ملفات خاصة

 
 
 

«المادة».. جراحات التجميل والإدمان وسينما العصر الحالي

أحمد شوقي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 97)

   
 
 
 
 
 
 

تمتاز مسابقة مهرجان كان الدولية دائمًا بكونها المساحة التي يجتمع فيها أكبر الأسماء في عالم الإخراج السينمائي، وكأنه كأس العالم في الإخراج، فتجد في كل عام قائمة ضخمة من الأسماء الرنانة التي يمتلك أصحابها مسيرة كبيرة من أعمال سابقة ضمنت لهم الوجود في هذه المنصة رفيعة المستوى. إلا أن اللحظات التي لا تُنسى هي تلك التي نكتشف فيها خلال المسابقة صوتًا جديدًا، مخرجًا كان يبدو للوهلة الأولى أصغر ممن يتنافسون معه، قبل أن تكشف الأفلام أن الكبار قدر حضروا جزئيًا بأسمائهم، بينما حضر الصغار بأعمالهم، فقط لأنهم يستحقون هذا المكان.

لعل الوصف السابق لا ينطبق في مسابقة كان 77 – على الأقل حتى نقطة منتصف الطريق الذي نكتب عندها هذا المقال-؛ قدر انطباقه على المخرجة الفرنسية كورالي فارجيا، التي جاء فيلمها الطويل الثاني «المادة The Substance» ليُعلن عن موهبة كبيرة، لفنانة شجاعة لا تخجل من إحداث الصدمة، ففيلمها مليء بكل أشكال المفاجآت الصادمة، لكنه مزدحم أيضًا بالقيمة، سواء على مستوى الأفكار المطروحة، أو في طريقة معالجة تلك الأفكار بصريًا ودراميًا.

براعة الاستهلال

نبدأ بالمعالجة البصرية، وهي باختصار ما يجعل المخرج السينمائي مخرجًا بحق: قدرته على خلق معادل مرئي للحكاية، يقدم المعنى بالصورة ويضع المشاهد داخل الحالة المزاجية المأمولة، وهو ما تفعله فارجيا بسهولة وسرعة واختلاف عبر تتابعين صامتين في بداية الفيلم، الأول لمادة يتم حقنها داخل بويضة فتجعلها تنقسم لنسختين من ذاتها، ثم مراحل حياة نجمة من نجوم ممشى المشاهير في هوليوود، من تثبيت النجمة والاحتفاء بصاحبتها واهتمام الناس بها، ثم خفوت الصيت وانزواء الأضواء وتحوّلها مجرد بقعة على الأرض يسير عليها البشر دون أن ينتبهوا للاسم المدوّن عليها.

باختصار وببساطة ودون كلمات تقريبًا تُدخلنا كورالي فارجيا داخل عالمها الفيلمي، عالم النجمة الهوليوودية إليزابيث سبارك، التي تجسدها النجمة ديمي مور بشجاعة تُحسد عليها، فالشخصية تكاد تكون صورة درامية لمور نفسها، نجمة كانت ملء السمع والبصر، قبل أن يمضي العمر وتتضاءل الأضواء المسلطة عليها. سبارك تُقدّم برنامج رياضي صباحي لا يبدو أحدًا راضيًا عن نجاحه بسبب عمر نجمته المتقدم. «مع الخمسين كل شيء يختفي»، يقولها لها المنتج صراحة وهو يخبرها أن البرنامج سيتوقف لأن عمرها صار أكبر من أن توضع في مركز الاهتمام.

وكما هو متوقع من التتابع الأول، يظهر الحل لإليزابيث متمثلًا في مادة تروّجها جهة غامضة، تجعل خلايا جسدها تنتج نسخة أفضل وأجمل وأكثر شبابًا منها، بشرط وحيد هو أن تعيش كل نسخة من الاثنين أسبوعًا كاملًا فقط، ثم توضع في سبات صناعي لتعيش النسخة الثانية الأسبوع التالي وهكذا. معادلة يجب تطبيقها بدون استثناءات، مع التأكيد على قاعدة يجب عليها إدراكها، هي أنهما نسختين لنفس الشخص، لا شخصيتين منفصلتين.

بين فيلم النوع والأفكار العميقة

لو كنت من محبي أفلام الخيال العلمي والرعب سيتمكن الملخص السابق بسهولة من إثارة اهتمامك. أما إن كنت ممن يميلون لاعتبار أفلام النوع أعمالًا من الدرجة الثانية، فقد يثير الأمر داخلك تساؤلًا حول سبب اختلاف هذا الفيلم، الذي يجعل مهرجان كان يعرضه في مسابقته الدولية.

قد تتساءل أيضًا عما حمّس نجمتين بحجم ديمي مور ومارجريت كوَيلي للمشاركة في العمل، رغم ما يتضمنه من تحد جسدي كبير، سواء في ظهور كامل الجسد عاريًا أو شبه عار لفترات زمنية طويلة (وهو ما لا تفضله الممثلات عادة)، أو فيما يعنيه هذا الظهور من معان. ففي حالة ديمي مور يمثل جسدها الذبول، بداية الشيخوخة والتآكل التدريجي الذي يجعل النجمة تفقد بريقها القديم

أما في حالة كويلي فالجسد يمثل تشييء للمرأة، والمخرجة تتعمد هنا إظهار ما تملكه بطلتها من جمال جسدي يكاد يلامس الكمال، والتأكيد على أن قدرتها على إيقاع الكل في حبها تنبع قبل كل شيء من مظهرها. ففي أحد المشاهد يدق الباب جار غاضب ينتظر أن تفتح جارته الممثلة الخمسينية الباب لينفجر في وجهها بسبب ما تحدثه من ضوضاء، وما أن يُفتح الباب ليرى أمامه نسختها الشابة، إلا ويغيّر الجار موقفه كليًا فيصير متسامحًا مع الضوضاء، بل ومستعدًا للمشاركة فيها لو رغبت جارته الجميلة في الاستعانة به!

المخرجة وبطلتاها تعين جيدًا أن تشييء المرأة عنصر جوهري في فيلمهن. أو لنكن أكثر دقة: تشييء النجوم وتقديس الكمال. كي تكون نجمًا يجب أن تكون كاملًا على المستوى الشكلي، وكي تتواصل النجومية ينبغي عليك الحفاظ على هذا الكمال بأي صورة ممكنة، حتى لو كان الثمن أن تنسلخ عن نفسك، وتصير نسخة مختلفة من ذاتك، تماما مثل سو، النسخة الشابة الجذّابة التي تكره اضطرارها أن تعيش أسبوعًا من كل اثنين في جسد إليزابيث، حتى وإن كانت إليزابيث هي الأصل الذي لولاها ما وُجِدت سو.

عن النشوة والتآكل

التفسير السطحي لفيلم كورالي فارجيا يرتبط بهوس جراحات التجميل الذي سيطر على القطاع الأكبر من النجوم، إناثًا وذكور، فصاروا في سباق عبثي محموم ينتهي في كل مرة وقد صار صاحبه نسخة مختلفة تمامًا عن الأصل، يتوهم وحده كونها أجمل وأكثر شبابًا. لكن التفسير الأعمق يتجاوز هوس التجميل إلى فكرة الإدمان بشكل عام، هوس الفرد بوجود «مادة» قادرة على جعله صورة أفضل من نفسه، حتى لو أكلت هذه الصورة تدريجيًا من الأصل في كل يوم عن سابقه. لاحظ أن مصطلح «المادة» يُستخدم في أغلب الدول الناطقة بالإنجليزية للتعبير أساسًا عن المخدرات.

من ينظر للفيلم من هذه الزاوية سيجده دراسة حالة عميقة، بالغة التشويق، غير مألوفة عن التردي التدريجي في هاوية الإدمان، وكيف يتوهم المدمن في البداية أنه سيتمكن من استخدام «المادة» بتوازن يجعله يظهر للآخرين في أفضل صورة ممكنة، ثم يعود لذاته بأمان عندما يغلق عليه باب بيته. غير أن هذا التوازن واهم، متطاير، لا يدوم، لسبب بديهي هو أن النسخة الأفضل أفضل – كما يبدو لصاحبها – وأنه سيُفضِّل في كل مرة أن يزيد من زمن استمتاعه بالصورة الأكمل، حتى يصحو يومًا فيجد الأصل قد تشوه بما لا يمكن علاجه أو ترميمه.

الفصل الختامي في الفيلم شديد الدلالة والذكاء. لن نحرق تفاصيله لكننا سنقول إنه تعبير فيلمي جديد كليًا عن موقف شاهدناه مرارًا في عالم الترفيه: نجم يصعد إلى المسرح في حالة مزرية، فيرتكب أفعالًا ويردد كلماتٍ تدمر حياته المهنية. يبدو الأمر غريبًا، فلماذا يُقدم أي إنسان على تدمير نفسه أمام الجميع هكذا؟ «المادة» يخبرنا أن الأمر ليس اختيارًا، فلا يُمكن إعادة الجني إلى المصباح بعد إطلاقه.

تناقضات وتفاصيل

يمتلئ فيلم كورالي فارجيا بكثير من المفارقات والمتناقضات، من الجمال الكامل إلى القبح الموحش، من مشاهد تسيل اللعاب شبقًا لأخرى تكفي كي تشعر بالتقزز من الطعام لأسبوع كامل. الفيلم حافل أيضًا بالتفاصيل الدرامية الصغيرة التي تُعمّق المعنى وتؤكد أن المخرجة تعرف جيدًا كل أبعاد فكرتها.

عندما تقابل إليزابيث في بداية الفيلم – مثلًا – زميل دراسة قديم منبهر بمقابلة زميلته التي صارت نجمة، وبالرغم من كونها في أسوأ لحظات حياتها المهنية على الإطلاق، إلا أن ثقتها في كونها أجمل وأقوى من الزميل القديم تجعلها تتعامل معه باستعلاء نجمة تخاطب معجبًا يائسًا. بينما تتحول مقابلة نفس الرجل إلى تحدٍ مخيف لإليزابيث بعدما تظهر شخصية سو وترى بعينيها الفارق بين الجمال الحالي والجمال الذي كان

لم يتغير الرجل إطلاقًا وبالكاد تغيرت البطلة تغيرًا طفيفًا، لكن ما قلب موازين القوى رأسًا على عقب هو نظرتها لنفسها. كم سمعنا من حكايات عن نجم موهوب كان يُبهر الجميع دون مشقة، ثم تعلم المخدرات فساعدته أن يؤدي بشكل أفضل، لكنه في المقابل صار عاريًا بدونها، عاجزًا عن أداء ما كان يفعله بسهولة قبل دخول «المادة» إلى عالمه.

غير أن كل ما سبق قد يعطي انطباعًا خاطئًا بأن «المادة» فيلم وعظي ضد إدمان التجميل والمخدرات، والحقيقة أن الأفكار موجودة فيه بوضوح، لكنها في خلفية القصة المشوّقة والإحكام البصري والأداء التمثيلي الشجاع من ديمي مور ومارجريت كويلي. هذا فيلم يمكن بسهولة الرهان على أنه سيصير موضوعًا رائجًا على وسائل التواصل الاجتماعي عندما تطرحه منصة موبي mubi المشاركة في الإنتاج بعد انتهاء دورته في المهرجانات والقاعات.

أما لو أردنا في النهاية أن نذكر أجمل ما في «المادة»، فستكون بالتأكيد معاصرته. هذا فيلم ابن اللحظة الراهنة شكلًا ومضمونًا، يطرح أفكارًا يجب طرحها في زمننا الحاضر، بطريقة عصرية جذابة تخاطب ذائقة قطاع واسع من الجمهور (فقط لو تمكنوا من تحمل مشاهد النصف الثاني من الفيلم). فيلم ممتع وكبير يُقدم لنا مخرجة موهوبة سيكون لها شأن خلال السنوات المقبلة.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

21.05.2024

 
 
 
 
 

"رحلة 404": أرض أحلام ثانية ورحلة أكثر إشكالية

زياد بركات

عام 1993، صدر فيلم المخرج داود عبد السيد "أرض الأحلام"، وهو آخر أفلام فاتن حمامة (1931 - 2015)، وفيه قدّم من يُصنّف أحد أهم مخرجي الموجة الجديدة (آنذاك) فاتن حمامة على نحو لم يألفه المشاهد من قبل: امرأة متقدّمة في السن، تواجه اختبار عمرها بعد حياة في الظل تمحورت حول إرضاء الزوج ورعاية الأولاد، بلا أحلام على الإطلاق سوى أن تسهر ذات يوم إلى آخر الليل. يختبرها الأبناء الذين يطلبون منها السفر معهم إلى الولايات المتحدة، أرض الأحلام، رغم أنها أحلامهم وليست أحلامها. وعندما تذعن إلى رغبتهم، تفقد جواز سفرها قبل يومٍ من موعد السفر، فتبدأ رحلتها الغرائبية في البحث عنه، بينما هي في الحقيقة والدلالة تبحث عن ذاتها الضائعة أيضاً. تصادف كلّ ما ومن لم يسبق له أن كان في سياق حياتها المنغلقة والهادئة، الملمومة على الأولاد. تلتقي ساحراً وتدخل قسم شرطة وتتوه في الشوارع وتسهر إلى آخر الليل، لتكتشف في آخر الأمر أنها لم تكن نفسَها يوماً، ولم تكن هنا أيضاً، وأنّ عليها أن تبقى، فتلك أحلام الآخرين، وليست أحلامها.

بعد أكثر من ثلاثة عقود، نجد أنفسنا أمام منى زكي، ويحلو لكثيرين تشبيهها بفاتن حمامة، في فيلم يذكّر في بنيته الأساسية بـ"أرض الأحلام"، وهو "رحلة 404" الذي بدأ عرضه في يناير/كانون الثاني الماضي. أخرج الفيلم هاني خليفة.

يتمحور العمل حول فكرة الرحلة والاختبار كما في "أرض الأحلام". تحدث الرحلتان في الفيلمين في فترة زمنية محدودة، لكن رحلة غادة (منى زكي) في هذا الفيلم أكثر إشكالية ربما، فهي رحلة إلى الله، أو إلى التطهّر بوصف أكثر واقعية (من العمل في الدعارة إلى الحج). في الروايات والأساطير والأديان، تحضر الرحلة بأبعاد فلسفية، وتقترن بالاختبار أو المحنة، وفيها نعاين الانتقالات العسيرة والمؤلمة للأشخاص الذين تم اصطفاؤهم، وفي "رحلة 404" ثمة ظلال لهذا المفهوم.

غادة الموظفة الناجحة في شركة عقارات، تستعد للتوجه إلى الحج لتتطهّر من ماضيها. هي عاملة جنس معتزلة، تواجه اختباراً عسيراً عندما تصدم إحدى السيارات والدتها، ما يتطلب منها مبلغاً كبيراً لعلاجها. لا تجد غادة مفرّاً من اللجوء إلى شبكة علاقاتها السابقة لتأمين المبلغ. تلجأ أولاً إلى صاحبة بيت العرض الجنسي الذي كانت تعمل فيه (شيرين رضا في دور قصير وأداء لافت)، فتخذلها بأن تربط تلقيها المال بتلبية رغبات معجب قديم يريدها لليلة واحدة. تلجأ إلى من يفترض أنهم معارف سابقون: سمسار عقارات يتودد إليها، وإلى الرجل الذي تخلى عنها عندما كانت في الجامعة ما دفعها إلى "الخطيئة"، وإلى زوجها السابق الذي اقترن بها وهو يعرف ماضيها لينتقم من والدته التي كانت تخون والده، فيخذلها الجميع باشتراطهم ضمناً أو علناً أن تعود إلى "الخطيئة".

في مرحلة الاختبار، تكون الشخصية المصطفاة عرضة لتجاذبات متناقضة؛ الشيطان هنا في التفاصيل واقعياً ورمزياً، وهو ما نلاحظه في لبس غادة الحائر والمحيّر، إضافة إلى صراعها بين رغبتها بالتطهُّر، ولا وعيها المشدود إلى عالمها القديم، وهو ما نلاحظه في نظراتها وحركة جسدها عندما تدخل أحد الملاهي، إلى أن تنتهي للإذعان بتلبية طلب صاحبة دار العرض الجنسي بمقابلة ذلك المهووس، لتكتشف أنه زوجها السابق، وقد اكتشف أنه لم يعد راغباً في كسرها نفسياً لإثبات أن كل النساء عاهرات أمام نفسه. وباكتشافه هذا، يعدها بدفع تكلفة علاج والدتها، لتكتشف هي بدورها أن الذي تسبب في سقوطها عندما كانت طالبة في الجامعة قد دفع تكلفة العلاج فعلاً. ومن المفارقة أن يكون عناد غادة، ليس إيمانها، هو ما يعينها على اجتياز الاختبارات الصعبة، وأن تساهم رحلتها في عودة من أخطؤوا في حقها عن أفعالهم واكتشافهم ذواتهم، فكأن رحلتها كانت في اتجاهين ولأكثر من غرض، ليس الإيمان أبرزها بل الطهارة، أي الاستقامة الأخلاقية التي لا تعني التديّن بالضرورة.

"رحلة 404" فيلم متوسط المستوى أو أعلى قليلاً، فهناك مشكلات في بناء السيناريو خاصة في نهايته، وتزاحم غير مبرر للاختبارات والأحداث، لكن ذلك لا يمنع من التنويه بأداء منى زكي، وأظنه ارتفع بمستوى الفيلم.

 

العربي الجديد اللندنية في

24.06.2024

 
 
 
 
 

"فتاة بيدرو ألمودوفار": معرض يوثّق علاقة المخرج بمدريد

لندن/ العربي الجديد

تحوّلت قصة الحب التي تجمع المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار بمدينة مدريد محوراً لمعرضٍ الجديد، يقام في العاصمة التي ظهرت في جميع أفلامه الروائية، بحسب وكالة فرانس برس.

وجاء معرض "مدريد، فتاة ألمودوفار"، الذي انطلق في 12 يونيو/ حزيران الحالي يستمر حتى 20 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في مركز كوندي دوكي الثقافي، بالتزامن مع مرور 50 عاماً على بدء بيدرو ألمودوفار مسيرته السينمائية في مدريد عام 1974. ضمّ المعرض 200 صورة من مجمل أفلام المخرج الروائية البالغ عددها 23، بالإضافة إلى دفاتر ملاحظات وأغراض سينمائية وأوّل كاميرا اشتراها.

وقال المشرف على المعرض، بيدرو سانشيز، والذي ألف كتاباً عن علاقة المخرج بالمدينة، لوكالة فرانس برس: "قصة بيدرو ألمودوفار ومدريد هي قصة حب متبادل، وبيدرو ألمودوفار هو بيدرو ألمودوفار بفضل مدريد". أضاف: "لقد ردّ ألمودوفار إلى مدريد ما قدمته له المدينة عبر كونها مصدر إلهامه"، مشيراً إلى أنّ أول اتصال للعديد من الأجانب بالثقافة الإسبانية ومدريد كان من خلال أعمال المخرج.

وأظهر رسم بياني معروض للجمهور النسبة المئوية من أحداث أفلام ألمودوفار المصوّرة في مدريد، وتراوحت النسبة من 6% فقط في فيلم "ذا سكين أي ليف إن" عام 2011، والذي يدور حول جراح تجميل يسعى للانتقام من الشاب الذي اغتصب ابنته، إلى 100% في سبعة أفلام، من بينها الفيلم الكوميدي الرومانسي "نساء على حافة الانهيار العصبي" عام 1988، والذي حقق له انطلاقة عالمية.

بين المقابر والحانات

انتقل بيدرو ألمودوفار عام 1967 إلى مدريد، قادماً من قرية صغيرة في كاستيا لا مانشا، وسط إسبانيا، خلال السنوات الأخيرة من حكم الديكتاتور الجنرال فرانكو. على الرغم من أنّه كان يبلغ 17 عاماً آنذاك، إلّا أنّه لم يشعر بالغربة أبداً، كما قال في تصريح سابق.

بعد وفاة فرانكو عام 1975، صار المخرج جزءاً رئيسياً من الحركة الثقافية في مدريد التي أطلق عليها اسم "لا موفيدا"، والتي شهدت كسر الفنانين للعديد من المحرمات التي فرضت في الحقبة السابقة.

قال بيدرو سانشيز إن ألمودوفار مثل مدريد، يتمتع بشخصية "متمردة ومتعددة الأوجه وناقدة ومنفتحة وممتعة وعالمية وودودة". ضمّ المعرض خريطةً لمدريد تحمل إشارات إلى 272 موقعاً ظهرت في أفلامه. عادةً ما يميل المخرج الإسباني الأكثر شهرة إلى تجنب المعالم الشهيرة، مفضلاً مناطق الطبقة العاملة مثل فاليكاس وأماكن مثل المستشفيات وسيارات الأجرة والحانات والمقابر حيث يمارس الناس حياتهم اليومية.

وكان قد صوّر أحد أكثر مشاهده شهرة خارج واجهة المبنى الذي يستضيف المعرض، وذلك في فيلم "ذا لو أوف ديزاير" عام 1987، حين يقوم عامل نظافة في الشارع برش المياه على الشخصية التي أدّتها كارمن ماورا في ليلة صيفية حارة بناءً على طلبها.

بيدرو ألمودوفار "المتبنى"

اشتهر بيدرو ألمودوفار باستخدام الألوان الزاهية، والتي قال إنها "طريقة للانتقام" من سنوات دكتاتورية فرانكو "الرمادية"، بحسب سانشيز.

فاز المخرج البالغ من العمر 74 عاماً بجائزة أوسكار لأفضل سيناريو أصلي عن فيلمه "توك تو هير" عام 2002، والذي يدور حول رابطٍ غير متوقع ينشأ بين رجلين ينتظران استفاقة صديقتهما من الغيبوبة. كما سبق أن حصل على جائزة أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية عن فيلم "أول أبوت ماي ماذر" عام 1999 عن امرأة تكافح أثر الموت المفاجئ لابنها المراهق.

وزار بيدرو ألمودوفار المعرض قبل افتتاحه للجمهور في 12 يونيو، وقال: "هذه هي حياتي".

في نهاية الجولة بالمعرض، يُعرض مقطع فيديو لجزء من الخطاب الذي ألقاه ألمودوفار عندما أعلنته بلدية مدريد في عام 2018 "ابناً بالتبني" للمدينة. قال: "لقد أتيت في الأساس للهروب من القرية، والتحضر قليلاً ثم الانتقال للعيش في باريس أو لندن، ولكننّني من دون أن أدرك بقيت هنا"، مضيفاً: "الآن أستطيع أن أقول إنني وشخصياتي سوف نستمر في العيش هنا".

 

العربي الجديد اللندنية في

25.06.2024

 
 
 
 
 

بذرة التين المقدسة” الفيلم الإيراني في مسابقة مهرجان كان

أمير العمري

كل هذه الشخصيات مستلهمة من أناس حقيقيين. كل هذه المشاهد جاءت من مواقف حقيقية. وكل هؤلاء الناس الذين عرفوا الشرطة السرية في إيران سيمكنهم التعرف على هذه الأماكن. هذه الممرات. القصة قريبة من الواقع كثيرا جدا جدا”.

كانت هذه كلمات المخرج الإيراني المعروف محمد رسولوف (52 سنة) عند مناقشة فيلمه الجديد “بذرة التين المقدسة” The Seed of the Sacred Fig في مهرجان كان السينمائي، حيث حصل على جائزة خاصة من لجنة التحكيم.

قصة صراع رسولوف مع السلطات الإيرانية ربما تستحق وحدها فيلما مستقلا، لكن فيلمه الجديد الذي استمده من تجربته في الاعتقال والتحقيق والسجن، ليس بعيدا عن تجربته الشخصية، فهو شعوره بالغضب على النظام الذي يقمعه ويقمع الشعب الإيراني منذ سنوات. إنه يكشف في هذا الفيلم، من خلال منهجية صارمة، كيف يصنع النظام زبانيته، وكيف يتحول الفرد الذي يكرس نفسه لخدمة النظام، إلى أداة طيعة بحيث يمكن توجيهه وتوجيه طاقة العنف التي شحن لها، ضد أقرب الناس إليه.

ولكن قبل الدخول في تفاصيل الفيلم، يجب أن نتوقف أولا أمام التجربة المريرة لمحمد رسولوف مع السلطات الإيرانية. ففي عام 2010 اعتقل بتهمة تصوير فيلمه “المروج البيضاء” من دون تصريح، وحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات، ثم أطلق سراحه بعد تخفيف الحكم عليه إلى عام واحد.

وفي عام 2017 صادرت السلطات جواز سفره ومنعته من مغادرة البلاد، ثم اعتقل مجددا في 2022 حيث قضى عدة أشهر في المعتقل. وأخيرا، في 2024 بعد أن أكمل تصوير فيلمه الأخير في إيران “بذرة التين المقدسة”، مورست ضغوط شديدة عليه لسحب الفيلم من مهرجان كان، ولكنه كان قد نجح في تهريبه إلى الخارج، وعندما علم بصدور حكم بسجنه لمدة ثماني سنوات مع عقوبة الجلد، والغرامية المالية، قرر مغادرة البلاد سرا،

لم يكن أحد يعرف أين ذهب، إلى أن ظهر فجأة وسط دهشة الجميع في مهرجان كان الأخير، وحضر العرض العالمي الأول لفيلمه ثم المؤتمر الصحفي الذي عقد لمناقشة الفيلم مع الصحفيين، وقال إنه قام بتصوير الفيلم سرا في الفترة بين أواخر ديسمبر الماضي حتى مارس من العام الجاري، وعندما علم بصدور الحكم بسجنه، قرر مغادرة إيران بمساعدة أصدقائه، وتمكن من الذهاب إلى ألمانيا.

ترجع كل متاعب رسولوف مع السلطات الإيرانية إلى جرأة أفلامه التي يوجه خلالها النقد الشديد للنظام الحاكم، منذ فيلم “المروج البيضاء” (2009) ثم “لا تحرق المخطوطات (2013)، “لا وجود للشيطان” (2018)، وأخيرا فيلمه الجديد الذي يعتبر العمل الأكثر وضوحاً وقوة، في تعرية وإدانة النظام، فهو يبتعد عن التورية، ويعتمد على دراسة شخصية الرجل، ابن النظام القمعي، كيف تتطور شخصيته، ويتم إخضاعه لكي يصبح أداة قمع حتى لأقرب الناس إليه.

في فيلمه الجديد ينتقل رسولوف بين ثلاثة أساليب مختلفة ويسهب كثيرا ويدخل في تفاصيل كثيرة تجعل الفيلم يمتد لما يقرب من ثلاث ساعات.

هذه الأساليب الثلاثة هي: أسلوب الدراما الاجتماعية السياسية، عن مأزق قاضي التحقيق الطموح الذي يؤمن بالنظام ويريد أن يترقى في ظله ويصعد اجتماعيا وانعكاس هذا على علاقته بأسرته، ثم أسلوب الفيلم الوثائقي، مع استخدام اللقطات الحقيقية المصورة من الواقع، التي توثق للمظاهرات التي شهدتها طهران في ضوء ما أثاره موت “مهسا أميني” في 16 سبتمبر 2022 بينما كانت بين أيدي الشرطة، ثم ينتقل في الثلث الأخير من الفيلم إلى أسلوب سينما الإثارة والرعب، ليصور تحول الشخصية الرئيسية إلى الجنون التام والشروع في الفتك بضحاياه من أقرب أقربائه، على نحو يذكرنا بفيلم “البريق” The Shining لستانلي كوبريك.

يبدأ الفيلم ببطله “إيمان”، وهو قاض التحقيق في المحاكم الثورية الذي ترقى حديثا إلى ذلك المنصب. إنه يؤدي الصلاة في شقته بالعاصمة طهران، ثم يعرب لزوجته “نجمة” عن شعوره بالاضطراب والقلق بسبب ما يريد رئيسه في العمل أن يفرضه عليه، أي إدانة متهم وإصدار الحكم بإعدامه، من دون حتى أن يفحص ملف القضية. فهو يشعر بأن هذا يتعارض مع قيمه الدينية.

زوجته “نجمة” مؤمنة تماما بالنظام، وهي تسانده وتشجعه وتدعمه وتشد من أزره باستمرار، كما أنها، من ناحية أخرى، سعيدة بما وصل إليه بعد عشرين عاما من العمل الدؤوب في خدمة النظام، وأصبح ينتظر ترقيته إلى منصب القاضي مما يمكن أن يكفل لهم الانتقال إلى منزل كبير، والحصول على دخل أكبر يتيح لهم شراء السلع والأجهزة المنزلية التي لا تتوفر لهم، مع استمرار تعليم الابنتين: الكبرى، “رضوان” التي تدرس في الجامعة، والصغرى “سناء” وهي لاتزال في بداية الدراسة الثانوية.

ينصحه زميله في العمل “غدير” بتنفيذ ما هو مطلوب منه على الفور، ومن دون تردد، والحكم بإعدام المتهم، وألا يتقاعس كما تقاعس سلفه مما أدى إلى فقدانه منصبه.

لبعض الوقت يخوض “إيمان” صراعا نفسيا في داخله بسبب وطأة المهمة المنوط بها وتعارضها مع قيمه الأخلاقية، لكنه سيحسم أمره تحت وطأة إغراء بالصعود الاجتماعي، وعدم رغبته في التضحية بمسيرته الوظيفية التي استمرت 20 عاما. وستتكفل الضغوط الخارجية التي ستنشأ على أرض الواقع، بدفعه نحو التشدد والمغالاة.

تندلع مظاهرات الطلاب في شوارع طهران بعد مقتل مهسا أميني التي اعتقلت بسبب رفضها ارتداء الحجاب. وتتابع الابنتان، رضوان وسناء، الصور واللقطات العديدة التي تبثها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي صورت بكاميرات أجهزة الهواتف المحمولة. ويستخدم رسولوف الكثير منها لتصوير عنف الشرطة في تعاملها مع المتظاهرين.

إيمان” يدين المظاهرات ويقول إنها مدفوعة من جانب أعداء الدولة. وعندما تستهجن ابنته رضوان كلامه وتسأله عمن يكون هؤلاء “الأعداء” لا يملك إجابة، وهي ترفض أيضا “الهراء” الذي تبثه وسائل الإعلام الرسمية في نشرات الأنباء التليفزيونية التي لا تكف عن إدانة المتظاهرين والإدعاء بوقوف قوى أجنبية وراء المظاهرات.

رضوان” تريد استضافة زميلتها “صدف”، وهي طالبة جامعية جاءت من الريف إلى طهران، ولو لليلة واحدة فقط إلى حين أن تتدبر أمرها لكن أمها ترفض وتعارض بشدة، فقد أصبح لزاما على القاضي وأسرته الآن التدقيق كثيرا فيمن يتردد عليهم، والبعد عن أي صلة يمكن أن تثير الشبهات حرصا على إطاعة السلطات التي منحت إيمان أيضا مسدسا لحماية نفسه وأسرته، وهو ما يثير فزع زوجته “نجمة”.

توافق نجمة على استضافة رضوان لصديقتها صدف لليلة واحدة على أن تنصرف في الصباح مع إخفاء الأمر على إيمان، لكن بعد انصرافها ستصاب “صدف” بطلق ناري في وجهها وتنزف بغزاة وتصبح عرضة لأن تفقد إحدى عينيها. وهي تلجأ إلى منزل الأسرة مما يفزع نجمة فزعا شديدا، لكنها رغم ذلك، تقوم بنزع الشظايا التي اخترقت وجهها وعينها، وتقدم لها بعض الإسعافات، فليس من الممكن – كما تقول رضوان- إرسالها إلى المستشفى وإلا اعتقلت. وسيتعين عليها أن تمضي لتواجه مصيرها وحدها في الخارج.

نحن الآن في قلب المأزق السياسي العام في علاقته بالمأزق الشخصي أو العائلي لإيمان وزوجته وابنتيه: لقد أخفوا عليه وجود صدف من الأساس، كما أخفى هو عن ابنتيه طبيعة وظيفته الجديدة وما يقوم به، ولكنه سرعان ما يواجه مشكلة أخرى تهز كيانه وتهدد مستقبله الوظيفي، فهو يكتشف فقدان مسدسه. أين ذهب المسدس وهو الذي تركه في مكان ما “داخل الشقة؟

يأتي أحد أكثر مشاهد الفيلم براعة وتأثيرا بعد اكتشاف ضياع المسدس، فرسولوف الذي كتب سيناريو فيلمه، يعرف كيف يصوغ بمهارة كبيرة، التحول الذي يطرأ على شخصية “إيمان”، وكيف ينمو ويتصاعد شعوره بالبارانويا، ويفيض شعوره بالشك في جميع أفراد عائلته.

وبناء على نصيحة “غدير” زميله في العمل، يتفق مع محقق محترف خبير، معروف بطرقه الخاصة في انتزاع الاعترافات، يدعى “عليرضا” أن يقوم هذا الرجل باستجواب أفراد أسرته الثلاثة: نجمة ورضوان وسناء. ولكنه يطمئنهم من أنه لن يكون هناك تصوير، لكن سيتعين عليهم وضع قناع فوق عيونهم. وفي منزل عليرضا يتم الاستجواب في مشهد مبتكر تماما وجديد على السينما. فالرجل يكتب السؤال في ورقة ويناولها للشخصية التي تجلس أمامه ثم ينهض ويبتعد عنها، وهي لا تراه لأنها معصوبة العينين، لكن بوسعها أن تكتب على الورقة التي يناولها إياها إجابتها عن الأسئلة. لكن هذا الاستجواب الغريب الذي استمده رسولوف من تجربته الشخصية، لا ينتهي إلى شيء. أين ذهب المسدس إذن؟ سيظل هذا السؤال محور الجزء الثالث والأخير من الفيلم.

أصابع الاتهام من طرف إيمان، تتجه نحو ابنته الكبرى، رضوان، الثورية التي تبدو شديدة التضامن مع الطلاب المتظاهرين، وتريد أن تخرج وتنضم إليهم لكن الأم “نجمة” تمنعها كما تمنع شقيقتها من مغادرة الشقة، أما نجمة، فقد بدأت تتجه بشكوكها إلى زوجها نفسه، فلابد أنه وضع المسدس في مكان خارج المنزل. ومع ازدياد التوتر والضغوط، يبدأ الجميع في تبادل الاتهامات: رضوان تتساءل لم لا تكون أمها هي التي أخفت المسدس، كما تشير إلى احتمال أن يكون والدها قد اختلق الأمر برمته، وتكرر براءتها خصوصا أنها وشقيقتها سناء، لم تعرفا أصلا عن وجود المسدس في البيت..

سوف تستبد شكوك إيمان، أكثر بعد أن يبلغه زميله في العمل أن عنوانه تسرب إلى المعارضين الذين نشروه على شبكة الانترنت، وأصبح بالتالي عرضة للانتقام مع أفراد أسرته. وهنا يطالبهم إيمان جميعا بحزم بعض الأمتعة ومغادرة طهران معه فورا، والذهاب الى منزل عائلته القديم المغلق، الواقع في منطقة ريفية جبلية.

من هنا يتغير أسلوب الفيلم، ويدخلنا رسولوف في أجواء الإثارة والتشويق والتوتر، بداية من المطاردة التي تقع على الطريق حيث يتعقبه البعض، ويصورونه، ويشعر هو بالرعب فيسعى للتخلص من مطارديه، ويكاد يشتبك مع أحدهم. وكان قد منح أيضا من زميله في العمل مسدسا بديلا بصفة مؤقتة، ليصبح في الفيلم مسدسان، واحد مختفي، سيظهر لكي يختفي، ثم يعاود الظهور، والمسدس البديل الذي يحمله إيمان.

 وفي هذا الجزء الطويل المليء بالالتواءات والاستطرادات، سندخل في قلب عمل أقرب في الصياغة والأسلوب إلى الأفلام الأمريكية خصوصا أفلام الرعب، فالهوس الذي يستبد بإيمان يدفعه أولا إلى التحقيق بنفسه مع كل واحدة من أفراد أسرته الثلاثة باستخدام وتصوير كل منهن بكاميرا فيديو، ومع تصاعد الشك في نفس الرجل يقوم بحبس الثلاثة، كل واحدة في غرفة، ويرفض إطلاق صراحهن، ويصادر هواتفهن المحمولة، وهنا تتيقن الزوجة من بلوغ زوجها مستوى من الجنون، فتفقد ثقتها فيما يفعله وتصبح أقرب إلى ابنتيها فتتعاون معهما من أجل كبح جماحه بعد أن تتمكن سناء من الفرار واطلاق سراح شقيقتها وأمها.

وتبدأ مطاردة بين الجميع في الظلام، خارج المنزل، ويظهر المسدس المفقود، ونصبح أمام لعبة المراهنة على من سيتمكن أولا من الإيقاع بمن. والنهاية ستأتي على نحو رمزي بما يشير إلى أن النظام على وشك أن يشهد نهايته.

رسولوف يدين بطل فيلمه ويعري جبنه وخضوعه الذليل لوظيفته وللنظام الذي صنعه، ويكشف كيف أصبح أداة طيعة، يخالف القانون، ويتغاضى عن القيم الدينية والأخلاقية مقابل حماية منصبه ومصالحه والنظام الذي ينتمي إليه، كما يدين سياسة القمع التي يمارسها النظام ضد معارضيه من طلاب الحرية

يتعمد رسولوف، ربما للمرة الأولى في فيلم إيراني، إظهار النساء الثلاث في الفيلم من دون غطاء الرأس، خصوصا عند وجودهن داخل المنزل، وهو ما يحدث في الواقع، ورغم ذلك ليس مسموحا به في السينما الإيرانية حسب قوانين الرقابة.

وفي مشهد آخر نرى إيمان يقود سيارته أثناء عودته إلى منزله. يتوقف عند إشارة مرور، ويلمح إلى جواره سيارة تقودها امرأة جذابة، عارية الرأس، ذات شعر قصير، تستمع إلى أغانٍ راقصة وموسيقى صاخبة، فيتطلع إليها في غضب لكنها تحق في وجهه في سخرية وتحدٍ، وذلك في إشارة إلى حالة التمرد التي بدأت تتبدى بين النساء في إيران.

بذرة التين المقدس” قد لا يكون أفضل أفلام محمد رسولوف بسبب انحرافه في اتجاه الإثارة ومحاكاة الفيلم الأمريكي من نوع “ثريللر” على نحو يجعله يخرج عن الموضوع الأساسي، والسعي لتحقيق نهاية ميلودرامية مبالغ فيها كثيرا، إلا أنه يظل، رغم ذلك، عملا شديد الجرأة والشجاعة ووضوح الرؤية، في تصويره القوي المؤثر لكيف يصنع النظام الديكتاتوري وحوشا يفقدها مشاعرها الطبيعية وقيمها الأخلاقية، لا تتورع عن الفتك بأقرب الناس إليها.

ومن المؤكد أن من أهم عناصر الفيلم، ذلك الأداء المؤثر الواثق من جانب مجموعة الممثلين جميعا: ميساغ زاره في دور إيمان، وسهيلة غولستاني في دور نجمة، ومهسا روستامي في دور رضوان، وسيتاره مالكي في دور سناء، الذين بدوا جميعا متماثلين تماما مع أدوارهم، يؤدونها عن قناعة وحماسة، لقناعتهم بالفيلم نفسه وبموضوعه، وباعتبارهم أيضا جزءا من حركة المعارضة.

في المؤتمر الصحفي، صرح رسولوف بأن الممثلة سهيلة غولستاني (التي قامت بدور الزوجة نجمة) والمعروفة بمشاركتها في المظاهرات المناهضة للنظام وسبق اعتقالها وسجنها، وزميلها الممثل ميساغ زاره (الذي قام بدور إيمان)، لم يتمكنا من مغادرة إيران وحضور عرض الفيلم في مهرجان كان. وقد رفع هو صورتي الاثنين لتذكير العالم بما يمكن أن يتعرضا له هناك الآن.

هذا المقال نشر أولا في موقع الجزيرة الوثائقية

 

موقع "عين على السينما" في

28.06.2024

 
 
 
 
 

مارتن سكورسيزي يستعد للأوسكار بفيلم إيطالي

البلاد/ طارق البحار

من المقرر أن يصور المخرج القدير مارتن سكورسيزي فيلما وثائقيا في صقلية  عن حطام السفن القديمة في البحر الأبيض المتوسط والذي سيعيد المخرج الحائز على جائزة الأوسكار إلى بوليزي جينيروسا، البلدة الصغيرة التي ولد فيها أجداده من الأب

ويستند المشروع الذي يحمل عنوانا إلى بحث أجرته عالمة الآثار الأمريكية ليزا بريجيز، وهي أستاذة وباحثة في جامعة كرانفيلد في إنجلترا.  بريجيز متخصص في علم الآثار الأرضية والمغمورة بالمياه، و-تحديدا- في استخدام الأدوات العلمية بما في ذلك تحليل الحمض النووي على القطع الأثرية التي تم انتشالها من مواقع حطام السفن القديمة، لإعادة بناء قصص السفن والبحارة والبضائع والتجارة البحرية في العالم القديم.

"لقد رحبنا بالمبادرة بحماس"، قال فرانشيسكو باولو سكاربيناتو، مستشار صقلية للتراث الثقافي، لوكالة الأنباء الإيطالية ANSA.  وأضاف أن سلطات الجزيرة "توفر جميع المواقع والمتنزهات الأثرية ذات الصلة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية المشروع”.

أكدت عدة مصادر أخرى أنه من المتوقع أن يبدأ التصوير هذا الصيف على فيلم سكورسيزي الوثائقي الراقي الذي تشارك في إنتاجه إدارة الثقافة الإقليمية في صقلية ولوحة Sikelia Productions للمخرج -جنبا إلى جنب- مع Sunk Costs Productions في المملكة المتحدة  مع المنتج الأمريكي تشاد أ. فيردي ("الأيرلندي")؛  وشركة LBI Entertainment ومقرها لوس أنجلوس.

سيتم تصوير وثيقة حطام سفينة سكورسيزي القديمة في مواقع صقلية الأرضية وتحت الماء التي تضم مضيق صقلية.  المنطقة المحيطة بمدينة تراباني الساحلية، في الركن الشمالي الغربي من صقلية وماراوسا القريبة، والمعروفة بالاكتشاف الأخير لحطام سفينة غارقة كبيرة يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي؛  في الحدائق الأثرية في سيلينونتي وليليبايوم مارسالا؛  كهوف كوسا، وفي جزيرة بانتيليريا الصغيرة.  وتشمل المواقع المختارة أيضا مصايد أسماك التونة التاريخية في جزيرة فافينانا؛  مستعمرة موزيكا الفينيقية القديمة؛  قرية Erice و Polizzi Generosa التي تعود إلى العصور الوسطى، المدينة الواقعة على منحدر مرتفع على طول المنحدرات الجنوبية لجبال مادومي في صقلية، موطن أجداد المخرج من الأب، تيريزا وفرانشيسكو سكورسيزي، قبل أن يهاجروا إلى نيويورك في مطلع القرن.

في منشور على فيسبوك، أعلن عمدة بواليزي جينيروس غاندولفو ليبريتزي أنه يعمل بهدوء مع موظفي سكورسيزي لأكثر من عام وأضاف أن الوثيقة "ستكون فرصة" لمنح سكورسيزي الجنسية الفخرية للمدينة الجميلة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 3000 نسمة والمعروفة بوجود مقبرة هلنستية، قلعة من القرون الوسطى،  كنائس جميلة، ولكونها مسقط رأس دومينيكو دولتشي من مصمم الأزياء الثنائي دولتشي وغابان.

 

البلاد البحرينية في

17.07.2024

 
 
 
 
 

{بذور التين المقدس} لمحمد رسولوف

مبارك حسني

أن تستمر سينما المؤلف الإيرانية في حصد الجوائز والتنويهات، فهذا أمر صار مألوفاً وعادياً، منذ عقود، لكن الذي يهم في العمق، هو ما تثيره من نقاش كبير حول إيران، كبلد، وخاصة كنظام سياسي، وغالباً ما يكون ذلك في إطار نقاش عام أكبر وأشمل، يخص المقاربة السينمائية الخاصة بها المجددة للخطاب السينمائي. ويخص أيضاً كيف {تظهر وتتجلى} السينما كتعبير وكتصور مثيرين للعاطفة وللفكر معا، كانعكاس لتصور المخرج المبدع، الذي له رؤية شخصية للعالم والانسان.

هي من تحدد اختيارات مواضيعه، وطرق اشتغاله الفني في مضمار الفن السابع، كسينما مؤلف أصلاً.  

وشريط "بذور التين المقدس" لمحمد رسولوف، لم يحد عن القاعدة، إذ طغى النقاش في الصحافة الفرنسية المتخصصة،  عن الطابع السياسي لموضوعه، والموسوم بمواقف سياسية غربية معروفة، كما على المسار "النضالي" للمخرج، الذي لا يتحرج في ممارسة السينما بما هي وسيلة للشهادة والتسجيل والتوضيح، سياسيا ومجتمعيا وثقافيا، وأداء ضريبة ذلك من حياته وهنائه.

وتكفي قراءة ملخص الفيلم للتأكد من ذلك. حيث نرى محامياً تمت ترقيته، فتكفل بمهمة قاضي تحقيق في المحكمة الثورية، التي تصدر الأحكام السالبة للحرية وللحياة أحياناً، وهو ما سمح لزوجته وابنتيه بالانتقال إلى الشقة ذات الأربع غرف التي طالما رغبن فيها. هذا في الوقت الذي بدأت فيه حركة احتجاجية شعبية ضخمة في البلاد. يؤدي مهامه الصعبة، لكن الصراع المجتمعي ما لبث أن انتقل إلى منزله وأسرته، بين ابنتيه من جهة وزوجته من جهة أخرى. في خضم ذلك، يختفي سلاحه الوظيفي. نحصل هنا على موتيف سينمائي يؤسس للحبكة الواجبة. وهكذا يحضر الفعل السينمائي، وتتم مساءلته. وهذا هو الأهم، في آخر المطاف.
الذروة الدراميَّة

صحيفة "لوبوان" ترى بأن الفيلم هو "مأساة أسرية ممزوجة بالإثارة، غير مدفوعة فقط بقوة أفكارها: بل أيضًا بقوة إخراجها"، وتعده بأنه فيلم "يحمل غضباً وحماساً مُعدياً. ويقدم أفكاراً سينمائية رائعة (فالمطاردة بالسيارات تتفوق على بعض محاولات هوليوود المتواضعة)، ويربطنا بفريقه المدهش بشجاعته (تم تصوير الفيلم بأكمله في السرية)، وفي النهاية، يستدعي تصفيقنا الحار بسهولة، فيلم عظيم"
صحيفة "بوليتيس" رأت بان " كل شيء في فيلم محمد رسولوف له معنى: إخراج متقن يتم غالباً في أماكن مغلقة (الشقة العائلية على وجه الخصوص)، ما يعد استعارة لمجتمع تحت السيطرة؛ الاستخدام المتكرر لمقاطع الفيديو التي يتم تصويرها من قبل أشخاص مجهولين، والتي تُظهر عنف قوات الأمن، ما يدخل الواقع الخام إلى الفيلم؛ الصراعات على التحكم في الهواتف المحمولة، كأداة للحرية أو للسيطرة على الآخر، هو محكم تماماً من البداية إلى النهاية، ويزداد توتراً باستمرار، حتى يصل إلى ذروته الدرامية. محمد رسولوف يقدم عملاً رائعاً وقاسياً، حيث تتناسب القيمة الجمالية مع الأهمية السياسية
."

(عدد  25 / 5  / 2024).

مجلة "بروميير" السينمائية ألقت الضوء على أن قوة الفعل السينمائي البديهية بألق في الشريط " لا تأتي فقط من السياق الخاص المحيط بالفيلم، ولا من موضوعه، بل من القوة الفنية التي يتميز بها من خلال إخراج قاس وسيناريو يتفحص الشخصيات بدقة مذهلة. فبينما يبدو التوجه السياسي لرسولوف واضحاً، يسعى إلى فهم ما يدفع شخصياته حتى النهاية". هنا تتجلى قوة الفعل السينمائي، في تلك العلاقة مع الشخصيات كحاملة كل واحدة على حدة، على حقيقة ما تصارع الحقائق الأخرى. وهو عين ما كتبته صحيفة لومانيتي حيث  الإخراج يظهر تطورا دراميا : "شيئًا فشيئًا، ومع تزعزع الشخصيات بالأحداث التي تؤثر فيها، فتتخلص من قشرتها الاجتماعية، وتظهر وجهها الحقيقي. وجه الرغبة في التحرر للبنات، وجه الحقيقة الذي يمس الأم، ووجه الرعب للأب الأعمى، الذي يعامل أسرته كما يفعل مع السجناء الذين يقعون عادةً بين يديه. يتميز الممثلون بدقة أداء لا تُصدق،  إن تقطيع المشاهد الذي أراده محمد رسولوف وابتكاره في التصوير يعطي هذا الفيلم إيقاعًا متماشيًا مع الموضوع" (عدد 24/05/2024).

أما المجلة السينمائية "دفاتر السينما" في عددها الشهري لمايس الماضي، فقد عدت منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان الأخير لفتة سياسية  " عدها البعض هدية مسمومة، ويمكن تفسيرها على أنها اختزال للفيلم في موضوعه" السياسي لا غير، كعمل تم اخراجه في السرية ووسط المخاطر. ولأن به جرأة، من خلال تصوير أم وبناتها وجهاً لوجه في شقتهم في طهران من دون حجاب، لعدم وجود سبب يذكر للاحتفاظ به، بينما في الأفلام التي سمح بها من قبل، ترتديه الممثلات في جميع  الظروف.

وهكذا، يمكن اعتبار الفيلم محمد رسولوف، الفيلم الذي تم تناوله من حيث قيمته الفنية السينمائية وأيضاً من حيث حمولته السياسية المباشرة. وهو أمر نادراً ما يحدث.  

 

الصباح العراقية في

22.07.2024

 
 
 
 
 

خواكين فينيكس”.. مسيرة المهرج الذي أبكى العالم بضحكته ونال الأوسكار

أسامة صفار

أراد المذيع الشهير أن يتخذ ضيفه نكتة، وأن يجعل إذلاله مادة للضحك في حلقته تلك الليلة، لكن هذا المهرج -الذي تعلم الحقد من قسوة العالم عليه- ارتكب أشد الأفعال جنونا، فأطلق عليه الرصاص في الأستوديو، وكانت الكاميرا تنقل ما يحدث على الهواء مباشرة، ثم أطلق ضحكاته الجنونية، وبكى الجمهور.

لعله المشهد الأشهر في فيلم “الجوكر” (Joker) الذي دفع بالممثل “خواكين فينيكس” إلى القمة، ومنحه جائزة الأوسكار عام 2020، ومع أن المخرج “تود فيليبس” كان له الفضل الكبير في ذلك، فإن أداء “فينيكس” جاء ليثبت البديهة السائدة حول رحم المعاناة الذي يجعل الإبداع فريدا من نوعه.

فقد ولدت قدرة “فينيكس” على التجسيد من ذلك الرحم، الذي بدأ بميراث غامض حول انسلاخ الأبوين والأطفال من طائفة دينية، بعد اكتشافهم لحقيقتها، ثم الموت المأساوي للأخ الأكبر الذي كان ملء السمع والبصر.

اركض إلى الإنقاذ بسلام، وسيتبعك الحب

ريفر فينيكس”.. صدمة توقف قارب الفن إلى حين

بصوت مرتعد، يتحدث مراهق لم يتجاوز عمره 19 ربيعا، من هاتف عمومي أمام أحد النوادي الليلية في لوس أنجلوس، إلى موظف الطوارئ في النجدة، طالبا سيارة إسعاف، لأن أخاه أصيب بنوبة غريبة، ويكاد يتوقف عن التنفس.. كان “خواكين فينيكس” الصغير يستغيث طالبا إسعاف لأخيه الممثل الموسيقي “ريفر فينيكس”.

ريفر فينيكس” هو صاحب العبارة التي اقتطفها أخوه “خواكين” اثناء تسلمه جائزة الأوسكار

شعر موظف الطوارئ أنها ليست مكالمة عادية لإنسان يطلب إسعافا لإنسان آخر، بل إنسان يعيش كابوسا حقيقيا ويستغيث للخلاص منه، وأنه إذا كان هناك خطر على حياة إنسان ما، فهو بلا شك خطر على حياة ذلك المتصل.

مات “ريفر” بعد وقت قصير، وكان يومئذ لم يتجاوز 23 عاما، ومع ذلك فقد رُشح لجوائز الأوسكار و”الغولدن غلوب” وغيرها.

ومع أن أخاه الأصغر “خواكين” المراهق كان معروفا نسبيا في عالم الفن حينها، فإن الرحيل المأساوي لأخيه الممثل الشهير أوقف مسيرته كلها، فترك كل شيء، واعتزل التمثيل مؤقتا خلال هذه الحقبة التي قضاها في الحزن والتأمل، ولعل ذلك ما أضفى على أدائه -فيما بعد- عمقا عاطفيا خالصا.

تقلبات الطفولة.. أمواج ترسم معالم الموهبة القادمة

لم تكن تلك مأساة وفاة “ريفر” التي ملأت حياة “خواكين” حزنا هي الوحيدة التي مر بها، فقد وُلد في عائلة من الفنانين والمبشرين في جماعة “أبناء الله” الدينية، وسافر والداه “أرلين” و”جون بوتوم” أسفارا كثيرة مع أطفالهما في أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة.

لكنهم في النهاية تركوا تلك الطائفة، حين خاب أملهم فيها وفي ممارساتها، وغيروا لقبهم إلى “فينيكس”، محاوِلين تغيير معالم الماضي والبدء من جديد، وقرر الأطفال الخمسة بعدها المبادرة بالعمل والخروج إلى الحياة، فخاضوا تجربة تقديم العروض في شوارع لوس أنجلوس لدعم الأسرة، واستعرضوا مواهبهم في الغناء والرقص.

وكان من الطبيعي أن تطبع تلك التحولات والمنعطفات الحادة في حياة “خواكين” آثارها على شخصيته أولا، ثم على أدائه الذي بدا كأنه طبخة سوّيت على نار هادئة.

حصد “خواكين” ذو الشخصية الغامضة 11 جائزة عن أدائه في 15 فيلما، ومن بينها جائزة أوسكار أفضل ممثل في عام 2020، وذلك عن أدائه المذهل في الجزء الأول من فيلم “الجوكر”، وهو يستعد لتصوير الجزء الثاني منه حاليا.

خواكين فينيكس”.. بداية مبشرة في عالم التلفزيون والسينما

كانت انطلاقة “خواكين” الأولى المهمة في سن مبكرة، عندما ظهر في بعض المسلسلات التلفزيونية الشهيرة، منها مسلسل “سبع عرائس لسبعة إخوة” (Seven Brides for Seven Brothers) الذي عُرض عامي 1982-1983، ومسلسل “هيل ستريت بلوز” (Hill Street Blues) الذي عُرض ما بين 1981-1987.

الجوكر”، الفيلم الذي صعد بـ”خواكين فينيكس” للأوسكار

وقد تميزت مسيرته المهنية المبكرة بتعاونه مع أخيه الأكبر “ريفر”، وكان “خواكين” يُعرف في البداية باسم “ليف فينيكس” في عدد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام خلال الثمانينيات، وهو اسم اعتمده مؤقتا ليتناسب مع أسماء إخوته التي تحمل طابع الطبيعة، لكنه غيّره بعد عودته للتمثيل.

وفي فيلم “الأبوة” (Parenthood) عام 1989، أظهر أداء يشي بممثل واعد، وأبرز إمكاناته الفنية القوية، مع أنه لم يكن يومئذ قد تجاوز 15 عاما.

المصارع”.. إشعاع لامع في سماء النجومية

عاد “خواكين” إلى التمثيل في منتصف التسعينيات، وتخلّى عن اسم “ليف” واستعاد اسمه، وقد حظي أداؤه بإعجاب النقاد في عدة أفلام، منها “أن تموت في سبيله” (To Die For) الذي أخرجه “غاس فان سانت” (1995)، و”تحقيق الأبوت” (Inventing the Abbotts) الذي أخرجه “بات أوكونر” (1997).

ومع ذلك، فإن أداءه لدور “كومودوس” في ملحمة “المصارع” (The Gladiator) للمخرج البريطاني “ريدلي سكوت” (2000)، هو ما دفعه إلى النجومية العالمية، وقد أكسبه تجسيده لدور الإمبراطور الروماني المتعطش للسلطة ترشيحا لجائزة الأوسكار، عن فئة أفضل ممثل مساعد، وأثبت أنه موهبة هائلة في هوليود.

السير على الخط”.. دور موسيقي أسطوري يخطف استحسان النقاد

شهد العقد الأول من الألفية تقديم “فينيكس” سلسلة من العروض القوية، ففي فيلم “علامات” (Signs) الذي أخرجه “أم. نايت شيامالان” (2002)، لعب دور لاعب بيسبول سابق في دوري البيسبول الثانوي، فأضفى على الدور ضعفا وقوة في آن واحد.

ثم استمر تعاونه مع “شيامالان” في فيلم “القرية” (The Village) الذي أخرجه عام 2004، فجسّد شخصية “لوسيوس هانت”، وهي شخصية تتميز بالعزيمة والشجاعة.

وكان أكثر أدواره تحولا في فيلم “السير على الخط” (Walk the Line) الذي أخرجه “جيمس مانغولد” (2005)، فقد جسّد دور الموسيقي الأسطوري “جوني كاش”. وكان التزامه بالدور واضحا، فتعلم عزف الغيتار والغناء، وأدى جميع الأغاني في الفيلم، وقد أكسبه ذلك استحسان النقاد، ونال جائزة “غولدن غلوب” عن فئة أفضل ممثل في فيلم موسيقي أو كوميدي، ثم رُشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل.

اعتزال التمثيل والتفرغ للموسيقى.. مشروع فيلم ساخر

نجح “فينيكس” نجاحا مبهرا في عالم السينما، لكنه كثيرا ما أعرب عن عدم ارتياحه لزخارف الشهرة، وقد تجلى ذلك بشكل صارخ في إعلانه اعتزال التمثيل عام 2008، لمتابعة مهنة موسيقى “الهيب هوب”.

لكنه كشف عن حقيقة ذلك فيما بعد في جزء من مشروع فيلم ساخر بعنوان “ما زلت هنا” (I’m Still Here)، من إخراج صهره “كيسي أفليك” (2010).

وقد طمس الفيلم الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال، وأظهر التزام “فينيكس” باستكشاف حدود مهنته ونظرة الجمهور إليه.

السيد”.. فاتحة أفلام قوية تنعش المسيرة السينمائية

انتعشت مسيرة “فينيكس” المهنية بسلسلة من العروض التي نالت استحسان النقاد بعد عودته. ففي فيلم “السيد” (The Master) الذي أخرجه “بول توماس أندرسون” (2012)، قدم “فينيكس” دورا مؤثرا لـ”فريدي كويل”، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية، ويعاني من صدمة نفسية وإدمان الكحول.

فيلم “السيد”، قدم “فينيكس” دورا مؤثرا لـ”فريدي كويل”، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية

وقد أكسبه هذا الدور ترشيحا آخر لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل. واستمر تعاونه مع المخرج “أندرسون” في فيلم “نائب أصلي” (Inherent Vice) الذي أخرجه عام 2014، وقد لعب دور المحقق الخاص الأشعث المحبوب “دوك سبورتيلو”.

وفي فيلم “هي” (Her) للمخرج “سبايك جونز” (2013)، قدم “فينيكس” أداء رقيقا ودقيقا في دور “ثيودور تومبلي”، وهو كاتب وحيد يقع في حب نظام تشغيل ذكاء صناعي. وقد استكشف الفيلم موضوعات الحب والعزلة والتكنولوجيا، وكان أداء “فينيكس” محوريا في صداه العاطفي.

الجوكر”.. عصارة التجربة التي حصدت جائزة الأوسكار

كان دور “فينيكس” الأشهر حتى الآن في فيلم “الجوكر”، وقد جسّد شخصية “آرثر فليك”، وهو ممثل كوميدي فاشل ينحدر إلى الجنون، ويصبح شرير سلسلة “باتمان” (Batman) الشهيرة، وجاء أداؤه مروعا ومُحدثا للتحول في آن واحد.

فينيكس” يتسلم الأوسكار عن فيلم “الجوكر

فقد “فينيكس” قدرا كبيرا من وزنه من أجل هذا الدور، وانغمس في العذاب الجسدي والنفسي للشخصية، وقد حظي أداؤه بإشادة واسعة النطاق، وأكسبه جائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل، ونال أيضا جائزة “غولدن غلوب” وجائزة “بافتا”.

ولم يكن دور “الجوكر” مجرد دور محدد لمسيرة “فينيكس” المهنية فحسب، بل كان أيضا ظاهرة ثقافية، فأثار نقاشات حول الصحة النفسية والإهمال المجتمعي.

حماية الحيوان.. أنشطة إنسانية خارج الشاشة الكبيرة

بعيدا عن أعماله السينمائية، يعرف “فينيكس” بنشاطه في مجال حقوق الحيوان والقضايا البيئية. وبما أنه نباتي منذ وقت طويل، فقد استخدم منبره للدفاع عن الرفق بالحيوان، فعمل مع منظمات حقوقية مثل “بيتا” (PETA) المدافعة عن حقوق الحيوانات.

يعرف “فينيكس” بنشاطه في مجال حقوق الحيوان والقضايا البيئية

كما شارك أيضا بصوته في الفيلم الوثائقي “أبناء الأرض” (Earthlings) الذي أنتج عام 2005، ويكشف عن معاناة الحيوانات في مزارع المصانع والبحث العلمي وغيرها من الصناعات.

ويُعرف “فينيكس” في حياته الشخصية بطبيعته المنعزلة في كثير من الأحيان، وهو متزوج من الممثلة “روني مارا” منذ عام 2016، وقد أطلق على طفله الأول اسم “ريفر”، تكريما لأخيه الراحل.

 

الجزيرة الوثائقية في

24.07.2024

 
 
 
 
 

دعوة المخرج الإيراني بهرام بيضائي للانضمام إلى عضويَّة الأوسكار

نجاح الجبيلي

يعد المخرج الإيراني الشهير بهرام بيضائي (ولد عام 1938) من بين 487 عضوًا في مجتمع السينما العالمي الذين تمت دعوتهم من قبل أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (الأوسكار) للانضمام إلى صفوف عضوية الجهة المنظمة لجوائز الأوسكار. وذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) أن بيضائي، تلقى دعوة من فرعي المخرجين والكتاب في الأكاديمية.

بيضائي هو واحد من الأشخاص الثمانية الذين تمت دعوتهم من قبل أكثر من فرع بوصفه أيضاً كاتب سيناريو

ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى في قائمة هذا العام الممثلات: جيسيكا ألبا، وساندرا هولر، وجريتا لي، وليلي جلادستون، وكيت مارا، وكاترين أوهارا، بالإضافة إلى صانعي الأفلام: أليس ديوب، وسيلين سونج، وإس إس راجامولي، وبوتس رايلي، وإيما سيليجمان، وديفيد. ييتس من بين آخرين كثيرين.

وقال الرئيس التنفيذي للأكاديمية بيل كرامر والرئيسة جانيت يانغ في بيان مشترك: "يسعدنا أن نرحب بدفعة الأعضاء الجدد لهذا العام"، "لقد كان لهؤلاء الفنانين والمهنيين الموهوبين بشكل ملحوظ من جميع أنحاء العالم تأثير كبير في مجتمع صناعة الأفلام لدينا."

والجدير بالذكر أن بهرام بيضائي، 85 عامًا، هو من جيل  صانعي الأفلام في "الموجة الإيرانية الجديدة"، وهي حركة سينمائية بدأت في أواخر الستينيات بإيران. ويتشارك مخرجو هذه" الموجة الجديدة" في العديد من التقنيات الشائعة بما في ذلك استخدام الحوار الشعري، والإشارات إلى الفن والثقافة الفارسية التقليدية، ورواية القصص المجازية التي غالبًا ما تتعامل مع القضايا السياسية والفلسفية. وقد ساعد بيضائي، المعروف بالفعل بعمله الرائد كمخرج مسرحي أيضاً، في تحفيز عصر جديد من السينما الإيرانية

 ويعد فيلمه الطويل الأول "هطول أمطار" الذي تم إنتاجه عام 1972 أحد أنجح الأفلام الإيرانية على الإطلاق. ومن أفلامه الأخرى: "الغريب والضباب" (1974)، "الغراب" (1976)، "أغنية تارا" (1979)، "باشو الغريب الصغير" (1986)، "ربما مرة أخرى" (1988)، "المسافران" (1992)، "قتل الكلاب المجنونة" (2001)، و"عندما نكون جميعاً نائمين" (2009).

نُشرت مسرحياته وسيناريوهاته، بالإضافة إلى دراساته في مختلف المجالات، في أكثر من سبعين كتابًا. يحظى أسلوبه بالتقدير في الكتابة الخالصة واختيار الشخصيات والقصص الفارسية الأسطورية. وأدى بحثه عن تاريخ المسرح الإيراني إلى نشر "دراسة عن المسرح الإيراني" عام 1965. كما أنه أول باحث إيراني ينشر كتباً عن المسرح في اليابان والصين. وقد تُرجمت بعض مسرحياته إلى عدة لغات (منها اللغة العربية بعنوان "محكمة العدل في بلخ" وصدرت عن سلسلة ابداعات عالمية في الكويت) وعرضت في العديد من البلدان.

 وتتأتى أهمية أفلام المخرج المخضرم بهرام بيضائي ليس من كونه يرصد الواقع الاجتماعي الإيراني وحسب، إنما يفلسفه أيضاً، وهذا ما جعل خطاب أفلامه إشكالياً، بل ومرفوضاً في ذلك الزمان، حيث حرب الثمانينيات العبثية التي أكلت الأخضر واليابس في بلدين جارين، وهذا ما جسده  فيلمه "باشو ..الصغير الغريب"(1986) الذي يتحدث عن أسى الحروب، إذ يقتفي أثر طفل عربي أحوازي أسمر ينجو بأعجوبة من  قصف طال منزله وقتل أسرته، فيهرب في شاحنة ويجد نفسه – وهو ابن الجنوب- في أقصى شمال إيران يختفي في مزرعة امرأة لديها طفلان تجاهد من أجل إدامتها، تجده المرأة التي لا تعرف لغته، وتقرر حمايته، تثور القرية ضدها فهو عربي وأسمر، لكنها تتشبث به وتدافع عنه باعتباره طفلاً إنساناً، بغض النظر عن لغته وانحداره القومي، تضمه إلى أسرتها وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها الطفل بالتكيف مع حاضنته الجديدة، إلا أنه يتعلم اللغة المحلية ويرتبط بالسيدة التي حنت عليه بعلاقة إنسانية هائلة ويكون سنداً لها.

هذا الفيلم الذي يبلغ زمن عرضه 120 دقيقة، ومنعته الرقابة لأربع سنوات بسبب ظروف الحرب، عالج أسى الحروب وانعكاسها على الناس، فضلاً عن تركيزه على قدرة المرأة الإيرانية على تجاوز الصعاب رغم شدتها من دون أن تفقد إنسانيتها.

و"باشو.. الصغير الغريب" كتب السيناريو له ومنتجه بيضائي ووضع الموسيقى التصويرية له فيروز ملك زادة، بينما جسد دور الطفل باشو بتلقائية عدنان عقراويان، و قدمت سوسن تسليمي أداءً باهراً بدور "نعيمة" المرأة القوية التي آوت باشو ودافعت عنه.     

 

الصباح العراقية في

29.07.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004