دور المهندس المعماري اليهودي المجري «لازلو توث» أحد الناجين من المحرقة، غير أن الفيلم لا يكتفي بسرد الحكاية المعتادة عن الناجين، بل يطرح تساؤلات حول السلطة والتأثير والاندماج (ظاهرياً)، لاسيما في ظل العلاقة المعقدة التي تربط البطل بعميل أمريكي ثري يرمز إلى الرأسمالية الغربية المتوحشة.

لا بد مع الإشارة إلى أن الفيلم، عرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الحادي والثمانين عام 2024، ونال جائزة الأسد الفضي لأفضل إخراج ما يؤكد نهج القاعدة الذهبية التي تنهض على مقاربة الهولوكوست من أجل أن تتمكن من نيل التقدير، وبعض الجوائز. إذا ما تجاوزنا مؤقتا ثيمة الهولوكوست بوصفها الثيمة الأثيرة لدى صانعي السينما الغربيين، فإن ثمة ملحوظة تتعلق ببطل الفيلم الذي سبق له أن نال جائزة الأوسكار عن فيلم «عازف البيانو» 2002 الذي جسد فيه دور يهودي بولندي يناضل من أجل النجاة في «الجيتو»، وعلى الرغم من تماثل الثيمة العامة، غير أن المعالجة الزمنية تتغاير، فالأول يختبر تجربة النضال من أجل النجاة من الاضطهاد النازي، في حين أن الثاني «الوحشي» يعكس موضوع ما بعد النجاة، وأثر اضطراب ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى الاضطهاد الرأسمالي، وقيم الهوية، والانسجام، والوعي بالبنية النفسية من خلال العمارة، ورمزيتها، غير أن كلا الفيلمين يتوافقان على تقديم اليهودي بصورة العبقري، والحساس، فالأول عازف، والثاني معماري.

السردية المستعادة

يسرد فيلم «الوحشي» قصة مهندس معماري ينجو من المحرقة، ويرتحل لأمريكا، وبعد استقراره يتمكن من إحضار زوجته، وابنة أخيه من أجل تأسيس بداية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تكمن في وعي الناجين بوصفها ملاذاً للحرية والقيم، غير أن هذا الحلم سرعان ما يتحطم على صخرة الرأسمالية الغربية القاسية، ما يدفعنا لمواجهة قضايا تتعلق بالاغتراب النفسي، والاندماج والتكيف بوصفها نسقاً ظاهراً، غير أن الفيلم يتقصّد حقيقة تمرير رسائل أيديولوجية مبطنة؛ مستغلاً هذا التناقض لإعادة إنتاج الضحية، ولكن الأهم بناء مسوغات لاستلاب أوطان الآخرين، وخلق ضحية أخرى صامتة، غير مُعترف بها. يُبنى السرد على أجزاء متعاقبة، تحمل عناوين تُجسّد التحولات الجوهرية في مسيرة المهندس المعماري، وتبدأ من لحظة استقباله من قبل قريب له متزوج من امرأة أمريكية، في محاولة أولى لخلق مساحة اندماج في العالم الجديد. وسرعان ما يجد المعماري نفسه ـ بواسطة شركة قريبه – منخرطًا في مشروع تصميم مكتبة لرجل أعمال أمريكي، غير أن هذا المشروع لا يلبث أن ينهار تحت وطأة تعقيدات ينتج عنها تخلي القريب عن المعماري لتتخذ الأحداث منحى أكثر قتامة، حين يُتهم المعماري بالتحرش بزوج قريبه الكاثوليكية، وعلى إثر ذلك يطرد، ومن ثم يختبر المعماري فترة حياة التشرد والتسول، بيد أن المفارقة تكمن في عودة الرجل المليونير الذي كان قد كلّف المعماري بتصميم المكتبة، خاصة بعد أن أدرك قيمة موهبته، فيعرض عليه فرصة تصميم مبنى ضخم يحتوي على مجمع متعدد الوظائف، ومن هنا يبدأ فصل جديد من الصراع، حيث تتشابك العلاقة بين الحماية والاستغلال، كما الاعتراف والتهميش ضمن مشهدية تؤسس لحالة من التوتر بين الموهبة، أو الحلم في مواجهة النموذج الرأسمالي.

نتيجة العلاقة الجديدة مع المليونير، تتحسن أحوال المهندس، إذ يتمكن من نقل زوجته من أوروبا إلى الولايات المتحدة بمساعدة صديق متنفذ للمليونير الأمريكي، يعقب ذلك تجاذبات تتعلق بالمشروع والتمويل، وإصرار المعماري على تصميم معين يعكس هوية ما، فيتخلى عن أتعابه من أجل تحقيق رؤيته، غير أن الأمور تتعطل في بعض الأحيان، ومن ثم لا تلبث أن تُستعاد ما يعكس بيان قلق التفكير الرأسمالي القائم على قيمة التكلفة، وهامش الربح والخسارة، التي يرمز إليها المليونير الأمريكي، وغيره من النخب التي يلقي الفيلم الضوء على صيغتها الثقافية، ولكن الأهم حساسية موقفها من الحضور اليهودي، وما يكمن تجاهه من تمثيلات محددة.

الضحية المطلقة

من أجل تخليق نموذج الضحية تبرز بوضوح مشاهد وجه المعماري الشاحب، وجسده النحيل، بالتوازي مع مرض زوجته المقعدة، والأهم صمت ابنة أخيه الاختياري أو الذي يمكن قراءته بوصفه احتجاجاً على قبح العالم، وبذلك يعكس الفيلم الصورة النمطية للناجين من الهولوكوست (الضحايا) بحيث تمسي رمزية معينة في وعي المجتمعات الغربية ضمن تشكيل تاريخي لن يتوقف عن استعادته. إن ما يعنينا في الفيلم، مؤشرات ذات بعد أيديولوجي إشكالي، إذ يمكن أن نؤسس له، بتمثل دور الضحية، وبناء مقولات تتصل برسالة أن الجميع يضطهد اليهود، أو أنهم وحدهم ضحية، ولا خلاص لهم إلا بإقامة وطن لهم في فلسطين، ويمكن تبرير هذا النسق المبطن بالفيلم من خلال التأطير الدلالي الذي يُبنى على جزئية العنصرية العرقية كما الدينية، حيث نرى أن المعماري في رحلته للنجاة في أمريكا قد حمل معه ذكريات مؤلمة في معتقلات النازيين، وبناء عليه، ثمة عجز عن تأسيس أي علاقة صحية مع المجتمع الأمريكي في منتصف القرن العشرين، حيث الوحشية الرأسمالية التي تجسدها المدينة الأمريكية، وبيان قيم الفقر، والتشرد، وتمثيلات المسحوقين، فلا جرم أن ينجح المعماري اليهودي بإقامة علاقة صداقة واحدة حقيقية، وتكون مع رجل ملون «افريقي أمريكي» وابنه، حيث يتشاركون رحلة التشرد، كما الإدمان على المخدرات، وبهذا يرغب الفيلم في بيان قيمة الواقع المعادي لليهود، كما أصحاب البشرة السمراء.

تبرز تناقضات تتعلق بشخصية المليونير، وفي بعض الأحيان تختلط الرسائل على المشاهد، فمن ناحية يبدو الإعجاب والتقدير بعبقرية المعماري، ومن ناحية أخرى نرى إشارات تتعلق بالعنصرية، بالتوازي النظرة الدونية من قبل المليونير، كما بعض أفراد عائلته تجاه المعماري اليهودي، وعائلته – كما تعكسها النماذج الحوارية – غير أن هذا يتعضد بنقطتين مركزيتين: الأولى محاولة ابن المليونير التحرش بابنة أخ المعماري، والثانية تتعلق باغتصاب المليونير الأمريكي للمعماري اليهودي في إشارة رمزية عميقة للاستغلال، أو انتهاك الجسد والروح، والأهم بيان التوحش تجاه الآخر ضمن تمثيل رمزي، فقد استغل المليونير واقع المعماري المتردي نفسياً، وفقدانه للوعي نتيجة المخدرات والمشروب.

تُؤكد تلك العناصر عبر حوار المعماري مع وزوجته من ناحية عكس المزاج العدائي لهم في أمريكا، بمعنى آخر رفضهم لهم، وهذا يشمل زوجة قريبه المسيحية، وعائلة الرجل المليونير، وغيرهم، ما يبرر مقصدية مضمرة تتعلق بأهمية البحث عن وطن حقيقي لهم، ولعل هذا يؤكده تعليق على لسان سارد تاريخي ضمن تكوين وثائقي يذكر أن الأمم المتحدة قد قررت بعد التصويت الاعتراف بدولة إسرائيل سنة 1948، وهذا يتعضد حين تصر ابنة أخيه وزوجها على الهجرة إلى الوطن (الكيان)، غير أن المعماري يرفض ذلك مع شيء من السخرية، إذ يرى أن وجودهم يجب أن يكون في أمريكا، غير أن هذا كان قبل أن يتعرض للاعتداء الذي ينتج عنه تحول عميق في تكوينه وشخصيته. تتكرس صورة الضحية في مشهد حضور زوجة المعماري إلى منزل المليونير متهمة إياه باغتصاب زوجها، في حين تأتي ردة فعل المليونير بالإنكار التام، مصحوبا باتهامها وزوجها بالجحود. يزداد التوتر عندما يطرد ابن المليونير الزوجة بعنف فتسقط أرضا في مشهد يجسد بعمق محاولات ترسيخ نمط الضحية، وما يترتب عليه من مقاصد موجهة، يلي ذلك اختفاء الرجل المليونير، وعند محاولة البحث عنه داخل المبنى الذي صممه المعماري نسير مع الكاميرا داخل مكان العبادة، حيث تسقط أشعة الشمس المقبلة من زاوية العلية، على الأرض، مكونة شكل الصليب في إشارة رمزية تحمل دلالات تتقاطع مع البنية الفكرية للفيلم حول السلطة، والخطيئة، كما تقاطع القيم الدينية بين البروتستانتية واليهودية.

إن التصميم الذي وضعه المعماري يحاكي في بنيته الإسمنتية الخراسانية، وتشكيله الضخم والبارد، وجدرانه العالية المعتقل الذي كان مسجونا فيه المعماري أثناء الحرب، ولاسيما حين نشاهده – بعد سنوات- في حفل تكريم، وقد أصبح عجوزا يجلس على كرسي متحرك، التكريم والمعرض كان بتنسيق وإشراف من ابنة أخيه التي هاجرت إلى إسرائيل، حيث نراها تقف على المنصة، وفي الخلفية عرض نماذج من تصاميم المهندس، مع تعليق يختص بالحديث عن عبقرية تصاميم المعماري، ولاسيما تصميم مبنى المليونير الأمريكي الذي اكتمل عام 1973، وما يمثله من تكريس للذاكرة والألم الناتجين عن تجربة الهولوكوست، غير أن الإضافة الأهم تكمن في إصرار المعماري على رفع المبنى وجدرانه عبر التضحية بأتعابه المالية، كي تمثل الجدران أملا في الحرية، بالتوازي مع خلق فضاء يتجاوز ضيق السجن والمعتقلات. ومن هنا، يمكننا فهم إصراره وعِناده على تصميم المبنى كما يريد، باعتباره يمثل رؤيته تجاه قيم الاعتقال والتجربة برمتها.

الانتقاء الأيديولوجي

لقد شكلت هذه المقصديات توجيها قوامه تخليق نموذج الضحية، ولكن الفيلم تجاوز ذلك، ولاسيما إذا نظرنا إليه في سياقات الوقت الحاضر. فالفيلم ينصّ على أن اليهود شعب مضطهد من الجميع، حتى في أمريكا، وأنه عانى كثيراً، وأن الخلاص- وفقا للفيلم- لا يكون إلا عبر إقامة دولتهم الخاصة، وهو ما يأتي على حساب تجاهل أي قيمة أخرى، أو شعب آخر، فقد بُنيت معاناة اليهود على معاناة شعب آخر، طُرد من أرضه، وشُرّد، وعُذّب، وقُتل، واعتُقل الآلاف من أبنائه. وبذلك، ثمة بترٌ ساذج للرسالة الإنسانية التي كان يفترض أن تكون مؤطرة في سياق أكثر شمولية، وإنسانية أو منطقية، لكنها جاءت منحازة تتجاهل الحقائق، مما يعني انتقائية فجة، أو محكومة بمقولات سياسية تُبرَّر بمسوغات إنسانية مشوّهة، حيث اختارت الصمت التام عن الطرف الآخر، أو الضحية الأخرى، ويتجلى هذا في تغييب أي إشارة إلى الشعب الفلسطيني، وبذلك فنحن إزاء مفارقة تبعث على السخرية، ولاسيما حين تسعى السينما الغربية إلى تقديم عمل سينمائي يهجو القيم الرأسمالية، فيتخذ من اليهود نموذج الضحية المثالي، غير أن الخلاص يكون على حساب شعب آخر لا يأتي الفيلم على ذكره، بل عملت على محوه بالكلية من المشهد، وبهذا فإن النهج، على الرغم من جماليته، غير أنه يبقى مفتقراً للحقيقة، والمصداقيتين: التاريخية والإنسانية.

كاتب فلسطيني أردني

 

القدس العربي اللندنية في

04.03.2025

 
 
 
 
 

فيلم "إميليا بيريز": جائزتا "أوسكار" واعتذارات كثيرة

فوزية حرب

"أريد أن يتوقف كل ذلك لنطوي الصفحة وننتقل إلى شيء آخر"، هذا ما قاله المخرج جاك أوديار قبل حفل توزيع جوائز أوسكار بنسخته السابعة والتسعين، بعدما لم يترك فيلمه "إميليا بيريز" أحداً إلا وأثار استياءه بشكل أو بآخر. الفيلم الذي حطم الأرقام القياسية عند ترشيحه لـ13 جائزة، من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثلة رئيسية (كارلا صوفيا غاسكون) وأفضل ممثلة مساندة (زوي سالدانيا)، وهو أكبر عدد من الترشيحات التي حظي بها فيلم أجنبي منتج بلغة أخرى غير الإنكليزية، تحوّل ليلة توزيع جوائز "أوسكارإلى مصدر لجو مشحون.

قدّم الحفل المذيع الأميركي كونان أوبريان الذي على الرغم من شهرته في المجال الكوميدي لم يستطع كسر الجليد عند ذكره الممثلة كارلا صوفيا غاسكون. حظيت كارلا صوفيا غاسكون بالكثير من التشجيع كونها أول ممثلة عابرة جنسياً علنياً تترشح لنيل جائزة أوسكار، لكن الموازين انقلبت عندما نبش صحافيون منشورات قديمة لها على منصة إكس (تويتر سابقاً). ضمن هذه المنشورات، واحد كتبَتْه عام 2020، عقب مقتل المواطن الأفروأميركي جورج فلويد خنقاً على يد رجل شرطة أبيض، وجاء فيه: "أعتقد حقاً أن قِلة قليلة من الناس كانوا يهتمون بجورج فلويد؛ مدمن المخدرات والمحتال. لكن وفاته سلطت الضوء مرة أخرى على أن هناك من لا يزالون يعتبرون السود قردة بلا حقوق، وأن هناك من يعتبرون الشرطة قتلة. كل هذا خطأ". وفي منشور آخر خلال العام نفسه، علقت غاسكون على تزايد عدد المسلمين في إسبانيا بالقول: "ما لم نحظر الديانات التي تتعارض مع القيم الأوروبية وتنتهك حقوق الإنسان، مثل الإسلام، تحت حجة حماية حرية العبادة، فلن نتمكن من إنهاء جزء من المشكلة الضخمة التي نواجهها، فالإيمان يتلاعب بأولئك الذين يتمسكون به". وعلى الرغم من اعتذار غاسكون عن هذه المنشورات بصفتها "عضواً في مجتمع مهمش"، وتعطيل حسابها على منصة إكس، فإن الصحافة والمتابعين من "مجتمع الميم عين" (+LGBTQ) لم يغيّروا رأيهم حول هذه المنشورات التي أظهرت عنصريتها ونشرها للإسلاموفوبيا.

منشورات غاسكون لم تكن وحدها ما أثار الجدل بشأن "إميليا بيريز"، إذ إنّ الفيلم الذي يتناول قصة متخيلة حول مهرّب مخدرات مكسيكي يدعى مانيتاس ديل مونتي ورحلته في التحول من رجل إلى امرأة أثار غضباً بين الجمهور المكسيكي الذي اشتكى من "الاستيلاء الثقافي"، واعتبر أن العمل استخفّ بمعاناة الشعب من آثار الجرائم المنظمة التي أدّت إلى مقتل 460 ألف شخص، واختفاء أكثر من 121 ألف شخص منذ عام 2006 حين أعلن الرئيس المكسيكي الحرب على عصابات الاتّجار بالمخدرات، وانهالت الانتقادات على طريقة معالجة هذه القصة، إذ حوّل الكاتب والمخرج الفرنسي جاك أوديار كارثة الجرائم المنظمة إلى مسرحية موسيقية يرقص الممثلون فيها على أنغام جذابة لأغانٍ تروي كيف أحرق "مانيتاس ديل مونتي" جثث الضحايا بحمض الأسيد.

هذا ما حثّ الناشطة أرتيميسا بيلمونتي على إنشاء عريضة على موقع Change.com، حاولت من خلالها منع عرض الفيلم في المكسيك، بعد أن شاهدته على "نتفليكس" خلال تواجدها في كاليفورنيا خلال عطلة عيد الميلاد عام 2024. بيلمونتي أصبحت ناشطة بعد اختفاء أمها وأخوالها الثلاثة وأحد أقاربها عام 2011 في ولاية تشيواوا بسبب حرب المخدرات، وعبّرت بيلمونتي عن استيائها من الفيلم قائلة: "لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع كأنه عمل مسرحي موسيقي... من الواضح أنهم لم يحققوا في أي شيء، ولم يجلسوا مع شخص فقد أحد أفراد أسرته".

وقد اعتذر الكاتب والمخرج الفرنسي جاك أوديار قبل عرض الفيلم في المكسيك إذا كان قد تناول هذا الموضوع الحساس بخفة، معترفاً بأنه لم يدرس بيئة المكسيك بعمق قبل العمل على الفيلم.

ولم يُعرض "إميليا بيريز" في دور العرض السينمائية المكسيكية إلا في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد خمسة شهور من عرضه لأول مرة في فرنسا، وشهرين من عرضه في الولايات المتحدة. وفي المكسيك، كانت دور العرض التي تعرض الفيلم خاوية إلى حد كبير، حتى إن بعض رواد السينما المستائين طالبوا باسترداد قيمة تذاكرهم.

ومن جهة أخرى، سلّط بعض النقاد الضوء على فقدان مصداقية "التمثّل" (representation) المكسيكي في الفيلم، سواء خلف الكاميرا أو أمامها، إذ طغت الجنسيات الأوروبية على فريق العمل، واختصر "التمثل" المكسيكي بالممثلة أدريانا باز، في حين لعبت الممثلات كارلا صوفيا غاسكون إسبانية الأصل والممثلة الأميركية من أصل دومينيكي زوي سالدانيا والممثلة الأميركية من أصل مكسيكي سيلينا غوميز الأدوار الرئيسية الأخرى. وطاول النقد الأكثر قسوة غوميز، بسبب سوء لهجتها بالإسبانية، ما دفعها إلى الاعتذار، مبرّرة بأنها بذلت جهدها في العمل على لغتها الإسبانية ضمن الفترة القصيرة التي أتيحت لها.

وعلى الرغم من الجو المشحون خلال حفلة توزيع جوائز أوسكار ليلة الأحد (بالتوقيت المحلي)، استطاع فيلم "إيميليا بيريز" حصد جائزتين من أصل الجوائز الـ13 التي كان مرشحاً لها: جائزة أفضل أغنية أصلية عن "إل مال"، وجائزة أفضل ممثلة مساندة لزوي سالدانيا. وقد اعتذرت الأخيرة من الشعب المكسيكي الذي شعر بالإهانة من عرض هذا الفيلم، وبحسب رأيها فإن "إميليا بيريز" ليس فيلماً عن المكسيك، بل "عن الصداقة... عن أربع نساء"، وأضافت في حديث أمام الصحافيين: "هؤلاء النساء كان يمكن أن يكن روسيات، أو من الدومينيكان، أو سوداوات من ديترويت، أو من إسرائيل، أو من غزة (...) نساء يحاولن البقاء على قيد الحياة في ظل القمع المنهجي ومحاولة العثور على الأصوات الأكثر أصالة".

واعتبرت الناقدة السينمائية غريتا بادييا حبكة الفيلم "أصلية ومبتكرة جداً، لكن كل التفاصيل حولها مهملة للغاية"، وشرحت "في المكسيك ندرك أن معالجة القصة، رغم كونها متخيلة ومقدمة في شكل موسيقي، ليس الهدف منها أن تكون نابضة بالحياة فحسب، فالقصة غير متماسكة لأن تقديم الأبطال لا يتوافق مع أي واقع رغم أنه مأخوذ من واقع معقد وصعب. وإذا كانت الأفعال مبررة بكونها خيالية أو تنتمي إلى نوع أدبي، فإن أي قصة ستكون صحيحة من دون أن يكون لها تماسك، والقليل من الأشياء التي تحدث في إميليا بيريز تتميّز بالتماسك". في المقابل، اعتبر مدير شركة زيما إنترتينمنت التي وزّعت الفيلم في المكسيك، دايفيد شيلمينسكي، أن الإجماع على نقد "إميليا بيريز" والانتفاض عليه قد سلب من أحبّوا الفيلم أو حتى أرادوا أن يشاهدوه فرصة التعبير عن رأيهم.

 

العربي الجديد اللندنية في

04.03.2025

 
 
 
 
 

أدريان برودي الهارب من محرقة ثانية في "الوحشي" يحصد الأوسكار مجددا

إلياس حموي

قصة مهندس مجري ينجو من النازيين ليواجه واقعا مجهولا في أرض الأحلام.

أتقن الممثل الأميركي أدريان برودي دور اليهودي الهارب من المحرقة في دور بقي من علامات السينما العالمية، توج إثره بجائزة الأوسكار قبل ثلاثة وعشرين عاما، وها هو يعود في دور مشابه رغم اختلافه حول مهندس يهودي هارب بدوره من النازيين، ويتوج ثانية بالأوسكار بعد أداء مبهر جسده في فيلم "الوحشي".

حصل الممثل أدريان برودي على جائزة أفضل ممثل في حفل جوائز الأوسكار لعام 2025 المنعقد في مدينة كاليفورنيا في الثاني من مارس عن دوره في فيلم “الوحشي”، الذي أدى فيه دور مهندس معماري يهودي مجري هارب إلى أميركا من بطش النازيين، والفيلم من إخراج وإنتاج برادي كوربيت ومن سيناريو شارك في كتابته مع مونا فاستفولد.

قصة الهروب

هذا ثاني أوسكار يحصل عليه برودي في حياته المهنية، المرة الأولى كانت في عام 2002 عن دوره في فيلم “عازف البيانو”، إخراج البولندي رومان بولانسكي، والمأخوذ عن رواية رونالد هاورد، حيث أدى فيه دور عازف البيانو البولندي اليهودي الشهير فلاديساف شبيلمان.

أدريان برودي يؤدي شخصية مهندس معماري يهودي هارب من المحرقة النازية في تشابه مع دوره في "عازف البيانو"

 يعيش العازف في مدينة وارسو هو وعائلته الفقيرة ماديا أثناء الحرب العالمية الثانية، ويعمل عازفا في الإذاعة المحلية وفي أحد مطاعم الأثرياء ثم ينتقل لاحقا إلى مطعم آخر يقصده المثقفون إلى أن تدخل القوات النازية إلى بولندا فتنقلب حياته رأسا على عقب هو وكل يهود المدينة، حيث يقتادهم النازيون إلى معسكرات الاعتقال ويكون هو وعائلته من ضمنهم، لكنه يتمكن من الفرار والاختباء في أحد أحياء وارسو إلى أن يتمكن في النهاية من النجاة أثناء دخول الجيش السوفييتي إلى المدينة.

وقد أدى برودي دوره هذا بحرفية كبيرة ناقلا مشاعر الخوف والجوع والتشرد والبرد بصدق كبير، فمن ينسى لحظة إيجاده علبة الطعام حين كان جائعا، وكيف التهمه بنهم أثناء اختبائه في المبنى المهجور الذي كان يمكث فيه بعيدا عن أعين الجنود الألمان، وقد استحق أوسكار أفضل ممثل عن جدارة حينها، ليمر اثنان وعشرون عاما، أي في عام 2024، ليختاره المخرج الأميركي برادي كوربيت لبطولة فيلمه “الوحشي”.

يؤدي أدريان برودي شخصية المهندس المعماري اليهودي (لازلو توث) الهارب من المحرقة النازية أيضا، لكن هذه المرة يكون مجريا، هو الذي بنى في بلاده أجمل مباني العاصمة بودابست، ومع دخول النازيين إلى المدينة اضطر إلى الهرب هو وزوجته المقعدة إيرزبيست (فيلستي جونز) وابنة شقيقته صوفيا (راني كاسيدي)، الذين هربوا عن طريق البر عكسه هو الذي هرب في سفينة مهاجرين إلى أميركا أرض الأحلام، والذي يرى تمثالها الشهير تمثال الحرية مقلوبا رأسا على عقب من السفينة قبل أن تصل إلى نيويورك دلالة على حياته التي ستنقلب بدورها رأسا على عقب في أميركا عكس ما كان يتوقع.

يعيش لازلو التشرد والجوع في البداية وينام في الطرقات حتى يستطيع الوصول إلى ابن عمه أتيلا، الذي يملك معرضا للمفروشات في فيلادلفيا، ويلعب القدر لعبته مع لازلو الذي عانى ما عاناه من فقر وجوع منذ وصوله إلى الولايات المتحدة، حيث يطلب أبناء الثري الكبير هاريسون فون بورين (غاي بيرث) من أتيلا تجديد أثاث مكتبة والدهم في ذكرى عيد ميلاده، فيتعرف أتيلا عليه ويخبره فون بورين بأنه بحاجة إلى مهندس معماري يبني له مجمعا كبيرا يحتوي على كنيسة وملاعب رياضية ومرافق ترفيهية إحياء لذكرى والدته، فيعرض أتيلا هذا الطلب على لازلو ابن عمه (أدريان برودي) فيوافق بالتأكيد، ويعلم أن القدر بدأ بمكافأته.

برودي أدى دوره هذا بحرفية كبيرة ناقلا مشاعر الخوف والجوع والتشرد والبرد بصدق كبير

أداء وسيناريو مميزان

يبدأ لازلو العمل مع فان بورين مستخدما أفكاره المستوحاة من المدرسة الوحشية في هذا المجمع لكن رؤية الفنان تصطدم مع رؤية صاحب رأس المال المتعجرف، الذي لا يفوت فرصة لإذلال لازلو وتذكيره بأنه كان فقيرا وأنه بحاجة إلى ماله، كمشهد المطعم الذي تكون متواجدة معهم فيه زوجته إيرزبيست، فيقول لها إن زوجها لم يتعلم بعد على الإتيكيت بعد كل هذه المدة التي قضاها في أميركا فيكون العمل مع فان
 
بورين سلاحا ذا وجهين، فهو نعمة ونقمة في الآن نفسه على لازلو الذي تنهار روحه تدريجيا ويصبح مدمنا على المخدرات والمهدئات كي يتأقلم مع غربته وحياته الجديدة في أرض الأحلام ولا يجد المواساة سوى من زوجته المسكينة المقعدة وكأنها الشيء الجميل الوحيد المتبقي من ماضيه
.

جسد أدريان برودي دوره بحرفية عالية في هذا الفيلم حيث استطاع إيصال مشاعر وأحاسيس الشخصية بمهارة كبيرة فشعرنا بعجزه وفقره وجوعه واغترابه عن المجتمع الجديد الذي انتقل إليه، بينما كوربيت قدم الفيلم برؤية بصرية مميزة باستخدام الإضاءة القاتمة التي توحي بأجواء تلك الفترة من أربعينات القرن العشرين واللقطات العامة للمباني والمساحات التي يبنى عليها المجمع، في حين نقل لنا أحاسيس الشخصية وانفعالاتها بلقطات متوسطة وقريبة.

 أما السيناريو فكان محكما، فالحدث حاضر فيه بقوة وذو خط زمني متعرج وليس أفقيا، فهناك انتقالات دقيقة بين الأزمنة، وقد حصل الفيلم على جائزة الدب الفضي حين تم عرضه للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي العام الماضي، كما حصل أدريان برودي على جائزة الغولدن غلوب كأفضل ممثل وفي جوائز البافتا البريطانية مؤخرا حصد الفيلم جائزة أفضل إخراج، وها هو يحصد أوسكار أفضل ممثل لعام 2025 كما كان متوقعا.

كاتب سوري

 

العرب اللندنية في

04.03.2025

 
 
 
 
 

ترحيب على المنصات بفوز فيلم "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار

حصد الفيلم الوثائقي الفلسطيني النرويجي “لا أرض أخرى” جائزة الأوسكار في نسختها الـ97 بمدينة لوس أنجلوس، كأفضل فيلم وثائقي طويل لعام 2025. وقد أثار هذا الفوز جدلا كبيرا في إسرائيل وترحيبا على المنصات.

(الجزيرة)

وينقل الفيلم -الذي استغرق تصويره وإنتاجه 5 سنوات- معاناة الفلسطينيين في مواجهة ممارسات جيش الاحتلال من اعتداء وتهجير قسري لأهل البلد بعد هدم منازلهم والاستيلاء عليها.

ويوثق الفيلم -ومدته ساعة و35 دقيقة- أحداثا حقيقية بمنطقة مسافر عطا جنوب الضفة الغربية، حيث يُظهر جنود جيش الاحتلال وهم يهدمون المنازل ويطردون السكان لإعداد منطقة للتدريب العسكري. كما يصور اعتداء المستوطنين على الفلسطينيين.

وأخرج الفيلم فريق رباعي مشترك، يضم الثنائي الفلسطيني باسل عدرا، وحمدان بلال، والثنائي الإسرائيلي يوفال أبراهام، وراحيل تسور، وهما يقيمان في النرويج، وداعمان للقضية الفلسطينية، ورافضان لقمع الشعب الفلسطيني.

وأثار الفيلم موجة غضب في إسرائيل، وغرد وزير الثقافة الإسرائيلي قائلا: "فوز فيلم (لا أرض أخرى) بجائزة الأوسكار يشكل لحظة حزينة في عالم السينما. اختار صُنَّاع الفيلم ترديد روايات تشوه صورة إسرائيل في العالم".

كما انتقدت القناة الـ14 الإسرائيلية فوز الفيلم بالأوسكار، ووصفته بأنه "وثائقي معاد لإسرائيل"، وأن "هوليود تثبت مجددا أنها اختارت الوقوف إلى جانب الطرف الآخر".

ووردت تعليقات كثيرة على مواقع التواصل احتفت بفوز فيلم "لا أرض أخرى" بالأوسكار، رصدت بعضها حلقة (2025/3/4) من برنامج "شبكات".

وقال أبو صلاح: "بعد أن تم محاربة الفيلم الفلسطيني "لا أرض أخرى" ومنع عرضه في أميركا وتهديد أبطاله بشكل علني لأنه يفضح جريمة التهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم.. الفيلم فاز بالأوسكار".

وغرّد برهان سعادة يقول: "لا أحد من العرب يصل فيلمه إلى الأوسكار لأنه مخرج عظيم، أو أن فيلمه عظيم، بل لأن فيلمه يغازل أحلام الصهيونية العالمية".

كما قالت لارا في تعليقها: "هذا الشعب الفلسطيني العظيم أينما يوجد يحقق نجاحات مقطوعة النظير ويصل إلى أعلى المراكز".

وقال سعود ناصر: "من أفضل أفلام الوثائقيات بشكل عام، خصوصا إنه تم تصويره لعدة سنوات.. أتمنى من الجميع مشاهدة الفيلم ونشره بما أن باسل حاول نشر ما يحدث له ولقريته".

في حين غرّدت روان شمايلة تقول: "هذا تطبيع! احذر تفكر تدعم أو تشوف أي تعاون مع الصهاينة هو تطبيع! جملة تعاون فلسطيني إسرائيلي لحالها جريمة!".

ويذكر أن "لا أرض أخرى" حصد 33 جائزة، توزعت بين مهرجانات سينمائية ومؤسسات نقدية عالمية، رغم ميزانيته المتدنية وإنتاجه البسيط. كما حصد الفيلم جائزتين من مهرجان برلين السينمائي الدولي، و3 جوائز من رابطة الأفلام الوثائقية الدولية.

 

الجزيرة نت القطرية في

04.03.2025

 
 
 
 
 

فى الأسبوع الأول من عام 2025، تستهل هوليوود موسم جوائز العام الجديد، بحفل «جولدن جلوب» فى دورته الثانية والثمانين فى «لوس أنجلوس».. الذى يسبق حفل جوائز الأوسكار فى دورته الـ97 بأسابيع قليلة؛ حيث من المقرّر أن تعلن جوائز الأوسكار فى الثانى من مارس المقبل

 

المصرية في

03.03.2025

 
 
 
 
 

فى الأسبوع الأول من عام 2025، تستهل هوليوود موسم جوائز العام الجديد، بحفل «جولدن جلوب» فى دورته الثانية والثمانين فى «لوس أنجلوس».. الذى يسبق حفل جوائز الأوسكار فى دورته الـ97 بأسابيع قليلة؛ حيث من المقرّر أن تعلن جوائز الأوسكار فى الثانى من مارس المقبل

 

المصرية في

03.03.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004